المبعث، الإسراء والمعراج

الكاتب:موسى الصدر

مناسبات ثلاث في يوم فضيل هو السابع والعشرون من شهر رجب المبارك: المبعث والإسراء والمعراج، وإذ يتحدث الإمام الصدر عن أهمية هذا اليوم فإنه يشرح كل محطة من هذه المحطات الإلهية ذات المفاخر للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وبمناسبة حلول هذه الذكرى الطيبة ننشر نص مخطوطة الإمام الصدر "المبعث، الإسراء والمعراج" كاملًا لأول مرة:

* مخطوطة للإمام الصدر بمناسبة المبعث والإسراء والمعراج، من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات
السابع والعشرون من رجب، يوم ومنعطف من تاريخ إيماننا ومن التراث فقد بُعِثَ فيه نبي الإسلام ﴿رحمةً للعالمين﴾ [الأنبياء، 107] يحطم الأصنام ويكافح الظلم والطغيان، ويُحرِّر الإنسان من عبادة المال والجاه والعرق والذات أيضًا.
والمعروف أن ليلة القدر في شهر رمضان هي ليلة نزول القرآن إنزالًا أي دفعة واحدة، وهي ليلة إحاطة قلب الرسول وعقله بالوحي وبالحقائق.
ولكن الرسول رغم اطلاعه على الآيات القرآنية لم يكن مكلفًا بإبلاغها ويشير إلى هذه الحقيقة القرآن الكريم: ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إنّ علينا بيانه﴾ [القيامة، 16-19].
وفي السابع والعشرين من رجب بدأت الآيات القرآنية تنزل على الرسول تنزيلًا، أي تدريجيًا خلال ثلاث وعشرين عامًا، أي كان يكلَّف بإبلاغ الناس رسالة إليهم.
والآية الأولى التي نزلت عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) هي: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علَّم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم﴾ [العلق، 1-5].
والملاحظ أن القراءة والكتابة هما الاهتمامان الأوّليان في الوحي وهذا مع الانتباه بأن المجتمع كان آنذاك أميًّا يدعو إلى التأمل والتعلم.
أما الإسراء فإنه رحلة الرسول الليلية –بعناية الله تعالى- ﴿من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾ [الإسراء، 1] في ليلة واحدة والغاية منها كما يقول القرآن: ﴿لنريه من آياتنا﴾ [الإسراء، 1].
والمعراج رحلة الرسول من المسجد الأقصى إلى عوالم أخرى لا نعرف أبعادها في نفس الليلة وبعناية الله عز وجل. والغاية من رحلة المعراج أيضًا كما تؤكد ذلك سورة طه: ﴿لنريك من آياتنا الكبرى﴾ [طه، 23].
وذكرى المبعث وهو قيام الرسول الأكرم بدعوته العلنية يعيد إلى ذاكرتنا وضع مجتمعه وقسوة الظروف المحيطة بالدعوة وغربة الرسول في هذه الدعوة وتناقضها مع عادات المجتمع ومفاهيمه، كما يعيد إلينا ذكرى انتصار الدعوة بسرعة وهنا نتلمس الأمل والثقة والقوة في طريقنا الشاق الطويل.
أما الإسراء، فمن معانيه ربط الإسلام بالرسالات السماوية التي كانت القدس ملتقيها ورمزها، إنه كان يرمز إلى التحام الإسلام بالثقافات العالمية التي صدرت من القدس.
فالإسلام ليس دين الجزيرة فحسب بل دين الأديان والثقافات... دين العالم.
والمعراج خلود الإسلام وأبديته وهو أيضًا تعبير عن جمع الأرض بالسماء والجسم بالروح والزمن بالأبدية.
والهدف من المبعث وقد بدأ بالدعوة إلى القراءة، ومن الإسراء وهو ربط مع الثقافات، ومن المعراج وهو الانتقال إلى المعنى:
أولًا، الإصرار على العلم والثقافة وعدم التهيب منه. فالعلم هو معرفة الحقيقة والحقيقة هي فعل الله. إذًا، فالعلم طريق الإيمان بالله ولا يمكن للمؤمن حقًا أن يتهيب التقدم العلمي مهما كان.
وثانيًا، يلقي الأضواء في أهمية القدس في حياة المسلمين، فالقدس عالمية الإسلام وخلوده وارتباطه بالأديان؛ ومع حذف القدس من تاريخ الإسلام أو من جغرافيته نخسر الكثير الكثير، ولذلك فإن القدس هدفٌ سامٍ من أهدافنا، نناضل لمنع تهويده ونتابع التحرك حتى تحريره.

source
    الصفحة: /