اختتم "مركز الامام موسى الصدر للابحاث والدراسات" امس، مناقشة اشكاليات "موقع الحرية في الاصلاح والتجديد"، منهياً أعمال مؤتمره السنوي التاسع "كلمة سواء" في قصر "الاونيسكو"، بدراسات وأبحاث رصينة قدمها باحثون واكاديميون من لبنان ومصر والمملكة العربية السعودية وايران، ناقشت المشاريع الاصلاحية في العالمين العربي والاسلامي بالنقد والتحليل، ومسألة الآخر في العلاقة مع الغرب وتجديد الخطاب الديني.
وقاربت الجلسة الاولى موضوع "الحرية والاصلاح بين ضغوط الخارج وضرورات الداخل"، ورأسها امين سر اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام الاب يوسف مونس، وداخل فيها رئيس تحرير مجلة "الكلمة" في المملكة العربية السعودية زكي الميلاد عن "مشاريع الاصلاح في العالمين العربي والاسلامي: الفرص والمعوقات"، عارضا المحاولات الاصلاحية الاولى في العالم العربي بدءا من النصف الاول من القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. وخلص الى "أن الاصلاح الذي نريده ينبغي ان يكون معبّرا عن ارادتنا وتصوراتنا وضروراتنا، لا ان يكون مفروضا علينا من الخارج، وأن نبدأ من الاصلاح السياسي والديني والثقافي معاً".
وتحدثت الباحثة هلا العريس عن "الحرية والتجديد الاجتماعي ـ السياسي"، فعرضت المفاهيم الفلسفية والقانونية لمصطلحي الحرية وحقوق الانسان وتطورها عبر التاريخ، وصولا الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان، متسائلة "هل من المفيد على المستوى الانساني والحضاري أن يطرح على المجتمعات الاسلامية والعربية، في ظل الدعوة لاطلاق الحريات على الطريقة الغربية، اعتماد الحرية الفردية بإطلاقها بما يتناقض مع المفاهيم الاخلاقية لهذه المجتمعات، أو ان تعمد هذه المجتمعات الى تطوير قواعدها الخاصة بالحقوق والحريات بما يتناسب مع منظومتها الفكرية والدينية؟".
واختتمت الجلسة بمداخلة لرئيسة "جامعة الجنان" منى حداد يكن حول "الاصلاح من خلال مناهج التعليم"، فأشارت الى "ان لعناصر التعليم اربعة أسس: الانمائي، النفسي، الاجتماعي والمعرفي، وتقوم عناصر التعليم على المعلم النهج، والهدف والمنهج هو الطريق الواضح والسلوك البين والطريق المستقيم، ولا بد من تخطيط للمناهج منذ المراحل الاولى، ويجب ان يكون المنهج ملائما للظروف الطبيعية والبيولوجية للانسان". ولفتت الى "ان امكان الاصلاح يكمن في تدريب المعلم وضرورة السعي الى اتخاذ المعايير اللازمة لاصلاح مناهجنا من الداخل من خلال خبراتنا وتجاربنا".
وأدار طارق متري الجلسة الثانية تحت عنوان "الحرية في مواجهة الآخر"، واستعرض الدكتور يوسف كفروني في مداخلة عن "المسلم في المنظور الغربي" تطور النظرة الدينية المسيحية الى الاسلام واسهامات كل من الدراسات الاستشراقية، كتب التربية ووسائل الاعلام في رسم تلك الصورة. ولفت عبد الغني عماد الى رؤية العرب للغرب وما شكّلته "صدمة اكتشاف الآخر المتقدم". وداخل رفعت سيد أحمد عن "الغرب في منظور المسلمين: حوار أم صدام"، منطلقا من ضرورة الحوار وشروطه ومستقبله، لافتا الى ما يعانيه الحوار مع الغرب بعد أحداث الحادي عشر من ايلول خصوصا، واحتلال العراق وتأزم المسألة الفلسطينية.
وميّز وجيه فانوس في مداخلته عن "الحرية والغرب في رؤية الامام الصدر" جملة ملاحظات ميزت فكر الامام الصدر الذي "يعترف بالاختلاف الذي يميز بعض الناس عن بعضهم الآخر، ويرى في ذلك نعمة تساعد الناس"، ليخلص الى أن الحرية عنده "مسؤولية انسانية تجاه الله، وهي مفتاح أساسي في تكوين الوجود الخير للمجتمع الانساني، أما الآخر، بما في ذلك الغرب، فالتعامل معه يكون من خلال القابلية الذاتية والفكرية والحضارية لهذا الآخر في تحقيق رسالة الله في خلقه".
ورأس الجلسة الثالثة حول "الحرية والتجديد" القاضي الشيخ محمد دالي بلطة، وداخل فيها محمد السماك عن "الحرية في الاجتهاد الفقهي"، فعرض لمعنى الحرية من المنظور الاسلامي، وتساءل "هل هناك فرق بين الحرية الدينية وحرية الاعتقاد، وبين حرية الاعتقاد وحرية التفكير؟ وأين تنتهي المسؤوليات الدنيوية وتبدأ المسؤوليات الاخروية المترتبة على ممارسة هذه الحريات؟"، ليخلص الى انه "انطلاقا من مبدأ الحرية الذي أكد عليه القرآن الكريم، تقوم القاعدتان الاساسيتان في الثقافة الاسلامية اللتان تحددان العلاقات الانسانية العامة، وهما: التعارف والحوار".
ولاحظ أن ثمة "مقارنتان متناقضتان لقضية الاصلاح المنشود في العالم الاسلامي، تستخدم الاولى عبارات مثيرة للشبهة لما قد تتضمنه من تأويلات غير حميدة، كوجوب اصلاح الاسلام من أجل اصلاح المسلمين، وضرورة صياغة اسلام جديد يتماشى مع العصر، أما الثانية فتنطلق من ان الايمان هو قاعدة الاصلاح والتغيير، مؤكدة ان العيب موضع الشكوى، هو في بعض المسلمين وليس في الاسلام، وان الاصلاح بالاجتهاد هو واجب ديني، وليس مجرد استجابة لعوامل أخرى، داخلية أم خارجية".
ولفت الشيخ شفيق جرادي في مداخلته عن "ملامح التجديد في الخطاب الديني" الى مستويات التعاطي مع موضوع التجديد، مشددا على "ضرورة وعي الخطاب الديني لذاته ولسر حركته، والتي تكمن في مفردات مفاهيمية مفتاحية، وضرورة أن يستعيد النص حركيته امام الجمود الذي أنتجته بعض المقولات الكلامية والفلسفية والتفسيرية والفقهية".
وأشار حسين رمال في مداخلته عن "ملامح التجديد عند الامام الصدر" الى أهمية "التواصل مع عصر النهضة والرؤية الكونية عند الصدر"، معتبرا ذلك "امتدادا تجديديا للحظة النهضة التي قادها جمال الدين الافغاني ومحمد عبده ومحمد حسين النائيني".
