التنمية الإنسانية رؤية للتكامل على ضوء القرآن

calendar icon 02 كانون الأول 2005 الكاتب:محمد حسن زراقط

* مؤتمر “كلمة سواء” العاشر  "التنمية الانسانية ابعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية"




بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الحضور الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أتقدم بالشكر الوافر إلى مركز الإمام الصدر للدراسات على هذه الفرصة التي أتاحها لي وشرفني بتقديم هذه الورقة التي أرجو أن تلقي الضوء على التصور القرآني لمفهوم التنمية.

تمهيد حول المصطلح:

لا شك في أن مفهوم التنمية من المفاهيم الأساسية التي راج استخدامها في القرن العشرين. وما يؤشر على مركزية هذا المفهوم في العقل الإنساني المعاصر أن كوكب الأرض قسّم بوحي منه إلى دول جاوزت طور النمو وأخرى في حال النمو. وبعيداً عن القبول بهذا التصنيف أو رفضه، لا بد بادئ ذي بدء من التساؤل حول مفهوم التنمية بوصفه مصطلحاً مركزياً من مصطلحات علوم عدة أبرزها الاقتصاد والاجتماع، لندلف بعد ذلك إلى البحث عن موقف الإسلام من مداليله ومؤدياته قبولاً أو رفضاً أو تعديلاً.

التنمية البشرية:

من الواضح أن مفهوم التنمية لم يستخدم كمفردة يتيمة مبتورة الصلة بشيء آخر، لأن التنمية تتضمن تساؤلاً عن المتعلق لهذه التنمية، ولذلك غالباً ما استخدم هذا المصطلح مع لاحقة البشرية أو الإنسانية كما سيأتي. وهو محل كلامنا في هذه الورقة.

يدعى أن مصطلح التنمية في علم الاقتصاد ظهر لأول مرة في كتابات المفكر الاقتصادي البريطاني المعروف آدم سميث في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. ولكنه لم يتحول إلى مفهوم مركزي يكثر تداوله إلا بعد الحرب العالمية الثانية. والمصطلح الرديف في اللغات اللاتينية هو human development  وكان يقصد به عند بداية استخدامه: "عملية إحداث مجموعة من التغييرات الجذرية في مجتمع معين، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده". وليس هذا التعريف محل وفاق بين الباحثين بل ليس مصطلح التنمية البشرية مقبولاً عند الجميع، حيث ان آخرين يفضلون استخدام لاحقة الإنسانية محل البشرية.

وعلى أي حال، فقد اكتسب هذا المفهوم مشروعية معرفية بل سلطة ربما تتجاوز حدود المعرفة إلى السياسة بعد تبنيه من قبل الأمم المتحدة، وبالرجوع إلى هذا المصدر نجد أن مفهوم التنمية يشتمل على تركيب من المفاهيم أهمها:

تكوين القدرات البشرية مثل تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات.

استخدام البشر لهذه القدرات في الاستمتاع أو الإنتاج.

مستوى الرفاه البشري المحقق.

ورغم بعض التحفظات التي تثار من هنا وهناك حول النوايا الكامنة وراء تقارير التنمية التي تتحفنا بها الأمم المتحدة بين عام وآخر والتوظيف بل الاستغلال السياسي السيء لها أحياناً، فإن رواج هذا المفهوم يعد من مكتسبات الحضارة الإنسانية في هذا القرن والقرن الذي سبقه، وأصرّ على كلمة الرواج وليس التأسيس، لأن الرغبة في النمو والتطور أمر فطري أودعه الله في خلقه منذ أن خلقهم. وحول العلاقة بين الدين والتنمية نظريات عدة يرى بعضها أن الدين هو المنطلق الأول لأية عملية تنموية أن تسير في ركابه وضمن أطره الجاهزة التي يحددها، ويرى آخرون أن الدين بنظرياته الجامدة التي لا تترك للعقل الإنساني مجالاً للحركة بعد اول معيقات التنمية ولا شك في أن في هذا التصور إجحافاً على الدين ما بعده إجحاف، ويرى فريق ثالث أن الدين هو قوالب ولكنها ليست جامدة إلى ذلك الحد ولكن المشكلة تكمن في الخطاب الديني ويقسم هؤلاء الخطاب الديني إلى إصلاحي يمكن التوفيق بينه وبين التنمية وإلى خطاب تقليدي متشدد متخلف إلى غير ذلك من الصفات التي تقرب أحياناً من الشتيمة بدل التوصيف. أود أن أؤكد هنا أن الخطاب الديني ربما يحتاج في كثير من نواحيه إلى الإصلاح وليس هذا بجديد فإن رجال الدين مع التحفظ على هذا التعبير هم أول من وعى ضرورة الإصلاح ولكني أشدد على أن أكثر نماذج الخطاب الديني تخلفاً أو تشدداً- ما شئت فعبر- لا تتحمل منفردة مسؤولية التخلف في مجتمعاتنا العربية المعاصرة، بل ليس لها النصيب الأوفر فإذا أخذنا تعليم المرأة كمفردة يوجد بين المسلمين من يقف منها موقفاً سلبياً ولكن ما بال الرجل هل غصت جامعاتنا بالمبدعين من الرجال. المشكلة ليست الدين فإن الخطاب الديني يرفض الكثير مما نشاهده في العالم العربي من مظاهر ولكنها تحصل وتتحقق لأن الدين ليس في موقع القرار.

وبعد هذا التمهيد أشير إلى أن التنمية عملية يمكن تحليلها إلى محطات تستحق أن يبحث عن وجهة نظر الدين فيها، مهما كان تصورنا لسعة دائرة الدين أو ضيقها، وذلك أننا مهما ضيّقنا مساحة التدخل الديني، فلن نستطيع إخراج التنمية الإنسانية من دائرة اهتمامه وإن اختلفت النظرة إلى كيفية مقاربة الدين لهذه المساحة الإنسانية. فالتنمية عملية تتضمن حكماً ما يلي:

المنطلقات والمجالات.

الأدوات والوسائل.

الأهداف والغايات.

وسوف أحاول البحث عن هذه العناوين مراعياً الإيجاز ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

المنطلقات القرآن للتنمية:

تحتاج عملية التنمية إلى منطلق وميدان أو مجال لتكون مسرحاً لنشاطاته، وهذا ما ضمّنه القرآن حيث نجد أن فكرة التنمية تنطلق من واقع الإيمان بقدرة الإنسان على تطوير ذاته والرقي بها نحو الأفضل وهذا ما تؤكده آيات عدة في القرآن منها قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم)، حيث تتحدث هذه الآية عن قانون وتبين سنة من سنن التاريخ وتجعل فعل الله مشروطاً إرادة العبد للتغيير، ومن المعلوم أن أي قضية شرطية لا يتحقق جزاؤها ما لم يتحقق شرطها والشرط هو إلإرادة التغيير، وهذا يعني أن الله يخبرنا بطريق غير مباشر بأن التغيير أمر متاح وممكن، لذلك ليس من حق المرء أن يلقي بتبعات تخلفه على الظروف والأوضاع المحيطة به ما دام قادراً على الإطاحة بما لا يتلاءم وإنسانيته يقول الله تعالى في رد اعتذار مثل هؤلاء الناس: (إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنّم وساءت مصيراً).

وإلى المعنى نفسه أي إمكانية التنمية والتطور يشير الحديث المأثور عن الإمام الصادق (ع) "من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم يرَ الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة".

هذا حول المنطلق وهو إيمان المرء بقدرته على النمو والتطور وهذا ما عبر عنه بأسلوب رائع الشاعر الهندي المسلم محمد إقبال في ديوانه "أسرار خودي" أو أسرار الذاتية. فإنه بعد تأمل عميق في حالة المسلمين في الهند في فترة الاستعمار البريطاني وجد أن مشكلة المسلمين وسبب تخلفهم هو عدم إحساسهم بذواتهم وهي حالة الغربة عن الذات وفقدان الهوية ويسميه اللاذاتية. ولذلك يسعى في ديوانه الآخر رموز اللاذاتية، إلى معالجة هذا الداء كما يسعى في ديوانه الأول  إلى نشر الإيمان بالذات في مخاطبيه ليكون هذا الإيمان منطلقاً للتغيير. وأحسب أن المسلمين بل الشرق عموماً ما زال يئن تحت وطأة أعراض هذا الداء الذي لا يساعد في رفعه والبرء منه إلا باستئصال أسبابه وإلا فإن الآلاف من تقارير التنمية حتى لو خلصت نيات مدونيها فلن تكون إلا ضرباً في حديد بارد.

كن قطرة ماء واعية للذات فتصبح درّاً تحرسها الأصداف

لا جبلا يستسلم للبحر فيغتال البحر بمد الموج جذوره

وأما عن مجالات التنمية، فإنني أجزم بأن الدين الإسلامي يدعو إلى التنمية والتطوير في المجالين الدنيا والآخرة المادة والروح، والواقع أصدق إنباء من الكتب والأقوال، فإن نظرة إلى ما حققه الإسلام في ما لا يتجاوز القرون الثلاثة من الزمن تكفي للإيمان باحترام هذا الدين للدنيا والنظر إليها كمجال من مجالات التكامل أو التنمية. وما أروع التعبير القرآني عنه الحديث هذا التكامل الثنائي عندما يقول: (وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا) وكذلك قوله تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) وهو ما يعبر عن النبوي المشهور: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم الفسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها".

هذا وميزة الدين في هذا المجال أنه يضفي معنى على الأشياء، فلا تعود أشياء بل تلبس صوراً جديدة فلا يبقى المال أو غيره مما سخره  الله تعالى للإنسانية مالا يصبح نعمة ومحلا لخلافة الله (أنفقوا ممما جعلكم مستخلفين فيه) وبناء عليه فقد وضع الإسلام قيوداً وضوابط تحكم السعي والكسب والتنمية لكي لا يطغى بعد من أبعاد شخصية الإنسان على غيره. ولو أخذنا التجارة مثالاً فنجد أن الإسلام جعل التجارة من أسباب الكسب المحبوبة عند الله وحث عليها وكره العمل بالأجرة وعلل في بعض الأخبار بأنه تحديد للرزق، ومع كراهته لتحديد الرزق نجده وضع قيوداً ولجم جماح الإنسان نحو طلب المزيد ولا أود التوسع في هذا المجال ولكن لا بد من إشارة ليتضح ما أرمي إليه فبالرجوع إلى ما قرره فقهاء المسلمين في آداب الكسب نجد أنهم يذكرون: استحباب التسوية بين الناس السعر، والربح بمقدار الحاجة، وأن يكون المرء آخر الداخلين إلى السوق وأول الخارجين منه وما شابه ذلك من الحكام التي تهدف إلى التخفيف من سورة الحرص والكسر من حدة الطمع. وإذا ضممنا إلى هذه الآداب ما ورد من توصيات أخلاقية في ذم الدنيا والنهي عن الإيغال فيها، يتولد سؤال يستجدي جواباً وهو لو كانت التنمية في ساحة الدنيا أمراً مطلوباً للدين فما الداعي إلى تشديد النكير على الدنيا والراغبين بها في النصوص الإسلامية؟ وألم يوجد بين المسلمين من آثر الاستسلام للقضاء والقدر؟ ألم يوجد بين المسلمين من يرى أن ادخار درهم سوء ظن بالله؟ ألم يبدع ذكر الشاعر عندما دعا إلى السكون القريب من الموت حيث قال:

إن في بيت الزجاج لطائف محيرة فلا تطرف عينك فتخدش روعة المنظر

وألم يدع الآخر إلى أن يملك المرء عين المرآة وفم الصورة كي لا ينبس ولا يرف له جفن ويقبل ما يعرض عليه؟

نعم كل هذا صحيح، ولا أرغب في تأويل أحلام الشعراء وأمانيهم كي لا أفسد سر جمالها، وأما حول النصوص الدينية فلا بد من محاولة فهم مؤدياتها لأنها وردت للعمل وليست أماني شاعر، ولا تهويمات صوفي حالم، وللوصول إلى فهم هذه النصوص يكفي ما أشرنا إليه أعلاه حول موقف الإسلام من تنمية الدنيا ولكن أسأل أيضاً ألا توحي تسمية الله تعالى للصدقة التي تنقص المال بالزكاة، ألا توحي هذه التسمية بمباركة خفية للرغبة في زيادة المال ونموه واعترافاً بمشروعية هذه الرغبة الإنسانية؟ ولكن لما ضمن الله تعالى الرغبة في الزيادة بزرع ميل فطري نحوها ليحب الإنسان المال حباً جماً على حد تعبير الآية، ترك كوابح هذا الجموح للتشريع. فلا يحتاج من زرعت فيه الرغبة بالمال إلى إصرار كبير لطلب المزيد بل يحتاج إلى حواجز تحول دون مغالاته وإسرافه في طلب المزيد.

الأدوات والوسائل:

على القاعدة الفقهية المعروفة التي تقول إذا وجب الشيء وجبت مقدماته نجد أن الله قد ضمن لضيفه المدعو إلى مائدة التنمية والتكامل أدوات هذا التكامل ووسائله على المستويين التشريعي والتكويني فعلى المستوى التكويني كرمه على غيره ممن خلق بتسخير ما في الأرض له واستخلفه فيها ليستفيد منها في رحلته نحو الأهداف السامية التي انتدبه للوصول إليها أو تحقيقها، وأعطاه العقل الذي يسمح له بالاستفادة من هذه القدرات فلا يكون كما يقول الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظما                                                            والماء فوق ظهورها محمول

فعن الكرامة الإنسانية يقول سبحانه وتعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً)، وليس أدل على الكرامة الإنسانية من أمر الله الملائكة بالسجود له: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين)، ومن البديهي أن هذه الكرامة الإنسانية تدعو إلى جعل الإنسان معياراً للحكم على أي محاولة تنموية أو لها. وعن موقع العلم والقدرة على الفهم التي سمت بالإنسان وربما هي التي كانت السبب في استخلافه في الأرض حيث إن الخلافة تحتاج إلى الفهم وحسن الإدارة وهي التي ربما كانت الداعي إلى إسجاد الملائكة له عندمنا كانت النقلة الأبرز في عملية الخلق الإنساني هي تعليمه بعد إعطائه القدرة التكوينية على اكتساب العلم: (وعلّم آدم الأسماء كلّها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم (32) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلمّا أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون).

هذا ما أردت الإشارة إليه من أدوات ووسائل التكامل والتنمية ولا شك في وجود غيرها من الوسائل والآليات التي يمكن العثور عليها بالرجوع إلى القرآن واستفتائه فيها وأكتفي بما ذكرت كي لا أطيل.

الأهداف والغايات:

بالمقارنة بين الدين وبين غيره من دعاة التنمية يبرز الفارق الكبير والهوة التي لا يمكن ردها بين الطرفين بحيث إن الدين يحمل الإنسان إلى آفاق رحبة  لا يلامسها غيره، فإن غير الدين مهما سمت غاياته ورحبت آفاقه لا يتجاوز عالم المادة ولا يؤمّن بل لا يملك إمكانيات التحريض على التكامل إلا في المدى المنظور بالعين من عالم المادة. وأما الدين فهو تبعاً لاهتمامه بالبعد الأخلاقي والغيبي من الإنسان يفتح له باب التكامل غير المحدود ويدعوه إلى أن يتصف بصفات الله: "تخلقوا بأخلاق الله" بينما عالم المادة مهما رحبت آفاقه ليس فيه مطلق ولكن في الدين عندما ينفتح المتدين على المطلق فحتى الماديات المحدودة تتحول إلى أدوات للارتباط بالمطلق والوصول إلى مرحلة التخلق بأخلاقه: (وابتغ في ما آتاك الله الدّار الآخرة)، وفي السياق نفسه يتحدث أمير المؤمنين رغم اشتهار ذمه للدنيا وطلاقه لها ثلاثاً لا تسمح له بالعودة إليها، ويدافع عن مطلقته البائنة، علي بن أبي طالب الذي يقول: "وأحذركم الدنيا، فإنها منزل قلعة، وليست بدار نجعة. قد تزينت بغرورها وغرت بزينتها. دارها هانت على ربها فخلط حلالها بحرامها، وخيرها بشرها، وحياتها بموتها، وحلوها بمرها، لم يصفها الله تعالى لأوليائه. ولم يضن بها على أعدائه. خيرها زهيد، وشرها عتيد، وجمعها ينفد، وملكها يسلب وعامرها يخرب". وهو القائل أيضاً: "أيها الناس، إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا مع كل جرعة شرق وفي كل أكلة غصص لا تنالون منها نعمة إلا بفراق أخرى..." مع هذا الموقف من الدنيا تأخذه الغيرة على مطلقته فيقول لمن اتهمها ظلما: "إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها. مسجد أحباء الله ومصلى ملائكة الله ومهبط وحي الله ومتجر أولياء الله اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة".

استنتاجـات:

بعد ما تقدم حول التنمية على ضوء القرآن أعود إلى الإنسان المعاصر الذي هو مبدأ التنمية وموضوعها لألاحظ أنه أضاع الطريق واستقل الحافلة الخطأ كما يقول المثل الإيراني أو أُركِب فيها عن سابق إصرار وترصد. فقد صار الهدف أداة وشيئاً في خدمة السيد الجديد المعولم رأس المال الجشع، وسدت أبواب التكامل على الإنسان حتى في ميدان العلم أحياناً بطريقة لبقة مؤدبة تحت عنوان حماية الملكية الفكرية المجحفة التي تمنع الدول الفقيرة من إنتاج الأدوية الحساسة بأسعار رخيصة، وأحياناً تحت عناوين تنقصها اللباقة وتتصف بدرجة عالية من الوقاحة، فربما أستطيع بعد عناء وجهد كبيرين تفهم أن تمنع دولة إسلامية من امتلاك أسلحة نووية، ولكن يؤلمني إلى حد القهر أن يكون هذا المنع تحت شعار احتمال امتلاك القدرة على إنتاج هذه الأسلحة، وفرق كبير بين المنع من إنتاج السلاح النووي وبين المنع من القدرة على إنتاجه. وهذا النمط من الأخطاء واحدة من اشتباهات تقارير التنمية فإنها تتحدث عن كثير من أعراض مرض التخلف وتحاول تقديم علاجات لها، ولكنها تغفل أو تتغافل عن أن الأعراض لا تنفع إن لم يستأصل المرض من الأعماق.

خاتمــة:

وبالعودة إلى صاحب الذكرى ومن عقدت راية هذا المؤتمر باسمه الإمام موسى الصدر نجد أنه وعى الكثير الكثير من أسباب التخلف ووسائل النمو والتكامل في أبعاده المتخلفة فكان المحرومون هم قطب رحاه وكان التسلح بالعلم واحداً من أهدافه الأثيرة ووسائله الفضلى للوصول بالإنسان إلى الكمال أو وضعه على طريق التكامل والنمو، فكانت له في هذا الميدان صولات وجولات، ستبقي ذكره حاضراً فينا مهما طال غيابه. وتأكيداً لهذا الحضور العصي على الغياب أدعو مؤتمركم الكريم لتأسيس جائزة تنموية باسم موسى الصدر تعطى للمؤسسات أو للأفراد العاملين في ميدان التنمية الإنسانية التي أقترح أن نسميها التنمية التكاملية، فإن التنمية على طريق التكامل خير من التنمية المستدامة التي تدعو إليها تقارير الأمم المتحدة فرب تنمية مستدامة تتحول إلى ورم خبيث إن لم تكن منسجمة مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وأسمح لنفسي باقتراح مصدر تمويل هذه الجائزة فليكن كتاب مؤتمركم الكريم الذي يطبع كل عام هو أحد مصادر هذا التمويل: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون).

نصر عارف، مفهوم التنمية مقالة منشورة على موقع إسلام أون لاين، ورابط الصفحة هو:

http: //www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/mafaheem-2-asp.

نادر فرجاني، التنمية الإنسانية واكتساب المعرفة المتقدمة في البلدان الغربية، موقع مركز المشكاة للبحث، مصر. ورابط الصحفة هو:

http: //www.almishkat.org/arbdoc99/ar-humdev/ar-humdev0.1htm#1.

سورة الرعد: الآيـة 11.

سورة النساء: الآيـة 97.

الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ط2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1414هـ، مج 16، ص 94.

ترجمة بتصرف لبيتين من شعر محمد إقبال اللاهوري.

سورة القصص: الآيـة 77.

سورة هود: الآيـة 61.

المحدث النوري، مستدرك وسائل الشيعة، ط2، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم 1408، ه، مج 13، ص 460.

سورة الإسراء: الآيـة 70.

سورة البقرة: الآية 34.

سورة البقرة: الآيات 31-32-33.

الإمام علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، الخطبة 113.

المصدر نفسه، الخطبة 145.

المصدر نفسه، باب الحكم، الحكمة 131.

سورة التوبة: الآيـة 105.

source