مركز الإمام الصدر للأبحاث افتتح مؤتمر (كلمة سواء) تحت عنوان موقع الحرية في الاصلاح والتجديد

calendar icon 03 كانون الأول 2004

افتتح صباح امس في قصر الاونيسكو، مؤتمر (كلمة سواء) السنوي التاسع تحت عنوان (موقع الحرية في الإصلاح والتجديد). وقد مثل رئيس الجمهورية في الافتتاح الوزير ناجي البستاني، ورئيس مجلس النواب، النائب علي حسن خليل، ورئيس الحكومة، الوزير غازي زعيتر.

وحضر المؤتمر الرئيس حسين الحسيني، والرئيس سليم الحص، والوزيران كرم كرم وياسين جابر، ورؤساء الطوائف الروحية او ممثلوهم، والنواب روبير غانم، ونائلة معوض، ومحمود ابو حمدان، ومحمد رعد، ومحمد البرجاوي، وعمار الموسوي، وعبد اللطيف الزين. كما حضر السفير الايراني مسعود الإدريسي والأب يوسف مونس، والمديرون العامون نعمت كنعان ودياب يونس وهيثم جمعة، والسيدة رباب الصدر شرف الدين، وحشد كبير من الشخصيات والفعاليات والباحثين والمهتمين.

افتتح المؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم، فالنشيد الوطني اللبناني، ثم قدم المتحدثين عريف الحفل الأديب حسين نجيب حمادة.

كلمة مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات ألقاها السيد صدر الدين الصدر، نجل الإمام المغيب وقد استهلها بالترحيب بالحضور، مشدداً على أهمية الاصلاح والتجديد والتغيير كونها ضرورات حياتية بها يتجدد الإنسان، وتتجدد الحياة في عملية تفاعل مع الظروف المحيطة.

واستذكر كلاماً للإمام الصدر حضّ فيه الشعب على خلق فرصته بنفسه لأنه لو ترك الفرص تهدر ليس عليه ان يعتب على الآخرين.

ثم حذّر السيد الصدر من (اننا مهددون ومستهدفون)، بل ومتهمون بأننا ارهابيون، وان التهديد لا يطال المصالح والثقافة وحسب بل ان وجودنا ذاته في خطر في ظل عجزنا عن إقامة حوار مع ذواتنا ومع بني الوطن والأمة).

ورأى انه (ليس بإمكاننا اقامة حوار مع الخارج، طالما نحن عاجزون عن إقامة حوار الداخل، اذ الصلح مع الذات شرط اساسي لتواصل مثمر وبناء مع الخارج. وانه آن لنا ان نغادر حالة الاندهاش والتعجب المستحكمة فينا، والتي أدّت بنا الى المهانة والاستضعاف. ثقافة الإصلاح والتجديد، تقتضي التصدي للجمود والانكفاء، وهذا معناه ضرورة فهم العصر الذي نحن فيه ومقتضياته وظروفه، كما يعني صياغة رؤية واضحة لمنظمومة القيم والثوابت الأخلاقية والانسانية. وفرّق بين الرغبة في الاصلاح ومنطلقاته الذاتية، والاصلاح المستند على وحي الإرادة الخارجية في نهاية عام اسموه عام (إعلانات الإصلاح)، وبدأ الإصلاح يتحول الى مهمة دولية لفرض (برامج معلّبة) لعلها لا تراعي الكثير من حاجات الداخل وخصوصياته.

ودعا الى قبول التطور والاستفادة من المكتسبات الانسانية على ان نزنها بمقاييسنا لنبني أمة اصيلة بكل ما تحمله التسمية من أبعاد فكرية وتاريخية. وإهمال واجبنا ومنطلقاتنا الذاتية، كما رفض الاعتبارات الخارجيةüلمجرد الرفض او الاستسلام كلها تؤدي الى نفس النتيجة.

ودعا السيد الصدر الى تمليك الشعوب الأدوات اللازمة لتتخذ القرارات المتعلقة بمصيرها. فالأنظمة الشمولية (تغتال روح المبادرة والإبداع على مذبح الرأي الواحد والقائد الواحد)، وتبدع في (فنون الاستبداد والتهميش والإقصاء السياسي) مما انتج سجوناً ومعتقلات ومقابر جماعية وهزائم واستسلام..

وركز على ان الحريات شرط الإصلاح وبدايته، مستعيراً تعبير الإمام الصدر بأن الحرية هي المناخ الملائم لنمو طاقات الانسان، وغيابها يجعل الفرد يخضع للحجم الذي يقدمه الغاصب للحرية. وختم بالآية القرآنية (وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب سينقلبون) بالإشارة الى المسؤولين عن تغييب الإمام الصدر ورفيقيه.

كلمة المفتي قباني
كلمة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، ألقاها الشيخ الدكتور محمد دالي بلطه، وأشار فيها الى اهمية العنوان المطروح كونه يمثل قضية حساسة وآنية اذ ان تطور المجتمع، اي مجتمع، يتناسب مع تعدد خياراته وقدراته على التفكير والإبداع، و(غياب الحرية هو مقدمة طبيعية للغة الارهاب والعنف والبطش حيث يسود الصوت الواحد ويتجه الأمر الى إلغاء الآخر، وتشيع مخدرات التسليم ومسكنات الإذعان والاستسلام، فيتوقف العقل وتتعطل انتاجية المجتمع وحيويته).

ثم استذكر الآيات القرآنية التي تتحدث عن تعدد خيارات المؤمن بل انه لا إكراه في الدين و(قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). الا ان حرية الفرد التي تنطلق بغير قيد، هي قيد لكل انسان سواه بل هي قضاء على الفرد والمجتمع، والحرية لا تعني الانفلات من الضوابط الأخلاقية فتصبح ظلماً او فساداً او كذباً او باطلاً، بل هي امتلاك القدرة على التعرف والاختيار.

وتابع ان الاختلاف ناموس كوني وطبيعة انسانية، والحرية والاختلاف مفهومان متلازمان، وترتكز الحرية على الحوار ويكون الحوار مع الآخر المختلف. وعليه لا تنتهي الحرية عند حق التعبير، انما يستتبعها واجب الاستماع الى التعبير المغاير والا وقعنا في الاستبداد، و(احترام رأي الآخر هو الشق الذي ينبني به صرح الحرية في ظل ضوابط اخلاقية ومناقبية انسانية). وهذه ليست حالة مثالية للحرية بل هي تتم عبر تربية فاضلة ممكنة ومطلوبة من الحاكم والمحكوم. وهي مطلوبة من الحاكم اولاً، لا سيما وان

أهل القانون قد يبيعونه لأنه من وضع ايديهم، اما أهل الأخلاق فانهم لا يبيعونه لأنه (دمهم وروحهم وهواؤهم).
ورأى الشيخ بلطة ان المطالبة بحق الانسان في الحرية، تأتي في وقت تسبقنا فيه عجلة الأيام، وارض الدول والشعوب اصبحت مستباحة للاحتلال والعقوبات. واستنكر ما يحدث في العراق وفلسطين من إهدار للدم والكرامة، كما رأى ان القرار 1559 فيه مصادرة لحريات الدول وليس فقط الأفراد لأنه يحرمنا وسوريا من (ان ننظم علاقاتنا السياسية والأمنية في ظل ازمة الشرق الأوسط والسياسة الصهيونية التوسعية الاستعمارية التي قامت على الاغتصاب وتشريد اصحاب الأرض..)، ودعا الأمم المتحدة الى ان تبحث عن قضية اكثر إلحاحاً سبق لها واصدرت بشأنها القرار تلو القرار دون جدوى، وان تترك القضايا الداخلية لسوريا ولبنان وعلاقتهما المشتركة التي تنظمها اتفاقات ثنائية تجيزها الشرعية الدولية.

وحذر، ختاماً، من ان استعمال اميركا لمفاهيم التجديد والإصلاح والحرية يهدد مصداقية تلك المفاهيم، لا سيما وانها - اي الولايات المتحدة - تساعد على تثبيت الأنظمة المستبدة. ودعا الى السعي نحو الحرية النابعة من أخلاقنا وتراثنا وقيمنا، والى تأمين الحريات الطبيعية والمدنية والسياسية وإشاعة المفاهيم الإنسانية ومنع احتكار السلطة، وتكريس تداولها مستشهداً بتجربة نيلسون مانديلا الذي ثار من اجل الحرية واصبح رجلاً مطاعاً في قومه الا انه آثر العودة الى بيته حتى لا يكرس سنّة سيئة في احتكار السلطة.

كلمة شيخ العقل
 كلمة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ بهجت غيث ألقاها الشيخ طلال سليم الذي بدأ حديثه مطالباً بالمكاشفة والصراحة واللتان لا تتحققان الا بلغة العقل. بينما يؤدي التقليد الأعمى الى الخروج عن جوهر الأديان، والى طغيان الشر الأكبر. وفرّق بين الفهم والمعرفة من ناحية والعلم والاطلاع من ناحية مقابلة، اذ العلم متقدم ومزدهر ويسهل الوصول اليه، اما المعرفة فهي (لطائف العقل وبذرة النور وشعاع الروح المسافر)، ولغة العقل هي الكفيلة بفهم معنى الحرية. والحق والحرية مفهومان متلازمان، والحرية المادية الخالية من القيم توصل الى العبث والفساد وتؤدي الى حضارة المآسي والكوارث، (حضارة العولمة المخادعة).

في حين ان الحرية المعقلنة هي اساس الاصلاح والتجديد الآيل الى تحطيم قيود الإقطاع السياسي والديني وامتلاك حرية الفكر بلغة العقل (وليس بعاطفة الشعوب العربية والاسلامية والمذهبية التي جعلت الأمة أمما والشعب شعوباً)... وحذر الشيخ سليم من الخوف لأن (وسخ الباطل الخفي في أعماق النفوس).

البطريرك صفير
كلمة بطريرك انطاكيا وسائر المشرق الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، ألقاها المطران بولس مطر، واستهلها بالإشادة بموضوع المؤتمركعنوان (طيّب عزيز على قلوبنا جميعاً)، لا سيما وانه لم يذكر الأرض او الأوطان بل أبقي في صيغته المطلقة ليمتد ويشمل كل ارض وكل وطن والحضارة الانسانية بأكملها، على ان تأتي قاعدة (الأقربون اولى بالمعروف) لتحكم تحديد الأولويات في مقاربة قضايا الإصلاح والتجديد والحرية، وفي تفاعلنا مع محيطنا ومع المدى الانساني الأشمل الذي يتخذه الوجود الانساني مسرحاً له. واستعار منهجية مفكّر ألماني معاصر ليميز بين مراحل ثلاث في مقاربة الحرية:

1 - عهد العصور القديمة حيث الشعوب تتعاطى مع بعضها عبر القوة وفرض الذات على الآخرين وراء حدود مسوّرة بالحديد والنار.

2 - صعود الحرية الفردية بإلهام من الديانات لأنها تؤكد على مسؤولية كل انسان عن ذاته وعن أفعاله. وهي مرحلة الإقرار بقيمة الشخص البشري كائنا من كان، ومرحلة حقوقه في داخل شعبه وأمته. وتطورت هذه الحرية في أماكن كثيرة، وهي رغم كونها (أثمن ما وصلت اليه الانسانية) الا انها جنحت ببعض الأفراد وتحدوا مؤسسات المجتمع. لهذا تبقى إنجازاً ناقصاً طالما هي تهدد الجماعة وتؤدي بالفرد الى الانعزال. وهذا ما نجده في الاقتصاد الحر المتفلت من كل قيد حتى القيد الأخلاقي.

3 - والمرحلة الثالثة تحاول التوفيق بين حرية الفرد وحرية الجماعة في تطور يفيد الطرفين معاً وينتج عنه الحرية الشخصية المسؤولة ضمن الجماعة وتصير الجماعة ضمانة للحرية وللأحرار في كامل حياتهم. وهي هذا حرية تقوى بحامليها وتقوّيهم.
وعند التساؤل عن موقعنا بين تلك المراحل، يستخلص المطران مطر، بأننا ما نزال في غياهب العصور الغابرة والوسطى، نحيا حرية الجماعة دون قبول حرية الفرد. واذا كان التحرير واجباً وحقاً فانه لا يستكمل من دون تحقيق حرية الأشخاص وتكريسها في الفكر والممارسة. (فتعالوا يا أهل لبنان نتوّج فرح التحرير بفرح الحرية ونثبّت ثمار التحرير بعبقرية الحرية). على ان تستكمل هذه الحرية الفردية بالتوفيق بين حقوق الأفراد وحقوق الجماعة. والأخيرة قد تكون العائلة او العشيرة، وتكون ايضاً الجماعة الوطنية الكبرى، وتكون ما هو اكبر منها من جماعات اقليمية وكونية. وختم مستذكراً خطاب الإمام الصدر المنادي بأن مسألة الحرية في لبنان شرط لبقاء صيغة التعايش فيه، ولترسيخ وحدته. وان لبنان يكبر بالحرية ويصغر بدونها، على الا تكون حرية فوضى بل حرية مسؤولة ومتصالحة مع حقوق المجتمع، متآلفة مع المصلحة العليا للجماعة.

البطريرك هزيم

كلمة غبطة بطريرك الروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم ألقاها المطران الياس نجم وشدد فيها على ان الانعتاق من كافة اصناف العبودية لا يكون بغير النضال الطويل عملاً بما علمنا اياه الرسل والأنبياء. كما ان الحرية كما الهواء والماء والغذاء بحاجة ماسة الى الاصلاح والتجديد حتى تسود العدالة الاجتماعية، وتترسخ الحرية فتعم الفرد والمجتمع وتصل المجتمعات البشرية الى حياة مثالية متكاملة حيث الانسجام وتكافؤ الفرص والإلفة والمحبة. وهذه مشيئة الله وقد وفر مستلزماتها، وخيرات الأرض كفيلة بإرضاء ساكنيها فيما لو سادت العدالة والحرية.

ثم طالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالكف عن ازدواجية المعايير، وبرعاية السلم الدولي بحكمة وعلم وتقنية ودراية دون تمييز، (ونلتزم بقراراته شرط ان تكون عادلة وتطبق على الجميع بدون استثناء).

البطريرك لحام

كلمة غبطة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام ألقاها الأب الدكتور ميشال سبع واستهلها بالتفريق بين الدول التي تكونها شعوب، والشعوب التي تتكون بفعل الدول. وهذه تتغير وتتبدل حتى تثبت هويتها وكيانها. اما الدول التي تكونها الشعوب فإنها تتجدد باستمرار. والتجديد بطبيعته هو الاصلاح، وهو في قمة الإبداع، وهو يحتاج الى روح الشباب، وهو مرتكز على قيمة الحق. فلا يستطيع شعب ان يعيش حريته ان لم يكن له حق يدافع عنه ويرتجيه. وخيرمثال هو الشعب الفلسطيني، (فخر الحرية)، صاحب الحق في تقرير مصيره وفي القتال من اجل إحقاق حقوقه، بعيداً عن المساومات و(السلام ان لم يكن حراً كان عبودية مقنعة). واذا لم يبدأ السلام في فلسطين فلن يكون هناك سلام في كل بلاد الشام والعرب، وبالتالي فلا سلام للعالم، وكل كلام عن الحرية يكون استهلاكاً للعواطف. كما أدان الغرب الخارج عن (تاريخه الى جغرافية غيره ليصنع منها دولاً مرتزقة)، وهذا الغرب مدعو الى فهم اكثر ليدرك ان استضعاف الشعوب العربية لن يدوم.

والنسيج اللبناني العربي مدعو لينسج ثوباً جديداً للبنان العربي الجديد، حيث الحرية للجميع بعيداً عن الفردية والعشائرية والقبلية والطائفية. وختم بتأكيد قدرتنا على ابتداع ما يصلح لنا من قوانين، والى اننا لسنا بحاجة الى من يعلمنا كيف تكون حرية الشعوب ولا كيف تبنى حضارات الأمم.

الشيخ قبلان
نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان اختتم جلسة الافتتاح بكلمة استهلّها بالإشارة الى الآية القرآنية (ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، ليستخلص ان التغيير يجب ان يبدأ من الذات الانسانية في رحلة الانتقال نحو الأفضل، وهذا لا يتحقق الا بالحرية. والتي شدد عليها الاسلام رافضاً إكراه الناس على الدين. فوظيفة الدين هي الحرية المسؤولة، وهي في الإسلام نص ومضمون، تطبيق وممارسة، وتجسيد للعدل. انها علم وتفكر وتبصر بعيداً عن الغوغائية. واستشهاد الإمام الحسين خير دليل على ان الانسان بلا حرية، حسب الإسلام، هو انسان بلا روح. لهذا كان استشهاده دفاعاً عن قيم الحرية والكرامة الانسانية. وإرادة الله في خلقه ان يكونوا كرماء اعزاء احراراً.

ودعا عبر مؤتمر كلمة سواء الى التحرك والبحث في تفاصيل العنوان المطروح. والى تبني (الحرية والإصلاح والتغيير)، كمشروع للمثقفين والمفكرين عبر الأوطان العربية والاسلامية، يجاهدون من اجل تحويله الى واقع نعيشه علماً وفكراً وعملاً. وتأزم الأوضاع في الأمة يستدعي المجابهة بالإصلاح الذي نحن صانعوه وبالتغيير الذاتي وليس المستورد او المفروض. وختم بأن (لا فكر ولا إبداع ولا اقتصاد ولا سياسة ولا عدالة ولا استقرار ولا سيادة من دون حرية.

source