ذكرى الغدير

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله محمد وعلى أنبياء الله المرسلين، وسلام الله على آل بيته وصحبه الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
﴿رب اشرح لي صدري * ويسّر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرًا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * وأشركه في أمري  *كي نسبّحك كثيرًا*  ونذكرك كثيرًا * إنك كنت بنا بصيرًا﴾ [طه، 25-35].
يوم الغدير في مفهومه يوم الولاية، والولاية هي المهمة الثانية من مهمتَيْ الرسول الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمهمته الأولى كانت الرسالة، أيّ كان عليه أن يبلِّغ رسالات ربه وأن يعلِّم الناس شريعة الله، وأن يصمّم لهم بناءً على أمر الله تعالى تصميم بناء الإنسان وبناء المجتمع الإنساني. وقد قام بهذه المهمة وأكملها فبلَّغ الناس خلال ثلاث وعشرين عامًا أحكام الله، وأوضح شريعة الله، وأشهدهم على ذلك يوم الغدير فقالوا جميعًا: لقد بلَّغت يا رسول الله.
بلَّغ الأحكام لعامة الناس أو لخاصتهم لا فرق، المهم أنه نقل الحكم من ذمته ومن عهدته ومن فكره إلى الناس، فكان الناس يعلمون كثيرًا من الاسلام. وبعد وفاة الرسول احتاجوا أيضًا إلى أحكام كثيرة، وكان بينهم من يعلم الأحكام من أخصاء الصحابة، وبصورة خاصة كان بينهم عليّ (عليه السلام) باب مدينة علمه ومستودع شريعة الله. فكان يقول... والسيرة شاهدة على مواقف كثيرة، وقفت الأمة لكي تسأل عليًّا وأبناء عليّ من بعده أحكام الله، فكانوا أمناء ورواة عن الرسول في إعلام الشريعة.
أما المهمة الثانية، مهمة الولاية. والولاية واضحة في قوله تعالى ﴿النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم﴾ [الأحزاب، 6] ومعنى ذلك أن إرادة النبي يجب أن تُفَّضل على الإرادة الشخصية وأمر النبي يجب أن يطاع، وتوجيه النبي يجب أن يطبق. يعني أن الله شرّفه بأن يكون حاكمًا على المسلمين، وأن يسمع المسلمون رأيه لكي يتمكن من تكوين المجتمع الإسلامي وبناء الأمة، حتى يخلق مناخًا صالحًا لصياغة الإنسان الكامل، ومجتمعًا يعدل ويحافظ على كرامة الإنسان وعلى حياته وعلى تنمية طاقاته.
استلم النبي هذه المهمة بعد الهجرة، وقام بصياغة المجتمع وبأداء دوره فترة ما بعد الهجرة، فجاء أجله والسنوات العشر قليلة في بناء المجتمع الحديث، لأن المجتمع إلى جانب العقد النفسية لدى كلّ إنسان والعادات الشخصية لدى كلّ فرد، المجتمع ذو روابط متفاوتة متشابكة، لا بد من تصحيح هذه الروابط. يعني الإنسان الجاهلي كان له رؤية معيّنة عن الكون، عن الحياة، عن الموت، عن العمل، عن العائلة، عن المال، عن الأهل، عن الصبي، عن الأنثى، عن كلّ شيء... كان للمجتمع الجاهلي والإنسان الجاهلي رؤية معينة، ثقافة معينة، تفسيرًا معينًا عن كلّ شيء. على محمد أن يغيّر هذه الرؤية وأن يعلّم الإنسان قاعدة التحرك، والحجر الأساس في بناء الإنسان أن يعلم الرؤية الإسلامية. فالكون في مفهومه الإسلامي ماذا؟ والله في رأي الإسلام ما هو؟ والموت والحياة لماذا؟ والإنسان مفطور على الخير أو على الشرّ يجب أن يقول رأي الإسلام فيه. والعمل ماذا؟ والسلامة ماذا؟ والكرامة ماذا؟ والخير ماذا؟ والشرّ ماذا؟
المكاييل والمقاييس يجب أن تتبدل. وبعد ذلك عليه أن يضع العقيدة الجديدة بدلًا من العقيدة الجاهلية، أيّ أن ينظم الإيديولوجية الجديدة حسب مصطلحكم لأجل التحرك.
الإيمان تنكّر لعبادة النفس والذات، رفع شأن الإنسان عن عبادة الأصنام، صدق النبي، عصمة النبي، الإيمان بالآخرة، الإيمان بالمسؤولية في العمل: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره﴾ [الزلزلة، 7-8]. هذه المفاهيم، وهذا الإيمان المعتمد على تلك المفاهيم يجب أن يتغير. وفي الدرجة الثالثة، العمل، العادات، ما هي عادات الإنسان الجاهلية؟ تتغيّر. ما هي أعمال الإنسان الجاهلي؟ يجب أن تتغيّر. وفيما بعد ما هي الأنظمة التي تتحكم بين الإنسان في الجاهلية وأخيه الإنسان يجب أن تؤسس على أساس جديد.
فإذًا، الشغل كثير جدًا والبناء صعب جدًا أكمل النبي تصميمه، وضع النبي خريطته، أعطى النبي وصفته وبدأ يطبّق ذرّة ذرّة، وخطوة خطوة، ولبنة لبنة. فتحريم الخمر مثلًا، ما اكتفى النبي بأن يقول الخمر حرام، بل لأن الخمر عادة متأصلة في النفوس، تملأ الفراغ في المجالس، وتؤنس الإنسان الجاهلي المسكين المعذب، يريد أن يترك الناس الخمر... كان ممكنًا أن يأتي يومًا إلى المسجد فيقول يا أيّها الناس الخمر حرام، ولكن ما اكتفى بذلك. بعد الهجرة وخلال ست سنوات تدريجيًا هيّأ الناس خلال مراحل أربع على ترك الخمر. في المرحلة الأولى، اختلف الناس في جلسة ليلية سكروا فيها، فتنازعوا فبرزت نزعات قبلية عريقة هددت المجتمع الحديث بالانقسام، فتهيأ الجو الذي كان يدين الخمر ويعرف أن الخمرة هي الأساس للمشكلة، فنزلت الآية ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون﴾ [المائدة، 91]. فكثر السؤال وعلَّم الناس أن الإسلام لا يرضى عن الخمر، فجاءت الآية الثانية: ﴿يسألونك﴾ -بعد أن سألوه كثيرًا- ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾ [البقرة، 219].
ثم جاءت في السنة الرابعة من الهجرة، صلاة جماعة قام بها أحدهم وهو سكران، فقرأ السورة المباركة سورة الكافرون التي هي جزء من القرآن، والمسلمون لا يقبلون بالخطأ في حرفٍ واحد ويحتجون على الخليفة إذ حذف واو واحدة من هذه الآية ﴿السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان﴾ [التوبة، 100]. الخليفة عمر بن الخطاب قرأ "السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان"، حذف الواو. قام أحدهم وقال ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ [التوبة، 100]، ثم أخرج خنجره وقال: أقِمْ وإلا أقمناك بهذا المعوّج. لا يسامحون في حرف واحد فكيف إذا قام إمام الجماعة فقرأ سورة "الكافرون" بالشكل التالي: "قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون وأنتم عابدون ما أعبد وأنا أعبد ما عبدتم وأنتم تعبدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين". فإذًا، المسايرات والمساومات والمصالحات قائمة، ولا مشكلة انتهى كلّ شيء أصبحنا إخوة في الباطل. فنزلت الآية الثالثة: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون﴾ [النساء، 43]. وفي السنة السادسة من الهجرة نزلت آية التحريم: ﴿إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾ [المائدة، 90].
هذه المرحلة الأخيرة بعد ست سنوات تكشف طريقة بناء الأمة، تغيير العادة، إعطاء الفكرة خطوة خطوة، ودرجة درجة لأن النبي لم يكن معلمًا فحسب هو وليّ، يريد أن يبني هذه الأمة ويكوّن ذلك المجتمع.
جاء أجل النبي فوجد أن هذه المهمة لم تكتمل، وُضعت الخريطة وبُنيت الحسينية ووصلت الأعمدة إلى قرب السقف أو للطابق الثاني أو الثالث؛ المهندس يريد أن يترك فلا بدّ من أن يكون هناك من يتفرغ ويخلص ويفهم لبناء هذا المجتمع وإكماله. فيوم الغدير قال لهم: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، لأن القرآن يقول بلى. قال: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله".
لماذا عليّ؟ لماذا علي  مكلّف بإكمال البناء؟
لماذا عليّ مكلّف بتكميل الصياغة للمجتمع؟
لماذا عليّ هو الذي إذا وليتم هذا لأخذكم إلى المحجة البيضاء كما ورد في الحديث؟ لأن النبي يعرف... لأن النبي يعرف أن هذا الرجل ليس نبيًا لا يوحى إليه ولكن لا يضع الأمور إلّا في نصابها، لا يسجد لصنم، ولا يخضع لصنم المال، ولا للأصنام في المجتمع، ولا ينحني أمام الأهواء الشخصية ولا الأهواء العائلية ولا الأهواء بين جماعته. سمعتم موقفه من عقيل أخيه، امتنع من أن يعطي من بيت مال المسلمين درهمًا، أو على حدّ تعبيره صاعًا، إلى أخيه عقيل وهو فقير لا يحتاج إلى هذا الدرهم أو هذا الصاع فامتنع من عطائه. وجرَّبه يوم أحد عندما رجع من الحرب، زاره مع جمع من أصحابه فوجده كمزقة من اللحم، على جسمه ستًا وثلاثين جرحًا يدخل من أحدها الفتيل ويخرج من الآخر قطعة ممزقة من اللحم مفروشة على النطع على الجلد، هكذا كان عليّ بعد عودته من أحد. في حضوره قال: الجهاد. قال عليّ: وأنا معك يا رسول الله. قال: أبمثل هذه الحالة يا أبا الحسن أو يا أبا تراب... اللقب الذي كان يحبّه من فم الرسول؟ قال له عليّ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لو حملوني على الأكتاف لما تركتك لحظة.
فإذًا، هذا الرجل لا يفكر في نفسه، ولا يفكر في أخيه، ولا يفكر في شيء سوى الحقّ. يفكر بالحقّ، ويحبّ بالحقّ، ويعمل بالحقّ. شاهده الرسول يوم الأحزاب في واقعة الخندق عندما سيطر على الخطر الأكبر خطر الاحتلال، خطر التعدي على صفوف المسلمين، خطر تحطيم المجتمع عمرو بن عبد ودّ العامري. فتغلب على عمرو وجلس على صدره وأراد أن يقتله فأهان الإمام، فغضب، ثم قام من على صدره وبدأ يمشي خطوات وخطوات حتى هدأ غضبه فرجع وأنهى أمره. وعندما سُئل قال: عندما سبّ أمي وأهانني غضبت، ولكنني ما أردت أن أقتله وأنا غاضب لكي لا أشرك غضبي مع مرضاة الله. فيد عليّ لا تقتل أبدًا إلّا إذا أمرها الله. يد عليّ تقتل تسعمئة يهودي يومًا واحدًا، ولكن يقف عاجزًا باكيًا ضعيفًا أمام أرملة رجع من صفين فوجدها في الشارع والسوق تحمل قربة وتقول: الله يحكم بيني وبين أبي الحسن. فحمل القربة ومشى معها، وقال لها: يا أمة الله ماذا بينك وبين أبي الحسن؟ قالت: قُتل زوجي وعندي أيتام. فذهب معها إلى البيت وأمّن لها المواد والمؤونة وأشعل لها التنور، وعندما أشعل الفرن حسب تعبيرنا وجدته واضعًا وجهه أمام النار، ويقول: ذقْ يا أبا الحسن هذا جزاء من ضيّع الأيتام.
هذه السيرة من لها غير عليّ؟
هذه السيرة من يتمكن من ممارستها غير عليّ؟
هذا التفكير من يحتويه ويفكر به غير عليّ؟
وهذا الحبّ والكره، هذه العاطفة الحقّة في ذات الله من يتمكن من ممارستها غير عليّ؟ ولذلك قال: أنا وعليّ من شجرة واحدة. ولذلك قال: أنت أخي ووزيري. ولذلك قال عنه: أنت مع الحقّ والحقّ يدور معك أينما دار. ولذلك قال: أنا مدينة العلم وعليّ بابها. ولذلك قال: أنا ميزان الأعمال وعليّ  لسانه.
بالممارسة العملية لا بالمسايرة والمحاباة وتقدير ابن عم له، كان لـعليّ ولـمحمد عشرات من أولاد العم كانوا كثر. ولكن اختار عليًّا لأنه هو الذي لا يُدخل في إعطاء الحقّ، وفي منع الحقّ، وفي حفظ الحقوق، وفي صيانة الثغور، وفي توزيع الأموال، وفي تعميم العدالة... لا يشرك أبدًا في ممارسة هذه الأعمال شؤونه الخاصة ورغباته الخاصة ومصالحه الخاصة.
اختاره للولاية، والولاية، هذه المهمة الثانية، في الحقيقة هي ضمانة للمهمة الأولى... لأننا إذا اعتمدنا الرسالة فحسب، وإذا علَّمْنا الإسلام فحسب، وإذا تعلّمنا الحلال والحرام فحسب، فما الضمانة على عملنا بهذه الأحكام؟ وإذا عملنا فما الضمانة على عدم ذوباننا في المجتمع الكافر؟
عندما لا يوجد مجتمع مؤمن منسجم مع الأحكام، الإنسان موجود مدني، موجود اجتماعي يتأثر بمن حوله، يتأثر بالعلاقات التي تحيط به، يتأثر بالتفاعلات الفكرية والعاطفية والعملية مع أبناء المجتمع. فالولاية صيانة للإسلام، وبناء المجتمع الإسلامي حافظ لأحكام الإسلام، وسبب سقوط الإسلام، وانهيار الإسلام وتخلف المسلمين وانحراف الأحكام في العلاقات الإجتماعية، وفي سلوك الأمراء والخلفاء سببه كلّه في عزل الولاية عن الرسالة وفي امتناع الناس عن ممارسة مهمة الولاية واعتمادهم على إطاعة الرسالة.
المجتمع أكبر عامل في تربية الفرد وفي صناعة الفرد: ﴿الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ [العنكبوت، 45]، هذا صحيح ولكن المجتمع الصالح أكثر تأثيرًا في النهي عن الفحشاء والمنكر من الصلاة. ولذلك يقول الحديث: ولو أن رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وحجّ دهره، وتصدق بجميع أمواله ولم يكن ذلك بدلالة ولي الله فلن يقبل الله. ليس محاباةً ولا تفضيلًا وتشريفًا للأولياء، وإنما تعبير عن الواقع لأن الصلاة وحدها، والصيام وحده، والحجّ وحده، والصدقة وحدها، والأخلاق الإسلامية وحدها، والسلوك الشخصي وحده، والإيمان في النفس وحده إذا انعزل عن العلاقات الاجتماعية، إذا انعزل عن المجتمع الصالح الذي يحيط بالإنسان فيصون الإنسان، لا يمكن أن يبقى.
القرآن الكريم يقول ﴿والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ [العصر، 1-3] ليس كافيًأ هذين الشرطين - ﴿وتواصوا﴾ [العصر، 3] وانتبهوا لكلمة "تواصوا" التواصي عمل فردين، عمل المجموعة، عمل الفئة، ﴿الإنسان لفي خسر﴾ [العصر، 2] حتى الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلا الذين ﴿تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ [العصر، 3]. إلا الذين خلقوا مجتمعًا على أساس الحقّ، وحفظوا مجتمعهم بالصبر والصمود والقوة، وجعلوا منه منعة في الصفة الاجتماعية.
فإذًا، الولاية دور الرسول الثاني وصيانة للدورالأول. وقد كُلّف الإمام (عليه السلام) بهذا الدور يوم الغدير وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس ببيعته بإمرة المؤمنين فحدث ما حدث وحصل ما حصل وانتهى.
مفهوم الولاية في هذا اليوم ماذا؟
مفهوم كلمة الحديث الشريف: ولو أن أحد قام ليله، وصام نهاره... إلى آخر الأمر، ما هو مفهومه؟ ما هو مفهوم القرآن: ﴿والعصر  *إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ [العصر]؟
معناه أنه إذا حضرتك تصلي، وتصوم، وتتصدق، وتحجّ، وتؤمن، وتجتنب المحرمات ليس كافيًا. إذا تجاهلت مجتمعك، وإذا تركت مسؤولياتك لإقامة حكمٍ صالح ودعم حاكمٍ صالح وبالتالي خلق مجتمعٍ صالح فأنت ما عملت شيئًا. تركت قسطًا من واجبك، وتركك لهذا القسط يهدد القسط الأول حتى فيك... فكيف بأولادك أو أحفادك وأبنائك؟
المسؤولية الاجتماعية هي المسؤولية الأولى في حياة الإنسان المسلم. ﴿قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى﴾ [سبأ، 46]. أول شيء مثنى، القيام لله جماعيًا أولًا، وفرادى ثانيًا، لماذا؟ لأنه لا بقاء للحكم وللإيمان وللصلاة وللصيام وللخلق دون صلاح المجتمع، وبقاء المجتمع الإنساني الصالح من حولك، مسؤوليتك الاجتماعية مسؤولية كمسؤلياتك الفردية، وأكثر تأثيرًا من مصيرك وفي مستقبلك. هذا المفهوم، في يومنا هذا ماذا يعني؟ عندما يقول الرسول: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ماذا يقصد؟
هل يقصد المخاطَبين فقط بأنهم ملتزمون بتأييد الإمام ونصرة الإمام وانتهى؟ كلا نحن نعتقد أن خطابات الرسول في علم الأصول يقولون، وبإجماع الأمة وحسب نصّ القرآن الكريم وفي سورة الجمعة ﴿وآخرين منهم لما يلحقوا بهم﴾ [الجمعة، 3] هذه الآية واجبات الإنسان اليوم هي واجباته في عصر النبي: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة. عندما يقول: والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ماذا يقصد؟
هل هناك حاجة لـعليّ الشخص والذات بأن ننصره في هذا اليوم؟
عليّ في غنى عنّا، المؤسسات العالمية، والجامعات العالمية، والعلماء في العالم، والكتَّاب في العالم يتحدثون عن عليّ، ويمجدون عليًّا ويقدسون عليًّا حتى أننا إذا جمعنا ما كتب عن عليّ لا أتصور أن أيّة مكتبة في العالم ممكن تحتوي على جميع ما كتب عن عليّ. في أحاديث المعراج ورد أن رسول الله - طبعًا رؤية رمزية - رأى أن جمالًا تحمل كتبًا فعندما سأل عن محتوى الكتب قيل له: الكتاب عن عليّ. هذا الحديث الذي هو رمزي أكثر من واقعيته كالرؤية في المعراج، اليوم إذا أردنا أن نطبق... إذا جمعنا كلّ ما كتب عن عليّ كم تبلغ؟
هل قافلة من الجمال إذا حمّلناها الكتب التي كتبت عن عليّ تحمل ذلك؟ ما أتصور. فـعليّ في سمعته، في شهرته، في مجده، في بقاء ذكره في التاريخ لا يحتاج إلينا أبدًا. هناك من يكتب أحسن منّا، وعليّ أمام الله لا يحتاج إلينا، في آخرته لا يحتاج إلينا... مقامه كبير وعظيم، قدَّم كلّ شيء في سبيل الله فأعطاه الله كلّ ما يشاء. فإذاً، نصرة عليّ، مفهوم الولاية في هذا اليوم هو اهتمامنا بشؤون المجتمع، سعينا لإقامة حكم صالح، الحكم الذي لو كان عليًّا لأقامه، سعينا في سبيل خدمة المجتمع.
نحتفل بيوم الغدير ويحقّ لمن يهتم بشؤون مجتمعه ويبذل كلّ ما في وسعه لأجل إحقاق الحقّ، يحقّ له أن يحتفل بالغدير، ويقول أنا من أتباع عليّ ومن أمة محمد ومن هذا البلد الكريم. والذي لا يريد ذلك، ويقول أنا أفكر في نفسي، ولا أفكر في غيري هذا من أتباع السامري أتعرفون من هو السامري؟ السامري الذي صنع لقوم موسى في غيابهم عجلًا جسدًا له خوار من الذهب.
السامري بعد أن رجع موسى وأدّب قومه ﴿قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس﴾ [طه، 97]. عاش في عزلة بعيدة عن الناس، الذي لا يهتم بشؤون الآخرين يجب أن يعيش في عزلته، يجب أن يقول ﴿إذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس﴾ [طه، 97].  
أما الذي يريد أن يعيش مع الناس يجب أن يأخذ ويعطي، يجب أن يعمل ويُعمل له، يجب أن يعطي ويأخذ كما قلنا. هذا معنى الولاية بالمفهوم الذي نفهمه، ودعنا من الاحتفالات والمظاهر والطقوس فهي لا تعني شيئًا. عشرات ومئات السنوات قلنا مخاطبين الحسين "يا ليتنا كنّا معك" وما كنّا يومًا معه. كافٍ.
نكتفي ويكفي البكاء والتذمر والشكوى والمطالبات يوم العمل يوم الوقفة، ويوم العمل لا يعني يوم التحطيم أبدًا. نحن ابتلينا بهذه المأساة، خلِّنا نحن نعالج المأساة بشيء من الحرمان وتحمّل الصعاب حتى أولادنا لا يعيشون هذا الحرمان، حتى نعيد تاريخ الشيعة مثلما كان، تاريخ الثوار، تاريخ الرفضة، تاريخ المخالفين، تاريخ المعارضين بحقّ. فنخاطب هذا الجيل، ونقول كما يقول الجواهري "ويا واصلًا من نشيد الخلود ختام القصيدة بالمصرع".

source
عدد مرات التشغيل : 7