من هي الأم؟ وما دورها في بناء الطفل؟ وما تأثيرها في تكوين المجتمع الصالح؟ أسئلة يجيب عنها الإمام موسى الصدر في محاضرة: "أثر الأم في تكوين المستقبل"، والتي عرض فيها فعالية المرأة وتأثيراتها في التربية الأولية للطفل، إنسان الغد. بمناسبة عيد الأم نستعيد النص كاملًا:
[...] "خير أولادكم البنات".
والله سبحانه وتعالى أراد أن تكون ذريّته من ابنته فاطمة الزهراء التي عُبِّرَ عنها في القرآن الكريم بالكوثر، ﴿إنَّا أعطيناك الكوثر﴾ [الكوثر، 1]، لأنه حينما مات إبراهيم ابن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال المشركون إن النبي أبتر، يعني ليس له أولاد... وحينما يموت، تذهب رسالته. فالقرآن الكريم يشير إلى هذا بقوله: ﴿إنَّا أعطيناك الكوثر﴾، يعني الخير الكثير والشيء الكثير، أعطيناك الخير: الزهراء (سلام الله عليها)، ذريّة الرسول من نسل الزهراء.
فإذًا، بهذا النوع من التكريم القولي والعملي يريد الإسلام أن يؤكّد ويشدّد حتى يجعل شعور المرأة وثقة المرأة بنفسها كبيرة. بالنسبة إلى أصل المرأة في المجتمع، بلغ النبي من الاهتمام درجة قال: "حُبِّبَ إليَّ من دُنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرّةُ عيني الصلاة". لماذا يشدّد [على] هذا الشيء؟ لأجل الدفاع عن المرأة، لأنه كان يعرف أن المجتمع الذي تعوّد على ظلم المرأة وعدم الاعتراف بالمرأة، حتمًا يستصعب أن يجعل من المرأة كُفُؤًا لنفسِه، فتظلّ محاولة هضم المرأة مستمرّة، ولهذا حاول أن يشدّد حتى يقلع هذه الجذور إلى درجة "حبِّب إليّ من دنياكم ثلاث..." هذا بالنسبة لأصل المرأة، أعطى هذا المقام العظيم للمرأة حتى يجعل من المرأة كُفُؤًا للرجل، إنسانًا كاملًا، لها جميع الحقوق وعليها جميع الواجبات.
أكثر من هذا، جعل مسؤولية المرأة قبل الرجل، البنت تبلغ عند إكمال تسع سنوات والرجل يبلغ بإكمال 15 سنة. البلوغ يعني عمر تحمُّل المسؤوليات، يعني المرأة حينما بلغت تسع سنوات أصبحت إنسانًا كاملًا، عليها واجباتها ولها حقوقها، والرجل 15 سنة، حتى [إنه] يشير إلى أن نضج المرأة قبل الرجل. هذه المسائل والتأكيدات كلّها لأجل أن يعيد إلى المرأة ثقتها بنفسها، حتى لا تحتقر المرأة نفسها، حتى تعرف المرأة من هي، وما أثرها في الحياة، وما أثرها في المجتمع.
أكثر من هذا، جاء إلى المرأة الأم، فعبّر عن الأم بتعبيرات ما ورد مثلها بالنسبة للأب. الأبوان معًا كما تعرفون، إطاعتهما والإحسان إليهما مقترنان بطاعة الله في القرآن ﴿ألّا تعبدوا إلّا إيّاه وبالوالدين إحسانًا﴾ [الإسراء، 23]، دائمًا موجود [هذا] في القرآن. إطاعة الله مقترنة بالإحسان إلى الوالدين، ولكن بالنسبة للأم بالذات هناك اهتمام أكثر، مثلًا هذا التعبير "الجنة تحت أقدام الأمهات" ما ورد بالنسبة للآباء. وهكذا بالنسبة لجميع شؤون الأم واحترام الأم وإطاعة الأم، وأن إطاعتها تكفيرٌ للذنوب وأن رضاها أفضل من الجهاد، وأن الأم إذا ما رضيت يجب ألّا يروح الفرد للجهاد وأكثر من ذلك تعبيرات عجيبة في القرآن.
بهذا النوع من التعبيرات والعبارات والكلمات يحاول الإسلام أن يرفع من مقام المرأة. ثمّ إذا لاحظنا حينما نجد واقع المرأة وتأثير المرأة في تكوين المجتمعات ننتبه إلى عظمة مقام الأم وخطورته، الآن تصوّر كيف تتكوّن المجتمعات؟
من أين جاء هؤلاء البشر؟ كلّ هؤلاء البشر جاءوا من أُم ومن أب، لا أحد في هذا الكون من الرؤساء والعلماء والفقراء والزعماء، السود والبيض والحمر والصفر في العالم... كلّهم جاءوا من أب وأم. خلِّنا نحفظ تأثير الأب والأم في مجيء الطفل كما قلنا، الطفل أصله نطفة، والنطفة تتكون من جزء من الرجل وجزء من المرأة. فإذًا، الحجر الأساس في حياة الطفل، عبارة عن حجارة من المرأة وحجارة من الرجل، هذا الأساس، وبعد هذا كلّ الدور للأم، لأن النطفة حينما استقرّت في رحم الأم، أصبحت جزءًا من جسد الأم، مثل الإصبع، مثل الأذن، مثل اللسان، مثل العين تمامًا. كلّ ما تأكله الأم وتشربه الأم، يتغذّى جسدها من المأكولات والمشروبات، أليس كذلك؟ إذا أكلت الشيء الذي فيه فيتامينات، هذه الفيتامينات تتوزع إلى جميع جسدها ومن جملتها الطفل الموجود. إذا أكلت الشيء الذي ليس فيه فيتامينات، إذا أكلت الشيء الذي ليس فيه مواد غذائية، تتحوّل هذه المواد الفقيرة إلى كلّ أجزائها. اليوم عندما يرون أن الإنسان مثلًا جلده غير جيد، فيه نوع من الضعف في الجلد، أو أظافره تسقط، أو أسنانه تتكسّر، يقولون إن هذا الكلس عنده قليل، يعطوه كلسًا. إذا استعمل الكلس، هذا الكلس يتوزّع في جميع الجسد، الجلد والظفر والسنّ وأمثال ذلك. فإذًا، الشخص حينما يأكل شيئًا أو يشرب شيئًا، المواد الموجودة في هذا الأكل والشرْب تتوزع لجميع جسده.
شخص لديه سكّري، يقولون لا تستعمل المواد السكرية، أليس كذلك؟ لماذا؟ لأنه إذا أكل المواد السكرية يروح في جميع جسده. إذًا، كلّ ما تأكله الأم وتشربه تغذّي بذلك أجزاء جسدها ومن أجزاء جسدها الطفل، فتغذية الطفل حسب تغذية الأم. هذا من الناحية الجسدية.
ومن الناحية الروحية أيضًا نفس الشيء، يعني هذا الإنسان، أخلاق الإنسان، لا تتمثّل في جميع وجوده، نفس الشيء أخلاق الأم، صلاة الأم، صيام الأم، قراءة قرآن الأم، تضحية الأم، غضب الأم، عصيان الأم، زعل الأم، رضا الأم، كلّ هذه المسائل أيضًا تنعكس على الطفل.
يقولون إن الأم في حالة الحمل يجب أن تجتنب بعض الغذاء، المواد الغذائية الخاصة، السمك، الملح، لا أعرف... البرد، أشياء من هذا النوع، رعايةً للطفل. هكذا الأم في حالة الحمل يجب أن تشعر أنها تكوّن طفلًا، تصنع إنسانًا، تصنع موجودًا جديدًا، حينما تصنع الإنسان، هذا الموجود الجديد، يجب أن تنتبه الأم ماذا تعمل؟ هناك أمهات في حالة الحمل... في حالة الحمل الأم صحيح أنها هي غير منتبهة، لكن في الحقيقة هي تصنع بشرًا على الأرض، فحينما تكون مؤمنة، خاشعة، متوجهة إلى الله، هذا الخشوع والإيمان ينعكسان على الطفل، يعني مثل البيت الذي أُسِّسَ على التقوى من أول يوم، كيف يختلف؟ الأم عندما شعرت بالحمل إذا أيضًا استمرّت في العصيان، في ترك الصلاة، في الأشياء التي لا ترضي الله، طبعًا هي تفرح، لكن تشقي طفلها، هي يمكن تصرف أوقاتها وتشعر بأنها تتسلّى، تلتهي، تفرح، لكن ماذا؟ أنتِ تفرحين وتضحّين بطفلك، لأنك تصنعين هذا الطفل على الفساد من أول يوم، على الانحراف من أول يوم. طيب دور الحمل يكفي المسألة.
فإذًا، في أول الخطّ، الأم والأب يشتركان في صنع الطفل، ثم الأم تتفرّد بصنع الطفل، فيصبح الطفل جزءًا من جسد الأم، يتغذّى بغذاء الأم، ويتأثّر بجميع تأثيرات الأم، هذا دور الحمل. فإذًا، الطفل في الحقيقة جزءٌ من الأم، بضعةٌ من الأم، فإذًا، لا مبالغة أبدًا مثلما إصبع الأم متّصل، متّصل بجذر رحم الأم يعني ليس شيئًا منفصلًا، أنتم تعرفون أن الطفل من أول يوم لصيق بجلد رحم الأم، ويكبر حتى يصير جزءًا مثل الرأس، جزءًا من الأم، جميع أعمال الأم، وأفعال الأم، وصفات الأم، وكلمات الأم، وإيمان الأم، وعقائد الأم، وأخلاق الأم، جميعها تنطبق على الطفل، تمامًا.
ثمّ يولد الطفل، وعندما يولد، تقولين إن الطفل لا يفهم قولك... لماذا يؤذّنون في أذن الطفل؟ أليس مستحبًّا أول ما يولد الطفل أن يؤذّنوا في الأذن اليمنى ويقيموا في الأذن اليسرى؟ يقولون الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلّا الله في أذن الطفل، لماذا الطفل لا يفهم؟ نعم! الطفل لا يفهم، لكن الطفل متى يفهم؟ عندما يصير عمره عشر سنوات، طيّب! إلى عشر سنوات لا يفهم شيئًا، ينام ليلًا للصبح يصير يفهم كلّ شيء؟ لا، غير موجود... تدريجيًا. يعني عشر سنوات يفهم، تسعة ونصف يفهم، تسعة يفهم.
اليوم نحن إذا أردنا أن نبني هذا البيت، أول شيء نضع حجارة، عندما وضعنا حجارة، هل صارت بيتًا؟ ما صارت بيتًا، اليوم الثاني ضعْ حجارة ثانية، أيضًا ليست بيتًا، لكن أساس بيت، بالتدريج يصير بيتًا. الطفل نفس الشيء، فهم الطفل، نفسية الطفل، شعور الطفل، ليس مرّة واحدة جسم الطفل يلتقط. لا، من أول يوم كلّ كلمة الطفل يسمعها، كوّن حجارة في بناء نفسه، كلمة ثانية حجارة ثانية، مشهد يراه، والمشهد يكوّن نفسيّة الطفل، وفهم الطفل، وعي الطفل وهكذا...
فإذًا، الأم ما انتهى دورها بالولادة، الطفل الصغير يبدأ ينمو في أحضان الأم. المشاهد التي حول الطفل، تكوّن نفسيّة الطفل، المسموعات التي يسمعها الطفل، تكوّن نفسية الطفل، حليب الأم يكوّن شخصية الطفل، مثل الغذاء، كما أن حليب الأم الذي فيه فيتامينات ومواد غذائية كافية يؤثّر، وإذا الطفل تمرّض يعطون الأم دواء، أليس كذلك؟ كلّكم تعرفون الطفل طبعًا...
هذا الحليب، هذه المواد الغذائية الموجودة في الحليب، تسبب نقص الطفل أو كمال الطفل. نفس الطريقة نفسيّات الأم، يعني مثلما قلنا إن زعل الأم، رضا الأم، طهارة الأم، معصية الأم، تؤثّر في الحمل، كلّ هذه المسائل تؤثّر في وقت الرضاعة. فإذًا، لو كانت الأم في حالة الرضاعة على طهارة، لها أثر، لو كانت الأم في حالة الرضاعة ليست على طهارة، لها أثر، لو كان الطفل في أيام الصغر يسمع مشاجرة بين الأب والأم يتأثّر، لو سمع الطفل صوت القرآن، أن هذا الصوت في بيتهم مرتفع يتأثّر الطفل، لو سمع سبًّا، شتمًا، مشاهد، مناظر، أشياء لا ترضي الله... يتأثر الطفل.
اليوم الأطباء يقولون إن الطفل لا يجب أن يشاهد المناظر الخاصة في حياة الأب والأم، حتى ولو كان رضيعًا، لماذا؟ يقولون الطفل الذي يشاهد في أيام الطفولة المناظر الخاصة المحللة بين الأب والأم، في أيام الكِبَر يُبتلى بالشذوذ الجنسي، يصير مريضًا، مريض ما له علاج. هذا في أيام الرضاعة، حتى الطفل ينمو، تجد أن الطفل أول ما يتولّد وبعد ثلاثة أربعة أشهر يصير يتطلّع للعالم، لا يقدر أن يحكي، هذه التطلّعات ما هي؟ يريد أن يفهم، ما حوله، وبمجرّد ما يفتح لسانه، يصير يسأل، يا ماما ما هذا؟ ما هذا؟ ما هذا؟ من هذا؟ ما اسم هذا؟ دائمًا يسأل يسأل، هذه الأسئلة تحتاج أجوبة، من الذي تحت يد الطفل حتى يُسمع الجواب؟ الأم.
الأم، أليس كذلك؟
هذه الأجوبة تشكّل الحجر الأساس في حياة ثقافة الطفل ووعي الطفل. لو كانت الأم واعية، أعطته أجوبة صحيحة، هذا الطفل يصبح مستقيمًا، لو كانت الأم معتقدة بالجنّ والخرافات، وكتب الكتابات والأساطير والأرواح وهذه الأشياء التي تقال –هذه الخرافات التي ملأت حياتنا مع الأسف والتي هي من بقايا الشرك باللّه، لأن المؤمن باللّه لا يؤمن بتأثير هذه المسائل أبدًا- لو كانت الأم [معتقدة بالخرافات] بهذا المعنى، تخلق الطفل ضعيفًا، وهّامًا، خياليًا، أسطوريًا، خرافيًا، غير سليم، مُزعزعًا.
فإذًا، الأم المعلمة الأولى أيضًا، يعني هي التي تبني أساس الطفل وتعطيه البناء السليم أو البناء المُعوَج. الطفل الذي يتكوّن بصورة صحيحة منطقيّة فهمان، هذا في المستقبل يكون سليمًا.
نفس الشي في المسائل الدينية، الطفل من أول الطفولة، وأول الأسئلة، إذا الأم أعطته التعليمات الدينية الصحيحة، لأنه يسأل يا ماما ما هو الله؟ الله أكبر أو بابا مثلًا؟ أو جدّي مثلًا؟ هذه الأسئلة، أين الله؟ لماذا لا نراه؟ فلان مات، الطفل يخاف من الموت، أول شيء ماذا يعني مات؟ أين راح؟ متى سيأتي؟ راح في الجنة؟ راح في السماء؟ هذه المسائل التي دائمًا يسألها الطفل. هذه تحتاج وعيًا، ليس هيّنًا يا أخوات، مسألة عظيمة. هذه المسائل التي تعطيها أنت في أول الطفولة، هي التي تكوّن نفسية الطفل. الآن، الطفل الذي تكون قاعدته سليمة من أول يوم، أُسِّسَ على التقوى من أول يوم، هذا يصبح مَصْونًا عن الانحراف، غدًا عندما يدخل في هذه المجتمعات الفاسدة يظلّ مَصْونًا، أقوى. لكنّ الطفل الذي من أول الطفولة يجد أمامه الفساد، الفسوق، الشتائم، عدم الاهتمام، الأفلام... ما أحبّ أن أسمّي طويلًا وتفصيلًا، الطفل الذي من أيام الطفولة يجد أمامه مناظر لا ترضي الله، الطفل الذي من أيام الطفولة حينما يحاول أن يسأل أُمُّه لا يجد أُمُّه عنده، أو إذا وجد أُمُّه لا صبر لديها لتجاوبه، أو إذا جاوَبَتْهُ ليس لديها الخبرة الكافية الدينية حتى تعطيه الجواب، كيف سيطلع هذا الطفل في المستقبل؟
طيّب! فإذًا، كم أصبحت أعمال الأم؟
تكوين النطفة، أيام الحمل، أيام الرضاعة، الأسئلة الأولى والتربية الأولية. أربعة أشياء. هذه الأشياء الأربعة تكوّن الطفل. أيّ طفل؟ أيّ طفل في العالم، كلّ واحد منّا، كلّ رئيس، كلّ زعيم، كلّ كبير، أسود، أبيض، كلّ العالم... من الذي أتى بلا أم؟ فهنا نعرف أثر المرأة في تكوين المستقبل، هنا نعرف كم تقدر الأم أن تقدّم للعالم صلاحًا وإصلاحًا وخيرًا وتقوى، هنا نعرف كم أن الأم الصالحة تخدم المجتمع، والأم غير الصالحة كم تضرّ المجتمع. طيّب! هذا المقام الخطير العظيم الأساسي، الذي هو للأم، والمقام الذي الله سبحانه وتعالى جعل حقّ الأم حقًّا كبيرًا، ويقول للطفل مهما عملت في حقّ الأم فهو قليل، ويقول إذا حملتها على ظهرك وأخذتها للكعبة ماشيًا ما أدّيت واجبها لأنها هي التي بدأت بالإحسان. والروايات الكثيرة في حقّ الأم. طيّب! هذا المقام العظيم الذي يعطيه الله للأم يجب أن يُقدّر.
لماذا هذا المقام للأم؟ لتأثير الأم في حياة المجتمع.
الله سبحانه وتعالى، كلّ ما يعطي للإنسان شيئًا، يُحاسِبه على ما أعطاه. إذا كان واحد عنده مال، هذا أمين الله، عنده جاه، هذا أمين الله على الجاه، عنده عِلم هذا أمين الله على علمه، يجب أن يخلق ويخدم ويجعل الأمور في مواردها ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ [الحديد، 7]، نحن لا نملك لأنفسنا شيئًا، لا علمنا لنا، لا مالنا لنا، لا صحّتنا لنا، لا شبابنا لنا، لا جمالنا لنا، لا فهمنا لنا، لا وعينا... ليس لنا أبدًا، نحن لا نملك لأنفسنا ﴿ضرًا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نشورًا﴾ [الفرقان، 3]، لا نملك حتى عملنا، ما لنا نحن؟ هذا كلّه من الله سبحانه وتعالى. أليس كذلك؟ الله حينما وهبنا هذه المواهب الكبيرة العظيمة، كلّفنا بأن نصرف هذه الأمور في مصارفها، وإلّا لا يصحّ هذا! حينما أعطانا، أعطى الأم هذا المقام العظيم وجعل الجنة تحت قدميها، يكلّفنا ويكلّف الأم بأن تعرف ما هي، الأم ليست أيّ شيء. الأم هي التي تعمل، هي التي تسوّي، هي التي تخلق.
أخواتي،
المسألة حسّاسة ليست هيّنة، لا أقول كلّ المسؤوليات على النساء، أنا أعرف أن كثير من المسائل والمشاكل والصعوبات ليست من صنع النساء، لكن أقول كلُّ إنسانٍ يجب أن يقوم بدوره، وعلى قدر استطاعته، وبمقدار إمكاناته، يجب أن نشعر نحن بهذا الواجب، واجب تجاه من؟ تجاه الزوج؟ لا! تجاه الله. خدمة الزوج لله، لا تطلبين أنت العِوَض من الزوج، لا تطلبين العِوَض من ابنك، لا تطلبين العِوَض من ابنتك، لا تطلبين العِوَض من إخوتك، لا. البشر أحقر من أن يقدّم لك حقّ تضحيتك، البشر لا يتمكّن أن يعطي أجرَ ما صنعت، كم من السهر؟ كم هو حرمانك من النوم؟ كم هو تزلزلك وتزعزعك وخفقان قلبك لأجل طفلك! هذه الأشياء التي لا يعرفها أحد. الناس يعرفون أن هذه الأم جاءت وأرضعت وخدمت وراحت، لكن الاضطرابات النفسية، التخوّفات، السهر، حرمان اللّذات كم هي... مع الأسف هذه العواطف تقلّ بين النساء.
كثير من النساء اليوم يفضّلنّ راحتهنّ وجمالهن وأناقتهن على سلامة الطفل، لا نحكي في نسبة الأمهات، نحكي بالنسبة للأم المضحية، الأم التي تقوم بواجباتها تجاه أولادها، يعني تعتبر نفسها أمًّا، تصلح لصدق هذه الكلمة المقدّسة عليها، هذه الأم نحكي فيها، خدمات هذا الأم تُعَوّض بعَوَض؟
______________________
* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات
