موقع الحرية في الاصلاح والتجديد

calendar icon 02 كانون الأول 2004 الكاتب:بهجت غيث

(مثله فضيلة الشيخ طلال سليم)

* مؤتمر "كلمة سواء" التاسع: موقع الحرية في الاصلاح والتجديد




بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون الكرام

شرفني صاحب السماحة الشيخ بهجت غيث شيخ عقل الموحدين بالمساهمة عنه والقاء كلمته  في مؤتمركم الكريم  مؤتمر الكلمة السواء التاسع وبدعوة  مشكورة من القيمين على مؤسسات الامام موسى الصدر، الامام المغيب في غياهب ظلمات هذا الزمن المسرع  بأهله الى المجهول وأصبح البحث عن حقيقة اختفائه لا يقل صعوبة عن البحث عن موقع الحرية في الاصلاح والتجديد. فالذي المَّ بالخليقة وجعلها تنهض وتفور دفعة واحدة هو الانكشاف عن الصورة الحقيقية لهذا العالم اذ لم يعد هناك مجال للتستر  والتمويه والاقنعة، ولا بدَّ  من الصراحة والوضوح، حيث لا يتحققان سوى بلغة العقل التي قد تخرج الذين تعودوا  سلوك التقليد الأعمى وسلس الانقياد دون التفكير بحقيقة واقعهم فباتوا يسبحون في مستنقع الاحلام والاوهام وينشطون لتسويق بضاعتهم الفاسدة عند المزيد من النوَّام. فغدا الحق غريباً نائياً عن أهله حيث خرجوا لجهلهم  بحقيقة جوهر الاديان  خرجوا عن حقيقتهم  الى حقيقة الشيطان، وانقلب الزمان وكاد الشر الأكبر أن يخدع العالم ويتمظهر بالخير الأكبر، فهذه معاني الأبلسة  والشيطنة والتدجيل وتلبيس الباطل بالحق  لإظلال الكثير من الخلق. ولا سبيل أيها الأخوة  للخلاص  من هذا الفخ الكبير إلا بيقظة  العقول، فلا منطق دون العقل وبه تعرف جميع الاشياء، وهو النور الذي جاء الى العالم بأحب الناس الظلمة أكثر من محبتهم للنور وهو الحق الذي ذكره الكتاب العزيز"  لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون أو ليس  الحق لغة النظام الكوني المخلَّص من هذه الفوضى العاتية  ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيرَّوا ما بأنفسهم.

أيها الأخوة الكرام ان المشكلة الحقيقية تكمن في الفهم والمعرفة لحقائق  الأشياء وليس في العلم والاطلاع على مواصفات الاشياء فالعلم متقدم ومزدهر ويسهل الحصول عيبه عبر الوسائل  المتعددة والمتطورة جداً ولكنه من فلسفة النفسِ وغرائزها ومطامعها التي تودُّ من خلالها تحقيق رغباتها  المادية المعنوية .

اما المعرفة فهي لطائف العقل وبذرة النور وشعاع الروح المسافر عبر محطات تبديل الاقمصة في رحلة الكينونة، فما لطف  فالى عالم العقل يرقي وما كثف ففي عالم الطبيعة يبقى، ومن هنا نفهم  ونعرف معنى الحرية  وموقعها  بلغة العقل دون القيود والاقنعة التي مزقها  الزمن وسقطت  في مرحلة الكشف الأخير لحقيقة الجوهر الواحد للانسان في مظاهرها المتعددة.

فلا اصلاح ولا تقدم ولا نمو إلا بفك القيود والانعتاق من القشور وملامسة اللب والجوهر بكل صدق ووضوح فأين نحن من الحق والحرية، وما يسمى بحوار الحضارات والثقافات وقد سادت لغة التكاذب والتزيَّف  والخداع  والتعصب والابتعاد عن الحق والممارسات المقنعة بالحرية  والديمقراطية التي تحكمَّ قبضة الاقطاع المالي والسياسي بالمكاسب والمناصب مما أوصل البلاد والعباد الى حالة اليأس والبؤس. فهذه هي الحرية المادية الخالية من القيم، فغدت اساساً للعبث والفساد والبارزين من خلال حضارة المآسي والكوارث حضارة العولمة المخادعة التي وصلت الى قمة الرقي المادي وقمة الانهيار الاخلاقي ومحاسن الاقوال المموهة  لقبائح الافعال.

اما الحرية المعقلنة فهي اساس الاصلاح والتجديد الذين لا يتحققان الا بتحطيم قيود  التقليد وسلاسل الاقطاع السياسي والديني وامتلاك حرية الفكر بلغة العقل وليس بعاطفة الشعوب العربية والاسلامية والمذهبية التي جعلت الأمة امماً والشعب شعوباً فلقد تقطعوا  امرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم  فرحون وها قد دارت الدائرة  وعادت الف البداية  للاتصال بألف النهاية  ويصح القول كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا انا كنا فاعلين، والحرية هي الخيار العقلاني  للانسان دون إكراه ولا إجبار فالخلق للخالق عزَّ وجل ولا ميزة  لاحد على الآخر إلا بما يتحلى به من الفضائل والقيم ومكارم الاخلاق وصدق الايمان والثقة بالحق  مع ذروة الصبر حتى تحقيق النصر، والخلاص  فردي بالاخلاص للحق وبصدق القول والعمل  وعدم الخوف من بشر مثلنا  كيلا يتسلط علينا. وما الخوف سوى وسخ الباطل الخفي في أعماق النفوس حيث وسوس وطغى وبان بصورة الشيطان الذي يحل من سجنه ليضل العالم في أربع زوايا الارض " رؤيا يوحنا" ففعل فعله وأوصل العالم المعكوس الى الاجل المحتوم والنقطة المرموقة نقطة النهاية  بعد فترة الامهال وحصاد غلال مقدمات الأعمال، فهم اختاروا طرقهم وانا اختار لهم مصائبهم وهذا هو العدل وحرية الخيار  في محطة التعبير فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها، وتأكدوا  ايها الأخوة  انه مهما علا الباطل فالحق  يُخمده وان عبد الحق هو الحر فقط والآخرون مستعبدون وهم لا يدرون.

أيها الأخوة المؤمنون فلنجعل لغات العقول اجهزة للتحكم بالقلوب والنفوس لنعرف حقوقنا وواجباتنا ونمارس حريتنا بكل جرأة وايمان بوجودنا ومستقبلنا عندئّذ تسمو الغايات  وتسلم النوايا فتنهض الهمم وتتحد بالحق الارادات  فيصبح الاصلاح معراجا نحو العز والمجد والرقي المنيع.

وفي الختام لكم الحرية يا اخوة الاديان ومحبة الايمان نخاطبكم بلغة العقل مع حرية الخيار والاختيار آملين ان نكون من أهل الرضى والتسليم والسعادة والسلامة بعيدين عن أهل الجهل والحسرة والندامة.

نسأله تعالى ان .....

عشتم وعاشت حرية الفكر في عقولكم وعاش الايمان في قلوبكم وعاش لبنان مصدر الاشعاع للعالم بنور الكلمة السواء ومحطة  لالتقاء الياء مع الاحبة الاتقياء.

source