"موقع الحرية في الإصلاح والتغيير" عنوان مؤتمر "كلمة سواء": دعوة للحوار ونبذ الخلافات الداخلية وعدم اعتماد إصلاح "مستورد"

calendar icon 03 كانون الأول 2004

"موقع الحرية في الاصلاح والتجديد" عنوان مؤتمر "كلمة سواء التاسع" لهذا العام، واذا كان "مركز الامام موسى للابحاث والدراسات" يستلهم عناوين مؤتمره السنوي عادة من وحي مواضيع الساعة، ك"المقاومة والمجتمع المقاوم" الذي اختاره في عام التحرير على سبيل المثال، أو "بحثاً عن حق الانسان" لمناسبة السنة الخمسين لإعلان شرعة حقوق الانسان في العام 1998, فإن اختيار موضوع المؤتمر الذي افتتح امس في قصر الاونيسكو لم يأت هذه المرة بناء على مناسبة طارئة، بل من وحي حالة قائمة منذ وقت ولا تزال وتتعلق في جزء منها باختلالات موجودة في نظام سير العمل في الادارات والمعاملات، وهي مشكلة تحتاج الى خطة إصلاح.

وأبرز ما يهدف اليه المؤتمرهو الخروج بمقترحات تدعو ليكون القرار على مستوى المؤسسات اولاً لإحداث الاصلاح المطلوب فيها وصولاً الى الوطن ككل، "اذ ليس من الضروري ان يكون القرار مركزياً على مستوى الدولة بشكل دائم" بحسب أحد المنظمين ومسؤولية التغيير تقع أحياناً على الافراد وليس على الدولة".

واذا كان الرؤساء الثلاثة قد انتدبوا ممثلين لحضور المؤتمر، وهم وزير الثقافة ناجي البستاني ممثلاً رئيس الجمهورية، النائب علي حسن خليل ممثلاُ رئيس مجلس النواب، ووزير الشؤون الاجتماعية غازي زعيترممثلاُ رئيس مجلس الوزراء، فإن اللافت للانتباه ايضاً هو عدم حضور أي من الخطباء الاصيلين المدعوين باستثناء نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى المفتي الجعفري الممتاز عبد الامير قبلان، فيما انتدب الآخرون خطباء بالوكالة اذا جاز التعبير وهم القاضي الشيخ محمد دالي بلطة عن مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، رئيس أساقفة بيروت للطائفة المارونية المطران بولس مطر عن البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، الشيخ طلال سليم عن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ بهجت غيث، المطران الياس نجم عن بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم، والاب ميشال سبع عن بطريرك انطاكية وسائر المشرق والاسكندرية واورشليم للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام.

كما اعتذر عن عدم الحضورالسفير البابوي المونسنيور لويدجي غاتي، الذي كان من المقرر ان يلقي كلمة.

كما حضر المؤتمر الرئيس حسين الحسيني، الرئيس سليم الحص، الوزيران كرم كرم وياسين جابر، وعدد من النواب والمدراء العامين، ممثل الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله النائب علي عمار، والسيدة رباب الصدر.

وقد دعت الكلمات الى الحوار والابتعاد عن الانقسامات الداخلية، وتساءل الصدر عما اذا كان من الممكن تحقيق انتصارخارجي "ونحن نخوض صراعات داخلية"، فيما انتقد المطران نجم ازدواجية معايير المجتمع الدولي، وأكد الاب سبع ان لا سلام في العالم ما لم يبدأ في فلسطين، في حين أعلن قبلان ان الاسلام المتهم بالارهاب يدعو الى الجهاد من أجل الحرية.

الصدر

قدم الخطباء حسين حمادة، وتحدث السيد صدر الدين الصدر باسم المركز المنظم، فعرض للحاجات الملحة التي "تستدعي الاصلاح والتجديد والتغيير"، لافتا الى "ان الخلافات الداخلية ما زالت تتعمق، وانقساماتنا تزداد وتشرذمنا يتفاقم والحصار حولنا يزداد إطباقاً". وتساءل: "أين نحن اليوم وكلنا مهددون ومستهدفون بل ومتهمون بأننا إرهابيون؟ هل يمكن إغفال مسؤوليتنا وتقصيرنا كأنظمة ومؤسسات، جماعات وأفراد؟ مصالحنا في مهب الريح، ثقافتنا مهددة، وجودنا في خطر، وما زلنا عاجزين وفي أكثر من موقع، عن إقامة حوار بناء مثمر مع ذواتنا وبناء وطننا وأمتنا، وهل في الامكان أن نقيم حواراً ناجحاً مع الآخر ونحن عاجزون عن القيام به على مستوى الداخل؟ هل في وسعنا تحقيق انتصار خارجي ونحن نخوض صراعات لا أفق لها في الداخل؟

وقال: "يجب التفريق بين الرغبة في الاصلاح ومنطلقاته، والاصلاح المستند الى وحي أو إرادة خارجية. فبعد 11 أيلول، كثر الحديث عن الاصلاح"، واعتبر "ان رفض الاملاءات الخارجية لمجرد الرفض أو الاستسلام لها، تؤدي كلها الى النتيجة نفسها بحسب الامام الصدر". وتساءل: "هل يمكن للاصلاح أن يتحقق مع استمرار تغييب الفرد وتهميش حرياته العامة والسياسية؟ أين هي دولة القانون والمؤسسات والانظمة العادلة التي تضمن للانسان حقوقه ومنها حقه في حرية التعبير؟".

دالي بلطة
ثم تحدث الشيخ دالي بلطة فنوه بمزايا الامام الصدر، وقال ان غياب الحرية عن الممارسة الانسانية يمكن أن يعتبره في حق مقدمة طبيعية للغة الارهاب والعنف والبطش حيث يسود الصوت الوحد، ويتجه الامر الى إلغاء الآخر. وقال: ان الحرية ترتكز بشكل رئيسي على الحوار، وبذلك لا ينتهي مفهوم الحرية عند حق الانسان في التعبير عن رأيه، بل عليه أن يحترم رأي الآخرين، وإلا عدنا الى الاستبداد.

وعرض للواقع الحالي في العراق، وقال: "ان الولايات المتحدة الاميركية تدّعي انها حامية الحرية والحضارة وانها تصون قدسية الانسان، وهي التي تسفك الدماء في العراق بحجة تقديم نموذج ديموقراطي في منطقة الشرق الاوسط تحتذي به دول المنطقة"، وانتقد القرار 1559. ورأى ان "من واجب الامم المتحدة أن تجد حلاً لقضية أهلنا من فلسطين وفي فلسطين، وان تحاسب الولايات المتحدة التي خرجت عن الشرعية الدولية في حربها على العراق من دون مسوغ قانوني أو أخلاقي".

سليم
ثم تحدث الشيخ سليم متسائلاً: "أين نحن من الحق والحرية وما يسمى بحوار الحضارات والثقافات، وقد سادت لغة التكاذب والتزييف والخداع والتعصب والابتعاد عن الحق والممارسات المقنعة بالحرية والديموقراطية". وقال: الحرية المعقلنة أساس الاصلاح والتجديد، وهما لا يتحققان إلا بتحطيم قيود التقليد وسلاسل الاقطاع السياسي والديني وامتلاك حرية الفكر بلغة العقل، وليس بعاطفة الشعوب العربية والاسلامية والمذهبية التي جعلت الامة امما والشعب شعوبا.

مطر
وألقى المطران مطر كلمة قال فيها: "إن الحرية هي في وجه من وجوهها، أثمن ما وصلت إليه الإنسانية عبر تطورها الاجتماعي الحديث، إلا أنها تبقى ناقصة بفعل تهديدها للجماعة التي تنتمي إليها، وكأن الإنسان الحر فرد منعزل لا انتماء له يجمعه بالآخرين أو يقوده إلى تحقيق ذاته الجماعية مع ذاته الفردية. وخير دليل على نقص هذه الحرية الفردية، نجده في الاقتصاد الحر المتفلت من كل قيد حتى من القيد الأخلاقي نفسه في بعض الأحيان".

وأضاف: "إن كنا قد وصلنا في بلادنا إلى مستوى عيش الحرية الفردية عيشاً حقيقياً، فإن هذه الحرية لا تستكمل بدورها ولا تصير أساساً للتجدد والإصلاح ما لم تحترم حرية الجماعة أيضا، وما لم تلتزم بالتوفيق بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة في آن. وان الجماعة قد تكون جماعة صغرى، عائلية أو طائفية، إلا أن ضمانة المصير الواحد تتحقق في تكوين الجماعة الوطنية الكبرى وفي ما هو أكبر منها أيضا من جماعات إقليمية وكونية".

نجم
وألقى المطران نجم كلمة استذكر فيها خصال الامام الصدر وقال: "الحرية هي كما الهواء والماء والغذاء، وهي في حاجة دائمة وماسة الى إصلاح وتجديد وحيوية لتسود العدالة الاجتماعية وتترسخ وتعم الفرد والمجتمع على حد سواء، فتعيش المجتمعات البشرية حياة مثالية متكاملة لا يسود فيها الطغيان والظلم والاستعباد، بل الانسجام وتكافؤ الفرص والالفة والمحبة".
وذكّر المجتمع الدولي وعلى رأسه الامم المتحدة ومجلس الامن، بألا تكون لديه ازدواجية في المعايير وأن يرعى السلم الدولي بحكمة وعلم وتقنية ودراية من دون تمييز، نلتزم بقراراته شرط أن تكون عادلة وتطبق على الجميع من دون استثناء".

سبع
ثم تحدث الاب سبع وقال: "لقد آمن إمامنا المغيب بقوة الشباب على الابداع، لأنه آمن بأصالتهم وآمن بتاريخ الشعب العربي الذي أنتجهم. واذا كان الابداع والاصلاح من شيم التجديد، فإن القيم هي التي تحميه وتصونه هي الاساس وأهمها الحق وإحقاقه، فلا يمكن لشعب أن يعيش حريته إن لم يكن له حق يدافع عنه ويرتجيه".

وقال: "ان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقتاله من أجل إحقاق هذا الحق، يجعل منه فخراً للحرية. وأما الرضوخ للاستعمار والدخول معه في مساومات وعهود فهو إخضاع الحق للباطل وانتفاء للحرية ونسف لها، والسلام ان لم يكن حراً كان عبودية مقنعة. واذا لم يقم السلام بدءاً في فلسطين، فلن يكون هناك سلام في كل بلاد الشام والعرب، وبالتالي فلا سلام للعالم، وكل كلام عن الحرية هو استهلاك للعواطف. كما ان الحرية لا تكون فردية ولا قبلية ولا عشائرية ولا طائفية، فهي إما ان تكون شاملة الجميع وإما لا تكون".

قبلان
أما كلمة الختام فألقاها الشيخ قبلان وقال فيها: ان الاسلام الذي يتهم والذي يوصف بأنه تطرف وإرهاب وبأنه ضد حقوق الانسان، يشدد على الحرية ويدعو الى الجهاد من أجلها، ولكن الحرية المسؤولة، الحرية الحقة، وليس حرية الشعارات وحرية النصوص. الحرية في الاسلام نص ومضمون، تطبيق وممارسة، تجسيد للعدل، لقيام الناس بالقسط، لمنع الظلم والفساد. وقال: "هذا الاصلاح الذي شغل الامام المغيب السيد موسى الصدر، فكان همه ومحور حركته سعيه الدائم، ويجب أن يبقى هم الجميع حتى يتحقق الاصلاح المطلوب والتجديد الذي يجعلنا مجتمعاً واعياً ومدركاً ومحصناً في وجه ما يتهددنا من أخطار". وختم: "اننا نعيش واقعاً مؤلماً جراء أوضاع إقليمية ودولية متأزمة ومتفجرة في فلسطين وفي العراق، فالمنطقة كلها تعيش الازمات وتمارس عليها ضغوط هائلة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ولا بد من مواجهتها مهما كانت التضحيات، وذلك بإصلاح نحن نصنعه وبتغيير نحن نبرمجه، لا لإصلاح مستورد أو مفروض، لا لإصلاح من دون حرية، اذ لا فكر ولا إبداع ولا اقتصاد ولا سياسة ولا عدالة ولا استقرار ولا سيادة من دون حرية".

ووزعت منشورات تضمنت مواقف وأقوالاً للامام الصدر، ومعلومات عن آخر التطورات القضائية في مسألة إخفائه ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.

جلسات
ويستأنف المؤتمر أعماله، في التاسعة والنصف قبل ظهر اليوم عبر عقد ثلاث جلسات عمل. الاولى بعنوان "الحرية والاصلاح بين ضغوط الخارج وضرورات الداخل"، والثانية بعنوان "الحرية في مواجهة الآخر" برئاسة الدكتور طارق متري. أما الثالثة فتتمحور حول "الحرية والتجديد".

source