الماعون -1-

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أرأيت الذي يكذِّب بالدين  * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين * فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون﴾ [الماعون]
صدق الله العظيم
في هذه السورة المباركة نجد مبدأً أساسيًا من مبادئ الإسلام وعميقًا في حياة الإنسان، يكشف عن الترابط بين الإيمان وبين الاهتمام بالشؤون العامة الاجتماعية. وفي ذلك رد واضح على الذين يظنون أن الإنسان يتمكن من أن يكون مؤمنًا متدينًا، ولكن دينه وإيمانه لا يتجاوزان علاقاته مع ربه، ولا يصلان إلى علاقاته مع المجتمع.
وهذا المفهوم يكشفه القرآن الكريم في هذه السورة بصورة واضحة، فيقول: ﴿أرأيت الذي يكذِّب بالدين﴾، هل ترغب أن ترى الذين يكذبون بالدين، ويخطِّئون رسل الله، ويكفرون بأديان الله ورسالات الله؟ ﴿أرأيت الذي يكذِّب بالدين﴾، فإذا تريد أن ترى هذا الموجود فانظر، ﴿فذلك الذي يدُعّ اليتيم﴾. فهذا مصداق واضح للذي يكذب بالدين؛ ومعنى دعّ اليتيم: طرد اليتيم.
ومفهوم الآيتين المباركتين أن الذي يطرد اليتيم، ويحرم اليتيم حقه، هذا هو الذي يكذِّب بالدين، تعبيرًا عن الترابط العميق بين الدين وبين الاهتمام بشؤون الأيتام، وبين الإيمان وبين الاهتمام بشؤون المتعبين؛ فلا يمكن أن يبقى الإنسان متدينًا ويطرد اليتيم.
ثم تتابع السورة المباركة فتقول: ﴿ولا يحض على طعام المسكين﴾، فلا يمكن الإيمان بالله وطرد الأيتام، وعدم الاهتمام بإطعام المساكين وشؤونهم العامة.
ثم تضيف السورة المباركة: ﴿فويل للمصلين﴾ حتى الذين يصلون ويعتقدون أنهم أدّوا واجبهم، هؤلاء لهم الويل في حالات ثلاث:
الأولى: ﴿الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾، فأولئك الذين لا يهتمون ويستهترون بصلاتهم، ويستخفون بواجباتهم الدينية، ويعتبرون أن الصلاة عمل ثانوي تابع في حياة الإنسان.
والثانية: ﴿الذين هم يراؤون﴾، يصلون رئاء الناس، ولأجل الناس، ولأجل إظهار وجودهم وكسب ثقة الناس بالنسبة إليهم.
ثم الفئة الثالثة من المصلين الذين لهم الويل هم الذين ﴿يمنعون الماعون﴾. والماعون، تعبير عن الزكاة، أو عن الصحون، أو كل ما يحتاج إليه الإنسان.
والمقصود بالآية حسب الظاهر، وحسب ما ورد في التفاسير أن الذي يمنع جاره من إعطاء حاجته: عندما يكون الجار محتاجًا إلى شيء، فطلب من جاره ذلك، وكان الرجل مستغنٍ عن هذا الشيء، ولكن امتنع عن مساعدة جاره بالماعون، فهذا مصداق يمنعون الماعون. فالذي يصلي، ولا يبالي بحق جاره، ويل له.
وهكذا نجد أن القرآن الكريم يحاول أن يربط ربطًا وثيقًا بين الإيمان بالله وبين خدمة اليتيم والمسكين، وبين قبول الصلاة وبين مساعدة الجار، والاهتمام بأمر الجار.
وهذا المفهوم ظاهر في الروايات التي وردت عن النبي الكريم وعن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، حيث أن الحديث الشريف يقول: "ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانًا وجاره جائع"[1]، ينفي وجود الإيمان بالله واليوم الآخر -هذا الحديث- مع تجاهل شؤون الجار ومع عدم المبالاة بأوضاع الآخرين.
فإذًا، لا يمكن أن يكون الإيمان إيمانًا حقيقيًا، والصلاة صلاة حقيقية إذا تجردت عن الاهتمام بشؤون الآخرين. وهذا يؤكد أن الإيمان بالله لا يمكن أن ينفصل عن محبة الناس والاهتمام بشؤون الناس والسعي لخدمة الناس.
وبناءً على ذلك، فالإيمان في منطق الإسلام ليس إيمانًا تجريديًا، لا يتجاوز القلب، بل إيمان يعيشه الإنسان في علاقاته مع الآخرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________
[1] وسائل الشيعة، ج17، ص209.

source
عدد مرات التشغيل : 2