الحرية والغرب في رؤية الإمام الصدر

calendar icon 03 كانون الأول 2004 الكاتب:محمد علي مهتدي

* مؤتمر "كلمة سواء" التاسع: موقع الحرية في الاصلاح والتجديد

شكراً سيدي الرئيس ،

بسم الله الرحمن الرحيم،

أتساءل أنا ماذا بإمكاني أن اضيف إلى الأوراق القيّمة التي قُدِّمت في هذه المنصة من قِبل زملائي الأجلاء خصوصاً الورقة الأخيرة للدكتور فانوس ، وأنا في ورقتي عالجتُ نفس الموضوع، فهناك وجوه مشتركة ومقتطفات من كلام الإمام موسى الصدر (أعاده الله إلينا)، فعلى كل حال بما إنني الباحث الإيراني الوحيد في هذه المنصة أرجو أن تتحملوني وآمل أن تساعدني وأن تسعفني لغتي العربية على تقديم ملخص بإيجاز شديد من الورقة التي أعددتها حول موضوع الحرية والغرب في رؤية الإمام موسى الصدر.

أولاً، كما أشار زملائي لا بد أن نتحدث في المفهوم والمصطلح: ماذا نقصد بكلمة الغرب؟ أهي أوروبا أم امريكا جغرافياً أو كلاهما؟ ثم من أي زاوية ننظر إلى الغرب ؟ هل من زاوية السياسات والاستراتيجيات التي مورست من قبل الدول والحكومات الغربية ؟ أم من زاوية ما يسمى بالحضارة الغربية والتقدم الصناعي والتكنولوجي في الغرب؟

نحن في هذه المنطقة العربية والإسلامية تعرفنا على الغرب الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من خلال مدافع نابوليون التي دكّت السواحل المصرية، ثم من خلال الجيوش الغازية والاستعمارية خصوصاً البريطانية والفرنسية منها فهذا الغرب لم يتحفنا بشيء إلا بالويلات والقتل والدمار ونهب ثرواتنا واستعباد شعوبنا فاحترنا في امرنا وبدأنا نفكر في اسباب انحطاطنا وهزائمنا، فبادرنا بإرسال وفود وبعثات استكشافية طلابية وسياحية إلى ديار الإفرنج لنتعرف على سر قوتهم وأسباب ضعفنا.

هذه الوفود والبعثات أقامت في الغرب سنين وبعودتها بدأت تروي لنا ما شاهدته هناك. فكتب رفاعة الطهطاوي مثلاً، ان هناك شيئاً اسمه (اندستريا) ولا يمكن لنا مجابهتهم اي مجابهة الغربيين او الجيوش الغربية إلا إذا امتلكنا هذه الاندستريا وجاء آخرون وتحدثوا عن مفاهيم مثل الحرية والديمقراطية والدولة القومية NATIONAL STATE، ومشاركة الشعوب في القرار من خلال شيء اسمه البرلمان. وأن هناك أكثرية واقلية معارضة، ومن الممكن توجيه النقد إلى السلطات والحكومات من خلال الصحافة، وغير ذلك. هنا تشكلت ثلاثة اتجاهات في عالمنا العربي والاسلامي.

الاتجاه الأول في إيران نسميه اتجاه المنبهرين – الذين رأوا ان الطريق الوحيد للخلاص هو ان نصبح غربيين من الرأس إلى أخمص القدمين.

هذا الاتجاه هو الذي سيطر وحكم الواقع الايراني والواقع التركي خصوصاً بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، ولكن من خلال قيادات مدعومة من القوى الاستعمارية نفسها مثل مصطفى كمال باشا في تركيا، وحزب تركيا الفتاة ورضا خان بهلوي في ايران فتمت عملية التحديث بشكل اجباري على المجتمعات بالتأكيد على تغييرات ظاهرية في القشر شكلية لا ترقى ابداً إلى المضمون في شيء فأجبروا الناس على تغيير مظهرهم وتغيير ثيابهم، فمنع ارتداء الحجاب والثوب التقليدي، وفي ايران منعت مجالس عاشوراء والعزاء الحسيني وفي تركيا تمت عملية فصل الدين عن الدولة وهذه العملية أخذت شكل محاربة الدين الاسلامي وأي شيء يمت إلى الدين بصلة. وحتى اللغة المكتوبة بالأبجدية العربية تم تحويلها إلى الحروف اللاتينية.

فعملية التحديث او التجديد تمّت بناء على فرضية خاطئة وهي إلقاء اللوم على الدين خصوصاً على الدين الاسلامي والالتزام الديني في تحليل اسباب الانحطاط لدينا.

هذا هو الاتجاه الذي ساد مجتمعاتنا على الاقل في المجتمع الإيراني والمجتمع التركي وبعض المجتمعات في العالم العربي.

أما الاتجاه الثاني يمكن تسميته اتجاه الحذرين أو الخائفين الذين رأوا أن القبول بالحضارة الغربية يهدد ثقافتنا وديننا وهويتنا، فليس لنا إلا أن نوجه هذا الغرب والحضارة الغربية بكل ما نملك من قوة حفاظاً على شخصيتنا وخصوصيتنا، طبعاً هؤلاء السلفيون كانوا موجودين في اوائل القرن العشرين وهناك ابحاث ونقاشات وسجالات في هذا المضمار، ارى نفسي بغنى عن الدخول في هذه الأبحاث.

اما الاتجاه الثالث، يمكن اعتباره اتجاهاً توفيقياً، كما سماه زميلي العزيز، و يمكن ان نسميه اتجاهاً معتدلاً، وهذا الاتجاه المعتدل نراه في فكر سماحة الإمام موسى الصدر وكثير من العلماء المسلمين. هذا الاتجاه يقول بإمكاننا ان نحافظ على ديننا، على هويتنا على تاريخنا وفي نفس الوقت بإمكاننا ان نضع مصافٍ امام التمدد للحضارة الغربية. نأخذ ما يصلح لنا، وما يتطابق مع معتقداتنا و مع شخصيتنا وهويتنا ونرفض ما يخالف هذه المعتقدات وهذه الشخصية.

نحن في ايران ابتداءً من الثورة الاسلامية عام 1979، حسب فكر الإمام الخميني، مفجر الثورة، بدأنا العمل بهذا الاتجاه وقمنا بكل جهد للحفاظ على الأصالة والثقافة الاسلامية والفكر الاسلامي والشخصية والتاريخ وفي نفس الوقت الاستفادة من كل ما يخدم تطورنا وتقدمنا كمجتمع اسلامي، كل ذلك في الوقت الذي فكرنا باعطاء مناعة لشبابنا ولمجتمعاتنا مقابل كل ما يأتي من الغرب ولا يتطابق مع معتقداتنا وشخصيتنا.

أما بالنسبة لموضوع الحرية، حسب الإمام موسى الصدر وحسب كثير من العلماء المسلمين فأنا هنا اركز على فكر الإمام موسى الصدر، اعاده الله، «الحرية هي الحق، إنها من الله وإذا أردنا ان نحدد الحرية نقول إنها هي تحرير الغير والتحرر من الشهوات.» هذه النقطة اشار إليها د. وجيه لا ضير إذا أعدنا على مسامعكم: "اذاً التحرر من الشهوات والتحرر من الناس.لأن الحرية التي تصطدم بحرية الآخرين عبودية للنفس ومتابعة للشهوات. الحرية هي الجهاد الأصغر، الذي عناه النبي الكريم. إنها جهاد الأجنبي وجهاد النفس والتحرر من الشهوات". اغناني د. وجيه عن الدخول في هذا المضمار، اضيف إلى هذا المقطع والكلام للإمام موسى الصدر كما يوضح:

"إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان على صورته سميعاً بصيراً. ثم هداه السبيل، وله ان يكون شاكراً او كفوراً، ونزّه الاسلام مقام الانسان فحرم عليه عبادة الأصنام وعبادة البشر وعبادة اي شخص او شيء، واعتبر الانسان ارفع من ان يعبد غير الله".

والحرية كما يؤكد الإمام موسى الصدر هي افضل وسيلة لتجنيد طاقات الإنسان كلها. وهذا المقطع موجود ايضاً في الورقة القيمة للدكتور وجيه. ولا يستطيع الفرد ان يخدم في مجتمع لا تسوده الحرية، ولا يستطيع ان ينطلق بطاقاته وينمي مواهبه إذا اعوزته الحرية.

إذاً، الحرية هي اعتراف بكرامة الإنسان وحسن الظن بالإنسان بينما عدم الحرية اساءة الظن بالإنسان والتقليل من كرامته.

هنا نقطة هامة و هي أن الإمام موسى الصدر لا يعتبر ان الحرية هي تحفة من الغرب، الحرية موجودة في صميم الفكر الإسلامي ليس فقط لإن الإنسان خلق سميعاً بصيراً وحراً ولكن بالمعنى الحديث للحرية، يعني حرية المعتقد، حرية التعبير، حرية نقد السلطة الحاكمة، كانت موجودة في مدينة النبي (ص) في صدر الإسلام، وحتى ايام الخلفاء الراشدين وإذا نظرنا في سيرة الخلفاء نرى انه كانت هناك اجتماعات في المساجد، وكان بإمكان اي مسلم ان يساءل الحاكم، ان يساءل الخليفة وان ينتقد اي تصرف من قبل خليفة الإسلام ولكن بعد ذلك لما انتقلت الخلافة الإسلامية إلى السلطنة والملك في العهدين الاموي والعباسي رأينا اننا وصلنا إلى مرحلة الانحطاط.

كذلك يشير الإمام الصدر:

"لقد دخل الخليفة إلى المقصورة واحتجب عن الناس، فتحولت الخلافة إلى ملك عضوض وتحول الحاكم إلى ملك، وتحول بيت مال المسلمين إلى خزانة الحاكم، وتحول الجيش المدافع عن الوطن إلى الحرس الخاص بالحاكم. وفي هذا الاحتجاب، يكون الخطر الأساسي على المجتمع لأن الحاكم لا يطلع الإطلاع المباشر على الناس ولا يسمع شكواهم ولا يهدي ضالهم ولا يقوّم معوجهم، فيقع في حاشية يتملقون له ويصبح سجيناً لهم ويبتعد عن الذين يمحصون اخطائه فينحرف ويطغى ويستبد وهذا هو الشيء الذي رأيناه في حكم الأمويين وفي فترة الحكم العباسي".

يأخذ علينا المستشرقون الغربيون دائماً عدم تطبيق الحرية في ايام الحكم الأموي الحكم العباسي وينسون سيرة النبي (ص) وسيرة الخلفاء الراشدين. فكما يؤكد السيد موسى الصدر في موضوع الحرية ومفاهيم كالحرية التي نعتبرها هدايا من الغرب، علينا ان نعود إلى الينابيع الأصيلة للفكر الإسلامي وإلى القرآن الكريم وسيرة النبي الأكرم والخلفاء الراشدين.

هناك موضوع آخر في فكر الإمام الصدر، موضوع الفرد، حرية الفرد ودور الفرد في المجتمع، وكيف تصطدم حرية الفرد مع حرية المجتمع، مع مصلحة المجتمع وأين تنتهي حرية الفرد. يقول الإمام موسى الصدر: "المجتمع الذي يقترحه الإسلام هو المجتمع الذي يعترف بوجود الفرد بجميع جوانبه الشخصية والاجتماعية"، وجود فطرة الخير في الإنسان ونزعة الشر فيه، والصراع النفسي الذي يشكل الحرية والاستقلال في الانسان. ولا شك ان تحديد هذين النوعين من الأعمال يحتاج إلى تحديد مفهوم الحق. والحق جزء من التنظيم العام المقترح للمجتمع ينظم صلة الأفراد، الحق ليس فقط اتفاق الناس على نظام الحكم. ينظم صلة الأفراد بعضها ببعض، وهكذا نتمكن من تصور حرية الفرد في خط موازٍ لحرية الآخرين ومن تصور مصالح الأفراد منسجمة مع المصلحة الاجتماعية.

أما بالنسبة للحضارة الغربية، يفرق الإمام الصدر بين الحضارة الغربية كتكنولوجيا وتقدم وفكر وثقافة، والحضارة الغربية كسياسات واستراتيجيات هدامة ومفترسة ووحشية. هنا يعتبر الإمام الصدر إن مصطلح الحضارة الغربية هو مصطلح غير صحيح، لأن الحضارة حضارة عالمية، هي حضارة للإنسانية فكل الشعوب شاركت نوعاً ما في إيجاد هذه الحضارة خصوصاً مشاركة ومساهمة المسلمين في الحضارة الموجودة، مشاركة واضحة ونحن بغنى عن بحث هذا الموضوع. من هنا لا نرى في كتاباته او خطاباته اي هجوم على شيء اسمه الحضارة الغربية، لأن الحضارة لٍكلّ البشر، ولكن السياسات والاستراتيجيات المفترسة المعتدية خصوصاً تجاه الشرق الإسلامي تجعلنا نأخذ موقفاً تجاه ما يسمى بالحضارة الغربية التي تنتج هذه الحكومات. وتنتج هذه الأسلحة المدمرة وهذا الفكر الوحشي والافتراسي. يعتبر الإمام الصدر ان وجود اسرائيل في هذه المنطقة هو نتاج هذه الحضارة الغربية والمصلحة الغربية وهي رأس حربة الهجوم الغربي على مجتمعاتنا العربية والإسلامية. لا يمكن التعايش مع اسرائيل، و لا يمكن أن نتصور أي حل سلمي لصراعنا كعرب و كمسلمين مع اسرائيل. وهذا مؤكد في فكر الإمام موسى الصدر، فإذاً يجب ان نتهيأ دائماً للمواجهة، للدفاع عن انفسنا. فنحن في فكر الإمام موسى الصدر دائماً في موقع الدفاع مقابل هذه الحضارة الوحشية المفترسة. يقول الإمام موسى الصدر: "نحن جميعاً في الشرق العربي مسلمون ومسيحيون أصبحنا ضحية تآمر الحقد العنصري الصهيوني يشاركه في ذلك موقف الحضارة الغربية المادية وازدرائه. تلك الحضارة التي انقلبت معطياتها ومكاسبها لهم، ولغيرهم انقلبت شراً مستطيراً". ثم نقف امام هذه الظاهرة المذهلة حيث كنا نفهم الحضارة بالمعنى الذي قدمناه نحن في الشرق (بالمعنى الذي يقصده الإمام الصدر)، حضارة إنسانية حقة وديناً قويماً، لا تصنيفاً للبشر ولا تسخيراً لشعوب الأرض وخيراتها ولا تحقيراً للإنسان، ولا تمييزاً بين عناصره ولا تزييفاً للحقائق و تسمية كل هذه حضارة وحماية لحقوق الإنسان!

نقطة أخيرة: ماذا يقصد الإمام الصدر بالغرب والحضارة الغربية؟

لقد سافر الإمام إلى اوروبا (ككل الذين سافروا إلى اوروبا) كغيره، ونحن نرى خصوصاً محاضرات الإمام، وخطاباته وبياناته في ذروة عمله هنا في لبنان في الخمسينات والستينات واوائل السبعينات، فالإمام يرى الغرب كأنه اوروبا فقط، لأنه قبل انسحاب بريطانيا من شرق السويس لم يكن دور اميركا مطروحاً في هذه المنطقة. فحضارة الفرنج كانت الحضارة الاوروبية، والزحف كان زحفاً اوروبياً نحو منطقتنا العربية والإسلامية، فيقول الإمام عن اوروبا: "رحلة اوروبا اثرت في نفسي وعكست على صفحاتها انطباعات كثيرة – نرى الايجابيات والسلبيات هنا – وكم تمنيت لو اتيحت فرصتها لغيري – ذلك ان اوروبا هي مستقبل هذه البلاد بخيرها وشرها، فإذا عرفناها، نحن حملة أمانة الله، عرفنا مستقبل بلادنا فأمكن لنا تحت ضوء هذه المعرفة، تنظيم مخططاتنا وترسيم مناهجنا الصحية، عندئذ نعرف كيف نواجه شرور الزحف الغربي وكيف نوجهه."

هنا تأكيده على معرفة الغرب. في مجتمعاتنا قليلون هم الذين يعرفون الغرب ويعرفون الفكر الغربي او يعرفون تحليل المجتمع الغربي. هذا المقتطف موجود في كتاب "الشيعة على المفترق" للسيد نجيب جمال الدين، وهو يضيف انه كان مرافقاً للإمام موسى الصدر، يقول السيد جمال الدين "زادت معرفة السيد في اوروبا وتوسعت إطلاعاته فزادت مسؤولياته، ثم قويت مناعته بعد زيارة اوروبا وتنوعت قدراته على إيجاد الحلول لكل المسائل التي ستعرض. وقد عرضت لنا فعلاً هنا في الشرق بشكل يرضي الخلق والكرامة والخط الديني، ولا يصادم المد الحضاري بل هو يمشي معه ويوجهه إلى حيث يرضي الله". هذا هو الفكر التوفيقي إذا صح التعبير للإمام موسى الصدر، بين الأصالة والمعاصرة أو التجديد المبني على الحضارة الغربية.

ما العمل؟

لا شك ان متابعة سيرة الامام الصدر في لبنان تضعنا امام برنامج عمل متكامل على كافة المستويات وهذا يتطلب بحثا آخر ولكن بالنسبة للخطوط العريضة لهذا البرنامج نشير إلى مقتطف من بيان أصدره الإمام موسى الصدر بعد حرب حزيران1967 .هنا يقدم مقترحات للحفاظ على هويتنا وعلى وجودنا أمام هذا الزحف الغربي، "امام هذه المقاييس المذهلة يتحتم علينا، الوقفة التاريخية بكل جهودنا وإمكاناتنا، حفاظاً على شرفنا ووجودنا ومستقبل بلادنا واجيالنا وادائنا لدورنا التاريخي والأمانة الملقاة على عاتقنا". يقترح اولاً ان نشعر بجسامة الخطر في الحال وفي المستقبل. ثانياً ان نعيد الثقة بأنفسنا، فنشعر بأصالتنا (التأكيد على الأصالة) وذاتيتنا بأن نتحرر من الاستعمار الفكري الذي هو اشد من الاستعمار المادي، ثالثاً ان نوحد صفوفنا، وقبل كل شيء، ان نثق بالله وحده ونعود إليه وحده وليس إلى غيره.

اسمحوا لي ان اختم كلمتي بكلمة وجدانية كتبتها من وحي لقائي الأول مع الإمام موسى الصدر:

سيدي وإمامي ما أنسى لا أنسى تلك اللحظة في ذلك اليوم من صيف 1976، يوم تحققت أمنيتي بلقياك من قريب، لأول مرة، وأنت متجه نحوي أنا، بعد طول انتظاري ولكنني صُعقت وتجمدت بمهابة الموقف وشموخ شخصيتك، دون أن أكون قادراً على حركة أو التفوه بكلمة، غير مصدق ما أراه، فأدركتني وأسعفتني بابتسامة ملؤها الحنان والرأفة فتشجعت أن أتقدم لأضع شفتيّ الحارتين على يدك وجبينك وأنا أردّد قول الفرزدق في جدك علي بن الحسين عليه السلام:

يغضي حياءً ويغضى من مهابته فلا يُكلّم إلا حين يبتسمُ

سيدي ومولاي، ثم ما لبثت أن غيبت في ظرف كنا في أمسّ الحاجة إليك حين فقدناك ثم افتقدناك، ربما لأننا نحن لم نكن نستحق عظيماً في مستواك فلم نقدر حق قدرك ولم نعرف من أنت؟ كنا مطمئنين لأننا كنا نسير تحت رايتك ونستظل بعباءتك، فجأة رحلت وتركتنا عرضة للفتن في مهب الريح. فانتبهنا لحسن الابتلاء فقررنا أن لا نيأس ابداً، إنما نشكو بثنا وحزننا إلى الله ونعلم من الله ما لا يعلمون. نعلم أنك كنت أكبر منا جميعاً، نعلم أنك ذخيرة من ذخائر الله سيظهرك يوماً لمهمة أكبر من الشيعة وأكبر من لبنان وأكبر من إيران، نعلم يقيناً أنك آت عاجلاً أم آجلاً ولكن، يا سيدي ومولاي، والله لقد طال النوى ونحن نتساءل ليلاً نهاراً متى نرد مناهلك الروية فنروى، متى ننتقع من عذب مائك فقد طال الصدى ؟ متى نغاديك ونراوحك فنقر عيناً ؟ تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنّا لخاطئين، هكذا نعتذر إليك يوم نلقاك فستقول لنا بابتسامتك المعهودة كما قال يوسف لأخوته "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين".

والسلام عليكم

source