* مؤتمر "كلمة سواء" التاسع: موقع الحرية في الاصلاح والتجديد
الجلسة الأولى
إنه لشرف كبير لي أن أكون بينكم في المؤتمر التاسع «لكلمة سواء» تحت عنوان «موقع الحرية في الإصلاح والتجديد» والذي تنظمه مؤسسة الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
يظللنا اليوم الإمام العظيم شاقاً لنا دروباً للحرية الروحية والإنسانية والوطنية والفقهية والاقتصادية نستوحي منها لنبني معاً وطن المعية وحضارة المحبة والمصالحة.
السؤال هو الحرية، الحرية والإنسان لا ينفصمان. لا أكون إنساناً إلا في الحرية. الحرية هي كمال إنسانيتي. تحدّد أو لا تحدّد وان ألبست الخواء ضاع مفهومها الحقيقي.
عندما تموت الحرية يموت الإنسان، العيش أو البقاء ليس هو ببديل عن الحرية.
أنها في الكينونة تتمظهر في الأبعاد السياسية والإنسانية والفنية والاقتصادية والثقافية والدينية وسواها. الحرية هي الأساس أي أنها الصوت الحقيقي لأجل كينونة الإنسان بكرامة وجوده وليس بلحمية صورته. لست أنا كائنًا ناطقًا فقط. لست أنا ذئباً للآخر ولا انوجد في انعدام الآخر، ولا كينونة لي في تشييء الآخر، بل أنا والآخر كينونة وانوجاد في الحرية والكرامة والاحترام. الفناء هو البقاء دون حرية "وحدهم الأحرار كما قال شارل مالك يحاربون في سبيل الحرية ويجدون في العالم أنصارا لهم، ومن هؤلاء كان الإمام السيد موسى الصدر.
لي الحق بالافتراق وللآخر الحق بالاختلاف، نحن لا نكون إلاّ إذا كنّا سوى، أيّ معا، في كلمة سوا، هذا هو فعل حريّتنا الأوّل ووجودنا الأوّل. نحن سوا.
لكي تبقى فينا إنسانيتنا وحقنا بوجهنا البشري المرتكز الوحيد هو حريتنا وكرامتنا الانسانية. قرار وجودنا أو عدمه هو قرار حريتنا. وحدهم الأحرار هم الموجودون. العبيد المكدونون تحت نير أية سيطرة على القلب والعقل هم في العيش وليس في الكينونة لأن الحرية هي الأساس بها نتأنسن وبها نكون بشراً وهي فعل التجديد الدائم وجرح الانوجاد في مغامرة الكيان Risque d’être لتضاء على دروب الناس قناديل الفرح فيدفأون على نار عشق آخر، هو الخروج من كهف الجسد ورغباته ومصالحه، بالتطهير الكياني كما يقول أفلاطون، فيتعالون ويتراقون على ضغوط الخارج وضرورات الداخل ليقفوا في العري الأساسي للكائن البشري الذي لا معنى له إلاّ في الحرية والباقي قشور وأقنعة. لا يجب أن نضيع بين الثابت والدائم والجوهري وبين المتحوّل والمتغيّر والعرضي. الحريّة جوهر التفاعل معها يكون في الزمان والمكان والإنسان. البقاء أفضل منه الفناء بدون حرية. لأنه مع الحرية تقرع لنا أجراس الفرح حتى صليب الآلام والاستشهاد. الحياة تولد من رحم آلام الحرية حرية الفكر وحرية القول وحرية العمل، الحرية الاجتماعية، الحرية السياسية والحرية الدينية. الحق الأول والدلالة الأولى على رقي الأمم هو تمتع أفرادها بهذه الحقوق الطبيعية المعدة لهم من الله وليس من كرم الحكام.
في هذا العري الصادق الحر للعقل والقلب وقف السيد الإمام موسى الصدر، على حدود الجرأة الروحية المسكونة بأصوات الأولياء والأنبياء والقديسين ليكون في لبنان طبق العيش المشترك الذي نتقاسم خبزه الحضاري والروحي والإنساني ونقدمه قرباناً مثالاً للإنسانية. نحن اليوم نضيء سراج قلوبنا وعقولنا من روحه لتبقى دروب المستقبل منورة لنا. القضية اللبنانية هي قضية الحرية في هذا الشرق. فلا كيان سياسي للبنان إلا على بناء الحرية في جوهر الوجود اللبناني.
في الفكر المسيحي عندما أخذت مركبة النار النبي ايليا ورفعته إلى السماء كان ذلك في جبل الكرمل حيث ارتقى ايليا الى السماء وغاب لكن قبل غيابه صرخ تلميذه اليشاع وقال له الى أين تذهب يا معلمي وتتركني وحيداً. أترك لي شيئاً منك يعزيني ويعطيني من روحك وقوتك. فالقى اليه ايليا وهو في عاصفة النار وشاحه.
وهكذا نحن اليوم في ظل عمامة وعباءة الامام السيد نقول له ارمِ لنا بوشاحك ليضىء لنا الوطن حرية وكرامة وقلوبنا رحمة وسلاماً ومجتمعنا حضارة وتعايشاً سلامياً، ليبقى لبنان اكثر من تراب، رسالة محبة، وحوار حضارات لكرامة انسان معمد بالحرية والكرامة والحبّ.
شكري لمؤسسة الامام الصدر، التي تدعونا إلى كلمة سوا لنبقى في حقّ اللـه وحق الوطن. شكري للمحاضرين الكرام الذين بعلمهم وبحثهم سيغنون تفكيرنا حول موضوع الحرية بين ضغوط الخارج وضرورات الداخل.
