واصل مؤتمر "كلمة سواء" التاسع أعماله، أمس، بعنوان: "موقع الحرية في الإصلاح والتجديد"، في قصر الأونيسكو بدعوة من "مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات"، في حضور السيدة رباب الصدر شرف الدين وعدد من رجال الدين. على أن يصدر البيان الختامي والتوصيات اليوم.
الجلسة الأولى
ترأس الجلسة الاولى التي تمحورت حول: "الحرية والإصلاح بين ضغوط الخارج وضرورات الداخل"، أمين سر اللجنة الاسقفية لوسائل الإعلام الأب الدكتور يوسف مونس، الذي قال في كلمته: "في هذا العري الصادق الحرّ للعقل والقلب، وقف السيد الإمام موسى الصدر، على حدود الجرأة الروحية المسكونة بأصوات الأولياء والأنبياء والقدّيسين، ليكون في لبنان طبق العيش المشترك الذي نتقاسم خبزه الحضاري والروحي والإنساني، ونقدّمه قرباناً مثالاً للإنسانية (..) فلا كيان سياسي للبنان إلا على بناء الحرية في جوهر الوجود اللبناني".
ثم تحدّث رئيس تحرير مجلة "الكلمة" السعودية زكي الميلاد عن "مشاريع الإصلاح في العالمين العربي والإسلامي، الفرص والمعوقات"، وتساءل هل دخل العالم العربي مرحلة الإصلاح؟ وأشار إلى أنه "توجد حقائق عدة لتحقيق ذلك"، و"إننا بحاجة إلى الإصلاح السياسي والديني وغيرهما أيضاً كالإصلاح الثقافي". ورأى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من مصالحة الدولة مع الأمة، وعودة الدولة الى الأمة بعد أن أصبحت الدولة، كما يعبّر البعض عن حق، ضد الأمة وهذه هي إشكالية الدولة عندنا في مجالنا العربي". وأكد ان هذا الإصلاح في حاجة الى برنامج منظم ومدروس بعناية، والمشكلة دائماً ليست في القدرة على وضع البرنامج وإنما في الإرادة والعزيمة القادرة على تحويله من مرحلة القوى الى مرحلة الفعل".
ثم تحدثت الدكتورة هلا العريس عن "الحرية والتغيير السياسي". وقالت: "إن رؤية التجديد والإصلاح تكون من زاوية الحرية"، وأشارت إلى "أن حرية الفرد تكمن في أن يمارس الإنسان حقوقه الطبيعية بحرية على أن لا يخالف القانون ويضرّ بالآخرين وبالمجتمع". وأضافت: "في الشريعة الإسلامية تنحصر الحرية في حفظ خمسة امور هي: الدين، النفس، العقل، النسل والمال". وأشارت إلى أن الحرية في الشرائع الدينية، وخصوصاً الإسلامية كان أساسها عقائدياً تعبدياً يرتكز حول التعبد لله ومقاصدها الإنسانية، حفظ مصالح الانسان الاساسية والضرورية على الارض مع تقديم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد.
وتناولت الدكتورة منى حداد يكن موضوع "الإصلاح من خلال مناهج التعليم"، فأشارت إلى "أن عناصر التعليم هي أربعة أسس: الإنمائي، النفسي، الاجتماعي والمعرفي، وتقوم عناصر التعليم على المعلم، النهج، والهدف والمنهج هو الطريق الواضح والسلوك البين والطريق المستقيم، ولا بدّ من تخطيط للمناهج منذ المراحل الاولى، ويجب ان يكون المنهج ملائماً للظروف الطبيعية والبيولوجية للإنسان". وقالت: "المعلم يجب أن يتمتع بالخلق والتواضع والتمتّع بإحساسه بالمسؤولية وبالتدريب الصحيح، والتعليم يساهم بتشكيل العقل بدرجة كبيرة، والهدف ان كل عمل او نشاط من دون هدف يبقى هائماً". وختمت: "أن إمكانية الإصلاح تكمن في تدريب المعلم وضرورة السعي إلى اتخاذ المعايير اللازمة لإصلاح مناهجنا من الداخل من خلال خبراتنا وتجاربنا".
الجلسة الثانية
وبحثت الجلسة الثانية موضوع "الحرية في مواجهة الآخر". ترأسها الدكتور طارق متري، وتحدّث فيها الدكتور يوسف كفروني عن "الآخر المسلم في المنظور الغربي"، فقال: "إن قوى التطرف الإسلامي التي تنظر إلى الغرب ككتلة واحدة وتتحدّث عن العدو الصليبي اليهودي، تدعم بهذا الموقف الاستراتيجية الصهيونية، ولا تخدم بذلك لا العروبة ولا الإسلام". ولفت إلى أن صورة العرب والمسلمين في الكتب المدرسية في الدول الغربية هي بالإجمال سلبية وتنعت العرب بالمتمرّدين والنهّابين والمخرّبين والسفّاحين، وتؤكد على التعصب الكامل على الإسلام.
ورأى أن السياسة الأميركية تعزز التصادم مع الإسلام وتدفع المعتدلين من المسلمين إلى دائرة التطرف والعنف. وأكد أن المطلوب هو تقبُّل الآخر كما هو، وإلا فإن وضع شروط لقبول الآخر هو إلغاء للآخر، والمهم أن يحترم كل واحد الآخر المختلف عنه وان يقبله كما هو انطلاقاً من مفاهيم تُساوي بين الجميع.
وتناول الدكتور عبد الغني عماد موضوع "الغرب في منظور المسلمين"، فأشار إلى وفرة الكتابات التي تبين نظرة الغرب الى المسلمين في حين أن المقاربة الإسلامية للغرب لم تحظَ سوى باهتمام القليل من الباحثين رغم ترابط المقاربتين. وشدّد على عدم تجريد الغرب من ذاكرته الدينية والثقافية رغم تعدّد الخطابات الغربية وتشابك مصالحه. وحلّل إشكالية الغربي في ذهن المسلمين، على أنه "الآخر" الذي تشعر "الأنا" أنه يُلغيها، وهو المثال الذي لا بدّ من الارتباط به بشكل أو بآخر.
ونبّه إلى أنه لا يوجد غرب متماسك بل دول لها مصالح، كما لا يوجد أمّة إسلامية متماسكة او "كتلة متجانسة صمّاء" بل دول فيها أكثريات إسلامية بهذه النسبة أو تلك ولها مصالحها ايضاً. لذا لم يعد هناك مكان للمثال الأوحد بعد تجزُّئه وبعد تعولم العالم.
وعرض الدكتور وجيه فانوس "الحرية والغرب في رؤية الإمام الصدر"، فقال إن الحرية بمنظور الإمام محرّك إنساني أساسي وضروري، وقتلها يتجاوز إلغاء المحرك إلى إلغاء كرامة الإنسان نفسها، حيث تتّخذ عملية سلب الحريات أشكالاً منعددة منها الإقطاع والإرهاب الفكري وادعاء الوصاية على الناس واتهامهم بأنهم لا يفهمون. ويشير إلى أن "الصدر يدعو إلى الإقبال على الثقافات الأخرى بانفتاح، يقتبسها ويهضمها وينشطها. ويعتبر أن هذه النشاطات من واجبات الإنسان في الحياة ورسالته في الكون". وهو يرى في الاختلاف نعمة تساعد الناس على الاجتهاد والاتساق، فهو "..كمال وجمال فطري يسهّل التعارف والتكامل". ويخلص المحاضر إلى أن الإمام الصدر منفتح في المبدأ على الغرب وعلى كل التجارب الحضارية للإنسان دون أن يعني ذلك التسليم بقبول جميع ما يمكن أن تقدّمه هذه التجارب، بل لا بدّ من امتحان كل تجربة.
الجلسة الثالثة
وتناولت الجلسة الثالثة التي ترأسها الشيخ القاضي محمد دالي بلطة، مسألة "الحرية والتجديد". وتحدّث فيها محمد السماك متناولاً مسألة "الحرية في الاجتهاد الفقهي"، فعرض مواضيع الحرية والاجتهاد والفقه كل على حدة، وقال: "إن الحرية هي القدرة على الاختيار، بما يحقّق إنسانية الإنسان، وذلك وفقاً لتعريف الموسوعة الإسلامية". وأشار الى "تجذر مسألة الحرية في العقيدة الاسلامية"، متسائلاً: "هل هناك فرق بين الحرية الدينية وبين حرية الاعتقاد؟ وهل هناك فرق بين حرية الاعتقاد وحرية التفكير؟ ثم أين تبدأ المسؤوليات الدنيوية عن المسؤوليات الأخروية بفعل ممارسة هذه الحرية؟".
ورأى السماك "أن الحكم على الناس، على ما هم فيه من اختلاقات عقائدية، مهمة إلهية وليست إنسانية، فالإنسان طرف وليس حَكَماً. ثم تحدّث عن الاجتهاد الفقهي، مشدّداً على ضرورة "التمييز بين النص الديني وفهم النص، لأن النص الديني نص إلهي مقدس، في حين أن فهم النص فهم إنساني". وأكد "أن الاجتهاد امام القضايا المعاصرة التي يواجهها الاسلام، من طب وعلم وغيرهما، لم يعد عملاً فردياً واحداً، بل يجب ان يكون عمل مجالس فقهية متخصصة".
ثم تحدث الشيخ شفيق جرادي عن "ملامح التجديد في الخطاب الديني"، مشيراً إلى "أن إبراز عناصر الجد في التجديد، شأن تحوّل الى واقع تجاوز مرحلة الحديث عن المسوغات والمبررات، خصوصاً بعد قيام كيان دولة إسلامية في ايران، والمقاومة في لبنان، والانتفاضة في فلسطين، وكلها أدّت إلى إخراج الخطاب الاسلامي من حدود المبادرات الفردية المعزولة في عملية التطوير والتجدّد، والتفاعل مع الجماعة ليدخل الإسلام الى حيز من الحضور الحضاري الكوني". ورأى "ان الإسلام أمام نتيجتين لا ثالث لهما: إما الفشل، وذلك عبر الالتحاق بالمنظومة الغربية التي تتربّع على عرشها الولايات المتحدة الأميركية، وإما عبر استكمال تحقيق خطوات الإنجاز على كل المستويات".
بعد ذلك تحدّث الدكتور حسين رحال عن مسألة "ملامح التجديد عند السيد موسى الصدر: إمام التواصل"، عارضاً ملامح شخصية الإمام الصدر و"ما لحق به من ظلم، ليس على صعيد تغييبه فحسب، وإنما تقييم ما ساهم فيه من تجديد فكري وفقهي واجتماعي". وأشار الى "أسبقية خطاب الإمام الصدر، في موضوعات كالصراع مع العدو الصهيوني، أو الملف الداخلي اللبناني بتشعباته الاقليمية والدولية"، متطرقاً الى "الرؤية الاصلاحية التي حملها الامام، وسلامة مشروعه التغييري الشامل، ونفاذ بصيرته المستقبلية، مما يجعله يمثل مساحة الاجتماع الحتمية، ونقطة الانطلاق الضرورية لكل القوى على الساحتين الوطنية والشيعية، إذا ما أرادت الدخول في أرضية مشتركة وأصيلة لبناء مشروع إصلاح، او في مجال العمل المشترك".
