رئيس الهيئة التنفيذية في حركة امل الحاج محمد نصرالله: المقاومة يجب أن تبقى حتى تحرير آخر حبة تراب من الأراضي اللبناني
بين تموز 1975 وتموز 2006 سنوات عديدة من المقاومة والمواجهة والإنتصارات. وما قبل الخامس من تموز مرحلة تدريب وتجهيز استعداد سري إلى حين انفجار عين البنية وإعلان الإمام موسى الصدر لولادة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" في خطوة استباقية لأي اعتداء إسرائيلي. وما قبل تاريخ تموز 2006 ليس كما بعده، فهذا النصر المؤزّر الذي أحرزته المقاومة- حركة أمل وحزب الله- وهزيمة اسطورة الجيش الذي لا يُهزم دفع بالعدو الإسرائيلي بالتفكير ملياً قبل أن يرتكب حماقة أخرى كحماقاته السابقة في الإعتداء على أرضنا الطاهرة في ظل وجود قوة بحجم قوة المقاومة اليوم.
التأسيس للعمل المقاوم والإنتصار على يد الإمام موسى الصدر، ودخول حزب الله المعادلة وتعاظم قوة المقاومة وصولاً إلى حرب تموز 2006 وانتصار الرابع عشر من آب هي العناوين العريضة التي رسمت مضمون لقاءنا مع رئيس الهيئة التنفيذية في حركة أمل الحاج أبو جعفر نصر الله.
بدايةً كيف كانت انطلاقة العمل المقاوم مع انطلاقة حركة امل؟
الرأي العام اللبناني يعلم، ويجب ان نكرر للأجيال الجديدة قصة المقاومة ونشوءها على يد الإمام موسى الصدر حماية للمقاومة من أي مشروع تزوير برزت معالمه في أكثر من محطة. فلقد حاول الكثيرون أن ينسبوا المقاومة لغير مؤسسها الحقيقي، ولكن على الأقل أهل المقاومة اليوم، وبشكل أساسي حركة أمل وحزب الله، يجمعون على ان هذه المقاومة أنشأها الإمام الصدر. لنشوء المقاومة قصة معقدة ولكن باختصار، المقاومة نشأت على مراحل: أول مرحلة ثقافية خلال عقد السيتينات. من خصائص هذه المرحلة أن استشعر الإمام الصدر بخطر الإحتلال الإسرائيلي ورغبته باحتلال الجنوب وضمه إلى أرض فلسطين المحتلة كجزء من "إسرائيل الكبرى" التي تقع بين النيل والفرات وصولاً إلى جنوب لبنان شمالاً. وكان لدى الإمام الصدر يقيناً أن "إسرائيل" ستحتل لبنان وبالتحديد في عام 1969 حين صرخ صرخة مدوية قائلاً: "إني أرى بعيني الخطر على الجنوب" لقد كان متيقناً من ذلك نتيجة دراسات معمقة بأهداف العدو الصهيوني في تلك الآونة، لذلك بدأ بإنشاء المقاومة ثقافياً من خلال خلق إرادة المقاومة عند الناس من منطلقاتها الدينية والوطنية... وخلق ثقافة وطنية كاملة للمقاومة والتي تجسدت في الكثير من الشعارات التي يرددها الشباب اليوم في الإحتفالات والمناسبات مثل قوله "إذا التقييم العدو الإسرائيلي فقاتلوه باسنانكم وأظافركم وسلاحكم مهما كان وضيعا" وعندما قال قبل أن يحتل العدو الجنوب "إذا احتلت إسرائيل الجنوب سأخلع ردائي وأصبح فدائي..." وغيرها الكثير من الأقوال والشعارات.
ما هو الدور الذي لعبه الإمام موسى الصدر في التأسيس للانتصارات ثقافياً ثم تنظيمياً؟
انتقل الإمام موسى الصدر من المرحلة الثقافية إلى المرحلة التنظيمية والتي تحددت بالتمام عام 1973 عندما قال "لا نقبل أن تحتل إسرائيل أرضنا ثم ننشئ مقاومة لتحرير الأرض، سنؤسس المقاومة لنمنع الإحتلال ونتحدى العالم" فقد كان يرى في تحدي "إسرائيل"- المتبناة من قبل العالم- تحدي للعالم الذي تبنى مشاريعها ومخططاتها. لذلك بدأت المرحلة وتجسدت عملياً في السابع عشر من شهر آذار عام 1974 يوم نجح بتحويل المهرجان الشعبي الأضخم في تاريخ لبنان الحديث حتى ذلك الوقت، في بعلبك، من مهرجان شعبي إلى مؤتمر تخلله قسم متبادل بينه وبين الناس على المسير باتجاهين: اتجاه رفع الحرمان واتجاه الإستعداد لمواجهة العدو الإسرائيلي وكرر ذلك في الخامس من أيار عام 1974 في مهرجان صور الذي يمكننا تسميته أيضا المؤتمر الشعبي الثاني في صور. وكان سماحته يحضر للمؤتمر الشعبي الثالث والأخير في بيروت لإطلاق المقاومة بشقيها الإجتماعي والعسكري، الإجتماعي من الداخل لبناء بيئة مقاومة محصنة إجتماعياً وقادرة على المواجهة والثبات. أما المقاومة العسكرية فبدأها الإمام الصدر في النصف الثاني من عام 1974 حيث بدأت عمليات التدريب والإستعداد لمواجهة العدو الإسرائيلي ولكن الإستعدادات في المدة كانت سرية، وكان لي الشرف بأن تدربت في إحدى ملاجئ التدريب في بيروت بإطار التحضير للمقاومة السرية. لقد كانت سرية لأن المقاومة هي مقاومة ضد "إسرائيل" ولم يكن من الحكمة- لا بل من السذاجة- أن نقاتل إسرائيل بمخيم تدريبي قادرة على الوصول إليه والقضاء عليه. لذلك كان التدريب هو بنية إنتاج كم كبير من المقاتلين وبالتحديد خمسة عشر ألف مقاتل- كما كان يريد الإمام الصدر مجهزين تجهيزاً كامل، التجهيز الثقافي الفكري أولاً ثم التجهيز التنظيمي ثم التجهيز العسكري والأمني. وسارت عمليات التدريب إلا أن وصلنا يوم لخامس من تموز عام 1975.
في أجواء ذكرى الخامس من تموز وانفجار عين البنية، كيف انتقلت المقاومة من السرية إلى العلنية؟
في الخامس من تموز عام 1975 وأثناء قيام دورة تدريبية في منطقة عين البنية لمجموعة من مئة مقاتل، وقع إنفجار لا زلنا حتى الآن لا نعلم إن كان سببه مؤامرة أو صدفة، فاستشهد على إثره 22 أخ وجرح 48 وكان عدد الناجين من الإصابات قليل جداً وكانت هذه أول كوكبة شهداء في تاريخ المقاومة اللبنانية. هنا يستغرب البعض هذا القول لأنه سبق وأن سقط شهداء قبل ذلك سواء على الأراضي اللبنانية أو الفلسطينية، ولكن هؤلاء الشهداء لم يكونوا منخرطين ضمن مقاومة وطنية لبنانية أو ضمن تنظيم معين. هذه المقاومة اللبنانية التي نعيشها اليوم سقط في طريقها أول كوكبة شهداء وشكلت اللبنة الأولى لبرج المقاومة في انفجار عين البنية، لذلك فإن كل من يوقت نشوء المقاومة في العام 1978 و 1982 أو ما قبل ذلك أو ما بعده، هو كلام غير مسؤول لا بل كلام مسيء وأحياناً يحرم الشهداء حقهم كشهداء مقاومة. هؤلاء الشباب الذين سقطوا في عين البنية كانوا يتحضرون لمواجهة العدو الإسرائيلي واستشهدوا أثناء التحضير لقتال هذا العدو في إطار المقاومة اللبنانية التي أسماها الإمام موسى الصدر آنذاك أفواج المقاومة اللبنانية، ووصفهم بأنهم أزهار الفتوة والفداء الذين تحملوا المسؤولية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وهكذا انطلقت المقاومة.
كيف بدأت أولى المواجهات بين المقاومة والعدو الإسرائيلي؟
كان الإختبار الأكبر لهذه المقاومة في الثلاثين في آذار عام 1977 حين دخلت مجموعة من دبابات العدو الإسرائيلي وآلياته الأراضي اللبنانية مجتازة الحدود الدولية ووصلت إلى تلال شلعبون، ما بين الطيبة ورُب ثلاثين، حينها اتخذ الإمام الصدر قراراً بالمواجهة. آنذاك، اعترض الكثير من اللبنانيين- مسيحيين ومسلمين- على دعوة الإمام موسى الصدر بالمواجهة تحت عنوان "العين لا تقاوم مخرزاً" إلا أن الإمام الصدر لم يلتفت إلى ذلك وهو الذي كان يقول للناس "إذا التقيتم العدو الإسرائيلي فقاتلوه بأسنانكم وأظافركم...". صحيح ان حركة أمل آنذاك لم تكن بعد قد أصبحت عصية العود في مواجهة قوة بحجم قوة العدو الإسرائيلي والذي قد كان خارجاً لتوه من هزيمة مجموعة دول عربية دفعة واحدة عام 1967 وهزم عدداً من الجيوش العربية، إلا أن الإمام الصدر لم يأبه وأعطى الأمر. تقدم لقيادة العملية الشهيد الدكتور مصطفى شمران- المسؤول التنظيمي والعسكري الأول لحركة أمل- على رأس مجموعة مؤلفة من حوالى مئة مقاتل، استشهد ستة من عناصرها وفُقد الأخ حسن مشيك الذي لا زال مفقوداً حتى اليوم، كما جُرح حوالى عشرين مقاوماً من تلك المجموعة. ونجحت حركة امل في تدمير أرتال العدو في تلك المحلة مادفع العدو إلى الإنسحاب واستخدام الفوج المجوقل لنقل الآليات المدمرة على الأرض وعادت "إسرائيل" أدراجها خائبة من ساحة المعركة. وكان هذا أول اختار للمقاومة اللبنانية ولكنه كان اختباراً صغيراً بالنسبة للإختبار الثاني الأعظم عام 1982.
(...)
ماذا علق من حرب تموز 2006 في ذاكرة المقاومة؟
المواجهة في تموز كانت نتيجة تعاظم المقاومة التي تنوعت عنواينها، فالفترة التي ذكرناها سابقا كان عنوانها "أمل"وتقدم الأخوة في حزب الله في التسعينات بالقدرة العسكرية لمواجهة العدو الإسرائيلي فأصبح هناك عنوان آخر هو "أمل وحزب الله".هذا لا يُفسد في الودّ قضية لاننا لم نؤمن أبدأً باحتكار شرف المقاوم لنفسنا لا بل نؤمن بأن مواجهة العدو الإسرائيلي واجب على اللبنانيين جمعيا، احزابا ومجموعات سياسية وقوى مناطقية لا فرق، الكل عليه واجب أن يعمل لحماية هذا الكل الذي إسمه لبنان على قاعدة الإمام موسى الصدر "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه".
بين تموز 1975 وتموز 2006 تطورت البنية الأمنية والعسكرية للمقاومة عما كانت عليه حركة أمل في البدايات، إلى "أمل" في مرحلة متقدمة ثم دخول الأخوة في حزب الله مع الدعم الكبير الذي حظيت به المقاومة من الأخوة في سورية والجمهورية الإسلامية في إيران فتعاظمت قوة المقاومة. لذلك نحن لانفصل بين حرب تموز 2006 والخامس من تموز 1975، ففي حرب تموز كانت المقاومة تمارس مقاومتها للعدو الإسرائيلي من موقع متقدم جرى التأسيس له في 5 تموز وتعاظم في 30 آذار 1977 في رب ثلاثين، وتعاظم هذا الموقع أكثر فأكثر عام 1985 ثم عام، 2000 ليصل إلى 2006 بحجمه المتعاظم الذي شهدناه. إذنهو بنيان متكامل في مراحل متعددة له أساس ونقطة انطلاق كانت في 5 تموز 1975، حيث كانت صرخة الإمام موسى الصدر "إذا احتلت إسرائيل الجنوب..." وأيضاً في الستينات عندما قال "إني أرى بعيني الخطر على الجنوب". نقطة الإنطلاق كانت الفكرة والذهاب إلى الإعداد والإستعداد إلى ان بدأت حرب تموز في وقت كانت فيه المقاومة تتكامل لتكون قادرة على الوفاء بالتزاماتها لإلحاق هزيمة كبيرة بالعدو الإسرائيلي. وهكذا، تطورت قدرات المقاومة تطوراً إيجابياً ونجحت في حرب تموز بتحقيق المعجزة. لم يكن في العالم من يتصور غيرنا بأننا سوف ننتصر، ولم يدخل الشك إلى قلبنا ثانية واحدة بأن الإنتصار لن يتحقق لأننا على حق ومن كان على حق كان الله معه، ومن كان الله معه كان منتصراً حكماً. لذلك حققت المقاومة المعجزة بالإنتصار على العدو الإسرائيلي حيث كان هناك رهان عالمي كبيرومحلي في بعض القيادات السياسية في لبنان التي غيرت بقناعاتها انطلاقاً من أن "إسرائيل" سوف تنتصر، وقد عدلت مواقفها وتكيفت مع الواقع الجديد وهو واقع انتصار المقاومة.
(...)