الكوثر -1-

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إنّ شانئك هو الأبتر﴾ [الكوثر]
صدق الله العظيم
هذه السورة المباركة التي تعتبر أقصر السور القرآنية على الإطلاق، تضم الكثرة والامتداد والخلود. فقد وردت عندما عاتب وشامت بعض المشركين والأعداء، رسول الله (ص) بعدما مات إبناه "القاسم" و"الطاهر". فقال: لقد أصبح محمد أبتر، يموت فتموت رسالته ومهمته. وقد عبَّر بعضهم عن ذلك صريحًا وبعضهم بكنايات شائنة، وبعضهم كان يحفظ هذا الشعور في قلبه.
ومنشأ الشعور والشماتة أن العرب كانت تعيش نظامًا قبليًا، فرسالة "محمد" في مقياسهم رسالة تبقى بوجوده أو بوجود أبنائه، أما إذا كان له بنات أو لم يكن له من أولاد، فرسالته تموت بموته.
هذا التعبير أدخل بعض الحزن على قلب رسول الله (ص) سيما عندما انتشر الخبر، وكان يخشى على معنويات أصحابه عندما يسمعون هذا الأمر، فلا يراهنون على الأمر الباقي. عندها نزلت الآية الكريمة التي تأتي في نهاية هذه السورة لتقول: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾.
أما أنت يا "محمد" فكما تقول بداية السورة: ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ والكوثر كما نعلم هو كل شيء كثير (فوعل) من كثر. والكثرة لرسول الله، تشمل كل شيء من ذكره وأثره وأبناء أمته، ووجوده وآثاره، ومؤسساته، وتأثيره في التاريخ؛ كل ذلك معنى الكوثر، وكل هذه المعاني متوفرة لدى الرسول (ص) بعناية الله تعالى. ولذلك فعليه أن يشكر الله، ويصلي لربه كما يأمره القرآن الكريم.
ويضيف ﴿وانحر﴾ أي إرفع يديك إلى موضع النحر، بمعنى التكبير ورفع اليد. ولا شك أن رفع اليد هذا تكليف وسنَّة من الله، ولعل سرَّه كما يقول بعض الباحثين أننا عندما نرفع اليدين إلى حد النحر، نشير إلى أن جميع العالم، ما عدا الله، نرميه وراء ظهورنا ونتوجه إلى الله تعالى. فعندما يؤمر النبي بالصلاة وأن ينحر، فمعنى ذلك أنه يلتزم ويرتاح ويطمئن إلى الله تعالى، ويترك كل شيء في سبيله.
إذًا، إنا أعطينا الرسول الكوثر، فعليه أن يصلي لله ويرفع يديه للتكبير أو النحر بمعنى ذبح الأضحية والصدقة، وعند ذلك فمن واجب الرسول تجاه نعمة الله تعالى أن يصلي وأن يتصدَّق بما ينحر يوم العيد في الحج، أو في غيرهما. ولكن تناسب الآية عندما تختم السورة المباركة بها فتقول: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾ تناسب هذه الآية يجعل معنى الكوثر معنى يتناسب مع مفهوم الأبتر، وعند ذلك، فمعنى الكلمة أننا يا رسول الله، رغم أنه مات أولادك... أبناؤك وبقي لك البنات سيما "فاطمة"، وسوف تكون ذريتك ونسلك منها كثيرًا كثيرًا. فقد ورد في الحديث أن الرسول (ص) كان يؤكد أن "الحسن" و"الحسين" إبناه من صلب "علي" وكان يسميهما "ولداه". يقول في الحديث: الحسن والحسين إبناي "إمامان قاما أو قعدا"[1].
ولذلك فذرية الرسول بكثرتها تنفي ما ادعاه الشامتون من أنه الأبتر، وبالإضافة إلى ذلك، فإن أثر النبي، وأمته بعض آثاره، فقد ورد في الحديث الشريف: أنه قال إنه أب لهذه الأمة. وفي حديث آخر: "أنا وعلي أبوا هذه الأمة"[2].
وباعتبار أن الذرية أثر وتربية وبقاء للإنسان، فأمة "محمد" على كثرتها، بقاء لرسول الله ورفض لمفهوم الأبتر. وتأثيره أيضًا على الحياة، تأثيره على الحضارات والثقافات، وما أكثر هذا التأثير، معنى آخر للكوثر.
إذًا، إن عدو "محمد" هو الأبتر، أما هو فأثره وذريته وذكره وخلوده، كثير وكثير جدًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________________________________

[1] - بحار الأنوار، ج36، ص325.
[2] - تفسير الإمام العسكري، ص330.

source
عدد مرات التشغيل : 208