افتتح مؤتمر "كلمة سواء" التاسع أعماله امس بعنوان "موقع الحرية في الاصلاح والتجديد" في قصر الاونيسكو.
وحضر وزير الثقافة ناجي البستاني ممثلا رئيس الجمهورية اميل لحود، النائب علي حسن خليل ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري، وزير الشؤون الاجتماعية غازي زعيتر ممثلا رئيس مجلس الوزراء عمر كرامي، الرئيس سليم الحص، الوزيران ياسين جابر وكرم كرم، النواب روبير غانم، نائلة معوض، محمود ابو حمدان، محمد رعد، محمد البرجاوي، عبد اللطيف الزين وعمار الموسوي، سفير ايران مسعود ادريسي، السيد علي فضل الله ممثلا المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، السيدة رباب الصدر شرف الدين والسيد ابرهيم محمد شمس الدين وحشد من الفاعليات.
وقدم حسين حماده الخطباء.
الصدر
شدد السيد صدر الدين الصدر في كلمته على "أهمية الاصلاح والتجديد والتغيير كونها ضرورات حياتية بها يتجدد الانسان وتتجدد الحياة في عملية تفاعل مع الظروف المحيطة".
ورأى ان "ليس في امكاننا اقامة حوار مع الخارج ما دمنا عاجزين عن اقامة حوار الداخل، اذ ان الصلح مع الذات شرط اساسي لتواصل مثمر وبناء مع الخارج، وانه آن لنا ان نغادر حال الاندهاش والتعجب المستحكمة فينا والتي أدت بنا الى المهانة والاستضعاف. ثقافة الاصلاح والتجديد تقتضي التصدي للجمود والانكفاء. وهذا معناه ضرورة فهم العصر الذي نحن فيه ومقتضياته وظروفه، كما يعني صوغ رؤية واضحة لمنظومة القيم والثوابت الاخلاقية والانسانية (...)".
دالي بلطة
والقى سماحة الشيخ محمد دالي بلطة كلمة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وقال: "غياب الحرية مقدمة طبيعية للغة الارهاب والعنف والبطش حيث يسود الصوت الواحد ويتجه الامر الى الغاء الآخر، وتشيع مخدرات التسيلم ومسكنات الاذعان والاستسلام. فيتوقف العقل وتتعطل انتاجية المجتمع وحيويته".
اضاف: "ان الاختلاف ناموس كوني وطبيعة انسانية، والحرية والاختلاف مفهومان متلازمان. وترتكز الحرية على الحوار ويكون الحوار مع الاخر المختلف. وعليه لا تنتهي الحرية عند حق التعبير، انما يستتبعها واجب الاستماع الى التعبير المغاير والا وقعنا في الاستبداد، و"احترام رأي الآخر هو الشق الذي يبنى به صرح الحرية في ظل ضوابط اخلاقية ومناقبية انسانية". وهذه ليست حالة مثالية للحرية بل هي تتم عبر تربية فاضلة ممكنة ومطلوبة من الحاكم والمحكوم، من الحاكم اولا ولا سيما ان أهل القانون قد ييبعونه لانه من وضع أيديهم، أما أهل الاخلاق فانهم لا يبيعونه لأنه "دمهم وروحهم وهواؤهم".
وحذر من ان "استعمال اميركا لمفاهيم التجديد والاصلاح والحرية يهدد صدقية تلك المفاهيم وخصوصا ان الولايات المتحدة تساعد على تثبيت الانظمة المستبدة".
سليم
وتلاه الشيخ طلال سليم باسم قائمقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، فطالب بـ"المكاشفة والصراحة اللتين لا تتحققان الا بلغة العقل، بينما يؤدي التقليد الاعمى الى الخروج عن جوهر الاديان وطغيان الشر الاكبر. وأكد "اننا نفرق بين الفهم والمعرفة من ناحية والعلم والاطلاع من ناحية مقابلة، اذ ان العلم متقدم ومزدهر ويسهل الوصول اليه، اما المعرفة فهي العقل وبذرة النور وشعاع الروح المسافر، ولغة العقل هي الكفيلة بفهم معنى الحرية. والحق والحرية مفهومان متلازمان، والحرية المادية الخالية من القيم توصل الى العبث والفساد وتؤدي الى حضارة المآسي والكوارث، "حضارة العولمة المخادعة".
مطر
وقال المطران بولس مطر في كلمة باسم البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير: "لفتنا اولا ان عنوان المؤتمر لم يذكر الارض ولا الاوطان التي تجري فيها عملية الاصلاح والتجديد هذه، يقينا من المنظمين انها من دون اي شك حاجة ماسة ومستمرة في كل وطن وفي كل ارض. فتأتي قاعدة الاقربين الذينهم الاولى بالمعروف لتشير الى مواجهة هذه الحاجة في لبنان، على ان لا ينحصر الاهتمام بهذا الوطن وحده بل يتعداه الى ما حوله من دول ومن اقطار، وكم بالحري اذا كانت هذه لنا دولا وأقطارا شقيقة نتفاعل معها ضمن واقع واحد ومصير واحد.
ولا بد ايضا نم ان يكون واضعو هذا العنوان بصورة المطلق يرغبون في ان يقودنا الفكر جميعا الى آفاق تشمل العالم بأسره والحضارة الانسانية بمجملها، فندرك اننا في هذه الارض العربية جزء من هذا العالم الواسع، نأخذ منه ونعطيه في مجال اختبار الحرية وكنه دورها، لا في عملية الاصلاح والتجديد وحسب بل في فعل الوجود الانساني نفسه وفي مسار التاريخ نحو اكتمال أبعاده ومعانيه.
يقول مفكر الماني من اوائل الازمنة المعاصرة، اي لمئتي سنة خلت، ان تاريخ الشعوب في علاقاتها مع الحرية يمر بمراحل ثلاث، أولاها تتصف بحرية الجماعة قبل الافراد وفوقهم. انه عهد العصور القديمة، حيث الافراد لم يصلوا بعد الى مستوى الثقافة الواسع وحيث الشعوب تتعاطى بعضها مع بعض عبر القوة وفرض الذات على الآخرين او الحذر منهم والاحتماء وراء حدود مسوّرة بالحديد والنار.
اما المرحلة الثانية من مسار الشعوب في علاقتها مع الحرية فهي مرحلة صعود الحرية الفردية التي تلهمها ديانات كالمسيحية والاسلام، لأنها تؤكد مسؤولية كل انسان عن ذاته وعن مصيره. انها مرحلة الاقرار بقيمة الشخص البشري كائنا من كان ومهما كان انتماؤه لأنه أخ لسواه بالانسانية، ومرحلة حقوق هذا الانسان في شعبه وأمته بالذات. وقد تطورت هذه الحرية فعلا في مجتمعات عديدة، الا انها جنحت نحو الوقوف في وجه المؤسسات العامة التي يفترض فيها ان تعبر عن ارادة الجميع وحقوق الجميع. ان هذه الحرية هي في وجه من وجوهها أثمن ما وصلت اليه الانسانية عبر تطورها الاجتماعي الحديث. الا انها تبقى ناقصة بفعل تهديدها للجماعة التي تنتمي اليها، كأن الانسان الحر فرد منعزل لا انتماء له يجمعه بالآخرين او يقوده الى تحقيق ذاته الجماعية مع ذاته الفردية. وخير دليل على نقص هذه الحرية الفردية نجده في الاقتصاد الحر المتفلت من كل قيد حتى من القيد الاخلاقي نفسه في بعض الاحيان (...)".
وختم: "(...) تعالوا يا أهل لبنان نتوّج فرح التحرير بفرح الحرية ونثبّت ثمار التحرير بعبقرية الحرية، محوّلين الحرية فينا قوة عقلانية في سبيل لبنان افضل وعروبة افضل وعالم افضل، على صورة احلام الامام الصدر بانسانية مملوءة انسانية، اي غير فارغة منها ولا خارجة عليها".
نجم
والقى الاسقف الياس نجم كلمة بطريرك الروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع: "الحرية هي كما الهواء والماء والغذاء، وهي في حاجة دائمة وماسة الى اصلاح وتجديد وحيوية لتسود العدالة الاجتماعية وتترسخ الحرية وتعم الفرد والمجتمع على حد سواء، فتعيش المجتمعات البشرية حياة مثالية متكاملة لا يسودها الطغيان والظلم والاستعباد، بل الانسجام وتكافؤ الفرص والالفة والمحبة، لان هبات الله عز وجل لهذا الكوكب الارضي، كافية لسعادة كل الناس من دون استثناء، شرط ان تسود العدالة وتعم الحرية مع ما يرافق ذلك من اصلاح وتجدد دائمين مواكبة للعصر ومعطياته وتطوره. فكما الانسان في حاجة الى الغذاء والماء ليستمر في الحياة، هو في حاجة ايضا الى الحرية وبنفس السوية لتكتمل ظروف حياته. والحرية ايضا تتكامل مع وحدتنا في مواجهة الصعاب".
وقال: "نحن أوفياء للحركة التي قادها سماحة الامام موسى الصدر والتي انطلقت من رحم الواقع العربي، واستلهمت حضارة عربية قديمة سادت على مدى قرون خلت، وساهمت من خلال القيم الانسانية التي حملتها في تطور الحضارة العالمية. ان في هذه الحركة تتجدد الحركات الاصيلة والعلم لازالة الشوائب والمعوقات، لينعم المجتمع بالخير والحق والجمال. وفي المناسبة، نذكر المجتمع الدولي وعلى رأسه الامم المتحدة ومجلس الامن بألا تكون لديه ازدواجية في المعايير وأن يرعى السلم الدولي بحكمة وعلم وتقنية ودراية من دون تمييز، نلتزم بقراراته شرط ان تكون عادلة وتطبق على الجميع من دون استثناء (...)".
سبع
والقى الاب ميشال سبع كلمة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، واستهلها بالتفريق بين الدول "التي تكونها شعوب، والشعوب التي تتكون بفعل الدول. وهذه تتغير وتتبدل حتى تثبت هويتها وكيانها. اما الدول التي تكونها الشعوب فانها تتجدد باستمرار. والتجديد بطبيعته هو الاصلاح، وهو في قمته الابداع، ويحتاج الى روح الشباب، وهو مرتكز على قيمة الحق. فلا يستطيع شعب ان يعيش حريته ان لم يكن له حق يدافع عنه ويرتجيه. وخير مثال هو الشعب الفلسطيني، "فخر الحرية"، صاحب لحق في تقرير مصيره وفي القتال من اجل احقاق حقوقه، بعيداً عن المساومات "والسلام ان لم يكن حراً كان عبودية مقنعة". واذا لم يبدأ السلام في فلسطين فلن يكون هناك سلام في كل بلاد الشام والعرب، وبالتالي فلا سلام للعالم، وكل كلام عن الحرية يكون استهلاكاً للعواطف. كما ادان الغرب الخارج عن "تاريخه الى جغرافية غيره ليصنع منها دولاً مرتزقة"، وهذا الغرب مدعو الى فهم اكثر ليدرك ان استضعاف الشعوب العربية لن يدوم.
والنسيج اللبناني العربي مدعو لينسج ثوباً جديداً للبنان العربي الجديد، حيث الحرية للجميع بعيداً عن الفردية الشعائرية والقبلية والطائفية".
قبلان
ختاماً، تحدث نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان: "(...) "ان نبدأ من الذات الانسانية في رحلة الانتقال نحو الافضل، هذا لا يتحقق الا بالحرية التي شدد عليها الاسلام رافضاً اكراه الناس على الدين. فوظيفة الدين الحرية المسؤولة، وهي في الاسلام نص ومضمون، تطبيق وممارسة، وتجسيد للعدل. انها علم وتفكر وتبصر بعيداً عن الغوغائية. واستشهاد الامام الحسين خير دليل على ان الانسان بلا حرية، حسب الاسلام، هو انسان بلا روح. لهذا كان استشهاده دفاعاً عن قيم الحرية والكرامة الانسانية. وارادة الله في خلقه ان يكونوا كرماء اعزاء احراراً".ودعا عبر مؤتمر "كلمة سواء" الى "التحرك والبحث في تفاصيل العنوان المطروح. والى تبني الحرية والاصلاح والتغيير"، كمشروع للمثقفين والمفكرين عبر الاوطان العربية والاسلامية، يجاهدون من اجل تحويله واقعاً نعيشه علماًً وفكراً وعملاً. وتأزم الاوضاع في الامة يستدعي المجابهة بالاصلاح الذي نحن صانعوه وبالتغيير الذاتي وليس المستورد المفروض".
ويتابع المؤتمر اعماله اليوم في قصر الاونيسكو، فينظم ثلاث جلسات يتحدث فيها عدد من رجال الدين والاساتذة الجامعيين. ويصدر المؤتمرون بيانهم الختامي مساء.
