غالية عيسى ـ رولا الخطيب
استكملت امس الجلسات الاولى لمؤتمر «كلمة سواء» التاسع الذي ينظمه مركز الإمام موسى الصدر للدراسات والابحاث في قصر الاونيسكو بيروت في حضور شقيقة الإمام السيدة رباب الصدر شرف الدين ونجل الإمام السيد صدر الدين الصدر، ووجوه ثقافية ودينية واعلامية.
مونّس
الجلسة الاولى حملت عنوان «الحرية والاصلاح بين ضغوط الخارج وضرورات الداخل»، ترأسها الاب الدكتور يوسف مونس الذي عبر في كلمته عن الاعجاب الشديد الذي يحمله للإمام الصدر ولمواقفه خصوصا من الحرية. فالإمام العظيم شق لنا دروبا للحرية الروحية والانسانية والوطنية والفقهية والاقتصادية التي نستوحي منها لنبني معا وطن المحبة وحضارة المحبة والمصالحة».
فالاب مونس يسحره «في هذا السيد المديد القامة كالارز المعمم كجبال لبنان الآتي من قم حاملا التراث الكربلائي النجفي والتراث الفارسي القمّي كان طفلا حالما، كثير البراءة والطهر، صدّق ان بإمكانه ان يغير الظلم والفقر والبؤس والبغض والحقد، كان يسكب جامات غضب الله ويقف بعمامته امام صليب يسوع في كنيسة الآباء الكبوشيين ليقول ان الله محبة ولا خلاص لنا الا بالحب والمحبة والعيش المشترك».
اما عن الحرية فقد اعتبر ان الانسان لا يكون انسانا الا في الحرية فالحرية كمال الانسانية وعندما تموت الحرية يموت الانسان... هي الاساس اي انها الصوت الحقيقي لأجل كينونة الانسان بكرامة (...) الفناء هو البقاء دون حرية فوحدهم الاحرار كما قال شارل مالك يحاربون في سبيل الحرية ويجدون في العالم انصارا لهم ومن هؤلاء كان الإمام السيد موسى الصدر».
وتمنى مونس ان «يرمي الإمام السيد بوشامه ليضيء لنا الوطن حرية وكرامة وقلوبنا رحمة وسلاما ومجتمعنا حضارة وتعايشا سلميا، ليبقى لبنان اكثر من تراب، رسالة محبة، وحوار حضارات لكرامة انسان معمّد بالحرية والكرامة والمحبة».
الميلاد
من ثم اعطى الاب مونس الكلام للأستاذ زكي الميلاد الذي تمحورت كلمته حول موضوع مشاريع الاصلاح في العالمين العربي والاسلامي.
تطرق الميلاد في بدء كلمته الى التجارب التأسيسية والتحديثية في هذه الامة واعتبرت ان «الاصلاح في هذه المرحلة الحساسة والمعقدة عن طريق المراجعة الشاملة والجذرية لأوضاعنا واحوالنا فالاصلاح الذي نريده ينبغي ان يكون معبّرا عن ارادتنا وتصوراتنا وضروراتنا لا ان يكون مفروضا علينا من الخارج وهذا الاصلاح بحاجة الى برنامج منظم ومدروس بعناية. ويجب ان نبرهن على عدم التعارض ما بين الإسلام والتقدم وان بالامكان قيام ديموقراطية في المجتمعات الاسلامية.
العريس
المحور الثاني في الجلسة الاولى تكلمت فيه الدكتورة هلا العريس وتمحور حول «الحرية والتغيير السياسي»، فشرحت مفهوم الحرية في الفلسفة والقوانين الحديثة مقابلتها مع موقف الشريعة الاسلامية من الحقوق والمصالح الضرورية للانسان كمحور اول، حيث تعتبر «الحرية في الدساتير الحديثة واعلانات حقوق الانسان وبحسب بعض الفلاسفة هي علاقة الانسان داخل الاسرة اولا ثم في المجتمع وان هذه الحرية هي الاساس الذي يجب ان تبنى عليه فكرة الاجتماع السياسي، فالحرية هي حقوق الفرد القانونية التي يمارسها الانسان سواء كانت حقوق مدنية او سياسية وهذه الحقوق كرّست الحريات الاساسية للإنسان».
والمحور الثاني الذي تناولته هو ايجاد حل لإشكالية التطور في المجتمع العربي.
يكن
المحور الثالث من الجلسة كانت خطيبته الدكتورة مهى حداد يكن حيث تكلمت على الاصلاح من خلال مناهج التعليم، حيث حاولت ان تظهر اهمية التعليم «الذي يتوقف على وجود شروط وعناصر تسهل طلب العلم على الطالب فالتعليم بلا ريب يساهم بتشكيل العقل بدرجة كبيرة وعن طريقه تزرع الافكار والعلوم الاساسية في عقل الانسان اي طالب العلم.
اضاف: «وعناصر التعليم هي ثلاثة: المعلم والمنهج والهدف، واشارت الى انه لا بد منذ المراحل الاولى للتعليم من تخطيط مناهج لإنجاز الهدف ويجب ان تكون ملائمة».
واعتبرت ان كل عمل او نشاط بلا هدف، يبقى هائما يتلطم يمنة ويسرة. لذلك يجب التكامل بين عناصر التعليم الثلاثة لكي يحصل المتلقي اي طالب العلم على افضل ما في العلم بأفضل الطرق.
وعن امكانية الاصلاح في مناهجنا فقد لفتت الى «ضرورة السعي الى اتخاذ المعايير اللازمة لإصلاح مناهجنا من الداخل من خبراتنا من عقول مربينا وعلمائنا علما اننا لا نثني على العولمة ولكننا نعتبرها الطريق الافضل نحو طرح القيم والاخلاق على مستوى عالمي مع الحفاظ على القيم والمبادئ الاساسية للأفراد».
عقدت الجلسة الثانية تحت عنوان «الحرية في مواجهة الآخر»، ادارها الدكتور طارق متري، ثم تحدث الدكتور يوسف كفروني عن «الاخر المسلم في المنظور الغربي» فقال ان من مصلحة دعاة الصدام الحضاري التبسيط والتعميم من خلال ثنائيات يجري تصويرها كثنائيات متناقضة مثل : شرق / غرب مسلم/ مسيحي/،...
وتطرق الى تكوين الصور النمطية السلبية عن المسلم في الغرب من خلال الدراسات الاستشراقية عبر العصور السابقة مستعرضا بعض ما جاء في المؤلفات والكتابات وفي بعض الكتب المدرسية من تشويه للاسلام ولصورة المسلمين.
الغرب في منظور المسلمين
ثم تعاقب على الحديث عن الغرب في منظور المسلمين كل من الدكتور عبد الغني عماد والدكتور رفعت سيد احمد.
فركز الدكتور عماد في المقاربة الاسلامية للغرب على تطور النظرة المعرفية للمسلمين تجاه اوروبا وتحدث عن بدايات تكوين الصورة المعرفية فقال ان نظرة المسلمين الى اوروبا والغرب لم تشكلها فئة معينة بحد ذاتها، بقدر ما كانت هذه النظرة تشكل تدريجيا تبعا للتطورات الداخلية لكل بلد اسلامي وتبعا للصراعات والنزاعات الناشئة عن مرحلة التوسع الاستعماري.
واشار عماد الى ان موقف رفض الهيمنة والكشف عن آليات التبعية وتشديد الصراع ضدها، هو الارضية التي بدونها لن يكون بمقدورنا بناء دفاعات حضارية فعالة، اضافة الى المشاركة الايجابية في الحضارة العالمية.
ثم تحدث الدكتور رفعت سيد احمد فقسم حديثه عن رؤية المسلمين للغرب الى ثلاثة محاور، المحور الاول : لماذا الحوار؟ لفت فيه الى اهمية حوار الامم مع نفسها ثم مع الاخر معتبرا ان الحوار هوالاداة التي توجد التفاهم وتبني جسور التواصل.
- المحور الثاني : محنة الحوار عرض خلاله التحديات التي تقف حجر عثرة امام الحوار وبالتالي تحول دون وصوله الى غاياته المرجوة فحصر ابرز التحديات في اربعة.
ثم حدد شروطا للحوار تتمثل في : - تحديد ماذا نقصد بالحوار.
- الانطلاق من حقيقة ان ثمة مصالح مشتركة بين طرفي الحوار.
- ضرورة ان يلتفت الحوار المنشود الى الملفات الساخنة في المنطقة.
- ضرورة ان يكون الحوار بالاساس بين منظمات وهيئات المجتمع المدني وصولا الى حوار مركب مع الانظمة والحكومات.
- تحديد سقف زمني للحوار بين الثقافات في العالم العربي والاسلامي وبين الغرب.
- مستقبل الحوار بين الثقافات يتطلب انفتاحا اكثر لكل طرف على ثقافة الطرف الاخر.
الحرية والغرب في رؤية الامام الصدر
وكانت مداخلة لكل من الدكتور وجيه فانوس والاستاذ محمد علي مهتدي حول «الحرية والغرب في رؤية الامام الصدر»، حيث اشار الدكتور فانوس الى ان الامام موسى الصدر لم يغفل هذه القضية المفصلية والمحور الاساسي في الفكر المجتمعي الانساني فهو يقول: «الحرية هي افضل وسيلة لتجنيد طاقات الانسان كلها».
اضاف : يميز الامام الصدر بين ما يسميه الحرية الكاملة والحرية الحقيقية، وهذا التمييز لا يصور نوعين من الحرية بقدر ما يرسم مستويين متلازمين في ما بينهما للحرية واحدهما مؤسس للاخر.
واعتبر ان الحرية، في فكر الامام الصدر، مسؤولية انسانية تجاه الله وهي مفتاح اساسي في تكوين الوجود الخير للمجتمع الانساني. اما الآخر، بما في ذلك الغرب، فالتعامل معه، بنظر الامام الصدر ومبادىء تفكيره، يكون من خلال القابلية الذاتية والفكرية والحضارية لهذا الاخر في تحقيق رسالة الله في خلقه وجعلهم خلفاء له في الارض.
من جهته لفت الاستاذ محمد علي مهتدي الى ثلاثة اتجاهات بين المسلمين : الاول اتجاه ما اسماهم بالمنبهرين الذين يرون ان الخلاص لا يمكن ان يكون الا من خلال الغرب والثاني اتجاه الحذرين اوالخائفين الذين رأوا ان حضور الثقافة الغربية يهدد. اما الاتجاه الثالث، فقد وصفه بالاتجاه التوفيقي اوالمعتدل . واضاف : ان الحرية موجودة في صميم الفكر الاسلامي، كما اشار الى ان المستشرقين الغربيين يأخذون علينا دائما ببعض العهود التي شاب تطبيق الحرية فيها بعض الاخطاء وينسون سيرة الخلفاء الراشدين.
وتطرق مهتدي الى دور الفرد في المجتمع وحدود حريته بحسب فكر الامام الصدر. ولفت الى ان الامام الصدر كان يفرق بين الحضارة الغربية من ناحية التقدم والتكنولوجيا والثقافة وبينها من ناحية الممارسات السياسية الهمجية.
الجلسة الأخيرة
ترأس الشيخ محمد دالي بلطة الجلسة الأخيرة بعنوان «الحرية والتجديد» واعتبر أن هناك علاقة سببية بين الحرية والتجديد «فالحرية هي المدخل لأي تجديد وانطلاقة لهذه الحياة. وبدون الحرية يصبح الإنسان محبطاً، يصبح عقلاً لا يفكر ولساناً لا يتكلم». أضاف: «الحرية هي الدافع لكل شيء في هذه الحياة، وهبها الله لنا، ولا يمكن لأحد ان ينتزعها».
السمّاك
واستشهد محمد السمّاك في معرض حديثه عن «الحرية في الاجتهاد الفقهي بآيات قرآنية ليبين «مدى تجذر الحرية في العقيدة الإسلامية. فالدين ليس ما يدين به الانسان في الظاهر على جهة الاكراه، انما الدين هو المنعقد في القلب». وأكد ان الله «سوى النفس الانسانية والهمها فجورها وتقواها، وترك للإنسان حرية الاختيار.. والله لم يعط انسانا حق محاسبة الناس على ايمانهم وكفرهم».
وفي مسألة الاجتهاد الفقهي اعتبر السمّاك ان الانسان يعمل فيه عقله وأشار الى ان النص القرآني هو كلام الهي يمتاز «بالقدسية.. والاطلاقية، بمعنى ان المحدود من كلمات السور يحمل اللا محدود من المعاني.. والديمومة بمعنى انه نص ثابت».
وأشار الى أن القضايا الانسانية المعاصرة التي يواجهها الإنسان اليوم.. على درجة كبيرة من التعقيد والتداخل «فان الاجتهاد لم يعد، عمل انسان واحد.. بل اصبح ـ بل يجب ان يصبح ـ عمل مجالس فقهية تضم متخصصين في علوم الدين».
وخلص الى القول ان هناك مقارنتان متناقضتان لقضية الاصلاح المنشود في العالم الاسلامي «الاولى تستخدم عبارات مثيرة للشبهة لما قد تتضمنه من تأويلات غير حميدة. والثانية تنطلق من ان الايمان هو قاعدة الإصلاح والتغيير، مؤكدة على أن العيب موضع الشكوى وهو في بعض المسلمين وليس الإسلام».
جرادي
وأشار مدير معهد المعارف الحكمية الشيخ شفيق جرادي في مداخلته حول ملامح التجديد في الخطاب الديني الى الدعوات لتجديد الخطاب الإسلامي «إلى أن المسألة تعود للتطور الذي حصل على صعيد الإنفجار الثوري للعلم والحضارة الغربية».
واعتبر الكلام حول الخطاب يطال «ما هو أبلغ من البعد الفكري الثقافي السلوكي، ليصل الى المصدر المنتج لها اعني: القرآن الكريم، والسنة الشريفة».
ووضع مطلب التجديد ضمن ثلاثة دوائر «العلاقة بالمدونة الأصولية الموروثة من حيث هي الشبكة التأويلية لاستكناه النص وقراءته ومعرفة ما هو الثابت والغير ثابت.. العلاقة بالعلوم التأويلية الراهنة.. مقتضيات العصرالراهن التي وصلت بدينامياتها الى العولمة وضرورة الإلتحاق بها.. التجديد في بعض الآليات المنهجية.. استبدال البحث في ماهية الحقائق والاشياء، للغوض في معرفة شبكة العلاقات القائمة بينهما.. البحث في نظام الفاعلية الجارية في ساحة البحث المجتمعي.. النموذج الذي حفظ مركزية الله كمقدس نهائي ومقدم لابعاد ثلاثية الاضلاع هي: الدين والانسان والكون».
رحّال
وتحدث الدكتور حسين رحال عن ملامح التجديد عند السيد موسى الصدر «إمام التواصل»، فاعتبر انه كان من «الشخصيات الاسلامية النادرة التي شهد القرن العشرين مسيرة جهادها وتفوقها وظلمها الكبرى».
وأكد انه لا يبالغ عندما يتناول شخصية الامام المغيب التي «ما زالت مغيبة ومنها تجديده الفكري والفقهي والاجتماعي.. إن من جوانب مظلومية الإمام الصدر تفويت فرصة الإتكاء الى انجازاته التجديدية (الفكرية والفقهية) والاصلاحية (الاجتماعية والسياسية) على مدى السنوات الماضية.
وأشار الى شخصية الإمام الصدر وتواصلها بين التجربتين الايرانية والعربية، والى مصالحته للخصوصية اللبنانية مع الإنتماء العربي والبعد الإسلامي، وتجاوزه الخطاب التجريدي النظري عند الحركات الإسلامية، واستشرافه للمستقبل».
