خاتمي تحدث في لقاء حواري وفكري بنقابة الصحافة: المطلوب حوار الحضارات وتحالفها والمنطق التكفيري يولد العنف والارهاب

calendar icon 02 كانون الأول 2005 الكاتب:محمد خليل السباعي

قال الرئيس الايراني السابق السيد محمد خاتمي:(ان وسائل الاعلام في العالم باتت هي الاساس في مخاطبة الرأي العام في كل مكان وان استمرار هذه الوسائل يتمثل في تأمين الحرية لها، وقال ان لبنان يتمتع بحرية مميزة في مجال طرح الافكار والاراء وتبادلها بين الجميع. ودعا الى ضرورة تغيير النموذج المتبع في العالم، من قبل فئة ضالة، تتبع المنطق التكفيري، لجهة من ليس معنا فهو علينا، وهذا المنطق يولد العنف والحرب والارهاب، وان البديل هو حوار الحضارات والتي يجب ان تقف الى جانب بعضها البعض مثل المرآة وليس في وجه بعضها البعض وضرورة الانتقال لطرح حوار آخر هو ائتلاف او تحالف الحضارات في مرحلة لاحقة. كلام الرئيس خاتمي جاء في اللقاء الحواري الذي اجري معه في نقابة الصحافة مساء امس بحضور حشد من رجال الاعلام والفكر والسياسة وعائلة الامام الصدر.

بعد النشيد الوطني ألقى النقيب البعلبكي كلمة ترحيبية، ثم تحدث الرئيس خاتمي فقال: (أود أن أعرب عن بالغ سروري للقاء بكم، وأن أغتنم هذه المناسبة لكي أتقدم بالشكر والتقدير الي نقابة الصحافة بشخص النقيب البعلبكي وأعضاء مجلس النقابة، أقول بأن لوسائل الاعلام، أهمية خاصة في عالمنا اليوم، لعدة عوامل أبرزها ومنها أنها لم تقم بأي دور بروتوكولي وحسب، بل هي ضرورة ماسة بالنسبة لمجتمعات اليوم. ومن إحدى المواصفات الأساسية التي تميز عالمنا هو وجود ظاهرة نشوء الدولة أو الأمم، وبات هذ الأمر معترفاً به لدى العالم الغربي والعالم بصورة عامة، وهذا المفهوم انما يدل بأن أي حكومة في العالم، لا تستمد شرعيتها الا من الارادة الشعبية. ومن هذا المنطلق فإن أكثر الدول استبداداً وديكتاتورية، تحاول ان تسوق وتطرح نفسها على أنها تتوافق مع هذا المفهوم. من هنا نرى ونلاحظ بأنه في عالمنا اليوم، وأكثر من اي عصر مضى، هناك مسألة الرأي العام والتي باتت تتمتع بمكانة مرموقة للغاية، وصحيح أنه من الناحية النظرية، فإن أي نظام سياسي يدعي أنه ديمقراطي وينبغي ان يستمد شرعيته من الارادة الشرعية الشعبية كما قلنا، ولكن هناك بعض الانظمة والحكومات في العالم، لا تتمتع بمثل هذه المصداقية الشعبية، ولكن بما ان هذا المفهوم الذي تحدثنا عنه، والذي يطلق عليه الأمة - الدولة، بات راسخاً ومعترفاً به في كل العالم، حتى في الحكومات القمعية والاستبدادية، تحاول أن تدعي انها تتماشى مع هذا المفهوم السياسي.

اضاف الرأي العام على المستوى الدولي نراه يتقلب بين هذا المعسكر او ذاك، ولقد رأينا كيف ان الرئيس الاميركي جورج بوش، يواجه معارضة للسياسات التي ينفذها في العراق، ونلاحظ ان كل طرف في الولايات المتحدة الاميركية، يحاول استقطاب الرأي العام الى جانبه، وان احدى الامور الاساسية، احد الذي بات يميز عالم اليوم عن عالم الامس، ان مسألة الرأي العام وارضاءه، باتت امرا معترفا به من الجميع. من هنا تظهر الاهمية التي تتمتع بها وسائل الاعلام في العالم، في مخاطبة الرأي العام في كل مكان، وفي الوقت عينه من الممكن ان نشاهد آلية متناقضة في الترابط الحاصل بينهما. فمسؤولية وسائل الاعلام ان تؤثر على الرأي العام، بالشكل الذي يتماشى مع المصلحة الوطنية العليا، او ان تكون طريقة اخرى في تعاطي وسائل الاعلام مع الرأي العام بالشكل الذي تجعله مسخرا باتجاه الذي يخدم السياسات التي تريد ان تنفذها هذه الدولة او تلك.

وتابع الرئيس خاتمي: من هنا نعتقد بأن ارباب الصحافة والاعلام، قبل اي طرف ينبغي ان يلتفتوا بصورة جيدة، الى اهمية الدور الذي يمكن ان يقوموا به في هذا الاطار، ونحن رأينا الدور الهام الذي لعبته وسائل الاعلام والصحافة، طوال الحياة التي عشناها معا، وكما تذكرون ماذا فعلت وكيف مهدت بانتهاء الحرب في فيتنام، وايضا ما قامت به وسائل الاعلام في اجبار الرئيس الاميركي السابق ريتشارد نيكسون، الى التخلي عن منصبه، لانه سقط عمليا أمام الرأي العام الأميركي، ووسائل الاعلام تستطيع ان تبطل المفاعيل التي تأتي من خلال الحروب النفسية، المعتمدة من أجل تنفيذ بعض السياسات، وان وسائل الاعلام يمكن ان تكون الوسيط المناسب للتلاقي والتماشي بين السلطة، سواء كانت محلية أو دولية، والرأي العام في هذا البلد أو ذاك، وهذا الأمر يتوقف على الدور الذي تختاره وسائل الاعلام بنفسها، أي تكون في هذه الجهة أو تلك، ولكن هناك أمرا هاما بالنسبة الى الصحافة ووسائل الاعلام، لا يجوز اغفاله في هذا الاطار. ان البنية المناسبة لاستمرار وسائل الاعلام، تتمثل في تأمين الحرية لها، فكل البشر بحاجة الى الحرية، ولكن نحن نعتقد بأن وسائل الاعلام، لا تستطيع القيام بالدور المطلوب منها، إلا من خلال بنية حرة، وهنا نرى أن هناك واجبا ملقى على عاتق الصحافة ووسائل الاعلام، بأن تدافع عن الحرية التي هي الركيزة الأساسية لها، وأنا فخور بأنني أقوم بهذه الزيارة الى لبنان العزيز، هذا البلد الذي يتمتع بحرية مميزة، في مجال الأفكار وطرح الآراء وتبادلها بين الجميع، ويزيد فخري واعتزازي، عندما أكون وسط هذا الحفل الكريم، الذي يمثّل نخبة متميزة من أرباب الصحافة والرأي العام، ووسائل الاعلام، التي نراها في لبنان منبرا للحرية، ليس في لبنان وحسب، انما في منطقة الشرق الأوسط، بل أستطيع ان اتجاوز ذلك، لأقول بل في العالم بأسره).

حوار الحضارات

ثم أجاب الرئيس خاتمي بشكل مطوّل، ورداً على سؤال، حول اين اصبح حوار الحضارات الذي اطلقه في العام 2001 فقال: (ان حوار الحضارات يجب ان يكون مثل المرايا واضحة، لجهة ان تكون الحضارات متقابلة ومتواجهة ايجاباً لا سلباً، وهي تدعو الى ايجاد حالة من التعايش والامن والاستقرار والازدهار لكل شعوب العالم، لتكون الى جانب بعضها البعض، وان مقولة حوار الحضارات هي فكرة اساسية وجوهرية من شأنها، ان تبلور كل المشاريع والطروحات السياسية والعلمية والتنموية والاقتصادية، والتي تصبو اليها شعوب العالم. فالاصلاحات الدينية كان لها الدور الاساس. في القرن العشرين شهدنا حصول حربين عالميتين اولى وثانية وتبين لنا ما ادت من حصار وقتل وتشريد وخراب، وايضاً رأينا حصول حروب اقليمية، في العديد من مناطق العالم، لم تقل الخسائر المادية والبشرية والمعنوية التي خلفتها، عن الاضرار وخسائر الحربين العالميتين الاولى والثانية، وايضا في لبنان طبعاً تعرفون معنى هذا الأمر، أكثر من اي شعب آخر، نظراً للحرب الاهلية المؤلمة التي عصفت بهذا البلد خلال سنوات عديدة، وان النصف الثاني من القرن الماضي شهدنا ما يسمى بالحرب الباردة، ومن هنا رأينا فصولاً أقرب من ظاهرة الارهاب، التي جعلت في العالم، لا بقعة آمنة فيه، من هنا نقول بأن الولايات المتحدة الاميركية، لا يمكن أن ترى بأم عينها كيف ان العمليات الارهابية والاجرامية تطال كل مناطق في الشرق الاوسط، واميركا اللاتينية، وفي اي منطقة من العالم، وتستطيع ان تعتبر نفسها في مأمن أو بمعزل من هذه الظاهرة الاجرامية، ان الارهاب لا يختار ضحاياه، من أوساط الرؤساء والمسؤولين والوزراء والنواب، الذين ينتمون فقط للبنان وفلسطين وايران وأميركا اللاتينية والوسطى، بل رأينا كيف طال الارهاب الولايات المتحدة الاميركية في أبراجها التجارية والبنتاغون الذي يجب ان يكون الحامي للديمقراطية الغربية، من هنا انطلقت مسألة حوار الحضارات، باعتبار ان المطلوب تغيّر المقولة التي تتحكّم بالعلاقات الدولية، والأفضل ان يسود مناخ آخر، لأن الجميع متضرر من الارهاب والحروب، والارهاب لديه جذر أصيل وثابت يتمثل بالعنف، والعنف له ماهية وهوية تتمثل بالأفكار والأوهام من خلال فئة ضالة او ثلّة تعتبر بأن الحقيقة لا توجد إلاّ لديها، والآخرين يجب ان يستسلموا لهذه الحقيقة المدعاة، ودون هذا كله يجب ان يدفعوا الثمن، من خلال استخدام ابشع واعنف الاساليب، التي يمكن ان تتبع، وعليه نرى مقولة لمساندة من ليس معنا فهو ضدنا ومن يقف ضدنا لنا الحق بأن نتخذ بحقه اي اجراء نراه مناسباً، والحركة الرجعية في افغانستان، كانت تقول من ليس معنا فهو ضدنا، والكل كفرة ما عدا نحن، ومن ضدنا يجب ان يهدر دمه، من هنا نرى بأن البديل لهذا كله هو اللجوء الى حوار مفتوح ونقاش جدي. فالمنطق التكفيري يولد العنف، والذي يؤدي في نهاية المطاف الى الجريمة والحرب والارهاب، فهذه المقولة الواهمة يجب ان تتغير ويجب ان تتغير هذه الفرضية، وهذا النموذج يجب ان يتبدل، والحل الآخر هو ان نبني الغد الافضل لنا ولجميع العالم، وهذا لن يتحقق، الا بوقوف كل الحضارات ليس في وجه بعضها البعض بل الى جانب بعضها البعض مثل المرآة حتى نستطيع ان نرى من خلال المرآة اوجه الجمال والسوء الموجودة لديه وعندما اقف في مواجهة المرآة فانني اقوي وامتن اوجه الجمال الموجودة لدي، فأحاول ان اخفف قدر المستطاع اوجه التقصير او السوء الموجودة لدي. فالحضارات يمكنها ان تكون كالمرآة بالنسبة الى بعضها البعض، بشرط ان لا تعتبر اي حضارة، بأنها الحضارة المطلقة في العالم، بل ان تبادر كل الحضارات في العالم، الى احترام الحضارات الاخرى، والى مساعدة بعضها البعض، من اجل تخطي الصعاب، واوجه التقصير والنواقص، التي تعاني منها، وان تستند الى الامور المشتركة فيما بينها، فالحروب والارهاب لا تمثل وجدان شعوب العالم قاطبة، وان مسألة حوار الحضارات اصبحت مسألة معترف بها، بل هي ضرورة يجب الاستناد اليها، ولكن هناك موانع لا تزال تقف امام طريقنا، فالذين يسعون الى الفتن والحروب، هم العقبة الاساسية امام تبلور نموذج حوار الحضارات، وبعد خروجي من رئاسة الجمهورية في بلادي، رأيت كيف ان هذه المسألة، اصبحت تتمتع بتأييد واسع في العالم كله، والاتجاه نحو طرح حوار اخر، هو ائتلاف او تحالف الحضارات في مرحلة لاحقة، والذي يجب ان ينتقل العالم اليه. وبرأينا ان النموذج الافضل الآن هو حوار الحضارات، ليكون البديل عن صدام الحضارات، فحوار الحضارات يجب ان ينتصر في نهاية المطاف.
وفي الختام جرى حوار بين خاتمي والحضور.

source