الماعون -3-

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين * فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون﴾ [الماعون]
صدق الله العظيم

لقد سبق وتحدثنا في الحلقة السابقة أن الإيمان بالله والتدين له بعدان، بعدٌ نحو السماء معناه الإيمان والالتزام والإسلام لله رب العالمين، وبعدٌ إلى الأرض يتلخص بالاهتمام والخدمة للإنسان. وقلنا أن النصف الأخير من السورة يدعم هذه الصيغة، هذه القاعدة شكل ثابت، وها نحن أمام الآيات الأخيرة من هذه السورة المباركة فنقرأ: ﴿ويل للمصلين﴾. إن الصلاة رغم شأنها العظيم، عندما تقترن مع بعض المفارقات إذا افترقت عن بعض نتائجها، لا شك أنها تدعو بالويل لمصليها فمن هم هؤلاء الذين تصبح صلاتهم ويلًا لهم؟
﴿الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾ ويتعود على السهو في الصلاة، بتركه للصلاة أو بإخلاله بالصلاة. لا شك أن السهو في الصلاة إذا صدر عن ضعف أو خطأ، فليس فيه عيب ولا خطيئة. بل المقصود من الآية أولئك الذين يتعودون السهو بإهمالهم للصلاة، وبتجاهلهم للصلاة وباحتقارهم للصلاة.
هذه الطبقة من الناس الذين يصلون ولا يحترمون صلاتهم ولا يستفيدون من صلاتهم بإهمالهم، لا يمكن أن تُقْبل صلاتهم. ففي الأحاديث أن الأئمة وكبار الصحابة نقلًا عن رسول الله، أن كلاً منهم كان يوصي الآخر بالاهتمام بالصلاة وبعدم إهمال الصلاة، لأن الصلاة هذه الفرصة الكريمة النادرة التي وفرها الله تعالى للإنسان فجعله متشرفًا بأنه يتحدث مع الله ساعة يشاء. عندما يوفر الله هذه الفرصة للإنسان، ثم يتجاهل الإنسان هذه الفرصة، فالويل له، لأنه عطشان، يجد نفسه أمام الماء ولا يشرب. وهذا هو من سوء حظ الإنسان عندما يجحد الفرص ويتنكر للسبل التي تتوفر له في حياته.
أما الشخص الثاني الذي يقول القرآن الويل له رغم صلاته، ﴿الذين هم يراؤون﴾ أيّ أولئك الذين يمارسون صلاتهم، يصلون رئاء الناس، ولجلب توجه الناس لإبعاد الشك أو لجلب الثقة أو لجلب الاحترام من الناس.
فالصلاة إذا صدرت رئاءً تبعد الإنسان عن الله ولا تقرّبه منه. والسبب واضح، فالصلاة فعل نابع عن إرادة ونية وهدف. وعندما يصدر عن هدف فعلًا، فالفعل هذا يقوي الهدف. فإذا كانت الصلاة تقربًا إلى الله، ورغبة في التقرب إلى الله وفي معرفته، فالصلاة تقرب الإنسان وتحقق الهدف خطوة بعد خطوة. أما إذا كانت الصلاة من أجل اجتذاب الناس، لا من أجل التقرب إلى الله، فهذه النية، أيّ الدافع، الذي هو الرغبة في الاقتراب من الناس، يقوى بالصلاة، ويصبح الآخرون في نفس الإنسان بمنزلة المعبود. وهذه الصلاة تبعد الإنسان عن الله، كما أن الصلاة الصادرة عن القربة تقرّب الإنسان إلى الله.
أما الفئة الثالثة: فهم أولئك الذين ﴿يمنعون الماعون﴾. والماعون عبارة عن كلّ عون يقدّم للإنسان الآخر، من جار أو صديق أو رحم أو ابن بلد. فعدة الشغل ووسائل العيش وكلّ خدمة يمكن أن يقدمها الإنسان لأخيه، فهو الماعون.
القرآن الكريم يقول: المصلي، الذي يمنع أخاه المعونة والمساعدة، حتى ولو كانت جزئية وصغيرة، فالويل له. ومعنى ذلك أن الصلاة وهي عبادة وتوجه إلى الله، عندما تقترن مع تجاهل للناس فتدعو الصلاة بالويل على هذا الإنسان.
وهنا نصل إلى نتيجة ما ورد في صدر الآية، فالسورة في أولها تؤكد عدم الفصل بين الإيمان باللّه والاهتمام بالإنسان، وفي ذيلها تفرض الربط بين الصلاة وهي العبادة لله، والخدمة للناس. فلا يمكن الفصل بين الحب والإيمان باللّه، والحب والاحترام للإنسان، سيما المعذبين. كما لا يمكن الفصل بين عبادة الله وبين خدمة الإنسان المحتاج على الأرض. وبذلك نجد صورة متكاملة في الإيمان وفي الفعل، وردت خلال هذه السورة المباركة التي نسأل الله أن يوفقنا لمتابعتها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source
عدد مرات التشغيل : 2