* مؤتمر “كلمة سواء” العاشر "التنمية الانسانية ابعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية"
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين.
بداية أتوجه بالتحية إلى القيمين على انعقاد هذا المؤتمر وأبارك جهودهم وفي مقدمهم الأخت الكريمة السيدة رباب الصدر، كما أتوجه بالتحية أيضاً إلى الأخوة الكرام المشاركين بالحضور أو بالكلام وبخاصة فخامة الرئيس سماحة السيد محمد خاتمي الذي نحترم ونقدر دوره الرائد لا سيما في مؤازرته ومواكبته لمثل هذه المؤتمرات التي تعنى بقضايا الإنسان وضرورة كشف مكامن الخلل التي تعيق لا بل تعرقل كل سبل التحرر من الجهل والتخلف.
آملين بأن نكون جميعاً في مستوى هذا التحدي الكبير الذي تواجهه أمتنا العربية والإسلامية عاملين معاً على تحديد العراقيل وسبل مواجهتها بما يضمن لنا الفكاك من طوق التخلف هذا، وإرساء صحوة معرفية تعيشها الأمة وتتفاعل معها، وتكون قادرة على إثبات وجودها واسترداد دورها الثقافي والحضاري الذي بكل أسف نجده الآن يعيش تراجعات خطيرة في ظل حالة مقلقة استشرى فيها الجهل والأمية وتعاظمت فيها شأوة التسلط التي عطلت كل أسباب التنمية الإنسانية، وقوقعت إنساننا وحاصرته ضمن دائرة الإنسان المصفق دائماً والمحروم من حقه الطبيعي والمشروع في أن يفكر أو يبحث أو ينتج، وانتزعت منه كامل حقوقه في الاعتراض والمشاركة، منتهكة بذلك أدنى حقوق الإنسان في حرية التعبير عن رأيه وفي ممارسة دوره كإنسان أراده الله أن يكون حراً.
الله سبحانه وتعالى لم يُكْرِه البشر على الإيمان بل شاء لهم أن يتحركوا بحرية لقوله تعالى «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» سخر لنا الفلك، سخر لنا الأنهار، سخر لنا الليل والنهار، سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض كي نعقل، كي نتذكر، كي نتفكر، علمنا بالقلم، علمنا ما لم نعلم، ليقوم القسط بين الناس، ليتحقق العدل وليعم الرخاء لا فقر لا جهل لا تخلف، لا استبداد لا ظلم، لا تسلط، بل معرفة وبيان «الرحمن، عَلَّم القرآن خلق الإنسان، علَّمه البيان» ميزه عن سائر المخلوقات بأن جعله خليفة في الأرض، فضَّله وأعزه وأكرمه بالقدرة على التعلم وإشاعته بين الناس، إذ لا معنى لأي إنسان من دون علم، ولا قيمة له، رسول الله (ص) يقول: «فضل العلم أحبّ إلي من فضل العبادة». وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) يقول: «لو علم الناس ما في طلب العلم لطلبوه بسفك المهج وخوض اللجج».
من هنا، أيها الأخوة المشاركون، ومن خلال مؤتمركم هذا المنعقد تحت عنوان كلمة سواء للبحث في موضوع التنمية الإنسانية أبعادها الدينية والاجتماعية والمعرفية ندعو إلى ضرورة التركيز على التنمية الإنسانية وإعطائها من الاهتمام ما يؤدي إلى انطلاقتها انطلاقة علمية وعملية توفر لإنساننا كل مقومات التعلم والمعرفة وذلك من خلال إفساح المجال أمام النخب من المثقفين والباحثين المرموقين في عالمنا الإسلامي والعربي للعب دورهم في الإشراف على توجيه وترشيد وتثقيف شبابنا الذي نعوّل عليه والذي ينبغي أن يتصدر أولويات واهتمامات مؤسساتنا وحكوماتنا.
إننا نطمح بأن يتحول شبابنا من ناقل للمعرفة إلى صانع لها، ومن مستورد إلى مستثمر، وهذا يتطلب جهوداً جبارة يجب أن تبذل لأن الذي يطلع على تقارير التنمية الإنسانية في عالمنا العربي والإسلامي يجد كم هو مقلق واقعنا وكم هي مخيفة الأرقام التي تتحدث عن نسبة الأمية ويدرك الأهمية الكبرى التي تحتلها المعرفة في تنمية الشعوب وتقدمها والتي لا تتعارض أبداً مع واقع عقيدتنا الإسلامية فالإسلام يأمرنا بأن نتعلم.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اطلبوا العلم ولو بالصين فإنّ العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
الإسلام يشجعنا على طلب المعرفة لأن الجهل ظلمات في الدنيا وفي الآخرة، والجاهل لا يعرف نفسه ولا يعرف الله. أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: «من عرف نفسه فقد انتهى إلى غاية كل معرفة وعلم».
علينا أن نعرف أنفسنا أيها الأخوة وأن نحدد موقعنا ليتبين لنا كم نحن مقصرون وكم نحن بحاجة إلى الكثير من العلم والسعي إلى طلب المعرفة، كم نحن بحاجة إلى أن نقرأ ونقرأ ونقرأ لننفض غبار هذا الجهل وهذا التخلف، لنستيقظ من هذا السبات المخيف، لنستنهض هذه الأمة التي تواجه الآن كمّاً هائلاً من التحديات في فلسطين وفي العراق وفي لبنان وفي سوريا وفي إيران وفي كل عالمنا العربي والإسلامي وبخاصة التحدي العلمي والمعرفي الذي يشكل المرتكز الأساس في عملية الاستنهاض المجتمعي وإعادة بناء الأمة، كما ينبغي أن تكون أمة واعية متراصة متضامنة متكافلة فيما بينها، وهذا ما سعى إلى تحقيقه الإمام المغيب السيد موسى الصدر، ولكن للأسف الشديد لم يكن ما كان يسعى إليه مقبولاً لدى البعض، وبالخصوص النظام الليبي، هذا النظام المتخلف والمتسلط والظالم هو عدو الإنسان والإنسانية، لا يؤمن لا بمعرفة، ولا بفكر، ولا بتطور، بل هو متحفز دائماً لمناهضة أي فكر تنويري يمكن أن يوقظ الأمة ويؤدي إلى إسقاط مثل هذه الرموز المستبدة.
نعم أيها الأخوة، الإمام الصدر كان يعي ماذا يريد ويعرف تماماً مكامن الضعف في الأمة، ولهذا كان تركيزه دائماً على بناء المؤسسات وعلى دورها في عملية الإصلاح وبناء المجتمع على قاعدة يكون فيها الإنسان هو المحور، وتنميته هي الغاية والهدف، لأن الإنسان هو أكرم المخلوقات عند الله تبارك وتعالى، ورسوله (ص) يقول: «ما من شيء أكرم على الله من ابن آدم» قيل: «يا رسول الله ولا الملائكة؟» قال (ص): «الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر». وفقنا الله جميعاً إلى مرضاته وهدانا إلى صراطه وجعلنا من المخلصين لله في ما نعمل وفي ما نقول يحكمنا قوله تعالى «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً».
نعم فإلى الكلمة السواء أيها الأخوة، إلى الكلمة الحق، التي تشرّع لنا آفاق التحاور وتوفر لنا سُبل التعاون لما فيه كرامة الإنسان وعزة الإنسانية.
والحمد لله رب العالمين