(مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات")
(كلمات الجلسة الأولى)
لقد تعلمت في لبنان اللغة العربية العامية دون أن أقرأ النصوص الأدبية، هناك بعض النقاط التي أريد أن أركز عليها، واعتذر مسبقاً لأن لغتي العربية ضعيفة. موضوع الاجتماع هو حوار الحضارات ونحن في آخر السنة التي أعلنتها الأمم المتحدة سنة حوار الحضارات. حتى نعرف حوار الحضارات يجب علينا أن نركز على بعض النقاط، طبعاً نحن نحكم على حوار الحضارات في اطار ما نراه وفي اطار الواقع الذي يحتاج اليه العصر الحالي.
النقطة الأولى: الحوار له طرفان يعني لا يمكن أن تقيم حواراً دون أن يكون له طرفان. الحوار يختلف عن الأمر الذي يصدر من جهة واحدة وعلى الجهة الأخرى أن تسمعه.
هناك بعض الارتباطات أنه يأمر من جهة واحدة ويلزم على الجهة الأخرى ان تسمعه، هذا ليست حواراً، الحوار يجب عليه أن يكون بين طرفين، والطرفان بينهما أخذ وعطاء يعني كل طرف يؤتي شيئاً ويأخذ شيئاً ليس أن يكون هناك طرف يعطي كل شيء وطرف آخر يأخذ كل شيء أو بالعكس.
هذه المبادئ، نحن عملياً لو نرجع إلى العالم الإسلامي والعالم الغربي، أي الحضارتين اللتين تريدان أن تقيما مع بعضهما حواراً، لو واجهنا هذه المسألة نعرف أن من أهم مشاكلنا هذه النقطة، أن هناك جماعة في داخل الحضارة الشرقية أو الحضارة الإسلامية لا يريدون أن يقبلوا أو يسمعوا حضارة الغرب. إنهم كانوا يرفضون حضارة الغرب كله دون أن يأخذوا منه شيئاً أو أن يكونوا جاهزين لأن يعطوا له شيئاً، يعني كان من مشاكل العالم الإسلامي وفي كثير من الأمور أن مجموعة في داخل العالم الإسلامي موجودون ولم يكونوا يقبلون أن يستفيدوا – لأنه في العالم الغربي هناك بعض الايجابيات – من ايجابيات الغرب ويقبلوه ويعترفوا به. هذه الفكرة لم تكن موجودة من جهة المتشدد، ومن جهة أخرى، الغرب كان يحكي بلغة التبختر والتكبر على الشرق وكأنه هو يأمر وسائر الحضارات عليها أن تسمع منه دون أن يكون هناك حوار.
يعني من الجهتين كان لدينا تشدد فعلي، من جهة في العالم الإسلامي والحضارة الإسلامية لم يكونوا يعرفون أنه يوجد ايجابيات في الحضارة الغربية يجب علينا أن نستفيد منها. ومن جهة أخرى في اميركا يوجد الجماعة الغالبة في اميركا ممن يتكلم بلغة الأمر بدون أن يتكلم بلغة يمكن أن يقيم معها حواراً أو يدخل فيها حواراً. في هذه المسألة وفي هذا الاطار، نحن نقول بحوار الحضارات، يعني في القسم الأول من كلامي أنا أركز على الحوار. وكلمة الحوار، أي أن الحوار لا يمكن بدون الأخذ والعطاء، نأخذ منهم شيئاً ونعطي لهم شيئاً، دون أن ننسى - وهذا أمر هام - تاريخنا العظيم، لأنه في بعض الأحيان الناس في الشرق إذا أرادوا أن يأخذوا من الغرب ينسوا أن لهم تاريخاً وحضارة كبيرين وأنه بامكانهم أن يتكئون على هذه الحضارة الكبيرة. لكنهم ينسون كل هذه الأمور ويعطون كل ما عندهم دون أن يأخذوا شيئاً منهم، لا، نحن لغتنا لغة الحوار يعني نفهم ايجابياتهم ونعطي ايجابياتنا، نفهم الحضارة الموجودة في الغرب، وطبعاً مهم أن يعرفوا الحضارة الموجودة في الشرق أو في العالم الإسلامي هذه النقطة الأولى. النقطة الثانية أنه لا يمكن الحوار إلا بعد تعرف الطرفين على بعضهما، إذا كانا لا يعرفان بعضهما، لا يمكنهما أن يتحاورا. هذه أيضاً نقطة جوهرية.
إذاً الحضارتان عليهما أن تتحاورا مع بعضهما، يجب أن تعرفا ما بينهما وما تريدانه من الحوار مع بعضهما. نحن عانينا الكثير من هذه المشكلة، وأنا أريد أن أشرح لكم لماذا العالم الآن موجود في هذا المأزق؟ الشيء الجوهري أن العالم الغربي لم يعرف عالم الشرق وعالم الشرق لم يعرف عالم الغرب لم يتم التعارف بينهما، واذا لم يتم التعارف بينهما، لا يمكنهما أن يتحاورا معاً.
الإنسان لا يعرف أن يتحاور مع شخص لا يعرفه، الحوار هو لغة ما بعد التعارف. يعني قبل أن يتم التعارف لا يمكن أن ينشأ الحوار. الآن مشكلة العالم - أنا سياسي طبعاً وحتى ولو كان البحث ثقافياً، فأدخل في السياسة بعض الشيء - أرى ان العالم موجود في مأزق، ما هو هذا المأزق؟ المأزق أن البرجين انفجرا وانهدما والعالم كله يتساءل لماذا حصلت هذه المسألة. نحن أيضاً نسأل لماذا حصلت هذه المسألة الاجرامية، نعم اجرامية وكل العالم يعرفون أنها اجرامية. لن أدخل في التفاصيل بالنسبة لهذه المسألة، ولكني أريد أن أدخل في تفاصيل الموضوع الذي يجب أن أشرحه، انه في تعارفنا مع بعضنا. نحن في آخر الشرق الأوسط في ايران، أنتم في قلب الشرق الأوسط والقضايا الموجودة فيه، نحن كنا نجلس هنا ونرى أن القيم الموجودة في العالم كله مقبولة عندنا، قيمة الديمقراطية مقبولة عندنا، قيمة حقوق الانسان، قيمة حقوق الاطفال قيمة مكافحة سلاح الدمار الشامل، كل هذا مقبول عندنا، ونحن تعلمنا كثيراً من هذه الأمور من الغرب، وقبلنا. والغرب يضغط على البلاد كثيراً حتى يقبلوا هذه المفاهيم، يعني اذا بلد عنده سلاح نووي يمارس ضغطاً على بلد آخر، إذا بلد ما عنده حقوق الإنسان يمارس ضغطاً عليه حتى يعمل ذلك.
كل هذه المفاهيم عندما تصل إلى بلد اسمه اسرائيل تلغى، هذا السؤال المطروح. يعني الشرق والحضارة الشرقية، الناس موجودون في الشرق والثقافة الموجودة في الشرق غير قادرين على معرفة الجواب على هذا السؤال، دون أن يكون بينهم وبين الغرب عداوة. نريد جواباً على هذا السؤال، انه لماذا كل هذه القيم عندما تصل إلى حدود بلد اسمه اسرائيل تلغى؟ لماذا هناك ناس درجة أولى وناس درجة ثانية؟ يعني بعض الناس لو يموت ألف شخص منهم لا أحد يثير أي ضجة ولكن على بعد كيلو متر واحد من هذه المسألة هذا الانسان ونفس الشخص ونفس المنهج، لو يُقتل، لو يُضرب كل العالم يثير ضجة.
هذا معناه أنهم لا يعرفون الشرق، أنا المسلم أنا المثقف، أنا كانسان أعيش في هذا القسم من العالم كنا نأمل، يا ليت الاميركيين كانوا يعرفون الشرق وكانوا يعرفون ما يصير في هذه المنطقة قبل هذه الأحداث. وطبعاً يأتي أحد اسمه ابن لادن أو غير ابن لادن ويستفيد من هذه المشاعر الموجودة عند الشعب باسم الاسلام ويعمل. هذا معناه المشكلة من أين؟ وكذلك بالعكس، أنتم قرأتم في التقارير أن الذي ركب الطائرة وانفجرت في البرجين كان طالباً محزباً يدرس في هامبورغ، وكان درسه جيداً وأوضاعه الاقتصادية كانت جيدة، كل شيء عنده كان جيداً، ولكنه عمل عملاً استشهادياً، عمل هذا العمل الاجرامي لأنه هو أيضاً لا يعرف الغرب، لا يعرف أنه يؤثر سلبياً على شيء اسمه الاسلام. يؤثر سلبياً على الرأي العام العالمي على الشيء المظلوم الذي اسمه الاسلام. انه لا يعرف وهم لا يعرفون حاجة الثقافات بعضها لبعض.
كانت هذه النقطة الثانية أي أن للحوار شرطاً وهو أن يعرف الطرفان بعضهما.
النقطة الثالثة: إن حوار الحضارات ليس عملاً لرجال السياسة، هو حوار رجال الثقافة، يعني الثقافة أرضية حوار الثقافات وهي ليست بين السياسيين كي يستفيدوا من هذه الثقافة أو غير الثقافة، لأن السياسة أو السياسيين إذا أرادوا أن يستفيدوا يتدخلوا في القضايا الثقافية لمصالحهم اليومية. يمكن أن يبدأ به ولكن لا يمكن أن يختم به كما صار في قضية أفغان العرب.
في يوم من الأيام فكر الاميركيون أن يستفيدوا من مشاعر المسلمين، يرسلونهم إلى افغانستان حتى يقاوموا ضد الكفر الشيوعي، بعثوهم وجندوهم، ولكن للاستفادة من الاحساس والمشاعر الدينية. أنت ممكن أن تبدأ به ولكن لا يمكن أن تختم به لأن المشاعر الدينية موجودة في قلوب الناس، والثقافات لا يمكن أن تبقى في يد السياسيين. إن هذه المجموعة من الناس أخذوهم وأرسلوهم إلى افغانستان، أصبحوا رجال المقاومة ضد الكفر وعملوا مجاهدات وبعد ذلك حدث اجتياح الاتحاد السوفياتي ثم رجعوا إلى بلادهم ورأوا أن الكفر موجود بمظاهر مختلفة ومنتشر في بلادهم. بدأوا يعملون أعداءً للمواطنين. بعد ذلك صاروا مجموعة كبيرة وقاعدة كبيرة وبدأوا يضربون اميركا وغيرها وعملوا مشاكل كبيرة في العالم. لأنه لم يكن يوجد أرضية لحوار الحضارات والثقافة، الثقافة ليست عملاً سياسياً حتى يستفيد منه السياسيون يومياً في قضايا السياسة والحضارة لمصالحهم.
أنا اذكر أنه عندما أعلن السيد خاتمي قضية حوار الحضارات قال السياسيون إن هذه حجة لايران كي تعمل علاقة مع اميركا، علاقة سهلة وتستفيد من عنوان الحضارات، لأنهم كانوا يفكرون أن حوار الحضارات أرضية سياسية. لا، نحن نعتبر أن شأن حوار الحضارات والحضارة والثقافة لا يقدر السياسيون أن يعملوا بها لأن الكثير من الأمور، السياسيون كانوا يريدونها لكنها لم تصبح ثقافة ولم تصبح حضارة. وكثير من الأمور ما كانوا يريدونها، لكنها ثقافة البلاد.
وهذه النقطة التي كنت أريد أن اشير اليها، إن حوار الحضارات ليس لعبة حتى يستفيد منها السياسيون في قضاياهم اليومية.
هذه القضية ثقافية، وحوار الحضارات يعني الحضارة القديمة الموجودة في التاريخ.
في قضية حوار الحضارات نحتاج إلى تعاون جدي بين الحضارات وعرفنا هذه النقطة منذ قرنين أو على الأقل في القرن الأخير الذي مر علينا. كان قرن القتل والحروب والعنف، يعني لو نبدأ من الحربين العالميتين والحروب الاقليمية، والحروب المختلفة التي صارت في هذا القرن معناه أن ما نستنتجه من هذين القرنين أنهما قرنا الصدامات، القرن الاخير كان قرن الحروب اقليمياً أو عالمياً، والبشر صاروا بشراً يتعرفون على بعضهم البعض. هذا بسبب ثورة الاتصالات وهي ليست قضية سهلة. هذه أثرت على كل الأمور بما فيهم الانسان، أصبح الانسان يعرف أنه يقدر. هذه كبرت الانسان فعرف قدره. الحوار هو اللغة الموجودة بيننا، يعني تعرفنا على الانسان، فهي كبَّرت الانسان الذي يقدر أن يتحاور، الانسان الصغير هو الذي لا يقدر أن يتحاور فيعمل الحرب. لا يقدر أن يتحاور. وكبرت ورشدت الانسان كي يقيم حواراً. هذا الحوار الذي أعلنه الرئيس خاتمي باسم رجل دين مسلم، فهذه نقطة مهمة، لانه باسم رجل مسلم أعلن أننا نحن نعلن القرن المقبل قرن حوار الحضارات بدلاً عن صراع الحضارات معناه أن اللغة الموجودة في العالم ندعو أن تكون لغة الحوار مع الآخر وليس لغة الحرب. وهذا الفكر الإسلامي الراقي الذي نحن نفتخر به.
ونضيف في آخر كلامي أننا نحن كمسلمين نعاني كثيراً، كمسلمين مثقفين، نعاني كثيراًُ. جحدنا كثيراً في هذين العقدين الماضيين، نقول الاسلام ليس مع العنف والاغتيال ونخاف بعد هذه القضية أن يكون بدعم من اميركا لضرب الناس المظلومين في افغانستان. يصبح مرة أخرى صوت التشدد والعنف صوت الاسلام، إن الاسلام الذي نحن نقبله والاسلام الذي يدعونا للغة الحوار معناه أن هذا الاسلام ليس اسلام الضرب وليس اسلام الاغتيالات وليس اسلام الارهاب الذي بعض الناس يريدون أن يمثلوا باسم هذا الاسلام.
الإمام موسى الصدر الذي نحن جالسين في هذا المكان باسمه بذكراه وفي المؤتمر الذي ينعقد باسمه، نعتقد أننا تعلمنا منه لغة الحوار ونتعهد مرة أخرى في هذا اليوم بأننا ملتزمون بلغة الحوار لان المتحاورين اناس، والانسان أكبر من أن يتحارب مع الآخر، والسلام عليكم.