أنهى مؤتمر كلمة سواء التاسع أعماله بجلسة ختامية عنوانها الحرية والتجديد برئاسة سماحة القاضي محمد دالي بلطه. وكانت الكلمة الأولى للأستاذ محمد السماك الذي تحدث عن الحرية في الاجتهاد الفقهي. عرض تعريف الحرية في الاسلام حيث لا يكون إيمان ولا عقيدة ولا دين بالإكراه، كما أن الدين هو المنعقد في القلب وليس ما يدين به الإنسان في الظاهر على جهة الإكراه. لم يعط الله انساناً حق محاسبة الناس على إيمانهم أو كفرهم، وهذه مهمة إلهية. إذ الله أجلّ وأكبر من ان يعطي وكالة لأي إنسان باستثناء الانبياء، والآية القرآنية "يا ايها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، تؤكد حق الاختلاف الناجم عن حرية الاختيار، وتقوم على مبدأ الحرية هذا القاعدتان الأساسيتان في الثقافة الإسلامية وهما التعارف والحوار.
وفي الاجتهاد الفقهي، وبينما يمتاز الكلام الآلهي بالقدسية والإطلاقية والديمومة، فإن فهم النص، أي الاجتهاد، يمتاز بالانسانية والنسبية والتغييرية. وهذا معناه أن ثبات النص لا يعني ثبات فهم الإنسان له تبعاً للأزمان والأمكنة، كما لا يستطيع مجتهد واحد للإحاطة بكل التفسيرات المحتملة. وعن موقع الحرية في الاجتهاد، استشهد السماك بغزارة الآيات التي تدعو إلى النظر والتأمل والتفكر والتدبير إذ ترد فيما يربو على ثمانمئة موضع ليخلص إلى ان الاجتهاد ما كان ليكون من دون حرية فكرية تمكن المجتهد من مواءمة الواقع مع النص. بل ان الاعتقاد الصحيح لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق التفكير الصحيح. ثم خلص إلى ان القواعد والأصول الإسلامية ثابتة ومثبتة، بينما التحرك هو العمل الفكري الإنساني الذي يجتهد لاستخراج أحكام جديدة تلائم المتغيرات وتواكب حركة العصر، وما كان ذلك ليحدث لو لم تكن الحرية هبة فطرية، ولو لم تكن صنواً لحق الاجتهاد.
الشيخ شفيق جرادي
عن ملامح التجديد في الخطاب الديني، قال الشيخ شفيق جرادي في مداخلة ثانية ان البروتستانتية اعادت إنتاج العلاقة بين الفرد والنص التأسيسي بشكل حر لا تتوسطه اي فروضات قسرية تفسيرية مما أتاح الفرصة لتكريس العقل كمرجعية أولى في الفهم والحكم.
يحتاج التجديد إلى رفع الوصاية وإلى الاستقلالية والابتكار وبذل الجهد الذاتي حتى لا يقع في التبعية السلبية. وقد اصطدمت الرغبة في التطور بامكانية تحققها الفعلي مما افرز عودة حادة إلى السلفية كسبيل أوحد لحفظ الدين. وهذا ما انتج "مأزقاً مجتمعياً ومعرفياً وسم الواقع الحضاري للمسلمين بالانحطاط وعقلهم بالاستقالة والتكلس". ولاحظ المحاضر ان كل حركات التجديد مستتبعة إما إلى النموذج التسلفي او النموذج الحداثوي.
ويمكن إبداء الملاحظات التالية حول محاولات التجديد:
- تداولية الخطاب الاسلامي في منطلقاته وآلياته واعتماد سلطة التراث والسلف.
- الظاهرة القرآنية التي تحولت من خطاب شفهي إلى مدونة مكتوبة تدخلت في كتابتها جملة مصالح ومبررات لم يتم مراعاتها من قبل الباحثين.
- علاقة مطلب التجديد بالمدوّنة الأصولية وبالعلوم التأويلية ثم بمقتضيات العصر الراهن.
- التجديد في بعض الآليات المنهجية.
- استبدال البحث في الماهيات بالبحث في شبكة العلاقات القائمة بينها.
- فعالية البحث المجتمعي ومدى اتصاله بنموذج إرشادي جديد، اي بإطار معرفي.
انتهى المحاضر إلى التوقف عند النموذج الذي حفظ مركزية الله كمقدس نهائي ومقوّم لمضّلع الدين – الإنسان – الكون، وهو الاتجاه الذي يمثله الإمام الخميني والإمام موسى الصدر، والقائم على فهم عملية التجديد في الخطاب بما هو عقل ومعرفة، وارتباطات مؤسسة وشبكات اجتماعية وسياسية ...
الدكتور حسين رحال
عن ملامح التجديد عن الإمام موسى الصدر، توقف الباحث عند التجديد الفكري والفقهي والاجتهادي، واعتبر انه تجديدي في الفكر والفقه وإصلاحي في السياسة والاجتماع، وهو ما يشكل أرضية مشتركة وأصيلة لبناء مشروع إصلاح ونقطة انطلاق على الساحتين الوطنية والشيعية.
فالإمام الصدر هو إمام التواصل التاريخي بين حقيقتين معرفتين هما عصر النهضة وحقبة التجديد الراهنة. وإذا كان اللأفغاني والنائيني قد امتازا برؤيتهما الاصلاحية الشاملة فسرعان ما جاءت الانتكاسة بعد إلغاء الخلافة العثمانية متمثلة بفكر راديكالي انطلاقي اسسه سيد قطب عبر فكرة الانفصال والمفاصلة عن الفكر الإنساني.
وقابله الإمام الصدر بموقف التواصل مع الثقافات الأخرى والتفاعل معها، وبإمكانية مواكبة الوعي البشري للنص الديني بمعان جديدة تتوالد في علاقة تفاعل إيجابية بين المعرفة البشرية والواقع الاجتماعي والنص الديني المقدس. وحملت رؤيته للعالم فهماً تواصلياً بين الحضارات قائمة على "التناغم" بين الكوني والتشريعي وبين العلمي المتطور والديني المتجلّى دائماً حسب تقدم أفهام البشر".
جمعت شخصية الإمام الصدر المدى الإيراني بعمقه الفلسفي والعرفاني، بالمدى العراقي وعمقه النجفي بالمدى اللبناني وخصوصياته المختلفة. الأمر الذي كون لديه وعياً حاراً بمختلف جوانب الأزمة التي تعانيها المجتمعات العربية الإسلامية، وبلورت حلاً متكاملاً هو التنمية الإنسانية الشاملة بمفهومهما الحالي لدى الأمم المتحدة. من ملامح هذا الحل – المشروع مأسسة العمل الحالي الخيري والضمان الاجتماعي للعمال والمساعدة لإدارة الإنتاج ودعم الشركات التعاونية وتأمين القروض بدون فوائد.
في الخصوصية اللبنانية، أدرك الإمام الصدر أهمية التنوع الثقافي الديني، ومخاطر التهميش والحرمان، والمدى العربي للبنان المتداخل مع الجرح الفلسطيني، وقدّم بالاجمال رؤية تواصلية – لا انقطاعية – بين مختلف دوائر الانتماء والهوية المركبة المنفتحة. "وهو صاحب أول مشروع وطني إسلامي ذي انتماء عروبي حمل شريحة واسعة من اللبنانيين وهم الشيعة على الاندماج في موقعهم الطبيعي وحمل راية المقاومة والتنمية والانفتاح".
وفي ختام الجلسة أعلن عريف المؤتمر ان البيان الختامي سيصدر قريباً وينشر عبر وسائل الإعلام.
