المسلم في المنظور الغربي

calendar icon 03 كانون الأول 2004 الكاتب:يوسف كفروني

* مؤتمر "كلمة سواء" التاسع: موقع الحرية في الاصلاح والتجديد

هل يمكن الحديث عن المسلم كمفهوم مجرد؟ وهل يمكن لمثل هذا المفهوم أن يعبر عن المسلمين مهما اختلفت أو تباينت مذاهبهم وحركاتهم؟

وهل يمكن الحديث عن الغرب كمفهوم مجرد؟ وهل الغرب كتلة واحدة لا تمايز ولا تناقض داخلها؟.

من مصلحة دعاة الصدام الحضاري التبسيط والتعميم من خلال ثنائيات يجري تصويرها كثنائيات متناقضة: شرق/ غرب، مسلم/ مسيحي، الخ...

الحضارة الغربية ليست حضارة مسيحية ولا يهومسيحية كما يحلو للبعض أن يصورها. إنها حضارة علمانية، عقلانية، علمية، إنها بنت الثورة الصناعية وما سبقها وما رافقها من ثورات فكرية وعلمية وسياسية، وما تلاها من تقدم هائل في المعرفة العلمية والتقنية وصولاً إلى ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الحيوية.

لقد أرست هذه الحضارة أسس الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات، وأكدت على قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان. ونشأ في داخلها العديد من التيارات الفكرية والسياسية المتباينة والمتناقضة: من الاتجاهات المغرقة في العنصرية والشوفينية والعدوانية، إلى الاتجاهات الإنسانية المتسامحة والرافضة لسيطرة القيم المادية والنفعية.

وقد أسست هذه الحضارة لعصر الاستعمار الذي طاولت مظالمه معظم شعوب العالم. وكنا قد ظننا أن عصر الاستعمار قد ولى ولم يتبق سوى الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين فجاء الاحتلال الأميركي للعراق ليكذب هذا الظن.

ثمة تعميم لصور نمطية سلبية عن المسلم في الغرب، وهي صور محملة بالأوهام والخرافات والتعصب وهي غير علمية وغير موضوعية.

هذه الصور السائدة يمكن دراسة تشكلها من خلال الأبعاد الدينية والتاريخية والأدبية والإعلامية. ومن خلال صراع المصالح على ضوء الخلفيات السياسية.

الحديث عن صور سائدة لا يعني غياب الصور الإيجابية وإن كان حضورها ضعيفاً كما لا يعني ثبات الصورة وعدم إمكانية تغييرها أو تعديلها.

ولا يمكن في هذا المجال إغفال قوى اليمين الغربي المتطرف خاصة في أمريكا، هذا اليمين المتحالف مع اللوبي الصهيوني، والذي يدفع بالسياسات الأمريكية إلى مزيد من الظلم والقهر بحق الشعوب العربية والإسلامية، الأمر الذي يدفع هذه الشعوب باتجاه قوى التطرف دفعاً حثيثاً وهذا الاتجاه سابق لأحداث 11 أيلول التي زادت قوى التطرف حدة.

ثمة مصلحة كبرى للحركة الصهيونية في دفع التصادم بين المسلمين والمسيحيين ومع الأوروبيين خاصة حيث يتواجد أكثر من 20 مليون مسلم في أوروبا الغربية ومع الغرب كله بشكل عام، فهذا ما يريحها ويؤمن استقرار كيانها العنصري إلى أمد بعيد.

إن قوى التطرف الإسلامي التي تنظر إلى الغرب ككتلة واحدة وتتحدث عن العدو الصليبي اليهودي، تدعم بهذا الموقف الرؤية والاستراتيجية الصهيونية، ولا تخدم بذلك لا العروبة ولا الإسلام.

بداية الصورة

شكل الانتشار السريع والكاسح للإسلام في القرن السابع الميلادي صدمة قوية لأوروبا وللكنيسة المسيحية الرسمية التي سيطرت بعد الاعتراف بشرعيتها منذ القرن الرابع الميلادي.

لقد شكلت الدولة الإسلامية الصاعدة تهديداً حقيقياً وخطيراً لأوروبا، فقد استطاعت بسرعة قياسية أن تقضي على امبراطوريتين كبيرتين: البيزنطية والفارسية.

لا شك أن هذا الظهور المفاجىء والكاسح أرعب الأوروبيين ويشكل أساساً في الصورة الذهنية التي تكونت عن الإسلام.

أما على المستوى الديني فقد أربك ظهور الإسلام الكنيسة الرسمية على مستوى حضورها العددي الذي بدأ بالتراجع مع ظهور الإسلام وعلى مستوى رؤيتها الدينية التي لم تكن لتقبل ظهور دين جديد ونبي جديد وإن كان يلتقي في الكثير من المعتقدات معها. لقد اعتبرت الكنيسة المسيحية أن ملء الزمان كان بمجيء المسيح الذي بشر به الأنبياء في العهد القديم والذي رسم طريق الخلاص بتضحيته بنفسه ليفدي الجنس البشري من الخطيئة الموروثة من آدم. لذلك لم يعد هناك أي معنى وفق هذه النظرة لمجيء أي نبي.

لذلك فالنظرة إلى الإسلام بدأت أولاً من الشرق المسيحي الذي أصبح خاضعاً لدولة إسلامية بعد أن كان خاضعاً لدولة مسيحية أجنبية. وكانت هذه النظرة تعتبر الإسلام هرطقة مسيحية ومحمد مدعي نبوة علّمه آخرون، وانتقلت هذه الصورة إلى الغرب مع ما رافقها من الأوهام والخرافات والأساطير.

هذه النظرة من مسيحية الشرق لا يمكن تعميمها لأن القسم الأكبر من المسيحيين رحب بالمسلمين واعتبر أن ثمة روابط فيما بينهم أكبر من تلك التي تجمعهم مع البيزنطيين.

كما أن قسماً كبيراً من الجماعات المسيحية المناهضة للكنيسة الرسمية وجدت نفسها أقرب إلى الإسلام واندمجت فيه.

يقول أليكسي جورافسكي "التصورات الأوروبية عن الإسلام تشكلت ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر وهذه التصورات تكونت في كثير من جوانبها على خلفية التفسير المسيحي الشرقي للإسلام" [أليكسي جورافسكي ـ الإسلام والمسيحية ـ عالم المعرفة 215 تشرين الثاني 1996 ـ الكويت، ص 70].

وانتشر العديد من الخرافات التي نظرت إلى الإسلام ونبيه بشكل يتناقض كلياً مع حقيقته وواقعه. ويتابع أليكسي جورافسكي بالقول "تكونت في وعي الأوروبيين في القرون الوسطى ملامح اللوحة التالية عن الإسلام: إنه عقيدة ابتدعها محمد، وهي تتسم بالكذب والتشويه المتعمد للحقائق، إنها دين الجبر والانحلال الأخلاقي، والتساهل مع الملذات والشهوات الحسية، إنها ديانة العنف والقسوة... ورسم الإسلام على هيئة نموذج قبيح سيء يتعارض ويتناقض كلياً مع النموذج المثالي للمسيحية بوصفها ديانة الحقيقة، التي تتميز بالأخلاق الصارمة وروح السلام، وبأنها عقيدة تنتشر بالإقناع وليس بقوة السلاح" (م.ن ص 75).

منذ نهاية العصر الوسيط لم يعد الإسلام يشكل تحدياً أو منافساً لأوروبا. وبالرغم من رفض الإسلام إلا أنه بدأت محاولات جادة لفهمه وإزالة الخرافات التي ترسخت في القرون الوسطى، ولكن هيمنة القوالب الذهنية للصورة المشكلة سابقاً بقيت قائمة.

"مارتن لوثر تهكم على تصورات القرون الوسطى الأوروبية حول الإسلام وتحدث عن خرافات الأوروبيين وجهالاتهم حيال الإسلام ورفض فكرة الحروب الصليبية.

ولكن ما إن اقتربت الجيوش التركية ـ العثمانية في سنة 1529 من فيينا، حتى تغيرت تلك اللهجة فأصبحت أكثر عدائية وحدة. وانبعثت القوالب القروسطية التقليدية من جديد، مركزة على وصف الإسلام بأنه دين العنف، الذي يخدم المسيح الدجال وأن المسلمين معادون للعقل والعقلانية، ولهذا فإنه لا فائدة ترجى ولا طائل من محاولة تنويرهم وتحويله نحو الإيمان الصحيح، ولكن الحل الأجدى هو مجابهتهم بقوة السيف وحده" (م.ن ص 97).

وفي إطار الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستانت أصبح اتهام بعضهم بعض بالإسلامية هو الموضة الرائجة.

تطور النظرة الدينية المسيحية إلى الإسلام

تطورت النظرة المسيحية إلى الإسلام في الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية بشكل إيجابي ولم تعد النظرة العدائية والخرافية إلا في أذهان بعض رجال الدين من المسيحية المتصهينة أمثال القس بات روبرتسون والقس جيري فالويل الذين يشتمون باستمرار الإسلام ونبيه واصفين الإسلام بأبشع النعوت.

في دراسة لـ سولوفيوف "محمد، سيرته وتعاليمه الدينية" صدر 1896، يدافع عن الإسلام بالقول: "في مكة ولد هذا الإنسان الذي نفذت من خلاله وعود الرب التي قطعها حول إسماعيل جد العرب وجد نبيهم هذا" [أليكسي جورافسكي ـ الإسلام والمسيحية ـ عالم المعرفة 215، الكويت تشرين الثاني 1996، ص 116].

لقد شكلت هذه النظرة الجديدة المتطورة الفكرة المركزية في دراسات المستشرق الكاثوليكي لويس ماسينيون والذي كان من أبرز المناضلين دفاعاً عن القضايا العربية والإسلامية.

الإسلام بالنسبة لماسينيون أكبر من أي بدعة مسيحية: فهو يشكل وحدة عقائدية مستقلة تتمتع بمباركة الرب لأنها ترجع من حيث منابعها إلى الصلاة الثانية لإبراهيم في بشر سبع عن ولده إسماعيل وشعبه العرب تكوين 17: 17 ـ 18 و 21: 9 ـ 21 والقرآن سورة الحديد، 2 ـ 27 ـ (م. ن ص 124).

ورأى ماسينيون أنه بإمكان المسيحيين بل من واجبهم الاعتراف بالمصداقية النسبية للقرآن والاعتراف الجزئي المشروط بنبوة محمد. (م.ن. ص 125).

وفي المجمع الفاتيكاني الثاني 1962 ـ 1965 يتحدث للمرة الأولى بصورة إيجابية عن المسلمين معترفاً بوصفهم الديني المتميز، ولهذا شبهت المطبوعات الكاثوليكية التغير الحاصل في موقف الكنيسة تجاه الإسلام بالانقلاب الكوبرينكي. [أليكسي جورافسكي ـ الإسلام والمسيحية عالم المعرفة الكويت ـ تشرين الثاني 1996 ـ ص 137 و138].

وأشار المجمع  للمرة الأولى إلى المسلمين في إطار معالجته مكانة غير المسيحيين في عقيدة الخلاص: إن الفداء التكفيري الذي قدمه المسيح كان من أجل الناس جميعاً بصرف النظر عن عقائدهم، إن المسيحية لا تشمل سوى جزء من البشرية، إذن ليست هي الطريق الوحيد للخلاص، إن أشكال الغفران والخلاص الإلهي متنوعة في العالم [م. ن ص 142].

إن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار أيضاً إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء خالق السماء والأرض ومكلم البشر" [م.ن ص 143].

تكوين الصورة من خلال الدراسات الاستشراقية

شكل الصليبيون مصدراً للمعلومات خلال حروبهم الطويلة ضد المسلمين ثم جاءت كتابات التجار والرحالة أشهر هؤلاء أديلارد، وجون ماندفيل الذي يصف شعب الشرق بأنه شرير خبيث، لكنه يتمتع بقيم إنسانية رفيعة ومتفوقة ويحب الحرية والاستقلال [حلمي ساري ـ صورة العرب في الصحافة البريطانية ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت 1988 طبعة أولى، ص 27].

في القرون اللاحقة وخاصة في القرن السادس عشر وما بعد لم تعد أوروبا الغربية في حالة دفاع ضد التهديد الإسلامي. بل أصبحت في موقع القوي والمهيمن. كتابات الرحالة والتجار في هذه المرحلة، تظهر العرب على أنهم شعب خطر وفظ وعدائي، [م. ن ص 28].

في عصر الأنوار وفي إطار صراع المفكرين ضد السلطة الاستبدادية و التعصب كان يجري استخدام الإسلام في السجال الدائر محملينه كل التعصب والاستبداد والجهل.

رأى فولتير في شخص النبي محمد نموذج التعصب الديني والطغيان الثيوقراطي الذي يستغل مشاعر الناس البسطاء ومعتقداتهم الساذجة لأجل بلوغ غاياته الشريرة.

وبهذا الصدد كتب فولتير إلى بعض أصدقائه قائلاً: إنني أتصور محمداً متعصباً، عنيفاً ومحتالاً وعاراً على الجنس البشري الذي من تاجر أصبح نبياً مشرعاً وملكاً.. [أليكسي جورافسكي ـ الإسلام والمسيحية ص 155].

وفي نقد الإسلام وجدت الأنتلجنسيا الأوروبية تعبيراً عن نزعاتها وأمزجتها المعادية للأكليروس وللسلطات الملكية المطلقة. وهؤلاء هم الذين عمموا فكرة رجعية الإسلام والزعم بعدائيته للتقدم وللتطور الاجتماعي والثقافي للشعوب. وهي الفكرة التي صارت في القرن التاسع عشر قالباً نمطياً شائعاً لأبعد الحدود. [أليكسي جورافسكي ـ الإسلام والمسيحية. ض 102].

في القرن التاسع عشر اجتاحت بلدان الشرق موجة قوية من القادمين الأوروبيين شملت العسكريين والتجار والمبشرين والإداريين والكوادر التقنية والعلماء من اختصاصات مختلفة وفي أحشاء المخططات الاستعمارية ولد علم الإسلاميات الذي أضفى صبغة علمية على الأضاليل القديمة والخرافات والقوالب النمطية الغربية عن الإسلام [م. ن ص 104 و105].

وفي كتاب الاستشراق يظهر ادوار سعيد المواقف العنصرية والتبريرات التي لجأ إليها البريطانيون لاستعمار الشعوب.

بلفور يعتبر أن الاختلاف غرب شرق هو اختلاف في المزايا الطبيعية. فيقول: "إن الأمم الغربية فور انبثاقها في التاريخ تظهر تباشير القدرة على حكم الذات... لأنها تمتلك مزايا خاصة بها... ويمكنك أن تنظر إلى تاريخ الشرقيين بأكمله فيما يسمى بشكل عام المشرق دون أن تجد أثراً لحكم الذات على الإطلاق ـ كل القرون العظيمة التي مرت على الشرقيين ـ ولقد كانت عظيمة جداً ـ انقضت في ظل الطغيان... لا ترى أمة واحدة من هذه الأمم تؤسس بدافع من حركتها الذاتية ما نسميه نحن، من وجهة نظر غربية حكم الذات.

أهو خير لهذه الأمم العظيمة ـ وأنا أعترف بعظمتها ـ أن نقوم نحن بممارسة هذا النمط من الحكم المطلق؟ في ظني أن ذلك خير" [ادوارد سعيد ـ الاستشراق ـ ترجمة كمال أبو ديب ـ مؤسسة الأبحاث العربية ـ بيروت ـ الطبعة الأولى ـ 1981 ـ ص 64 و65.

ويرى كرومر أن الافتقار إلى الدقة هو في الواقع الخصيصة الرئيسة للعقل الشرقي... فالشرقي بوجه أو بآخر وبشكل عام يتصرف ويتحدث وينكر بطريقة هي النقيض المطلق لطريقة الأوروبي... [م. ن ص 69 و70].

لقد اهتمت أميركا بالدراسات المتعلقة بالمنطقة العربية والإسلام بعد الحرب العالمية الثانية حيث برزت كقوة عظمى.

وفي هذا الإطار تبرز الدراسات التي قدمها غرونبوم وبرنارد لويس.

غرونبوم يتهم المسلمين العرب بأنهم غير قادرين لعدم الاستعداد الكامن فيهم، إلى التغير العميق وعلى فهم طبيعتهم وتاريخهم ذاته، كما وجدهم خاملين وسلبيين  لذلك فإن علاجهم الوحيد هو تلقي الاستنارة من الغرب المنظور.

[د. حلمي ساري ـ صورة العرب في الصحافة البريطانية ـ مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1988 ص 69.

ويرى لويس أن الإسلام بطبيعته استبدادي، عدواني وغير ديمقراطي، ويعزو إلى العرب صفات الأنانية وعدم الكفاءة والعجز عن التحديث. [د. حلمي ساري ـ صورة العرب في الصحافة البريطانية ص 69، و70].

في كتابات الرحالة والمستشرقين عن العرب والمسلمين ثمة كتابات عن البدو/الأعراب أو عن القراصنة، ويجري الخلط بين العرب والأعراب والقراصنة والمسلمين لتدخل كل الأوصاف السلبية في صورة المسلم.

أما الكتابات الإيجابية لبعض المستشرقين فلم يكن لها التأثير في تغيير الصورة لأن هذا يتناقض مع الدوافع الاستعمارية.

لذلك لا يمكن إغفال المواقع السياسية والأهداف التي كانت وراء كتابات المستشرقين.

أما صورة العرب في الثقافة الشعبية والعلوم الاجتماعية فتعكس أثر الاستشراق العميق الذي شكل المرجعية لهؤلاء الكتاب مما كرر القوالب الذهنية عن الإسلام والعرب.

الصورة في كتب التربية

إن صورة العرب والمسلمين في الكتب المدرسية سواء في فرنسا أو أميركا أو غيرها من الدول الغربية هي بالإجمال سلبية وتنعت العرب بالمتمردين والنهابين والمخربين والسفاحين... وتؤكد على التعصب الكامل للإسلام... [د. قيس العزاوي ـ صورة الإسلام في الغرب الذات والآخر في الإعلام المعاصر ـ مركز الصدر بيروت 2003 ـ ص 192 ـ 193].

يورد حلمي ساري في دراسة صورة العرب في الصحافة البريطانية ـ بعض دراسات علماء الاجتماع والتي تدرس في المدارس الابتدائية والثانوية في أميركا كما يعرض لدراسة أياد القزاز أستاذ علم الاجتماع في جامعة ولاية كاليفورنيا الذي حلل محتويات ستة وثلاثين كتابا مدرسياً للعلوم الاجتماعية مقررة للتدريس. وعرض أيضاً لدراسة شارون أبو لبن التي حللت محتوى الكتب المقررة في مدارس الأحد البروتستانتية.

ويظهر بشكل واضح الصورة السلبية عن الإسلام والعرب التي يجري تلقينها للأطفال في المدارس وهي صورة عدائية ولا سامية وعنصرية.

ففي دراسة رفائيل بتاي عن العقل العربي يعتبر أن الشخصية الشكلية العربية الأزلية (الطبيعة القومية) هي المسؤولة عن عدم القدرة مطلقاً على التحديث رغم جهود الغرب المتواصلة للمساعدة في هذا الأمر وتحوي هذه الشخصية السمات التالية: الميل إلى استبدال الفعل بالقول، الميل إلى الاعتماد على الماضي، عدم الميل لبذل الجهود لتغيير أوضاع قائمة. النزعة للجوء إلى التهديدات الشفهية امتعاضاً دون أن يعقبها فعل، الميل إلى التهويشات والمبالغة والإفراط في التوكيد والتكرار، عدم احترام عامل الوقت والافتقار للحس بالزمن، لغة قاصرة عن أداء عدد من الأفكار والأشياء، شخصية منفصمة، التذبذب، الإيمان بالقضاء والقدر ومقت الجهد ابتغاء التحسين ، هياج الطبع، نزوات الغضب، العدوان والعنف، نمط مفكك من السلوك والافتقار نسبيا إلى الترابط بين المستويات الثلاثة للوجود الإنساني الأفكار والألفاظ والأفعال عمليات فكرية بمعزل عن الواقع، النزعة إلى الخصام والمشاكسة وعقدة النقص التي لا مبرر لها للغرب" [حلمي ساري ـ صورة العرب في الصحافة البريطانية ص 80 و81].

وفي دراسة القزاز يجد أن الكتب المدرسية تتناول الإسلام بشكل مشوه فتصوره أنه دين مولع بالقتال وهو انتشر بالسيف والصورة الأخرى المهيمنة هي صورة الرق واستعباد المرأة من قبل الرجل. والتأكيد ينصب على عنصر البداوة في حل المجتمعات العربية ولم يفت كتاباً واحداً ذكر الجمل والصحراء والبدوي. [م. ن ص 88 و89].

وهذا ما تتوصل إليه شارون أبو لبن في دراستها لمحتوى الكتب المقررة في مدارس الأحد البروتستانتية حيث ينظر إلى اليهود كشعب الله المختار وإلى فلسطين أرض الميعاد وينظر إلى الإسلام بصفته ديانة غريبة وأدنى شأناً. مع التشديد على أن العربي هو بدوي معتد يتطفل على أراضي الآخرين. [م. ن ص 92].

تكوين الصورة من خلال وسائل الإعلام

تسهم وسائل الإعلام الأمريكية في تكوين الرأي العام ليس فقط في أمريكا بل أيضاً في أوروبا. وذلك من خلال المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي تزود الصحف والمجلات والإذاعات و التلفزيونات بالأخبار السياسية والثقافية وغيرها بشكل واسع.

وإذا علمنا مدى النفوذ الصهيوني في هذه المؤسسات لا نستغرب استمرار تشويه صورة المسلم ودفع الغرب باتجاه الصدام والصدام المستمر معه.

وتستمر الصورة السلبية للمسلم والعربي في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة ويجري عرض العرب في الرسوم الكاريكاتورية بملابس بدائية وعليهم سمات الأوغاد والشريرين الكريهين والمنفرين ويجري تصويرهم في السينما والتلفزيون كشيوخ أشرار وجبناء وأغنياء ومهووسين جنسياً. وتعزز وسائل الإعلام صور الهلع والخوف المرضي من الإسلام. وتطرح عناوين استفزازية عن الإسلام مثل الإسلام والإرهاب "والإسلام والسيف و"القرآن والعنف" و"الإرهاب الإسلامي".

الصدام والحوار

السياسة الأمريكية تعزز التصادم مع الإسلام وتدفع المعتدلين من المسلمين إلى دائرة التطرف والعنف.

إن الدراسات الأكاديمية التي تتناول الإسلام ليست دراسات بريئة إن دراسة موجهة لأغراض سياسية وهي أبعد ما تكون عن العلمية والموضوعية.

في كتاب صدام الحضارات يعتبر صموئيل هانتغتون أن المشكلة ليست مع بعض المتطرفين الإسلاميين بل مع الإسلام كله مع الحضارة الإسلامية.

ويعتبر أن العداء الإسلامي المتزايد للغرب يقارن بالقلق الغربي المتزايد من الخطر الإسلامي المتمثل في التطرف.

[صموئيل هنتجتون ـ صدام الحضارات ـ وأرسطور ـ مصر 1998 ـ ص 338 ولكن ثمة أصوات كثيرة في الغرب ـ تنظر بشكل موضوعي إلى الإسلام وإلى ضرورة الحوار وتفهم مشاكل العالم الإسلامي بشكل علمي وموضوعي.

يقول إيمانويل تود: "إن الإسلام على وجه الإجمال يجتاز أزمة التحديث ولذلك لا يمكن أن يكون واحة سلام. والبلاد المتقدمة والهادئة لا تستطيع أن تتفاخر باستقرارها الراهن، حيث أن نظرة تأمل في تاريخها جديرة بأن تقلقها وتنغص عليها هدوءها". [إيمانويل تود ـ ما بعد الامبراطورية دراسة في تفكك النظام الأميركي ـ دار الساقي ـ بيروت 2006 ـ الطبعة الثانية ص 63.

ثمة أصوات كثيرة تدين الظلم والإرهاب الذين تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية بحق الشعوب العربية والإسلامية وهي أصوات صادقة ومتفهمة لأهمية الحوار في عالم قد يقوده المجانين إلى كارثة تنهي الحياة البشرية.

الحوار هو الكلمة السواء التي دعا إليها الإسلام في القرآن الكريم وهو محبة الآخر المختلف التي دعا إليها المسيح "لأنه أي فضل لكم إذا كنتم تحبون الذين يحبونكم".

فالمطلوب أن يقبل الآخر كما هو وإلا فإن وضع شروط لقبول الآخر هو إلغاء للآخر المهم أن يحترم كل واحد الآخر المختلف عنه، أن يقبله كما هو انطلاقاً من مفاهيم وقيم تساوي بين الجميع فمن غير المقبول وضع قوانين خاصة ومعايير خاصة.

source