توصيات مؤتمر "كلمة سواء" حول "موقع الحرية في الإصلاح والتجديد": دعوة الأمم المتحدة لمعالجة أسباب الإرهاب والاحتلال موضوعياً

calendar icon 07 كانون الأول 2004

أوصى مؤتمر كلمة سواء التاسع الذي نظمه "مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات" بعنوان "موقع الحرية في الاصلاح والتجديد"، حكومات بلدان الأمة باستلحاق الرمق المتبقي والانكشاف على شعوبها ومكاشفتها في ورشة حوار داخلي جسور، وهادف إلى إبرام عقد اجتماعي جديد تتراجع معه سلطة الدولة لمصلحة هيبتها، ويرتقي فيه الأفراد من حمَلَة جنسيات إلى رتبة مواطنين.

وطالب المؤتمر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي واللاعبين الدوليين الكبار بكبح اندفاع الآلة الهائجة في كل اتجاه لاجتياح الأفكار والعقائد والتقاليد والشعوب والأراضي، وإعادة برمجتها بحيث يتم التركيز على الأسباب لمعالجتها وبالمعيار الموضوعي ذاته. ينطبق ذلك على ظواهر الإرهاب والاحتلال والإكراه والفقر والإيدز والمخدرات والتسطيح الثقافي والتدهور البيئي وغيره.

أصدر المؤتمر الذي انعقد في قصر الأونيسكو الاسبوع الماضي التوصيات امس في إطار البيان الختامي الذي لفت فيه النظر إلى توصيات مؤتمراته السابقة، والتي تناولت جوانب من موضوع مؤتمره هذا، مذكراً تحديداً بالمؤتمرين الرابع (1999) حول الهوية الثقافية، والسادس (2001) حول حوار الحضارات، معتبراُ أن توصيات هذين المؤتمرين عكست جملة عناوين كانت بمجملها صرخة تحذير ونداء عاجلاً للتحرك في مواجهة الآتي من الأمور.
وكرّر البيان الختامي القلق البالغ من تداعيات الوضع الراهن، بدءاً من التحدي الأكبر ذي الشقّين الفلسطيني والعراقي، مروراً بتفاقم البطالة والعوز على مساحة الأوطان، وصولاً إلى تردّي الأوضاع السياسية والأمنية من ضفاف المحيط إلى ضفاف الخليج وعمق أفريقيا. والمقلق أن المخاطر تتعدّى الآن ضياع جزء من الأرض أو تدمير مدينة أو حفنة قرى، وتضرب في عمق المشروع الحضاري الإسلامي العربي، الذي سيكون ضياعه لا سمح الله تبديداً جسيماً ليس فقط لمكوّن ركيزي من الحضارة الإنسانية وتاريخها، بل والأخطر أنه سيكون إهداراً مجنوناً لفرصة البشرية في صياغة مستقبل واعد.

وأوصى المؤتمر الناس عموماً والعاملين في حقول الإعلام والمعرفة والتربية تحديداً، إلى التدقيق في المصطلحات المتداولة، وتوضيحها إسهاماً في صياغة حوارات بناءة تؤول إلى مشاريع ومناهج متوافق عليها وقابلة للتنفيذ؛ وللمساهمة أيضاً في تشكّل صورة تحاكي الأصل سواءً كان "الأنا" أو "الآخر"، بكل الاختلافات التي ينطوي عليها هذا وذاك.

كما دعا الوحدات الاجتماعية بدءاً من العائلة وصولاً إلى هيئات المجتمع المدني بأحزابه ونقاباته ومنظماته، إلى إطلاق عمليات التغيير والإصلاح عند المستويات القاعدية، إذ لن يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم. بمعنى أن ثقافة الحرّية والديموقراطية والعدالة يتغذى عليها الطفل منذ الرضاعة، وتتبلور في البيت، وتتجذر في المدرسة، وتجد تطبيقاتها البديهية في صندوقة الاقتراع وطابور الانتظار واحترام البيئة.

وطالب المكتفين بالحديث عن المعرفة ومستعملي أدواتها إلى مغادرة مواقع الدهشة والارتباك، والتنبّه إلى كون الوسائل المعرفية وتكنولوجيات الاتصال والترفيه والانتاج تحمل فلسفتها في ذاتها. وبما أن رفض المنتجات الغربية وقبولها بالمطلق هما أمران متطرفان، فالبديل هو في التفاعل الإيجابي وفي التأثر والتأثير والإسهام الفاعل إنتاجاً وتطويراً وابتكاراً.

وأكد المؤتمر أن الحرية مبدأ، وحقها غير قابل للتجزئة أو للتصرّف أو للانتقائية. وإذا كانت الحريات الفردية إلى تراجع في العالم تقريباً، فلقد أدّى غيابها إلى تمكن أنظمة الصوت الواحد وإلغاء كل مختلف وشيوع مخدرات التسليم ومسكنات الإذعان والاستسلام. كما اغتالت الأنظمة الشمولية روح المبادرة والإبداع على مذبح الرأي الواحد والقائد الواحد، وأبدعت في فنون الاستبداد والقهر والتهميش والإقصاء، ما أنتج سجوناً ومعتقلات ومقابر جماعية وهزائم واستسلاماً، واستدرج احتلالاً وتورطاً وتطرفاً ومعضلة كونية مستعصية. "إنّ جولة تصفية الحسابات التي أبرمتها أبرز الحكومات الغربية مع النظام الليبي تنذر بإمكانية عقد صفقات تقايض المصالح بالأموال على حساب المبادئ وشرعة حقوق الإنسان. وإذا كان ذلك النظام قد أفلح في تجميل صورته فإن معدنه ما انفكّ ينضح بروائح الاستبداد والتنكيل والخطف. والدليل هو إمعانه في طمس قضية تجاوزت أشخاص الإمام موسى الصدر ورفيقيه، وتجاوزت مشاعر طائفتهم وبلدهم وأمتهم. إنه المبدأ على مذبح الصمت المريب. إنه امتحان التثبت من العزم على تفادي إعادة إنتاج لوكيربي. إنّه المحكّ لتوحيد المعايير وشمولية المعالجة. إنّها الحرّية".

source