* كاتب وباحث – المدير العام لمركز يافا للدراسات والأبحاث - القاهرة
* مؤتمر "كلمة سواء" التاسع: موقع الحرية في الاصلاح والتجديد
إن الناظر لما يجري في العراق وفلسطين اليوم، من إجرام وإرهاب دولة فاق الحدود والأعراف ، لا يمكنه بحال من الأحوال أن يسأل وهو هادىء النفس، والضمير: كيف ينظر المسلمون الى الآخر .... تحديداً الى الغرب؟ وهل هم يعتبرونه في حال حوار معهم أم في حالة صدام؟
ان قسوة وعنف المذابح التي يمارسها هذا (الغرب) وإصرار أمريكا على إصدار قوانين مؤيدة لإسرائيل وحدها باسم قوانين مكافحة العداء للسامية واستمرار الانحياز الرسمي الغربي ضد المصالح والحقوق الاسلامية جميعها في العراق، وفي فلسطين تغني وحدها عن الاجابة ، وتقدم وحدها ببلاغة الألم وعنفوانه، الرد على السؤال ..
* ولكن ....
لأن الغرب لا يمكن اختزاله في الاجرام الأمريكي ، والإسرائيلي (وبإعتبار الأخير أحدث النتاجات الحضارية السيئة لهذا الغرب)، ولأن المسلمين ليسوا كلهم سواء وليسوا كلهم (النبي محمد صلى الله عليه وسلم) ، ولكن منهم المتطرف في دينه أو دنياه الى الحد الذي أساء بدوره لهذا الاسلام العظيم ؛ لذلك فإن الرؤية الاسلامية الصحيحة للغرب أعمق وأكثر تعقيداً من النظرة العامة التبسيطية، التي ترى هذا الغرب إما (خير مطلق) أو (شرُ مطلق) ، الأمر بحكم جدلية العلاقة التاريخية الاسلامية / الغربية أكثر تركيباً من ذلك ، فمما لا شك فيه ان المسلمين ينطلقون في نظرتهم " للغرب " ، كما هي نظرتهم للآخر الديني أو الحضاري ؛ من الآية الكريمة (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، ان الله عليم خبير- الحجرات 13) والآية الكريمة (لكم دينكم ولي دين - الكافرون 6) ولكن الحاكم الرئيسي لنظرتهم تنطلق من قوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ، أن تبروهم وتقسطوا اليهم ، ان الله يحب المقسطين - الممتحنة 8) ..
ان أساس النظرة إذن يقوم على البر و(العدل) طالما لم يسبق أو يلازم هذا (البر) أو العدل عدوان أو تعدي على الحقوق ، ساعتها يصبح من واجب المسلمين تمثل الآية الكريمة قولاً وسلوكاً (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم - البقرة 194) ..
* إن نظرة المسلمين الى الغرب إذن لا تجعله سواء ، فإن من الغرب من لم يقاتلنا ولم يعتدي علينا ، من الغرب من يقف الى جانب حقوق هذه الأمة ربما بأفضل من بعض أبنائها ، وبالقطع نحن نقصد تحديداً العديد من منظمات المجتمع المدني ونفر من المثقفين ذوي الضمير الحي وبعض الهيئات الشعبية التي التحف بعضها باسم (حركات مناهضة العولمة) وقاد تظاهرات ضد الوجه القبيح العدواني لهذا (الغرب) ، إن هؤلاء يحتاجون إذن الى حوار ، ويحتاجون الى أن نقدم لهم الاسلام الصحيح ، الذي يدعو الى (الحوار) ، والى (العدل) ، و(التسامح) ولكن – بشرط واحد ، واضح وبسيط ومحدد - مع مَّن لم يعتد علينا ..
* نحسب أن هذا (الغرب) الذي يعتد فريق منه الآن علينا ويفرض حواراً من نوع آخر على هذه الأمة ، حوار يقوم على القوة والاكراه ، على الإجبار وسياسات الإرغام وفرض الأمر الواقع والتدخل في شئون العباد باسم (الاصلاح) أو (الديمقراطية) ، نحسب أن هذا الغرب يحتاج الى أن نعلمه حقائق الاسلام وأصول نظرة المسلمين للآخر ، القائمة على (العدل) وعلى لغة الحوار والجدال بالتي هي أحسن ، لنتأمل في هذا السياق كلمات جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) الى نجاشي الحبشة – حين أرسلت قريش وفداً يطلب من النجاشي طرد المهاجرين المسلمين – يصف المنزلة التي رفعهم الاسلام اليها ويبين له التكريم الذي أتاحه الله للبشرية على يدى المصطفى صلى الله عليه وآله سلم فقال : ( أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا الى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة ، والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً ) ..
* هذا هو الاسلام الذي لخصه جعفر ابن أبي طالب في بضع كلمات معبرة ، ملخصاً نظمه وتشريعاته التي تستهدف سعادة البشرية، وإخراجها من شقائها ، وكيف أنه يستهدف صيانة الانسان، وحفظ كرامته ورفعة شأنه حتى يظل دائماً في المنزلة السامية التي خلقه الله من أجلها ووضعه فيها ( لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم - التين : 4 ) .. ولعل التأمل في وثيقة المدينة التي أعدها الرسول الأعظم ما يفيد أكثر في هذا الجانب (انظر الملحق الأول في هذه الدراسة) ..
* إذن .... نحن أمام نظرة عقائدية سامية ، تحدد موقف الاسلام من الآخر (غرباً كان أم شرقاً) وبالمقابل نحن أمام واقع اجتماعي وسياسي وحضاري يقدم فيه هذا الغرب الآن ، وجهه القبيح [تحديداً في العراق وفلسطين] الذي يستدعي تعاملاً اسلامياً مضاداً له ، بل وعنيفاً للغاية في رد هذا العدوان ، وأمام حالة الاستقطاب هذه يتطلب الحديث عن رؤية المسلمين للغرب ، ولمفهوم الحوار معه ، قدراً من التفصيل ، وقدراً أكبر من الموضوعية وهذا ما نحاوله في هذا البحث وعبر ثلاثة محاور ، علّ ما نكتبه يفيد في بناء جسور حقيقية للحوار الحضاري الايجابي ، بدلاً من لغة الدبابات والمدافع التي لن تولد سوى لغة المقاومة والجهاد وأحياناً لغة التطرف والعنف والمحاور الثلاثة هي :
أولاً : لماذا الحوار ؟ وفيه نحاول الاجابة على هذا السؤال في ضوء المشاكل العالمية الراهنة والأوضاع الملتهبة في عالمنا العربي والاسلامي والتي تتطلب مجتمعة العودة لفكرة الحوار (الايجابي) بين الاسلام والغرب ..
ثانياً : محنة الحوار : ويتـناول أبرز التحديات التي تعرقل الحوار بين أهل الثقافتين : الاسلامية والغربية وحددناها في [ القضية الفلسطينية – الأزمة العراقية – الصراع حول ثروات العرب والمسلمين – غياب التفهم الكامل للثقافة العربية والاسلامية : طبيعتها وحقوقها ] ..
ثالثاً : شروط الحوار ومستقبله: وفيه نقدم جملة من الشروط السياسية والثقافية كي ينجح الحوار ، والذي لا بد وأن تتبدل فيه لغة القوة ، بقوة اللغة (واللغة هنا نقصد بها مخزون الثقافة والوعي) ، وفيه أيضاً نتناول ملامح مستقبل نظرة المسلمين للغرب وضوابطها ..
* هذا وسنرفق في نهاية بحثنا وثيقتين هامتين الأولى مثلت دستوراً راقياً أسس للعلاقة بين المسلمين والآخر عبر التاريخ ، وهي وثيقة (صحيفة المدينة) التي وضع فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأسس والركائز الصحيحة للعلاقة مع الآخر ، وهي لاتزال تصلح لأوضاعنا اليوم التي التبست فيها الحقائق بالأباطيل ، أما الوثيقة الثانية فهي تقدم (وبالصورة) إحدى أبرز العقبات أمام الحوار الإيجابي المتبع بين المسلمين والغرب ، إنها إسرائيل ومشروعها التوسعي في المنطقة والذي بوجوده يحول دون حوار حقيقي إيجابي بين دول الاسلام والغرب ، الوثيقة عبارة عن مشروع دولة إسرائيل كما تصوره وتخيله مؤسسها هرتزل قبل أكثر من مئة عام وكيف أنها ينبغي أن تمتد من النيل الفرات ..
* بتفصيل هذه المحاور والوثائق يستبين ما يلي :
*********
أولاً : لماذا الحوار ؟ : يحدثنا التاريخ أن الأمم الحية ، تحتاج دائماً الى الحوار .... الحوار مع نفسها أولاً ، ثم الحوار مع الآخر (الديني أو الثقافي أو السياسي) ثانياً ، لأن الحكمة في هذا تكمن في أن الحوار هو (الأداة) التي تخلق التفاهم ، وتبني الجسور ، وبدونها نفتقد لوسيلة التواصل الانسانية بين أبناء الحضارات والثقافات المختلفة ، والحوار مطلوب أولاً داخل الحضارة (أو الثقافة) الواحدة ، حتى تفض الاشتباكات المفتعلة بين أصحاب الرؤى والتيارات والمصالح قبل أن يدخلوا معاً أو فرادي في الحوار مع (الآخر) ؛ والحوار مع الآخر من وجهة نظر الاسلام أو كما استقرت من الاجتهادات الاسلامية كافة يفترض بداية تحديد المقصود بهذا الآخر ، هل هو أبناء الثقافة الغربية فحسب ؟ هل هي الحكومات الغربية (بما فيها الامريكية) أم مؤسسات المجتمع المدني ورموزها من المثقفين والسياسيين المستقلين ؟ هل تدخل (اسرائيل) في هذه الدائرة .... دائرة الحوار مع (الآخر) ؟ وأين العالم بفضاءاته المتعددة غير الغربية من كلمة (الآخر) هنا ؟ وللاجابة على هذه التساؤلات والتي تبلور في تقديرنا الركائز التي استقرت عليها النظرة الاسلامية تجاه الآخر وبخاصة الغرب ، نذكر ما يلي :
1 – الحوار مع الآخر من وجهة النظر الاسلامية الصحيحة ضرورة ، لأنه الوسيلة المُثلى للتفاهم ولخلق مجتمع انساني متنوع في اطار التعاون وليس في اطار الصراع والحروب والفتن ..
2 – الحوار من المنظور الاسلامي ضرورة لأنه دعوة سماوية ، وانسانية أيضاً ، تفترض الرقي بالانسان ونهضته دون مورثات متخلفة ، أو أطماع ومصالح متعارضة ..
3 – للحوار اسلامياً شروطاً أبرزها احترام الآخر ومصالحه وثقافته والآخر الذي نعنيه هنا هو (الآخر) الذي لم يعتد علينا ولم تحركه مصالحه لأن يهضم حقوقاً ومصالح لأمتنا ، في هذا الاطار نخرج وبكل موضوعية ( اسرائيل : دولة ومجتمعاً ومنظمات ) من دائرة الحوار المنشود ، ونخرج بعض الحكومات الغربية وفي مقدمتها (الحكومة الامريكية) التي تستهين بمصالح وحقوق الآخرين بل وتعتدي عليهم ونحن أول ضحاياها (العراق وفلسطين نموذجاً) وبالمقابل تدخل العديد من منظمات المجتمع المدني الغربي الداعية لوقف الحروب وبناء الجسور بين الأمم والشعوب بما يقوي من الروابط الانسانية الواحدة ويدفع عنها الأطماع والغطرسة العسكرية التي تدوس بأقدامها قيم الحضارة والثقافة الراقية ..
4 – والآخر المستهدف بالحوار من المنظور الاسلامي ، أوسع من أن يحصر في الحوار مع (الغرب) ، فالعالم المعاصر ، أوسع وأجمل من هذه الدائرة ، والفضاءات السياسية والحضارية أكبر وأكثر تنوعاً ، فمثلاً هناك الفضاء الآسيوي وتحديداً الصين ودول جنوب شرق آسيا ، والهند وما حولها ، وهناك الفضاء الافريقي بثقافاته وحضاراته وعمقه ، وتراثة الانساني ؛ كل ذلك يدخل ضمن دائرة الحوار الثقافي المنشود ، ولا ينبغي ان ينسحب الذهن العربي والاسلامي مباشرة الى (الغرب) عندما نتحدث عن الآخر أو العالم لأن الأخير ليس هو (الغرب) كما يحاول عتاة العنصريين من حكومات أو مؤسسات غربية إجبارنا على القبول بهذا المنطق المعوج للكون والتاريخ ..
تأسيساً على هذه العناصر الأربعة ، يمكننا الانتهاء الى أن (الحوار) مع (الآخر) من منظور المسلمين ، ضرورة ، للفهم ، وللمصلحة ، وللمستقبل ، وبدونه تصبح الأمم ، والثقافات ، والأفراد في علاقاتهم مجرد جزر منعزلة بل ومتصارعة وفي أقل التوصيفات رأفة ينسحب عليهم القول الشهير "حوار الطرشان" ، فلا أحد يسمع أحد ، أو يفهمه ، ومن ثم تتضارب المصالح مع تضارب المفاهيم والثقافات وتصبح (القوة) و(العدوان) هما اللغة الوحيدة المعتمدة بين الأمم ، والشعوب ، وما أبأسها من لغة ..
* * *
المحور الثاني : محنة الحوار : إذا كان الحوار كما استقر لدى عموم المسلمين وكما ترشح من اجتهاداتهم القديمة والمعاصرة وسيلة لتحقيق التفاهم ولمد الجسور وتقوية الروابط بين الأمم والثقافات ، فإن ثمة تحديات جديدة معاصرة عدة تقف حجر عثرة أمام هذا الحوار وتحول دون وصوله الى غاياته المرجوة ، وهي عديدة على المستوى الانساني وتمتد من الاقتصاد الى السياسة الى معضلات الصراع حول المصالح مروراً بالثقافة فإذا ما نظرنا اليها على المستوى العربي والاسلامي فإنه يمكن حصر أبرز التحديات التي تقف دون وصوله الى غاياته المرجوة فى أربعة :
1 – القضية الفلسطينية ..
2 – الأزمة العراقية ..
3 – الصراع حول ثروات العرب والمسلمين والتدخل الفج في حياتهم ..
4 – غياب التفهم الكامل للثقافة العربية والاسلامية : طبيعتها وحقوقها ..
وإجمالاً يمكن التأكيد على أن التداخل بين هذه القضايا شديد الوضوح ، فهي بمثابة نظرية للأواني المستطرقة تؤدي إحدى حلقاتها الى الآخرى ، وفي تقديرنا لن ينجح الحوار مع الغرب تحديداً طالما هذه الملفات عالقة وطالما ظل سوء الفهم لمشكلات المنطقة قائماً خاصة لدى الدول العظمى التي تحركها المصالح ، وطالما ظل ملفين رئيسيين مشتعلين في المنطقة ونقصد بهما [الملف الفلسطيني والملف العراقي بكل تفاصيله وآلامه ] ..
* في هذا الاطار وبعودة الى تاريخية علاقة المسلمين بالغرب ، والتي تؤسس لنظرتهم الدائمة تجاه هذا الغرب لابد وأن نشير الى أن الأمة العربية والاسلامية تاريخياً كان معتدي عليها ، كانت ضحية لسياسات وصراعات هذا الغرب ، وكانت من ثم في موقع الدفاع عن النفس ، وفي وضع مثل هذا لا يمكن للحوار الصحي ان ينشأ ويستمر ، فلا حوار مع صوت المدافع ، وغطرسة القوة ، الحوار يأتي من احترام كل طرف لحقوق وثقافة الطرف الآخرى ، وهذا ما لم يحدث تاريخياً ، فعبر 24 قرناً من الزمان تمثل مجتمعة تاريخ علاقة بلادنا (العربية) ثم (الاسلامية) فيما بعد بالغرب، كان أغلبها (حوالي 17 قرناً) يقوم على الهيمنة والاستعمار الغربي واستنزاف ثروات الأمة من قبله ، وكانت هذه الهيمنة هي القانون الثابت والحاكم لعلاقتنا بالغرب ، وكان موقف أمتنا دائماً هو موقف المدافع عن الذات ، والوجود ، وليس موقف المعتدي على حقوق الآخرين فالتاريخ يقول ان الرومان والاغريق ظلوا يحكمون هذه الأمة طيلة عشرة قرون من القهر والاذلال ، وظل الصليبيون والتتار والمغول حوالي قرنين من الزمان يمارسون أيضاً الغزو والاستعباد في المنطقة ، ثم المرحلة منذ سقوط الأندلس وحتى اليوم وهي تصل الى خمسة قرون متواصلة ، ظل أيضاً فيها هذا الغرب يمارس استبداده وهيمنته وعدوانه ، وكانت أمتنا دائماً في موقف المدافع عن الذات ، والوجود ، واذا أردنا ان نبلور أكثر المحطات الرئيسية بعد بعثة النبي الكريم (محمد صلى الله عليه وآله وسلم) في علاقة الاسلام بالغرب ، فسنجدها تتمحور حول محطات خمس رئيسية : الأولى : في عصر النبوة حين بادر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمخاطبة هرقل ملك الروم ودعوته للاسلام ، وما تلي ذلك من غزوات اسلامية مباركة في عهد الصحابة ، من معارك شهيرة استطاعوا فيها هزيمتهم ، وخاصة موقعة اليرموك ، وكانت دعوة المسلمين قائمة على مبدأ (تخليص العباد من عبادة العباد وإدخالهم الى عبادة رب العباد) وكان ذلك في مجمله يتم بالدعوة وبالحسنى ، ومن يرفض تبدأ مقاومته فإن رضخ تم العفو عنه ، ولم يبادر المسلمون أبداً بالعنف أو بالحرب ، المحطة الثانية : جاءت بعد القرون الثلاثة الأولى بعد عصر النبوة وهي قرون مثلت قمة الحضارة والنهضة الاسلامية ثم تلاها انهيار، حين بدأت الامبراطورية الاسلامية في تفككها حين سيطر عليها روح الملكية والاستبداد ، فبدأ الانهيار الداخلي الذي مهد بدوره للأطماع الخارجية فبدأت غزوات التتار والمغول والحروب الصليبية وسقوط الأندلس بكل ما حوته من تدمير وتخريب وانهيار للحضارة التي بناها الاسلام بسبب همجية المحتل الغربي ، وضعف القادة في بلاد المسلمين ، المحطة الثالثة : هي محطة الاستعمار الحديث التي بدأت مع الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م ، واستمرت في كافة بلاد المسلمين قرابة القرنين من الزمان ؛ تم فيها امتصاص خيرات البلاد بالكامل وبناء نهضة الغرب منها ، مع قتل وتدمير البشر وكل بُني الحياة في الأمة ، المحطة الرابعة : تمثلت في زرع الكيان الصهيوني (اسرائيل) في قلب الأمة ، فصارت بمثابة الغدة السرطانية في الجسد العربي والاسلامي وكانت ولاتزال أحد أبرز أسباب الكوارث السياسية والاقتصادية والحضارية التي حاقت بالوطن العربي وببلاد المسلمين ، المحطة الخامسة : هي تلك التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، بعد الهجوم الشهير على برجي التجارة العالمي والبنتاجون في الولايات المتحدة الامريكية وما تلا هذا التاريخ من جنون وغطرسة القوة لدى أمريكا (الوريث الشرعي لهذا الغرب الاستعماري) ، والتي بدأت سلسلة من الخطوات العسكرية والاقتصادية والسياسية بل و(الاعلامية) التي تستهدف في مجملها خير هذه البلاد ومستقبلها ..
* عبر هذه المحطات الخمس ، كان العرب والمسلمون دائماً في موقف الدفاع عن النفس ، ولم يكونوا معتدين بل مُعتدي عليهم ، وكان الاعتداء عليهم ليس فقط بالقوة المادية العسكرية (الاحتلال والعدوان) بل وهذا هو الاخبث والأخطر ، بالفكر والثقافة والاعلام الكاذب ..
وما تعرضت له أمتنا تعرض له العالم أجمع من قبل الولايات المتحدة باعتبارها نهاية النموذج الحضاري الغربي أو قمته التاريخية ولعل في تأمل فقط عمليات الحظر والعقوبات الاقتصادية (وليس السياسات العسكرية العدوانية) في السياسة الامريكية التي مارستها على العالم أجمع خلال القرون الثلاثة الماضية سوف ننتقي منها فقط أبرز أحداث الفترة من 1861 – 1991 والتي مثلت من وجهة نظر اسلامية عدوان أمريكي / غربي على الانسان في العالم .. وهذا هو الجانب القبيح في هذا الغرب وهذه الأحداث هي :
* عام 1861 – 1865 : خلال حرب الانشقاق ، فرضت دول الشمال الغنية بمواردها (من سفن وسكك حديد وذخائر) حصاراً على دول الجنوب بلغ حد منع المواد المستوردة من دخولها ..
* عام 1898 : فرضت الولايات المتحدة حصاراً بحرياً على كوبا خلال الحرب الأمريكية الأسبانية ، في وقت قررت فيه محاصرة الفلبين ؛ وبهذا تعجز أسبانيا عن تحصيل ضرائبها من تلك المستعمرة ..
* 1938 – 1947 : عمّمت بريطانيا والولايات المتحدة تدابير تفتيش في المكسيك (اعتراضاً على نزع ملكية شركات النفط الامريكية على يد الرئيس لازارو كارديناس) ؛ وفي اليابان في عام 1940 ، لإجبارها على سحب قواته من جنوب شرق آسيا، وتلا الحظر على اليابان الذي نفذ في تشرين الأول من عام 1940 ، مصادرة الأملاك اليابانية في الولايات المتحدة بدءاً من تموز العام 1941 ..
* 1939 – 1945 : فرض الحلفاء عقوبات اقتصادية على ألمانيا ثم اليابان (علينا ان نتذكر هنا أيضاً الآثار المأساوية لإلقاء القنابل النووية على مدينتي هيروشيما ونجازاكي وما خلفاها من دمار إنساني واقتصادي مروع) ، وأضافت الولايات المتحدة الأرجنتين على لائحتها لوضع حد لتأثير النازيين على الأرجنتين وزعزعة النظام البيروني ..
* 1948 – 1949 : فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على هولندا لإجبارها على تحرير مستعمرة اندونيسيا ..
* 1949 – 1970 : فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين ، رداً على غزو كوريا الشمالية والدعم المقدم لهذا البلد ، اضافة الى انتهاكاتها لحقوق الانسان ..
* عام 1950 : الولايات المتحدة تفرض عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية نتيجة مهاجمتها كوريا الجنوبية ..
وانطلاقاً من تشرين الأول من عام 1994 وقعت اتفاقية نصت على رفع العقوبات بشكل جزئي مقابل تعهد بيونج يانج بوقف برنامجها النووي ..
*1951 – 1953 : فرضت بريطانيا والولايات المتحدة عقوبات على ايران لحثها على إبطال القوانين التي تؤمم منشآت النفط الايرانية ..
* 1954 – 1994 : فرضت أمريكا عقوبات على شمال فيتنام ، بالاتفاق مع جنوب فيتنام ، لعرقلة تقدم جنودها وفي عام 1994 رفع الرئيس كلينتون الحظر بعد توحد فيتنام ..
* 1956 – 1962 : فرضت عقوبات أمريكية على لاوس لزعزعة حكومات اليسار ومنع انتصار الشيوعيين ..
* عام 1960 : حظرت الولايات المتحدة أي مساعدة اقتصادية وعسكرية لكوبا لمعارضة دكتاتورية فيدال كاسترو ..
* عام 1992 : صوت الكونجرس على قانون الديمقراطية في كوبا ، واعتمد في عام 1996 قانون هلمس – بورتن ، الذي فرض عقوبات بحق شركات تستثمر في كوبا ..
* 1965 – 1979 : لجأ مجلس الأمن للمرة الأولى الى عقوبات اقتصادية ، منعت زيمبابوي من تصدير النفط والمواد الأولية الاخرى لمنع المستعمرين البيض من السيطرة على الحكم ..
* عام 1973 : فرضت عقوبات على ليبيا، اعتراضاً على دعم معمر القذافي للمجموعات الارهابية في الشرق الأدنى ..
* عام 1979 : صادرت حكومة الرئيس جيمي كارتر الممتلكات الايرانية في الولايات المتحدة بعد اختطاف القوات الثورية الرهائن الأمريكيين في طهران ، وفي عام 1980 فرض حظر تجاري عام لمنع الدعم الايراني للارهاب الدولي ، وقد تم رفع الحظر في عام 1981 لدى إطلاق الرهائن ، ثم ما لبثت امريكا ان فرضت عقوبات جديدة بحق ايران في العامين 1995و1996 ..
خلال الثمانينات وحتى أوائل التسعينات فرضت أمريكا حظراً اقتصادياً قاسياً على ليبيا والعراق استمر لسنوات ..
هذه الحقائق ، ازدادت وضوحاً ورسوخاً في وقتنا هذا بعد (أحداث العراق) وزيادة العنف والعنصرية الصهيونية في فلسطين ، ولازمها دائماً سوء الفهم لطبيعة مصالح وثقافة هذه الأمة .. ولعل في تأمل وثيقتين هامتين قدمتا مؤخراً الى قادة هذه المنطقة وارتبط اسميهما بوزير الخارجية الامريكي المستقيل كولن باول ، ما يؤكد ويبرز أكثر (محنة الحوار بين المسلمين والغرب) وتحدياته الرئيسية التي ظلت تحكم نظرة الطرفين كل للآخر وتضع المخاوف تجاهها ..
الأولى قدمت في 2/12/2002 وسميت (مبادرة الديمقراطية والاصلاح السياسي في المنطقة) والثانية قدمت في منتصف مايو / آيار 2003 بعد احتلال العراق ، وجاءت على هيئة مذكرة سياسية ثقافية حملها باول في أثناء تجواله في المنطقة محدداً لدولها أسس التقدم والديمقراطية والحوار الذي ينشده ، وهي مذكرة من قسوة بنودها وغطرسة سطورها كافية لوحدها لجعل (حوار الثقافات) المنشود مجرد حبر على ورق ، أو زيف ووهم لن يتحقق أبداً ، طالما منطق الغطرسة الذي يقدمه أمثال (باول) وحكومته هو الحاكم في العلاقات والحوارات ..
* فماذا عن الوثيقتين اللتين لخصتا ربما من حيث لم يرد صاحبهما التحديات التي تقف حجر عثرة أمام حوار الثقافات المنشود مع الغرب أو مع ما يمثله الغرب من قيم وسياسات تجاه المسلمين :
*********
في الأول من ديسمبر (2002) ، ألقى كولن باول بقنبلته السياسية ، على بلدان الشرق الأوسط الاسلامي ، (والعربية منها بخاصة) ، وحملت قنبلته ، المقدمات الضرورية الملونة والمزيفة لحرب طويلة ضد قيم ، ومفاهيم ، وجغرافياً هذه الأمة ؛ وأعطى لقنبلته عنواناً مضللاً ، حتى يسهل ابتلاعه فأسماه [ بناء الأمل للسنين القادمة : مبادرة الشراكة من أجل التنمية والديمقراطية ] ..
ومنذ ألقى (باول) بقنبلته في الاحتفال الذي أقامته مؤسسة تدعي (مؤسسة التراث الامريكية في واشنطن) ، وردود الفعل عليها تترى ولا تتوقف وتزايدت أثناء وبعد العدوان على العراق باسم (الديمقراطية) وحقوق الانسان ، ونزع أسلحة الدمار الشامل وغيرها من العناوين الأمريكية التي بان الآن زيفها ..
* ان خطورة هذه المبادرة ، وما تلاها من (مذكرة تفسيرية) ، أنها ترسم وتكشف بدقة ووفق برنامج عملي ، مفهوم أمريكا لحوار الثقافات كما تفهمه وكما ستتطبقه في المنطقة خلال السنوات الخمس القادمة وهو مخطط ساعدها على تنفيذه وجود أنظمة كانت (حليفة) والآن يراد استبدالها لأن دورها قد انتهى وهي في مجملها أنظمة مستبدة ، لقد وضعت مبادرة "كولن باول" ولأول مرة بين أيدينا (المخطط) كاملاً ، المخطط الذي وضعه فريق من السفراء الامريكيين بالمنطقة وبمشاركة عدد من كبار السياسيين والخبراء (يقدرهم البعض بـ 30 خبيراً بينهم اثنان من كبار المحسوبين على اللوبي اليهودي بالكونجرس الامريكي ، جرى تكليفهم بإعداد هذا المشروع – المبادرة بقرار مباشر من الرئيس بوش وتحت إشراف وزير الخارجية كولن باول) واستمر هذا الفريق في العمل طيلة الشهور الستة السابقة على اعلان المبادرة ومذكرتها التفسيرية في (1/12/2002) ، ووفقاً للمبادرة (الحوارية !!) تلك فإن تنفيذها العملي بدأ في أوائل العام 2003 ، ولقد بدأت بعض الدول العربية تشهد فعلياً بدء التطبيق العملي لبنود هذه المبادرة التي خصص لها باول في شهورها الأولى مبلغ 29 مليون دولار تليها مساعدات أخرى قال انها تصل الى مليار دولار فضلاً عن المعونات الثابتة المقررة سنوياً ، وضرب مثلاً بقطر والبحرين وبعض دول شمال أفريقيا كدول بدأ فيها عملياً التطبيق منذ فترة قصيرة ..
* ان الأمر اذن جد لا هزل فيه ولأنه كذلك ، فإن الأمر يحتاج الى مناقشة ، وتفنيد ، وتحذير في الوقت ذاته،قبل فوات الأوان ، لأن حوار الثقافات لا يفرض في مبادرات من هذا القبيل ..
* بداية ما الذي تحتويه مبادرة باول ، ومذكرتها التفسيرية ؟ يمكن تقسيم مبادرة باول الى قسمين رئيسيين القسم الاول تمهيدي يقدم فيه توصيفاً عاماً لأوضاع الشرق الأوسط (ويقصد بها تحديداً الدول العربية دون غيرها) وأبرز مشكلات هذه الدول ، محدداً اياها فيما أسماه بـ (الارهاب) ، والتخلف الاقتصادي ، وغياب الديمقراطية على النسق الأمريكي وما أسماه بـ (النزاع الفلسطيني / الاسرائيلي) وتخلف النساء ، وتدهور التعليم ، والقسم الثاني وهو الأهم والأخطر وفيه يحدد الركائز الرئيسية لمبادرته وحددها في ثلاث ركائز الأولى تدور حول الاقتصاد المنفتح وخلق فرص عمل لمن يدور في فلك الادارة الامريكية والثانية ضرورة الانفتاح السياسي بداخل الدول العربية والاسلامية (أيضاً وفقاً للرؤية الامريكية) أي انفتاح على ما تسمى بمنظمات المجتمع المدني التي تعمل وفق الأجندة الامريكية في المنطقة والعالم والثالثة تتصل بتغيير التعليم ومناهجه ليتماشى مع (الاقتصاد) و(السياسة الامريكية)؛ وهذا التعليم الامريكي المطلوب زرعه في المنطقة يبدأ عند كولن باول بالمرأة (الأم) تحديداً ، والطريف أن باول في أثناء تأكيده على الركيزة الثالثة استشهد ببيت الشعر الشهير لشاعر النيل حافظ ابراهيم والذي يقول فيه :
" الأم مدرسة اذا أعددتها .... أعددت شعباً طيب الأعراق "
؛ وكان قبل ذلك قد استشهد بأقوال للرئيس مبارك (مرتين) وللملك محمد الخامس وغيرهما من زعماء المنطقة وأيضاً استشهد بفقرات مطولة عن تدهور الاقتصاد العربي من تقرير التنمية الانسانية الصادر عن الامم المتحدة العام الماضي بإشراف من د..نادر فرجاني ، في محاولة منه لاسباغ الواقعية والعلمية على مبادرته ..
وحتى تتضح أكثر أبعاد هذه المبادرة التي تدعو الى الاصلاح السياسي والى (حوار الثقافات بين الغرب والاسلام) وفقاً للفهم الأمريكي القاصر عن استيعاب ثقافة المنطقة ومتغيراتها السياسية ، حتى تتضح هذه الأبعاد ، نقرأ أبرز أفكار (باول) الواردة فيها : يقول باول في تشخيصه لحال المنطقة اقتصادياً وسياسياً وتعليمياً [ لقد قدمت دول الشرق الأوسط على مدى التاريخ ، مساهمات لا تقدر بثمن للعلوم والفنون ، ولكن اليوم ، توجد شعوب كثيرة هناك تفتقر الى ذات الحرية السياسية والاقتصادية ، وفاعلية المرأة ، والتعليم الحديث التي تحتاج اليها لكي تزدهر في القرن الـ 21 ، وكما جاء في تقرير التنمية الانسانية العربية لعام 2002 ـ الذي وضعه أساتذة عرب بارزون وأصدرته الأمم المتحدة ، فإن سكان المنطقة يواجهون خياراً أسياسياً ، بين كسل وجمود ونهضة عربية تبنى مستقبلاً زاهراً لجميع العرب ..
هذه ليست كلماتي ، انها كلمات خبراء عرب نظروا بعمق الى القضايا ، وهي تستند الى الحقائق الصارخة ..
ان حوالي 14 مليون راشد عربي يفتقرون الى وظائف هم بحاجة اليها لوضع طعام على موائدهم ، وسقوف فوق رؤوسهم ، وأمل في قلوبهم ، وسيدخل زهاء 50 مليون عربي آخر من الشبان والشابات سوق الوظائف المزدحم أصلاً خلال الأعوام الثمانية المقبلة ..الا ان الاقتصاديات لا تولد ما يكفي من الوظائف ، فالنمو ضعيف، والناتج المحلي الاجمالي لـ 260 مليون عربي هو أقل من ذلك الذي لأربعين مليون أسباني، وكثير من الاقتصاديات تخنقها التنظيمات والمحسوبيات ، وتنغلق في وجه مغامرات في التجارة والأعمال ، وفي وجه الاستثمار والتجارة ] ..
ثم يشير في مبادرته الى الأوضاع السياسية فيقول : [ ومع ذلك ، مازالت تحكم كثيراً من الشرق أوسطيين أنظمة سياسية مغلقة ، وكثير من الحكومات يكافح مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها تهديداً ، بدلا من ان يرحب بها كأساس لمجتمع حر ، ديناميكي ، ومبشر بالأمل ، ناهيك عن ان لغة الكراهية والاستبعاد والتحريض على العنف لاتزال هي اللغة السائدة ] ..
ثم يقول عن التعليم وضرورة اصلاحه : [وأخيراً ، إن عدداً كبيراً من أطفال المنطقة يفتقر الى المعرفة ليستفيد من عالم من الحرية الاقتصادية والسياسية ، فعشرة ملايين طالب في سن الدراسة هم إما في المنازل ، أو يعملون ، أو في الشوارع بدلا من ان يكونوا في صفوفهم المدرسية ، وحوالي 65 مليوناً من آبائهم لا يحسنون القراءة والكتابة، دع عنك مساعدتهم في دروسهم ، وبالكاد يستطيع شخص واحد من كل مئة الوصول الى كومبيوتر، ومن أولئك النصف فقط يستطيع الوصول الى العالم الأوسع عبر الانترنت ..
وحتى عندما يذهب الأطفال فعلاً الى المدرسة ، غالباً ما يتعذر عليهم تعلم المهارات التي يحتاجون اليها لكي ينجحوا في القرن الـ 21 ، التعليم غالباً ما يعني الاستظهار من غير فهم بدلا من التفكير الخلاق الحيوي الضروري للنجاح في عالمنا المتصف بالعولمة ] ..
ثم يقول في مجال شرحه للركائز الثلاث لمبادرته [ اننا سنشترك مع مجموعات من القطاعين الخاص والعام لسد فجوات الوظائف بإصلاح اقتصادي ، واستثمار للأعمال وتنمية للقطاع الخاص .. وسنشترك مع قادة المجتمع لسد فجوة الحرية بمشاريع لتقوية المجتمع المدني ، وتوسيع المشاركة السياسية ، ورفع أصوات النساء ، وسنعمل مع المربين لسد فجوة المعرفة بمدارس أفضل ومزيد من الفرص للتعليم العالي ] ..
[ ان الأمل يبدأ براتب عمل ، وذلك يتطلب اقتصاداً مليئاً بالحيوية والنشاط ، وعن طريق مبادرة الشراكة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ، سنعمل مع حكومات لانشاء أحكام وأنظمة اقتصادية ستجتذب الاستثمار الأجنبي وتتيح للقطاع الخاص أن يزدهر .. وسنساعد شركات الأعمال الصغيرة والمتوسطة على تحقيق وصول الى الرأسمال الذي هو قوام الحياة ، وكخطوة أولى ، يسرني ان أعلن أننا سننشيء صناديق أموال للمشاريع في الشرق الأوسط ، على غرار المشاريع البولندية – الامريكية الناجحة ، للبدء في الاستثمار فوراً في أعمال جديدة واعدة ]..
ثم ينتقل الى الركيزة الثانية فيقول [ وتتطلب الاقتصاديات المنفتحة أنظمة سياسية منفتحة ، وعليه فإن الركيزة الثانية لمبادرتنا من الشراكة ستدعم المواطنين عبر المنطقة الذين يطالبون بأصواتهم السياسية ]..
وقد بدأنا المشروع الاختباري الأول في هذا المجال الشهر الماضي (شهر نوفمبر 2002) ، عندما أحضرنا وفداً من 55 زعيمة سياسية عربية الى الولايات المتحدة لمشاهدة انتخاباتنا النصفية ، وقد عقدت اجتماعاً عظيماً جداً مع هذه المجموعة الرائعة ، وكان التزامها وطاقتها مصدر إلهام لي ، وقد وجهت الي أسئلة صعبة ، وناقشنا القضايا كما يفعل الناس في مجتمعات حرة ، وقد تحدثت أولئك النساء الى ببلاغة عن قلقهن بالنسبة الى المستقبل وأحلامهن بعالم حيث يمكن لأطفالهن ان يعيشوا في سلام ، وحدثتني عن أملهن بأن يرين نهاية للنزاعات التي تشل منطقتهن ، وتحدثن الى كيف يردن ان يتحكمن بحياتهن ومصائرهن، وطلبن أن يعرفن المزيد عن الديمقراطية الامريكية ، وكيف يجعلن أصواتهن أكثر فعالية ..
وتتطلب زيادة المشاركة السياسية أيضاً تقوية المؤسسات المدنية التي تحمي حقوق الأفراد وتوفر فرصاً للمشاركة ، وعن طريق مبادرتنا للمشاركة سندعم هذه الجهود ، ولكي تعمل الاقتصاديات الحرة والأنظمة السياسية بنجاح فإنها تحتاج الى مواطنين متعلمين، وعليه ستركز الركيزة الثالثة لمبادرة التعاون بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط على إصلاح تعليمي ، وستشدد برامجنا على تعليم الفتيات ، فعندما تتحسن نسبة التعليم بين الفتيات تتحسن كذلك جميع مؤشرات التنمية المهمة الاخرى في أي بلد ولقد أصاب شاعر النيل عندما قال : (الام مدرسة اذا اعددتها .... أعددت شعباً طيب الأعراق) ، وسنوفر منحاً دراسية لإبقاء الفتيات في المدارس وتوسيع التعليم للفتيات والنساء ، وبصورة أوسع ، سنعمل مع الأبوين والمربين على الأنظمة لتعزيز الاشراف المحلي وإشراف الأبوين على الأنظمة المدرسية ..
* * *
بعد هذا التحليل ووضع الركائز للمبادرة كما صاغها وألقاها كولن باول، تأتي المذكرة التفسيرية لها والتي تنقسم بدورها الى ثلاثة أجزاء مقدمة عامة هي بمثابة القسم الأول يتحدث فيها عن الارهاب في الشرق الأوسط وانه ناتج عن التخلف الاقتصادي وعدم مسايرته للنمط الامريكي في المفاهيم والمنهج والتطور ، والقسم الثاني يحدد فيه الشروط الواجب توفرها في المنطقة كي تنجح مبادرته – سالفة الذكر – وحددها في :
أولاً : انشاء مدارس امريكية في مختلف البلدان لكل مراحل التعليم الأساسية (ابتدائي – اعدادي – ثانوي) وان تكون هذه المدارس مؤهلة للالتحاق بالجامعات الامريكية وان هذا المشروع بدأ وتستمر خطوات تنفيذه والاعداد والانشاء له حتى عام 2005 وان تبدأ الدراسة الفعلية عام 2005 ..
ثانياً : البدء في الدورات التدريبية المشتركة سواء تمت داخل البلاد العربية أو في الولايات المتحدة وفق برامج عمل مشتركة متخصصة في العلوم السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية بما يؤكد الصورة الامريكية المثلي في الديمقراطية ونظم الحكم مع ترجمة مئات الكتب الامريكية ونشرها بأسعار رخيصة في الجامعات والمدارس والأسواق العربية ..
ثالثاً : اعادة النظر في دور المجالس التشريعية والبرلمانات العربية حيث تدعو المذكرة التفسيرية الى اعتماد نظام الانتخاب وفق النسق الامريكي ورفض فكرة التعيين الحكومي ، وضرورة ان يتم الالتزام بتقارير خبراء الكونجرس الامريكي في تعليم الديمقراطية وفرضها على هذه المجالس وفق الخبرة الامريكية ..
رابعاً : تشجيع المرأة العربية على ممارسة دور مباشر في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لبلادها وفقاً لنسق العمل الذي تقوم به المرأة الامريكية،وطرق تعليمها ودورها في الحياة ..
أما القسم الثالث في المذكرة التفسيرية فيتناول آليات العمل والدول التي سيتم العمل فيها وطرق تنفيذ المبادرة فيها حين قسمت الى أربع مجموعات وفقاً لأساليب وآليات العمل المتبعة وهي على التوالى :
أولاً : دول تقوم بتنفيذ مقترحات وشروط المبادرة من تلقاء نفسها ولا يتم التدخل فيها الا اذا أصرت على عدم التطبيق الحرفي وفقاً للنسق الامريكي وهذه الدول تأتي في مقدمتها (مصر والسعودية) وذكر لها أدواراً محددة وبرامج عمل زمنية مرسومة وبدقة ..
ثانياً : دول يتم فرض المبادرة عليها وبالقوة المسلحة وحدها وحددتها المذكرة التفسيرية في أربعة دول مرتبة على النحو التالي [ العراق – ليبيا – سوريا – ايران ] ..
ثالثاً : دول بدأت فعلياً تطبيق المبادرة وبقرار وبتنسيق امريكي وشرعت عملياً في سياسة الاصلاحات (الامريكية) ويأتي في مقدمتها (البحرين – المغرب – الكويت) ..
رابعاً : دول لا رأي لها ، وعليها فقط التنفيذ وهي أقرب للشريك التابع ويأتي في مقدمتها [قطر – الأردن – اليمن] ..
* تلك هي أبرز محاور المذكرة التفسيرية لمبادرة (الشراكة) أو (حوار الثقافات) التي وضعها كولن باول وهي كما نرى بمثابة مشروع هيمنة ثقافي وسياسي علي المنطقة أكثر منه مشروع حوار للثقافات أو للحضارات ، انه يعكس عدم الفهم المتجذر في عقل وممارسات الحكومات الغربية تجاه دول المنطقة وثقافاتها وتلك أولى محن الحوار المنشود ..
* لقد أغفل كولن باول وعن عمد سواء في المبادرة أو مذكرتها التفسيرية أهم أسباب التطرف في المنطقة (ونقصد به الكيان الصهيوني) [ فإذا جاز (وهو جواز باطل) ان نسمي مقاومة المحتل ورفض الظلم والاستبداد تطرفاً أو ارهاباً كما يحاولون اليوم غسيل أدمغتنا عبر سياساتهم واعلامهم ووكلائهم في المنطقة] فإن مجرد وجود هذا الكيان الغاصب والعنصري ، فوق أرضنا المحتلة (فلسطين) هو أبرز أسباب التطرف والارهاب المزعوم ؛ حيث توجد بين ظهرانينا دولة "بكاملها " ارهابية وخارجة على القانون وعلى أبسط ما تعارفت عليه البشرية من قيم وشرائح للعدل والحق ، وهو أكبر عقبة حقيقية أمام أي حوار جاء للثقافات يريده العقلاء في أمتنا..
* * *
وهي عبارة عن مذكرة سياسية وثقافية هامة قدمها كولن باول بعد احتلالهم للعراق : وقد حملها معه في أثناء تجوله في المنطقة خلال شهر مايو 2003 الى الحكام والشعوب وتضمنت شروطاً ومعوقات خطيرة للقصد المنشود لأي حوار بين الغرب والاسلام قائم على الندية والاحترام لحقوق طرفي الحوار فبداية : تقول المذكرة : ان الولايات المتحدة لن تسمح بأن تكون هناك أي تنظيمات ارهابية في أي دولة من دول المنطقة ، وأن الحكومات اذا لم تقدم التعاون الكافي وتسيطر على مقدرات بلادها في التخلص من هذه الجماعات والتنظيمات الارهابية ، فإن الولايات المتحدة ستضطر اسفة الى التدخل القوى وبكافة الأساليب الممكنة للقضاء على هذه الجماعات والتنظيمات الارهابية ..
وأضافت المذكرة : ان الولايات المتحدة ستفعل ذلك لاعتبارات أساسية منها توفير الأمن والاستقرار لشعوب الشرق الأوسط وكذلك شعوب العالم ، بالاضافة الى الشعب الامريكي ، لأن الارهاب الشرق أوسطي هو الذي أدى الى مقتل آلاف الامريكيين في العمليات الارهابية الآثمة على المدن الامريكية في 11 سبتمبر 2001 ..
وأكدت المذكرة الامريكية : ان حكومات المنطقة لديها مصلحة أساسية في التخلص من هذه التنظيمات ومحاربتها وان التعاون في الشرق الأوسط أصبح إحدى المسائل الجوهرية التي يجب ان تفكر دول المنطقة في تحقيقها ، وان ذلك يتطلب إزالة كل المسائل والعوامل التي تعوق هذا التعاون ..
وقالت المذكرة: ان أحد أسباب عدم التعاون هو الموروث الثقافي للعداء الدائم في المنطقة بسبب الحروب ، وان الولايات المتحدة تفكر في تطوير صيغ التعاون المعمول بها حالياً لأنها صيغ أثبتت فشلها ومحدودية تأثيرها ، وأنها في بعض الأحيان تكرس العداء مع دول اخرى في المنطقة ..
وتشير المذكرة الى ان إحدى الصيغ المهمة للتعاون في هذه المنطقة تقضي بعدم استبعاد الأطراف الاخرى من التعاون ، كما انه ليس من المقبول في المرحلة القادمة لدينا ان يكون هذا التعاون محدوداً في المجال السياسي وقاصراً على تبادل الزيارات السياسية ، ولكن من المهم ان يمتد هذا التعاون الى المجالات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والتداخل الثقافي الذي يتيح تغيير نظرة كل شعب تجاه الآخر ، وان التعاون هو الذي سيكرس المفاهيم الأمنـية المهمة التي يجب ان تسود العلاقات بين الدول في هذه المنطقة ..
وأكدت المذكرة الامريكية ان هذه الأسس العامة للتعاون سيتم بحثها تفصيلياً مع حكومات دول المنطقة وأن هناك تخطيطاً لعقد مؤتمر عاجل في إحدى دول المنطقة أو في الولايات المتحدة بين كبار المسئولين في دول المنطقة حول " التعاون .... بمفهومه الشامل " ..
وقالت المذكرة : إننا نعلق آمالاً مهمة على النتائج التي سيتم التوصل اليها ، وأننا سنجري مشاورات واسعة وحكومات دول المنطقة من أجل المنطقة ومن أجل الاتفاق على تاريخ قريب لعقد هذا المؤتمر الذي نفضل أن يشارك فيه قادة الدول أو رؤساء الحكومات ..
وأضافت المذكرة : اننا سنبحث عدة تواريخ ملائمة لذلك ولكن من المهم ان نحرز تقدماً سياسياً في البداية لضمان نجاح هذا المؤتمر ، ولكن يجب ألا نخلط الأوراق ببعضها وألا نعلق تقدم بعض المسائل على إحراز تقدم في مسائل اخرى لأن ذلك أدى بالفعل الى تأخير بدء التعاون في المنطقة وازدياد حدة الاضطرابات والمشاكل السياسية المعلقة بسبب عدم وجود تعاون يدفع بالحكومات الى ان تتجاوز خلافاتها لتبقى على أطر التعاون القائمة ..
وأشارت المذكرة الى ان المفهوم الجديد لتطوير رؤية الحكم في دول هذه المنطقة سيعتمد على إحداث تغلغل ديمقراطي في صلب هذه المؤسسات والمجتمعات الداخلية ، لأن إحدى النقاط المهمة في هذا المجال هى ان شعوب هذه المنطقة ، يحتاجون الى ديمقراطية تبدأ من أسفل الى أعلى وليس العكس ، لأن عكس ذلك يؤدي الى ان تكون الديمقراطية عبئاً على الشعوب أكثر منها أداة حقيقية لتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم في هذه الحياة ..
وتقول المذكرة : ان الديمقراطية وفقاً لهذا المفهوم الجديد ستكون لصالح الحكومات والاستقرار الدولي أيضاً ..
وتقول المذكرة الامريكية : اننا لا نطلق دعوات مثالية خالية من الواقعية كما يتهمنا البعض في هذه المنطقة ، خاصة هؤلاء الذين قالوا لنا : وأنتم ماذا ستستفيدون من أنظمة ديمقراطية تستجيب لتطلعات شعوبها ؟ والاجابة : نعم سنستفيد بالطبع من ذلك لأن هناك تيارات سياسية تقوى وتنمو داخل الشعوب وتحجبها الحكومات عن ان تؤدي أي دور سياسي أو مجتمعي ..
وتضيف المذكرة: ان تجربتنا أثبتت ان هذه التيارات تكون قوية الى الحد الذي يمكن ان تهدد به الحكومات نفسها ، كما أنها تهدد المصلحة العالمية في الاستقرار والأمن لأن البيئة غير الديمقراطية تفرض ضغوطاً معيشية قوية على مواطني هذه الدول فيلجأون الى التعبير عن أنفسهم من خلال الانضمام الى جماعات التطرف والارهاب ..
وتقول المذكرة الامريكية : ان أحد المضامين الأساسية التي ينبغي تداركها في الواقع الجديد للشرق الأوسط هو ما يتعلق بالقضاء على الاختلافات فيما بين هذه الدول وبعضها في ضبط التسلح خاصة ان التعاون الشامل سيقلص كثيراً من مخاطر التحديات الأمنية القائمة حالياً .. وتوصي المذكرة : بإعطاء اسرائيل الفرصة الكافية للتأكد من إزالة هذه المخاطر ، في حين أن الدول العربية ليست في حاجة الى اثباتات كافية من اسرائيل ، لأن لديها مساحة جغرافية واسعة ومميزات أمنية تفوق بكثير ما لدى اسرائيل ..
وتضيف المذكرة في موضع آخر ان المرحلة الجديدة في الشرق الأوسط تتطلب ان توافق أطراف الشرق الأوسط على ان تساعدها الأطراف الدولية خاصة الولايات المتحدة في الوصول الى مرحلة سياسية واقتصادية جديدة تتواكب مع طبيعة ومعطيات المرحلة العالمية ، وإنه حتى يتحقق ذلك فإن هناك متطلبات أساسية لابد من الوفاء بها وهى :
أولاً : مدى قدرة الأنظمة الحاكمة على ان تدخل الى هذه المرحلة بأفكار جديدة تختلف عن تلك الأفكار التي سيطرت على المنطقة طوال العقود الماضية ، بما يؤكد على تطبيقات الديمقراطية ومعانيها الممتدة وكذلك كيفية التعاون مع كل الأطراف المحيطة ، بما في ذلك اسرائيل ..
ثانياً : ان تكون هناك رغبة حقيقية لدى الأنظمة الحاكمة في ان تطبق هذه الأفكار بأساليب وآليات تتفق مع الاسراع في تنفيذها دون إبطاء وهذه الرغبة لن تتوفر الا اذا كانت هناك نيات صادقة للتعاون ..
ثالثاً : وقف انتشار أسلحة الدمار الشامل التي تعد المهدد الرئيسي للأمن والاستقرار والتعاون ، وعندما يحين الوقت المناسب بعد ان يكون السلام قد قطع أشواطاً كبيرة فإن أمريكا ستطرح رؤية جديدة في هذا الصدد ..
رابعاً : التزام جميع الأطراف بالتأييد والعون للمجهودات الامريكية الساعية الى تحقيق السلام سواء كان ذلك يخص مساراً واحداً أو مسارات متعددة ..
خامساً : اطلاق مبادرات سياسية جريئة في مكافحة الارهاب وحصر بؤر توتره (انظر النص الكامل لهذه المذكرة / الوثيقة في صحيفة الأسبوع المصرية 12/5/2003م) ..
* * *
* ماذا تعني هذه الوثائق ؟ وما هى تأثيراتها المدمرة لأية نظرة موضوعية من الممكن أن يحملها المسلمون تجاه الغرب وبخاصة أعلى قمة ويقصد بها واشنطن ، ماذا تعني هذه الرؤى والتي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة لبلاد وشعوب من المفترض أنها مستقلة ، وأن لها ثقافاتها وهويتها الاسلامية الخاصة ، ماذا تعني هذه (الخطط) ، والتي حملها كولن باول الى المنطقة كي يبشرها بديمقراطية على النسق الامريكي الجديد ، وكي يفتح معها (حواراً للثقافات) وفق الفهم الامريكي للحوار القائم على القوة والاكراه ، والاجبار ، ومن طرف واحد ؟ انها تعني ببساطة ، محنة للحوار ، ومحنة لعلاقة المسلمين بالغرب تضاف الى محن وعقبات اخرى ، انها تعني في تقديرنا تكبيل للحوار كي لا يعبر عن ذاته ، وكي لا ينطلق الى آفاق أرحب من الفهم المشترك ومن ثم العمل المشترك لحياة انسانية كريمة ، يعيش كافة الفرقاء فيها سعداء ان (ديمقراطية) و(حوار) كولن باول يمثل اذا ما طبق فعلياً (محنة ثقافية وسياسية مركبة للحوار) وانهيار لقيمه ومراميه ، ومن ثم لا بد كي نتجاوزها لا بد من مواجهة أخطارها وأخطائها ، لابد من الحديث وبصراحة مع ممثلي الثقافة الغربية عن التحديات الحقيقية التي تحول دون وصول حوارنا معهم الى طريق مفتوح ، ووقوفها دائماً عند البدايات دون التوغل الى منتصف أو نهاية الطرق ، ان أبرز هذه الملفات هي ما حاول (باول) في كل وثائقه وفي كل وثائق دولته بل وغربه الذي يطالبنا بعلاقات طيبة معه ، اغفاله ونقصد بها تحديداً القضية المركزية الأولى للأمة العربية والاسلامية ، "القضية الفلسطينية"؛ ان قضية فلسطين باعتبارها قضية شعب عربي واسلامي تواجهه هجمة عنصرية عدوانية خارجة عن نطاق الانسانية في أبسط معانيها تمثل عقبة أولى لهذا الحوار ، كذلك الاحتلال الامريكي / البريطاني العسكري للعراق والاعتداء على ثروات العرب والمسلمين ، ثم هذا التعمد في إغفال هويتنا وثقافتنا عند الحديث عن أي اصلاح في المنطقة واذا أردنا ان نفصل أكثر في مجال التحدي الأكبر للحوار مع الآخر ونقصد به فلسطين ، فإننا سنجد في ترسانتها الكيماوية والنووية ما يؤكد ذلك ولنتأمل فقط وعلى سبيل الاستشهاد هذه المعلومات الحديثة الخطيرة عنها والذي وردت في تقرير عسكري أمريكي صدر حديثاً عن أسلحة اسرائيل النووية والذي أكد انها تمتلك أكثر من 400 قنبلة نووية ، بينها قنابل هيدروجينية وأن حجم الترسانة النووية الاسرائيلية يبلغ ضعف حجم التقديرات الاستخباراتية الشائعة التي كانت تتحدث عن مئتي قنبلة نووية اسرائيلية ويتحدث التقرير عن انه كان لدى اسرائيل عام 1967 خمس عشرة قنبلة نووية وانها امتلكت عام 1980 نحو مئتي قنبلة ولكن اسرائيل تمكنت من تجميع أكثر من 400 قنبلة نووية حتى عام 1997 ، غير ان اهمية التقرير تتمثل حقيقة في توصيف نوعية هذه القـنابل كما انه في عام 1973 امتلكت عشرين صاروخاً نووياً ، وطورت القنبلة الحقيبة..
وأشار التقرير الى انه في عام 1974 أقامت اسرائيل ثلاث وحدات مدفعية نووية تحوي كل منها اثنتي عشرة فوهة من عيار 175 ملم و230 ملم وأوضح التقرير انه في عام 1984 امتلكت اسرائيل 31 قنبلة بلوتونيوم ، وانتجت عشر قنابل يورانيوم اخرى ، وفي عام 1986 كان لدى اسرائيل ما بين مئة الى مئتي قنبلة منشطرة ، وعدد من القنابل المنصهرة ، وفي عام 1994 صنعت ما بين 64 – 112 قنبلة برأس حربي صغير ، وكان لديها خمسون صاروخاً نووياً من طراز " أريحا " ، وأنجزت اسرائيل كل ما تبغيه من مشروعها النووي عام 1995 عندما أنجزت انتاج قنابل نيوترونية وألغام نووية وقنابل الحقيبة ، وصواريخ تطلق من الغواصات ..
ويشير التقرير الى امتلاك اسرائيل لنحو 50 – 100 صاروخ (أريحا – 1) و30 – 50 صاروخاً (أريحا – 2) وامتلاك اسرائيل للقنابل الهيدروجينية يتضمن بعداً نوعياً ، إذ قوة كل قنبلة هيدروجينية تزيد مئة الى ألف مرة عن القنبلة النووية الاعتيادية ، والقنبلة الهيدروجينية تعد قنبلة معقدة باهظة التكلفة ومعقدة التطوير ، وتملك مثل هذه القنبلة كل من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين ..
* * *
أما الأسلحة الكيميائية والبيولوجية فإن المعلومات الدولية الحديثة والمتاحة تورد أن لدى إسرائيل منها الكثير الذي يعدها خامس دولة في العالم في هذا المجال من حيث الانتاج والتصدير :
اننا إذن عربياً واسلامياً أمام جحيم أرضي مقره واسمه الحركي (تل أبيب) ، وهو يحتاج الى تدمير حقيقي ، قبل ان يمتد أثره الى العالم أجمع ، وهو ما تدل المؤشرات الجديدة على قرب حصوله بفضل النفاق الغربي وسياسات الهيمنة والغطرسة الأمريكية وهذا الواقع المُر هل يجوز الحديث فيه عن (حوار) بين المسلمين المعتدي عليهم والمهددون بهذه الترسانة الشيطانية من الأسلحة ، وبين الغرب الذي أمد ولا يزال إسرائيل بها ويقوم بغطائها سياسياً في كافة المحافل الدولية مبرراً بذلك عنصريتها وهمجيتها تجاه ليس فحسب العرب أو المسلمين بل تجاه قيم الحوار والإخاء الانساني .... ان هذه العقبة (إسرائيل) ستظل في تقديرنا واحدة من أبرز أسباب تعثر الحوار الغربي / الإسلامي وواحدة من أكبر ركائز نظرة الكراهية لدى المسلمين كافة نحو الغرب بنفاقه وسياساته المزودجة مع اسرائيل ، الى الحد الذي تقوم فيه أمريكا (مؤخراً) بإصدار قانون لمكافحة السامية قاصرة هذه السامية على اسرائيل وحدها !! فأي نفاق ومغالطة واجرام هذا ؟ ثم ألا يكفي مثل هذا السلوك الغربي الأمريكي تحديداً لكي يجعل من نظرة العداء والكراهية هـي النظرة السـائدة لدى المسـلمين تجاه الغرب هذه الأيام ؟!
* * *
لأي حوار ناجح ، شروط، ومقدمات ، حتى الحوار بين الأفراد داخل البيت الواحد ، كي يصل الى نتائج حقيقية لابد له من شروط ومقدمات ايجابية توفر له أرضية حقيقية للانطلاق ، واذا أعملنا النظر في علاقاتنا الاسلامية بالذين ينشدون الحوار معنا من أهل الغرب أو من غيرهم من أصحاب الفضاءات الانسانية الآخرى ، فإن ثمة شروطاً واجبة مطلوب ابرازها لهم كي ينطلقوا معنا ، في حوار صحي أمثل يصل الى غايات وانجازات حقيقية :
أول هذه الشروط : ضرورة ان نحدد ماذا نقصد بالحوار ، هل هو مجرد أن نجلس سوياً لنتحدث ونتكلم أم أنه عمل ثقافي وسياسي يستهدف إحداث تغيير في السياسات القائمة ، وفي الواقع المعاش انه (أجندة) بالقضايا المشتركة التي يحتاج طرفي الحوار للعمل على أساسها ومن أجلها ، بدون هذه (الأجندة) يصبح الحوار مجرد مضيعة للوقت ، وللجهد ..
ثاني هذه الشروط : الانطلاق من حقيقة أن ثمة (مصالح) مشتركة بين طرفي الحوار : الطرف العربي الاسلامي ، والطرف الغربي أو (الآخر الذي سبق التوسع في تعريفه) ، وهذه المصالح المشتركة تعنى ألا يجور طرف على حقوق الطرف الآخر ، وألا يستخدم منطق الغلبة ، والقوة ليفرض بها شروطه ومطالبه ومن ثم مصالحه ، فهذا المنطق يأتي بنتائج عكسية ولا معنى للحوار في وجوده ، ان المطلوب هو استبدال (منطق القوة) بـ(قوة المنطق) ؛ بالتعاون ، بالعمل المشترك في قضايا ترفع من مستوى الحياة والثقافة ، والوعي لدى الطرفين معاً ، لا أن يُغتال حق طرف على حساب حياة طرف آخر ، كما هو حاصل الآن للأسف من قبل الادارات الحاكمة في الولايات المتحدة تجاه شرقنا العربي والاسلامي وكما سبق وبينا تفصيلاً في المحور الثاني ..
ثالث هذه الشروط : ضرورة ان يلتفت الحوار المنشود الى الملفات الساخنة في المنطقة وعدم القفز عليها دون حلها حلاً جذرياً ونقصد بها تحديداً قضية (الصراع العربي / الاسرائيلي وهو الصراع المتجذر منذ أكثر من مائة عام – انظر الوثيقة الثانية) وقضية (احتلال العراق) وقضايا التدخل في شئون الحكم والسياسة والدين في بلادنا باسم براق زائف هو الاصلاح الديمقراطي ..
رابع الشروط : ضرورة أن يكون الحوار بالأساس بين منظمات وهيئات المجتمع المدني ، وصولاً الى حوار مركب مع الأنظمة والحكومات ، سواء فيما بينها أو فيما بينها وبين المنظمات الأهلية وأن تطلق حرية الحركة والفكر كلازمة ضرورية سابقة للحوار ذاته ، وبالقطع لا بد من أن تطلق هذه الحريات داخل البلاد المتحاورة أولاً ثم بين الأطراف المتحاورة في البلاد المختلفة ثانياً ..
خامس الشروط : ضرورة ان يحدد سقف زمني للحوار بين الثقافات في عالمنا العربي /الاسلامي وبين الغرب فإذا كنا قد حددنا (القضايا) وجدول الحوار حولها وسبل العمل من أجلها ، فلا بد ان يكون للحوار سقفاً زمنياً لا يتجاوزه حتى لا يكون الأمر – كما سبق وأشرنا – مجرد مضيعة للوقت والجهد ..
سادساً : مستقبل الحوار بين الثقافات بصفة عامة وبين الثقافتين العربية والغربية بخاصة ، يتطلب ، انفتاحاً أكثر لكل طرف على ثقافة الطرف الآخر ، والانفتاح هنا يعني التخلص المسبق من ذلك الداء الكامن – للأسف – لدى القائمين على أمر الحكم في الغرب ، بل ونفر لا بأس به من القائمين على أمر الثقافة في الغرب ، والذين يرتبط لديهم (الاسلام) بالارهاب خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، هؤلاء لا ينظرون الى أنفسهم وممارساتهم التي تخلق (الارهاب) حتى داخل بلادهم ، انهم فقط يرحلون قضاياهم وأمراضهم على الآخر ، ويخلطون ، خلطاً قاسياً بين (الدين الاسلامي السمح) وبين ممارسات بعض أتباعه ، وهي ممارسات مرفوضة لدى مجموع الأمة ، ولكنها أيضاً ممارسات لها أسبابها التي تحتاج من الغرب الى قدر أكبر من التفهم والتنقيب عن أسبابه وجذوره ، ولعل في (الهيمنة) و(الاحتلال) ثم في (الاستبداد السياسي الذي يحكم بعض بلادنا بموافقة ومباركة غربية) لعل هذا جميعه من أبرز أسباب هذا الارهاب الذي يحمل راية الدين خطأ ..
* ان الفهم الصحيح ، والعميق لجذور الخلاف ، ومعوقات الحوار ، هي التي تجعل من مستقبله أكثر إيناعاً ، وفائدة لطرفيه ، وفي تقديرنا أن مقولات مثل (صدام الحضارات) و(نهاية التاريخ) ، قد تجد طريقها للتصديق اذا أهملت النخبة ومنظمات المجتمع المدني الاسلامية والعالمية ، قيمة (حوار الثقافات) ، وتعاملت معه على أنه مجرد (دردشات صوفية) بين مثقفين هامشيين ، وليس مشروعاً للنهوض الانساني القائم على الحق والعدالة ، والكرامة لاطرافه المشتركة ، فإذا افتقد لهذه الأركان ، كان مجرد حوار في الفراغ ، ونحسب أن عالمنا المعاصر بما يعيشه من محن وصراعات في أمس الحاجة الى الحوار والى التعاون الجاد المتكافيء .... وليس الى الفراغ .... وذلك هو التحدي الحقيقي أمامنا جميعاً ..
* إن (الغرب) في منظور المسلمين وبعد المحاور السابقة والمعلومات الواردة فيها لأصول وشروط الحوار بين الاسلام (كدول ومنظومات قيم) والغرب كثقافة وسياسات يصبح له موقعاً رئيسياً ، وهاماً، إذ لا يمكن للمسلمين أن يتجاهلوا هذا (الغرب) الذي لم يعد (جاراً) لنا بل أضحى داخل (البيت) ، وأضحت سياساته وأفكاره ومشاريعه ، تدق وبقوة على باقي الأبواب العربية والإسلامية المغلقة ، بعد أن انفتحت أو انهارت العديد من الأبواب أمام لغة الهيمنة والقوة، خاصة بعد أحداث العراق وفلسطين بل ودارفور (السودان) ..
ان هذا الحضور الطاغي للغرب على أجندة الحياة والسياسة الاسلامية المعاصرة ، يتطلب التفاعل معه انطلاقاً من الرؤية العقائدية الصحيحة التي أشرنا اليها في صدر دراستنا هذه ، وهي الرؤية القائمة على (البر) و(العدل) والإحسان وكما تظهرها أكثر وثيقة المدينة التي أعدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام (انظر الملحق الأول) ، اننا مأمورون إذن عقائدياً بالبر والعدل والاحسان ، نحو الآخر الديني والسياسي الا اذا وقع العدوان ، والاعتداء من هذا ( الآخر : الغرب ) على بلادنا ومصالحنا وحقوقنا بل و(ديننا) ذاته ، ساعتها ، لابـد من لغة آخر ، ومن حوار آخر ، قائم على فقه المقاومة والجهاد ..
* إن الاسلام بقدر ما يدعونا الى " التسامح " والى الجدال بالتي هي أحسن والى الحوار مع الآخر ، يدعونا الى عدم التفريط في الدين ، أو قبول الدنية فيه، وعلى الغرب أن يعي ذلك خاصة قوي الاستكبار التي تعلوه الآن (أمريكا على وجه الخصوص)، وأن يدرك أن الحوار الحقيقي مع الاسلام ينطلق من الاحترام المشترك ، للدين والمصالح والحقوق وأن التعقيب المقصود لهذا " الاحترام "ولتلك "الحقوق" من خلال لغة القوة والهيمنة الغربية ، معناه استقدام " لغة السيف " بديلاً ، ومحاوراً وحيداً ، ونحسب للأسف أن هذا ما تجري مقدماته الجديدة الآن في بلادنا ، والله أعلم ..
وثيقة (صحيفة المدينة) للرسول صلى الله عليه وسلم والتي وضع فيها أسساً راقية للحوار مع الآخر
هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين وأهل يثرب وموادعته يهودها ، مقدمة المدينة ..
حدثني يحيى بن عبد الله بكير وعبد الله بن صالح قالا : حدثنا الليث بن سعد قال حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب انه قال : أبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بهذا الكتاب:
" هذا الكتاب من محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ، فلحق بهم ، فحل معهم وجاهد معهم ، أنهم أمة واحدة دون الناس ..
المهاجرون من قريش – قال ابن بكير : ربعاتهم قال أبو عبيد : والمحفوظ عندنا رباعتهم – يتعاقلون بينهم معاقلهم ، الأولى وقال عبد الله بن صالح ، ربعاتهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين والمسلمين ، وبنو عوف على رباعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها ، بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو الحرث بن الخزرج على رباعتهم يتعاقلون الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو ساعدة على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو جشم على رباعاتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو النجار على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو عمرو بن عوف على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو النبت على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو الأوس على رباعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، إن المؤمنين لا يتركون مفرحاً منهم ان يعينوه بالمعروف في فداء أو عقل وإن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغي وابتغى منهم دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين ، وأن أيديهم عليه جميعاً ، ولو كان ولد أحدهم ، لا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن ، والمؤمنون بعضهم موالي بعض دون الناس وأنه من تبعنا من اليهود فإن له المعروف والأسوة غير مظلومين ، ولا متناصر عليهم وان سلم المؤمنين واحد ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله ، الا على سواء وعدل بينهم ، وان كل غازية غزت يعقب بعضهم بعضا وان المؤمنين المتقين على أحسن هذا وأقومه وأنه لا يجير مشرك ما لا لقريش ، ولا يعينها على مؤمن وأنه من اعتبط مؤمنا قتلا فإنه قود ، الا ان يرضى ولي المقتول بالعقل ، وان المؤمنين عليها كافة وانه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة أو آمن بالله واليوم الآخر ان ينصر محدثا أو يؤويه ، فمن نصره أو أواه فإن عليه لعنة الله وغضبه الى يوم القيامة لا يقبل منه صرف ولا عدل وانكم ما اختلفتم فيه من شيء الى الله تبارك وتعالى والى الرسول صلى الله عليه وسلم وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين وأن يهود بني عوف ومواليهم وأنفسهم أمة من المؤمنين لليهود دينهم ، وللمؤمنين دينهم ، الا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ ، الا نفسه وأهل بيته ..
وان ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف ، وأن ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني عوف وان ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف ، وان ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف وأن ليهود الأوس ما ليهود بني عوف ، الا من ظلم فإنه لا يوتغ الا نفسه وأهل بيته ، وأنه لا يخرج أحد منهم بإذن محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصيحة والنصر للمظلومين وأن المدينة جوفها حرم لأهل هذه الصحيفة وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث يخيف فساده فإن أمره الى الله والى محمد النبي، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب وأنهم اذا دعوا اليهود الى صلح حليف لهم فإنهم يصالحونه وان دعونا الى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين ، الا من حارب الدين وعلى كل اناس حصتهم من النفقة وأن يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة ، وان بني الشطبة بطن من جفنه ، وأن البر دون الاثم فلا يكسب كاسب الا على نفسه ، وان الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره ، لا يحول الكتاب دون ظالم ولا آثم وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن ، الا من ظلم وأثم ، والى أولاهم بهذه الصحيفة البر المحسن ..
الوثيقة الثانية
(أرض اسرائيل الكبرى)
(كما وضعها وتخيلها وخطط لها مؤسس (اسرائيل) تيودور هرتزل وهي تمثل احدى أهم العقبات العالمية أمام الحوار الحضاري بين الثقافات خاصة بين المسلمين والغرب)
