كلمة غبطة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام

calendar icon 02 كانون الأول 2004 الكاتب:غريغوريوس الثالث لحام

مثله الاب الدكتور ميشال سبع
* مؤتمر "كلمة سواء" التاسع: موقع الحرية في الاصلاح والتجديد






أيها الحضور الكريم

بفخر ألقي كلمة صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الثالث

بطريرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك ناقلاً إليكم تحيته ومحبته،

أيها الأحباء،

بعض الشعوب كونتها دول وبعض دول كونتها شعوب، والشعوب التي تتكون بفعل الدولة تتغير وتتبدل حتى تثبت هويتها وهذه تحتاج لمئات السنين، وأما الدول التي أنتجتها شعوب فهذه تتجدد من ذاتها كالحية التي إن خلعت ثوبها أنتجت ثوباً متجداً من لحمها ونسيجها الحي. ونحن الشعب العربي أنتجنا عبر التاريخ دولاً متعددة الأشكال والأنواع وتجددنا وما زلنا نتجدد بفخر واعتزاز نخلع الإنسان العتيق لنلبس الإنسان الجديد المتجد مع روح العصر لا خارجاً عنه. "رومية 6/6" " كولسي 3/ 9 – 10/".

والتجديد في طبيعته هو الإصلاح، أما في قمته فهو الإبداع، والشباب مهيئون أكثر من غيرهم على الإبداع، والشباب ليس من كان بعمر الشباب فقط بل بروح الشباب أيضاً فكم من شيوخ ارتاح الشباب معهم فلم يرحل وكم من شباب كهلت أرواحهم فعجزوا.

لقد آمن إمامنا المغيب بقوة الشباب على الإبداع لأنه آمن بأصالتهم وآمن بتاريخ الشعب العربي الذي أنتجهم.

وإذا كان الإبداع والإصلاح من شيم التجديد فإن القيم هي التي تحميه وتصونه هي الأساس وأهمها الحق وأحقاقه، فلا يمكن لشعب أن يعيش حريته إن لم يكن له حقّ يدافع عنه ويرتجيه لأن الحرية لا أن نعيش ما نريد بل أن نسعى لحق والحق وحده يحررنا. "يوحنا 8/32"

إن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقتاله من أحل إحقاق هذا الحق يجعل منه فخراً للحرية، وأما الرضوخ للاستعمار والدخول معه في مساومات وعهود فهو إخضاع الحق للباطل وانتفاء للحرية ونسف لها. والسلام إن لم يكن حراً كان عبودية مقنعة.

وإذا لم يقم السلام بدءاً في فلسطين فلن يكون هناك سلام في كل بلاد الشام والعرب وبالتالي فلا سلام للعالم، وكل كلام عن الحرية هو استهلاك للعواطف.

كما أن الحرية لا تكون فردية ولا قبلية ولا عشائرية ولا طائفية، فهي إما أن تكون شاملة الجميع وإما لا تكون، لذا فإن النسيج اللبناني العربي بأجمعه مدعو لينسج ثوباً جديداً للبنان العربي الجديد.

نحن لا نسعى لصراع لأننا أبناء سلام، ومن كان له ملء التاريخ وحباه الله بجمال الجغرافية لا يسعى ليأخذ من أحد شيئاً، لكن الإسرائيليين الذين عبثوا بالتاريخ ونكبوه أرادوا أن يسرقوا جمالاتنا الجغرافية وجاراهم بذلك من فعل مثلهم أولئك المغامرون من الغرب الذين خرجوا عن تاريخهم إلى جغرافية غيرهم فصنعوا دولاً مرتزقة، هؤلاء يحتاجون إلى كثير من الفهم ليدركوا أن استضعاف الشعوب العربية لن يدوم، وأنهم لن يكونوا أكثر من عابرين، فالحضارات لا تهزها أمواج والبروج لا تسقطها رياح. وذات يوم سيعون أنهم بحاجة إلى أن يتحضروا كي يتفاهموا مع أبناء الحضارة العربية الأصيلة.

وإذا كان بعض العرب أو المتعربين لا يكونون على قدر حضارتهم فلأنهم لبسوا ثوباً فكرياً من غير نسيجهم وتعاملوا مع جسد الكلمة العارية دون أن يصلوا إلى شفافية الروح. لقد كان هؤلاء هم حجة الغرب في الهجوم على الاصالة ولن يكون اليوم بعيداً الذي فيه يعي القلة رشدهم العربي وينكفء أولئك عن نطح رؤوسهم بالرمال المحرقة.

أيها الأحباء،

الله الواحد الذي يجمعنا، والوطن الذي نعيش معاً فيه ومعه والحضارة التي هي منبعنا وتاريخنا ورجاؤنا المستمر، هذا كله كفيل أن يجدد كالنسر شبابنا "مزمور 102/5" وكفيل أن يجعلنا نبدع قوانين تصلح لنا، ونحن لا نحتاج لمن يعلمنا كيف تكون هي حرية الشعوب ولا كيف تبنى حضارات الأمم.

عشتم وعاشت الحرية معكم وعاش لبنان

source