* مقال افتتاحي في جريدة أمل ورسالة العدد الثامن بتاريخ 15 تموز 1977.
...ومرة أخرى بدأ التسابق على السلاح والتدريب والتحصينات!!
يتخرج المدربون زرافات ووحدانًا من مخيمات التدريب في لبنان وفي خارجه، حتى وفي إسرائيل!! وتجارة السلاح وسوق المهربين رائجان.
التحصينات هنا وهناك على قدم وساق. تحت الأرض وفوقها وعلى السطوح، والإعلام الموجه يستمرّ في بثّ السموم في القلوب وفي العقول.
ماذا يُراد بهذا الوطن الصغير وبأهله المعذبين؟؟!
ألا يكفيهم ما دفع من الأثمان الباهظة من شبابه وعمرانه وحياته؟
ألا يكفي في سلامهم وفي أمجادهم وفي قضيتهم ما قدّم لبنان؟
أو ماذا؟ هل بقي للبنان شيء يقدم؟ أو هل ترك لأبنائه ما يتركونه وما يقدمونه ثانيًا؟
ولماذا؟ هل زال خطر التقسيم؟ هل ابتعد الخطر عن الجنوب؟ هل نسينا أن شرارة لبنان تحرقنا وتحرق منطقتنا؟ والعالم ربما؟ هل أصبحت القضية الفلسطينية في أمان؟
أسئلة توجه للآخرين، للمتآمرين، للساكتين على التآمر، للمنتفعين وهم أعداؤنا في الخارج وهم أيضًا، ومع الأسف، تجار السلاح والسياسة في الداخل.
وجواب هؤلاء وأولئك واضح. إنه المصالح والمنافع والأرباح.
أما الحقّ والضمير والإنصاف... فهل يتحدث عنها أحد في هذا اليوم؟ وهل يؤمن بها أحد في هذا العصر؟ هل الحضارة اليهودية ويهودية الحضارة السائدتان في غرب العالم وشرقه والنازعتان لجذور القيم عن القلوب بعد أن نزعتاها عن المجتمعات، هل إنهما تركتا في سلوك الآخرين رحمة أو شفقة أو نبلًا؟!
هذا عنهم، عن المتآمرين والمشجعين والساكتين على المؤامرة.
وماذا عنّا؟ عن اللبنانيين أنفسهم؟ عن الفلسطينيين أيضًا؟ وعن العرب الذين احترقوا بنارنا واكتووا بجمرتنا؟ وعن سورية بالذات؟
ألا تكفينا جميعا تجربتنا المريرة الدامية؟
هل يعتقد أحد منّا أن الانتصار في هذه الحرب ممكن؟!
وهل يسمح العالم بانتصار فئة على الأخرى؟
وهل تتركنا إسرائيل لكي ننهي حربنا الأهلية ولا تدعم الضعيف حتى يقوى على القوي وتستمرّ الحرب؟!
هل نسينا كيف كانت إسرائيل تركز إعلامها خلال الحرب وتصبح كاثوليكية أحيانًا أكثر من البابا، ثم تصبح تقدمية تتمكن من التعايش مع اليسار في الجنوب، ولا تتمكن من التجاور مع الجيش السوري فيه؟
هل نسينا أنها كانت تراقب شاحنات السلاح من البواخر وتحافظ على التوازن في القوة ضمن معادلة دقيقة؟
وبالتالي، هل سمعنا تقرير شيمون بيريز أن إسرائيل في سنة 76 فقط لم تقدم قتيلًا واحدًا في المواجهة؟!
إذًا، ومع استحالة الانتصار بماذا يفكر المستعدون والذين يستعدون؟
وكيف يتفرج المراقبون والمحافظون والحريصون على أمننا؟
الخوف! والخوف، هل هو وراء تصرفاتنا؟ وراء تسلحنا؟ وراء تدريباتنا؟ الخوف ولا القضية!
بل الخوف ضد القضية! فمعركة أخرى قذرة كالماضية تمزق لبنان وتُسْقِطُ الجنوب وتُحطم إمكانية النهوض للبنان، بالإضافة إلى أنها ستغير المعادلات في المنطقة وتبعد السلام العادل عنها.
إذًا، فلنبحثْ في الخوف بصراحة ولنضعْ النقاط على الحروف.
خوف من هنا يقابله خوف من هناك: خوف من الإبادة تدعيه فئة وخوف على قضية تطرحه فئة أخرى، وخوف من الغربة في الوطن تقوله فئة ثالثة، وخوف من الانسحاق تحت أقدام المقاتلين يخشاه الآخرون.
سبحان الله! الفئات متجاورة وبإمكانها أن تكون متحاورة وهي بالفعل بدت تتحاور بصورة تمهيدية. والفئات أيضًا بينها علاقات راسخة مواطنية.
ثم إن شرعية العهد وحكمية الحُكم "بضم الحاء" عنصران جديدان أمام الفئات كلها لم يكونا متوفرين في الجولات السابقة.
فلماذا نؤخر الحوار وندفع الشعب البريء إلى أتون النار؟!
لماذا لا نرحم الوطن والأبناء، ولا نوفر دماء الشباب ولا نبالي بما يحيط بنا؟
إن القيادات التي تعاني الأمرين لإقناع الشعب بالمعركة التي خاضتها وفرضتها عليه، هل ستجد بعد خوض معارك أخرى جوابًا مقنعًا للشعب؟!
هل أنني أصيح في وادٍ؟! هل أن الناس أنفسهم والشباب الذين تدفعهم القيادات نحو الحرب ونحو التزامات الحرب لا يسمعون؟
هل أن الأمهات والآباء لا يفكرون؟ لا يعترضون؟ لا يحتجون؟
هل أن الإنسان الموجود لدى القيادات لا يستيقظ ولا يندم؟ ولا يفكر بعلاج آخر غير التوازن في الرعب؟ ألم يبقَ للبنان ناصح واحد؟
هل نسينا الله حيث نسيناه...!
