"مؤتمر كلمة سواء" تابع اعماله بجلسة ثانية والكلماات اكدت ان تغييب الامام الصدر احدثت فراغا في الواقع الوطني الرئيس الحسيني: رفض ان تكون حركة المحرومين لفئة او مذهب وبذل المحاولات الحثيثة لاخماد نار الحرب الوزير كرم: آمن بوطن جديد لا يبقى فيه محروم ورأى ان بقاء لبنان هو الرصيد الاول لشعب فلسطين وثورته وطنية - 11/12/2003 (سياسة) تابع "مؤتمر كلمة سواء" اعماله في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية وعقدت الجلسة الثانية عند الرابعة من بعد ظهر اليوم تحت عنوان "البعد الوطني في فكر الامام الصدر". عقدت الجلسة الثانية عند الساعة الرابعة "تحت عنوان البعد الوطني في فكر الامام الصدر" برئاسة الرئيس حسين الحسيني الذي القى كلمة افتتاح الجلسة فقال: "انه منذ خمسة وعشرين سنة قلنا ان قضية الامام الصدر كبيرة وستكبر واليوم بعد 25 عاما نجد ان قضية الامام الصدر كبيرة وستكبر". ثم تطرق الى موضوع الاجتياح الاسرائيلي الاول لجنوب لبنان بتاريخ 16 - 17 ايلول 1978 فقال: ففي هذا الاجتياح الذي استهدف بلدتي جويا وقانا اكتشف الامام الصدر وكشف هذا الخلل الكبير الذي حصل في اطلاق اعمال المقاومة الفلسطينية دون وضع استراتيجية عربية موحدة, وكأن العرب عام 1967 بعد الهزيمة ارادوا القاء كل الحمل عن ظهورهم وبالتالي تحميل الشعب الفلسطيني كل الاعباء عن طريق التهرب من وضع استراتيجية عربية موحدة تمكن كل دولة عربية من القيام بواجبها تجاه القضية الفلسطينية، واكتشف الامام الصدر ان الاعتداءات المتكررة على الجنوب من قبل اسرائيل تأخذ طابع النزهة حيث ان الاجتياح عام 1978 لم يجابه باية مقاومة حتى لو بحجر، ولذلك طلب الصدر عقد اجتماع المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في جويا حيث تم التداول في اقرار خطة تدريب شباب القرى الحدودية على حمل السلاح والتصدي لاسرائيل بحيث لا تعود الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان مجرد نزهة. وتابع "ان ادراك الامام الصدر لاهمية الوحدة الوطنية لدعم المقاومة جعل اي تفريط بهذه الوحدة تفريط بالمقاومة وصلبها وتأمين الولاء التام للوطن الواحد عن طريق اقرار مبدأ ان لبنان لكل اهله وعلى كامل ارضه وهذه النقطة الاساسية هي التي سببت خللا كبيرا في التكوين الوطني اللبناني منذ نشوء هذا الوطن فكانت حركة المحرومين التي رفض الصدر منذ البداية ان تكون حركة فئة او طائفة او مذهب او منطقة. اضاف: ان الذين اسسوا حركة المحرومين كانوا بمعظمهم ينتمون الى مذاهب غير المذهب الشيعي. مشيرا الى الدور الفاعل الذي لعبه الامام الصدر خلال الازمة اللبنانية ومحاولاته الحثيثة لاخماد نار الحرب. بعد ذلك تحدث الدكتور باسم الجسر الذي قال: قضية الامام موسى الصدر، فرضت نفسها، ولا تزال، على لبنان وعلى الوطنية في لبنان، بكل ابعادها ومعانيها. ومعظم الاسئلة التي طرحتها هذه القضية منذ ربع قرن، ما زالت بدون جواب شاف. غني عن القول ان التغييب كان له نتائج وطنية اعمق وابعد من الاهداف السياسية المباشرة او البعيدة، التي كانت اللعبة العبثية الدامية تدور حولها في لبنان. كان الامام موسى الصدر في اوج دوره السياسي والوطني في لبنان عندما بدأت الحرب اللبنانية عام 1975. لم يكن الزعيم الديني والسياسي الابرز في الطائفة الشيعية فحسب، بل كان قد كوكب حوله نخبة من الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية المنتمية الى كل الطوائف اللبنانية، جذبتهم اليه شخصيته الفذة، وجمعتهم به مبادىء وتطلعات وطنية وسياسية مشتركة. ورأى ان الامام موسى الصدر نجح في السنوات الاولى من السبعينات لا في ان يكون القائد الروحي الاول والزعيم السياسي الاهم للطائفة الشيعية في لبنان، فحسب بل في ان يصبح قطب تيار وطني - سياسي لبناني يشارك فيه او ينضوي عدد كبير من المثقفين والسياسيين من كل الطوائف، بل وصاحب مشروع وطني سياسي اصلاحي ينتظر الفرصة التاريخية او المناسبة السياسية، ليتحول الى قوة سياسية قادرة على الاصلاح والتغيير. وقال: كان يؤمن بان الاحترام المتبادل هو اساس للتعاون بين اللبنانيين. وانه لا خوف من تعدد الطوائف والمذاهب والمواقف. وان لا كرامة لشعب بدون سيادة واستقلال. وان القضية الفلسطينية هي قضية لبنانية. وان الوحدة الوطنية الحقيقية هي وحدة لكل المواطنين في كل الاهداف والمعايير. وان لا حل لقضية الفدائيين في لبنان الا بالحوار. وان اكثر الناس تعصبا لطائفته هم اكثرهم بعدا عن الدين. وان الطائفية في لبنان سياسية وليست دينا. وان تعايش الطوائف في لبنان هي التجربة الحضارية الوحيدة في العالم وهي ادانة صارخة لاسرائيل. وكان يرفض اسقاط القضية الفلسطينية ويطالب بالتنسيق بين المقاومة والدولة اللبنانية. ينادي باستمرار الحوار بين المسلمين والمسيحيين. واكد ان تغييب الامام احدث فراغا كبيرا في الواقع الوطني والسياسي اللبناني، في تلك المرحلة من الحرب اللبنانية بالذات. وبعدها. وختم: كان الامام موسى الصدر، احد ثلاثة او اربعة زعماء روحيين سياسيين لبنانيين، ممن طبعوا بصماتهم على تاريخ لبنان الحديث، سواء بالدور الوطني الاصلاحي الذي قاموا به، ام بالشعارات التي اطلقها وتحولت الى مبادىء. وايا كانت الاسباب والظروف الظاهرة او الاغراض العميقة المخفية وراء تغييبه، فان المسؤولين عن هذا التغييب لم ينجحوا في تغييب صورته وفكره ومبادئه عن قلوب ابناء الطائفة الشيعية واللبنانيين عموما، ولا عن خاطر دعاة الاصلاح والحوار بين الاديان والحضارات في العالم، ولا عن بال الذين آمنوا معه بان المصلحة القومية والمصلحة الوطنية والمصلحة الانسانية، تنبع او تلتقي مع الايمان الصحيح والصادق بالله، وبالحرية والعدالة واحترام كرامة الانسان. وها نحن اليوم وغيرنا غدا، نلتقي لنؤكد على ان وجه الامام الصدر ومبادئه الانسانية والاصلاحية، لم تغب، رغم تغيبه. ثم كانت كلمة الوزير السابق ميشال اده القاها لؤي شرف الدين فقال: الذهنية التي اطل منها الامام على وقائعنا اللبنانية تأسست اصلا على الانفتاح الايماني والديني والمعرفي والثقافي. انها ذهنية الحوار بامتياز. والقضية التي حركت كل طاقاته الخلاقة وحيويته المشعة في الرؤية وفي العمل معا لم تكن اساسا غير "الدفاع عن صيغة مجتمعنا، اي التعايش في ظل الديمقراطية" وفق تعبيره الحرفي البليغ. وعلى هذا، فلبنان الذي اعتبره الامام السيد "واحة نموذجية" لثقافة الحوار، ولتحاور الاديان والثقافات، لبنان هذا لا يملك الا ان يظل وفيا الى هذا الانسان الكبير، ضنينا بحضوره الذي اسهم بجعل جغرافيتنا تمثل التاريخ، واثقا من بقائه نافذة لبنانية حضارية على العالم، عصيا على الغياب وهو الذي ما انفك يتطلع الى عطف السماء بازاء - ورغم - كل ما عاينه من مكاره ومن مكافر على الارض. الوزير كرم ثم القى الوزير كرم كرم كلمة قال فيها: ميزة الامام الصدر انه لم يخاطب الشعب اللبناني وحسب، ولم يخاطب الواقع اللبناني وحسب، بل خاطب العقل اللبناني، معتبرا ان للبنان ضميرا واعيا، وعقلا حدسيا ذا قدرة اختراق. وهو غير مرة ردد عبارة "لبنان..هذا الوطن العزيز، الفريد في نوعه، الذي لا نملك غيره، ارضه تعكس السماء، وجغرافيا تمثل التاريخ، وانسانه قائد طليعي". بهذا الحس الوطني تعامل الامام الصدر مع لبنان، مستشعرا تأجج النار التي احرقته. وكم كبيرا كان ايمانه به:" وطنا جديدا لا يبقى فيه محروم، تتجند فيه الكفايات الضائعة، والعبقريات المهملة لرفع شأن لبنان وطن العمالقة، والثروات المهدورة، والمناجم المكتنزة في ارضه وبحره وجوه". ويشتد ايمان الامام الصدر اكثر، فيدعو الى "خطة عمل لتنفيذ الحلول حتى لا يكون المنتصر المسلمون ولا المسيحيون، لا الافراد ولا الاحزاب، لا اليمين ولا اليسار، بل يكون المنتصر هو لبنان وشعب لبنان". هكذا كانت نظرته الوطنية والقومية الى لبنان، والى تبني لبنان قضية العرب الاولى: فلسطين. وهكذا رأى الامام ان " بقاء لبنان وقوته وصورته الحضارية وكفايات شعبه وقناعات ابنائه ووضعه الجغرافي، وكل ما فيه، انما هو الرصيد الاول لشعب فلسطين والثورة الفلسطينية وهي فرصة تاريخية ان يتبنى لبنان قضية فلسطين، فيطل على العالم الذي يجهل او يتجاهل الحقائق المصيرية.. وعندما يحمل لبنان هذا المشعل نشعر ان احساسا جديدا لمستقبل الحضارة قد وضع" ( من مقال له في "النهار"8/5/1975). بهذه الحدة في مواجهة اسرائيل، وفي التوعية على الخطر الذي تمثله، ينبه الامام الى ان يتسلح اللبنانيون كما الفلسطينيون والعرب بالحقيقة التي تنقذهم من الضلال الذي تمارسه اسرائيل. من هنا انه( في 21/10/1967)، بعد انتهاء قمة الرياض وقبل انعقاد مؤتمر القاهرة، اطلق نداءه الشهير صارخا فيه ان "اسرائيل مغروسة في قلب هذه المنطقة، نتيجة عملية استعمارية كبرى لم يشهد التاريخ لها مثيلا. فمع تأسيس اسرائيل، تشرد شعب فلسطين الى الخارج وطنه، فاتحا جرحا ما زال ينزف في قلب هذه المنطقة، ويخلق تشنجا فيها وفي العالم كله". ولا يكتفي بتسليط ضوء على الخطر الاسرائيلي، فيعود الى كلامه على وطنه لبنان، لبنان الذي له في قلب الامام نبض اخر، جعله يصرخ من قلب الالم الى اللبنانيين والعرب: "اناشدكم باسم الله والانسانية، باسم لبنان، باسم المسيح والاسلام، ان تتجنبوا هذا المنزلق الكبير بالتعامل مع اسرائيل والاستعانة بها، لان هذا حرام وغدر وخيانة". ذلك ان الامام كان، غير مرة، نبه الى ان المأساة الدامية، هي فصل من فصول مؤامرة اسرائيل ضد لبنان وشعب لبنان، لان لبنان- بتاريخه الرسالي ووجوده المتميز ونشاطه الحضاري- كان ولا يزال شوكة في عين اسرائيل. وكان له خطاب واحد وفاقي سلامي توحيدي لشد اللبنانيين، بعضهم الى بعض، في وطن واحد، وتحت سماء واحدة، تظلل ارضه. في ذكرى عاشوراء(21/12/1977) صرخ الى اللبنانيين:" ان السلام هو لقاء تاريخي محتوم بين المسيحيين والمسلمين، لا اللقاء كان تاريخيا محتوما بين الاسلام والمسيحية، خصوصا عندما تكشف الصهيونية عن انيابها، وتؤجج نار الطائفية، وتحول لبنان مخازن تفجير ومواطن دويلات طائفية، وتعبث بتراث المسيحية والاسلام". لكن الامام يواجه هذه العلة بالتوعية على الحقيقة الدينية التي لا رد لنصاعتها، فيحددها بقوله- ان ذكرياتنا في عاشوراء هذه السنة، وفي وطننا لبنان على الاخص، تتلو الآيات الكريمة التي تؤكد ان اقرب الناس الى المسلمين هم المسيحيون. ولذا علينا بالتضحية كي يولد السلام والحب والقيم والتضامن الوطني التام، فنصون وطننا وجنوبنا الحبيب المهدد. ولا خلاص لنا الا بالتضحيات والسلام والوفاق الوطني حتى تتحقق القيامة اللبنانية، ونتصدى من خلالها لكل ما يحول دونها او يشوهها او يخنقها". بهذه الرؤية المستنيرة، عالج الامام الصدر آفات لبنان. عالجها بتبصر ونضج وحكمه، فاشار الى الخلل، ونبه الى تجنب الوقوع في الخطأ، ولم يفقد في مستقبل لبنان الامل. علمانيا كان من خلال الدين. منفتحا كان من خلال المذهب. متشددا كان في كل ما يتعلق بالوطن. بالوطن قلت، وما اسمى ما كانه في قلب الامام:" ان لبنان في هذه المرحلة بالذات من تاريخ العالم قد اصبح ضرورة قصوى العالم". ولمن المستغرب هذا الكلام، يعلله بكل ثقة ان " هذا العالم المترابط، الذي يضم الاديان والتعايش بين ابناء العالم، من اجل استمرار الانسان في بناء الدولة الكونية الواحدة، انما هو مرتبط الى حد كبير، ومتأثر مباشرة بنجاح صيغة التعايش في لبنان .لبنان في هذه الفترة ضرورة حضارية اكثر من اي وقت مضى. ومن هنا ان التعايش بين اللبنانيين ليس ملكا للبنانيين، بل امانة في يدهم ومسؤوليتهم وواجبهم، وليس مجرد حق لهم وحسب. هذا مفهوم الامام موسى الصدر للبنان الوطن، ولبنان الارث، ولبنان الحضارة التي يكاد ابناؤه الا يعرفوا كيف يحافطون عليها . وكأنه خشي الا يكون كلامه قد بلغ الهدف الرئيس، فيؤكد في حواره ذاك مع وفد نقابة المحررين (18/1/1977) :" علينا ان نتمسك بوحدة لبنان، واستقلال لبنان، وانسجام لبنان مع المنطقة، وصيانة هذا الكيان اللبناني الذي هو امانة للحضارة العالمية". ولربما سائل كيف يمكن ان يتمتع لبنان بهذه الصيغة الفريدة، وان يحث فيه ما حدث. غير انه له جوابا قاطعا اذ يقول : ان عدم مناعة الصيغة اللبنانية امام الذي جرى، لا يمكن ان يكون اتهاما للصيغة، لان الذي حدث كان يتخطى نطاق الارادة اللبنانية. والعوامل التي عصفت بلبنان، فهزت صيغة 1943، هي اكبر من اية مناعة في اي بلد من العالم". ويبلغ الامام مدى افحامه عند قوله: "اذا صنفنا لبنان بالحجم، نجد انه ميكروفيلم عن الدول الكبرى. ولئلا ان يكون كذلك عليه ان يكون له ميزة خاصة، هي اولا واخيرا: التعايش، وهي ارفع من اية ميزة اخرى في تاريخ لبنان وقوة اهله. ان الرسالة اللبنانية في هذا التعايش الفريد". ويختم الامام الصدر اطروحته هذه حول لبنان ودوره في الحضارة الانسانية ليقول :" منذ الف سنة فتح اللبنانيون اعينهم فوجدوا جيرانهم من غير دينهم، واكلوا من عندهم، وضيفوهم، والتجأوا لديهم وعاشوا في الالام والامال، وكان بينهم صلات وعلائق، اكثر بكثير مما كان بين الناس في البلدان الاخرى. لذلك قلت واقول ان التعايش هو في صميم الحياة اللبنانية، وما نشاهده من ظروف حولنا في هذه الايام، ليس الا نتيجة ظروف استثنائية سوف نتغلب عليها بالقوة والاخلاص".