اختتم مؤتمر «كلمة سواء» من تنظيم مركز الامام موسى الصدر للابحاث والدراسات اعماله والذي انعقد ليومين الخميس والجمعة في قصر الاونيسكو استناداً الى ما جاء في أوراق الباحثين، والى مناقشات المؤتمر ومداولاته، واستمرارا لتوصيات المؤتمرات السابقة، مؤتمر كلمة سواء التاسع بالدعوات التالية: يدعو الناس عموما والعاملين في حقول الإعلام والمعرفة والتربية تحديدا، الى التدقيق في المصطلحات والمفاهيم المتداولة، وتوضيحها ووضعها في سياقاتها. وذلك توخياً للفهم الصحيح، واسهاما في صياغة حوارات بناءة تؤول الى مشاريع ومناهج متوافق عليها وقابلة للتنفيذ، وللمساهمة ايضا في تشكل صورة تحاكي الاصل سواء كان «الأنا» أو «الآخر»، بكل الدرجات والاختلافات التي ينطوي عليها هذا وذاك،
يدعو الوحدات الاجتماعية بدءا من العائلة وصولا الى هيئات المجتمع المدني بأحزابه ونقاباته ومنظماته، الى اطلاق عمليات التغيير والاصلاح عند المستويات القاعدية، اذ لن يغير الله ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. بمعنى ان ثقافة الحرية والديموقراطية والعدالة يتغذى عليها الطفل منذ الرضاعة، وتتبلور في ما ينطبع عليه من مسلكيات الام والاب وعلاقاتهما، وتتجذر في المدرسة وادائها وفلسفتها المرجو قيامها على الاستنباط والتحليل والتعليل، وتجد تطبيقاتها البديهية في صندوقة الاقتراع وطابور الانتظار واحترام البيئة.
يدعو المكتفين بالحديث عن المعرفة ومستعملي ادواتها الى مغادرة مواقع الدهشة والارتباك، والى التنبه الى كون الوسائل المعرفية وتكنولوجيات الاتصال والترفيه والانتاج تحمل فلسفتها في ذاتها. والدعوة الى الاكتفاء باستخدام المنتجات الغربية والى نبذ سياقها الملازم وما فيه من جهد ونظم عمل وافكار ومفاهيم، هي دعوة مفتقرة الى مقومات الثبات والمصداقية والمنطق والعدالة وإمكانية التطبيق. وبما ان رفض المنتجات الغربية بالمطلق وقبولها بالمطلق هما امران متطرفان وفي غير موقعهما لا بالقوة ولا بالفعل، فان البديل هو في التفاعل الايجابي وفي التأثر والتأثير وفي الاسهام الفاعل انتاجا وتطويرا وابتكارا. وقد سبقنا الى ذلك امما كثيرة شرقاً وغربا عرفت كيف تنفتح بشجاعة وثقة، وحافظت على خصوصياتها وثقافاتها، كما فتحت للبشرية فرص التنوع والتجدد والاستدامة،
يدعو الحكومات على امتداد بلدان الأمة، الى استلحاق الرمق المتبقي والانكشاف على شعوبها ومكاشفتها في ورشة حوار داخلي جسور، وهادف الى ابرام عقد اجتماعي جديد تتراجع معه سلطة الدولة لمصلحة هيبتها، ويرتقي فيه الافراد من حملة جنسيات الى رتبة مواطنين.
يدعو الامم المتحدة والمجتمع الدولي واللاعبين الدوليين الكبار الى كبح اندفاع الآلة الهائجة في كل اتجاه، آلة اجتياح الأفكار والعقائد والتقاليد والشعوب والأراضي. والى اعادة برمجتها وضبط نظامها بحيث يتم توجيه التركيز على الاسباب لمعالجتها في كل مكان وبالمعيار الموضوعي ذاته. ينطبق ذلك على ظواهر الارهاب والاحتلال والإكراه والفقر والايدز والمخدرات والتسطيح الثقافي والتدهور البيئي وغيره. ان مجرد إعلان للنوايا الايجابية حيال مقاربة هذه القضايا على انها مترابطة تبادليا كفيل بكشف الغلاة والمتطرفين، وبإطلاق حوارات هادئة وناشطة تعيد للكرة الأرضية رونقها واتساقها.
يدعو الأحرار حيثما كانوا ويذكرهم بأن الحرية مبدأ. وكأي حق من حقوق الانسان، حق الحرية غير قابل للتجزئة او للتصرف او للانتقائية. واذا كانت الحريات الفردية الى تراجع في كل اصقاع الارض تقريبا ولاعتبارات ظاهرها مبرر او ممكن تمريره، فلقد أدى غياب الحرية بأبسط تحلياتها في غير مكان وطوال العقود المنصرمة، ادى الى تمكن أنظمة الصوت الواحد والى الغاء كل مختلف والى شيوع مخدرات التسليم ومسكنات الاذعان والاستسلام. كما اغتالت الانظمة الشمولية روح المبادرة والابداع على مذبح الرأي الواحد والقائد الواحد، وابدعت في فنون الاستبداد والقهر والتهميش والاقصاء، الأمر الذي انتج سجوناً ومعتقلات ومقابر جماعية وهزائم واستسلام، واستدرج احتلالاً وتورطاً وتطرفاً ومعضلة كونية مستعصية. لم تكن هذه الحصيلة المؤسفة بلا مقدمات. ولا تشير ظواهر المستجدات الى ان العبر جرى استخلاصها. إن جولة تصفية الحسابات التي ابرمتها ابرز الحكومات الغربية مع النظام الليبي تنذر بإمكانية عقد صفقات تقايض المصالح بالأموال على حساب المبادىء وشرعة حقوق الانسان. والأخيرة لها صفات الإطلاق والثبات، وإذا كان ذلك النظام قد افلح في تجميل صورته فإن معدنه ما انفك ينضح بروائح الاستبداد والتنكيل والخطف. والدليل المتوافر لدينا هو إمعانه في طمس قضية تجاوزت اشخاص الامام موسى الصدر ورفيقيه، وتجاوزت مشاعر طائفتهم وبلدهم وأمتهم. إنه المبدأ على مذبح الصمت المريب. إنه امتحان التثبت من العزم على تفادي إعادة إنتاج لوكربي.
إنه المحك لتوحيد المعايير وشمولية المعالجة. انها الحرية.
