في سبيل الحق والخير

الرئيسية صوتيات التفاصيل
calendar icon 28 حزيران 1975 الكاتب:موسى الصدر

[...] ورجائي من الإخوان، أحب أن أؤكد لكم أن الإسلام أدَّبنا وحاول تنظيمنا وانضباطنا، فإذا قرأنا سورة الرحمن:
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿الرحمن* علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر يسجدان﴾ [الرحمن، 1-6] نصل إلى هذه الآية: ﴿والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان﴾ [الرحمن، 7-8]. يعني الله سبحانه وتعالى عندما خلق السماء وضع الميزان، ماذا يعني ميزان؟ هل هناك ميزان في السماء؟ لا يوجد ميزان، ميزان يعني الحساب، يعني الدقة يعني ﴿قد جعل الله لكل شيءٍ قدرًا﴾ [الطلاق، 3]. يعني تأكيد على أن في العالم لا يوجد فوضى. الكون، الخلق، السماء، الأرض، النجوم، الحياة، النبات، البحر، الموج، الغيوم، الرياح... كل شيء له حساب دقيق. وأنتم تعرفون من خلال الكتب العلمية كل العلوم في الحقيقة قوانين... اكتشاف حقائق طبيعية.
القرآن يقول: ﴿والسماء رفعها ووضع الميزان﴾ [الرحمن، 7]. الله وضع الميزان، لماذا؟ ﴿ألا تطغوا في الميزان﴾ [الرحمن، 8] حتى تلتزموا أنتم أيها الناس بالحساب، بالميزان، بالانضباط. هذا حكمٌ ديني وتربيةٌ قرآنية ثابتةٌ لنا. وفي الصلاة بصورةٍ خاصة يبدو أثر الانضباط أكثر من أي شيءٍ آخر، الصفوف المنظمة كتفًا إلى كتف، الفواصل لا تكون كثيرة لا تُتخطى، ولا قليلة فتكون التصاقًا، فواصل محدودة، ارتباطات محدودة، إذا كان في الصف الأول مكان يجب أن يُملأ حتى ينتقل للصف الثاني، وهكذا. وأكثر من ذلك الربط بين القيادة وبين القاعدة، المأموم لا يحق له أن يسبق الإمام في رفع رأسه أو في التكبير أو في الركوع أو في السجود، إنما جُعل الإمام إمامًا ليؤتمَّ به فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا.
إذًا، قمة الانضباط في الحكم الإسلامي في الصلاة وفي الصلاة الجماعية بالذات. هذا مبدأ علينا أن نلتزم به إذا نريد أن ننجح في حياتنا.
العالم عالم الميزان: ﴿ألا تطغوا في الميزان﴾ [الرحمن، 8]، فإذا أردنا أن نشتغل شيئًا بلا حساب، نفشل. الإنسان الذي يريد أن يعيش في هذا الكون فيسعد وينجح كفرد يجب أن يكون منظمًا، وكجماعة يجب أن يكون منظمًا. هذا مبدأ.
ونحن ندخل في طور الجد من اعتصامنا من الآن أحب أن أخبِّر الإخوان: هناك إخوان يحضرون هنا للصلاة يصلون ثم يذهبون، هناك ناس معتصمون الليلة غدًا، هؤلاء يحتفظون باعتصامهم ويستمرون في صلاتهم، وفي صيامهم، وفي تعاليمهم، وفي هدوئهم، وفي اتزانهم وفي المحافظة على شأن المسجد. وهناك أناس متفرجون.
أنا يكفيني همُ المشكلة والأزمة وقضية الاعتصام. قضية الصراع، قضية الأزمة المستعصية، قضية النتائج والتفاعلات والآثار... المفروض أن أكون في هذا المسجد ومن قِبل الأنصار والأصدقاء والرفاق والمساندين على الأقل نكون مطمئنين... تُطلق رصاصة يهرعون إلى الباب، يدخل واحد فترتفع الأصوات... أرجو، مُلِحًّا، غير المصلي وغير المعتصم لا يكلِّف خاطره ولا يزعجنا ولا يزعج نفسه ولا يشغل بالنا ولا يشارك في فشلنا. شرِّفوا للبيوت وقت الصلاة يشرِّفون يصلون أهلًا وسهلًا. أما هنا ليس محلًّا للأنس والسرور والذهاب والإياب والتفرج والهلع والجزع ماذا يعني؟
كل هذا خلاف التربية الدينية وخلاف آداب المسجد، أرجو من المصلين أن يرجعوا إلى بيوتهم بعد صلاتهم؛ وأرجو من المعتصمين أن يلتزموا بصمتهم وانضباطهم؛ وأرجو من الآخرين المتفرجين أن يفتشوا عن شيءٍ آخر يتفرجون عليه، أفلام أحسن من فيلمنا، مسرحيات أفضل من مسرحياتنا، فليذهبوا ويتفرجوا... أما أن يركضوا ويأتوا إلى الباب ويصرخوا ويهرعوا... أرجوكم قد أكون قاسيًا في التعبير، لكن الوقت دقيق والظروف حساسة، لا تشغلوا بالنا يوميًّا. عشر مرات على الأقل أنا أتأثر وأضطرب نتيجة لسلوك المتفرجين... صريخ أو ركض أو عودة أو هلع أو مبالغة في الأمور، هذا أمر لا يمكن، ولأن القضية ليست قضيتي يمكن أن نضطر من غد، من يوم غد الأشخاص المتفرجين لا نسمح لهم بالدخول.
المفروض أنهم يوفروا، الأصدقاء، الجلوس والإطالة والتحدث والطلب للصعود في مكان وفي أوقات... إن شاء الله أمامنا في المستقبل بعد تجاوز الأزمة وبعد نهاية محنة الوطن إن شاء الله نجلس ونتحدث ونحكي ونبحث في المستقبل ونبحث في الماضي ونسهر ونسامر وكل شيء. أما الآن فاعذروني ووفِّروا جهدي وطاقتي وجهدكم وطاقاتكم لما هو أهم. لذلك النظام من الدين سيما في المسجد. ثانيًا، أرجو المحافظة على النظام، المصلون بعد صلاتهم يتركون والمعتصمون يلتزمون بالهدوء والصمت وآداب الاعتصام. والمتفرجون يرجعون إلى بيوتهم أو يبقون خارج القاعة يتفرجون علينا، إذا هم يعتبرون أنه فيلم جالب أو مسرحية جذابة يتفرجون علينا من الخارج. وإن شاء الله سننظم هذا الأمر.
ثم الرجاء، كل الرجاء، توفير الطاقة والوقت والجهد مني في خلال هذه الأيام لأن ظرفي ووقتي وحالي وظروف البلد عصيبة لا بد من مراعاتها ولا بد من التفرغ لأجلها.
كان الله معكم ووفقكم الله، وأعزكم الله وأخذ بيدكم وجعلكم إن شاء الله في سبيل خدمة الحق والخير، وإنقاذ المحروم وصيانة حقوق المظلوم.
والسلام عليكم ورحمة الله.
_______________________________
* خطبة للإمام الصدر في اليوم الثاني لاعتصامه في مسجد الصفاء-الكلية العاملية في بيروت لإيقاف الحرب في لبنان بتاريخ 28 حزيران 1975، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.

محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات
عدد مرات التشغيل : 215