(مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات")
(كلمات الجلسة الثانية)
مقدمة:
أبدأ بتعريف الحضارة والثقافة ذلك أن هذه الندوة تندرج في سياق حوار وصراع الحضارات والثقافات.
الحضارة: هي قدرة جماعة بشرية، في وقت وزمان محددين، على استيعاب ما أنتجه سواها من جماعات بشرية أخرى على الصعيد المادي والروحي، ثم يضاف اليها القدرة على انتاج الجديد والأفضل والأكثر تقدماً في كافة الميادين الروحية والفكرية والمادية، لخير جماعتها ولخير البشرية أجمع. ذلك أن الحضارة الحقيقية تتســم برسالة انسانية مفتوحة للعالم أجمع.
الثقافة: تضم كل ما تنتجه وتبدعه جماعة بشرية محددة ( شعب ، قوم، أمة) من انتاج غير مادي كالفنون والعلوم واللغة والآداب والفكر والعقائد والعادات والتقاليد. وهي تتسم بصفة الاستمرار، إذ إنها لا تزول أو تستهلك بمجرد استخدامها. ومن شروط انتاج الثقافة ونموها، توفر شروط الإبداع والاختراع وفي مقدمتها الحصول على المعرفة والتمكـّن من التقنيات العلمية والفنية، والتمتع بحرية الفكر والتعبير وتوفر فسحة اجتماعية واقتصادية للتحرك، ووجود طلب للثقافة (سوق) يعبّر عن حاجته، ويخلق ديناميكية ثقافية وتثقيفية في المجتمع. ومن مميزات الثقافة أنها لا تنحصر في الجغرافية أو القومية أو الإقليمية بل إنها تشع الى الآخرين وتتفاعل مع الثقافات الأخرى.
وتنتقل الثقافة من جيل الى جيل ومن بلد إلى بلد ومن شعب الى آخر، عبر وسائل عدة أهمها التربية والتعليم. إن المدرسة والعائلة هما من أهم المؤسسات الاجتماعية التي تحفظ وتنقل وتطور الثقافة الجماعية في عصرنا الحالي.
ومساهمة مني في تقارب الثقافات وتبديد الأحكام المسبقة والصور المقولبة التي قد تحملها جماعة بشرية عن جماعة أخرى، وكوني تربّيت في مدرسة تجمع ثقافتين الفرنسية والعربية، قمت بدراسة واسعة النطاق، شبيهة بالمسح حول : كيف تصوّر أو تمثل (représenter) المواد التربوية الفرنسية، أي الكتب المدرسية المتداولة في فرنسا، كيف تمثل العرب والعالم العربي والحضارة الإسلامية في مواد التاريخ والجغرافيا والتربية المدنية والقراءة في مرحلتي الابتدائي والثانوي، والصادرة عن كبار دور نشر الكتاب المدرسي في فرنسا(هاشيت، ناتان، بورداس، ومانيار)، في مرحلتين وعهدين: في كتب 1987، وبعد عشر سنوات (1997) اي في الكتب التي لا تزال قيد التداول حالياً.
تتطرأ كتب التاريخ الفرنسية مباشرة الى تاريخ العرب والإسلام عبر محطات عديدة أهمها من الفتح الاسلامي ودخوله لـ الإسلام إلى جنوب فرنسا، الحروب الصليبية، الحملات الاستعمارية واحتلال الجزائر ثم حرب الجزائر، والحروب العربية الاسرائيلية والقضية الفلسطينية والحركة الصهيونية. كما تخصص هذه الكتب قسماً هاماً من تعليمها في الصف الخامس متوسط والثاني ثانوي للحضارة الاسلامية.
واذا كانت مناهج الجغرافيا لا تخصص تعليماً خاصاً عن العالم العربي ، الا انها في المناهج الجديدة ادخلت المغرب في نطاق اهتمامها. وهي تتطرأ في فصول عديدة الى المنطقة العربية عندما تتناول مواضيع المناطق الصحراوية والبحر المتوسط والنفط والمدينة العربية .
تـُعيـر كتب التربية المدنية اهتماماً خاصاً بالعرب نظراً لوجود أقلية كبيرة قرابة اربعة ملايين من المسلمين الفرنسيين، ونظراً للتقليد القومي الفرنسي الشديد المركزية فان الدولة الفرنسية تهتم باندماجهم، وتخصص بعض الفصول من كتب التربية لمعالجة مسألة العمال المهاجرين في فرنسا، وقضية العنصرية المعادية للعرب.
وتبذل وزارة التربية الفرنسية واضعة البرامج جهداً خاصاً لإدخال في كتب القراءة نصوص ادبية فرنسية تخص العالم العربي ومقطتفات من الأدب الفرنكوفوني من أصل مغربي او مشرقي، ونصوص أدبية مترجمة من القصص التراثية العربية ومن الأدب العربي المعاصر.
وتشرح وزارة الثقافة الفرنسية بوضوح توجيهاتها في مناهج 1985 ومناهج 1996 التي تهدف الى تخفيف الصدام بين الثقافتين، وتعزيز التقارب والحوار وتسهيل اندماج الأجيال الشابة الفرنسية من اصل عربي او مغربي في المجتمع والثقافة الفرنسية. وتأتي هذه التعليمات الموجهة لدور النشر وللمعلمين ولمؤلفي الكتب تأتي واضحة، وفقاً للتعبيرات التالية:
" الإنفتاح على التنوّع " ...
"إختيار نصوص تسمح للتلاميذ باكتشاف وفهم الآخرين، واكتشاف أنفسهم، وتوسع معرفتهم الى وقائع وثقافات غريبة عنهم "...
"تناشد الناشرين والمؤلفين الحذر في معالجة هذه المواضيع والانفتاح على الثقافات الأخرى " واحترام الاختلاف" و "الإدانة الصريحة للعنصرية المعادية للأجانب والمعادية للعرب تحديداً."
"وهي تدعو المؤلفين والمعلمين الى إدخال النصوص الأدبية العربية المترجمة "مثل قصص ألف ليلة وليلة"، وكتاب "الأيام" لطه حسين والأدب الفرنكوفوني مثل "نجمة " الكاتب ياسين.
وفي مناهج 1997 توصي وزارة الثقافة بالتركيز أكثر على الحضارة الإسلامية واشعاعها التي يمكن إظهارها انطلاقاً من مثل "مدينة مختارة". كما توصي بالتشديد على العلاقات الخاصة بين منطقة المغرب وفرنسا. إذاً، يتبيـَّن بوضوح ان توجيهات الدولة الفرنسية فيما يخصّ تعليم ما يتعلق بالعرب والإسلام وحضارته هي ذات منحى حواري وتعارفي يدعو الى احترام الآخر ويهدف إلى إدماجه في المجتمع دون إلغاء خصوصيته الثقافية.
كيف تمثـّل أو تصوّر هذه الكتب الآخر اي " العرب" و"الحضارة الإسلامية ". هل المنحى السائد هو حواري واندماجي كما توصي به الوزارة ، ام انه يميل الى الإقصاء والصدام بين الثقافتين وبالتالي بين الجماعتين الفرنسية والعربية؟
أولاً: التوجهان الحواري (المنفتح المتفهم للآخر) والصدامي أو العدائي المغلق في تمثيل الآخر (العرب والاسلام) في الكتب المدرسية الفرنسية، متواجدان. أحياناً في نفس الموضوع، وقد تبيّـن ان التوجه الصدامي أقوى في كتب 1987 منه في كتب 1997، ويختلفان باختلاف الموضوع (عرض الحضارة الاسلامية يختلف عن معالجة الحروب الصليبية او العربية الاسرائيلية او حرب الجزائر). كما تختلف باختلاف دور النشر (معالجة هاشيت للحضارة الاسلامية أكثر حوارية من معالجة ناتان لها. ومعالجة ناتان لحرب الجزائر وللحروب الصليبية اكثر تفهماً لموقع الآخر من الناشرين الآخرين).
ثانياً: إن الأدوات والمصادر وأساليب الصياغة التي يستخدمها مؤلفو الكتب لإنتاج المادة التدريسية، يمكن ان تعزز التوجه الحواري او بالعكس التوجه الصدامي، وفقاً لدرجة اقترابها وابتعادها عن الآخر.
ثالثاً: ان منهجبة الباحث أي طريقة معالجته للموضوع، ليست حيادية إنها تؤثر على رؤية الآخر، فالمنهجيات البحثية الشاملة الإستكشافية والتقنيات الدقيقة في التحليل تساعد على عدم التمييز وتساعد على استكشاف كافة التوجهات، وهي بالتالي تعزز المعرفة والحوار.
اما المقاربات الانتقائية والاستنتاجية المنطلقة من افتراضات مسبقة لا تخدم المعرفة وتعزز التوجه الصدامي.
المنحى الحواري والمنحـى الصراعي في تمثيل الآخر العربي الاسلامي في الكتب المدرسية الفرنسية
سأعرض (أولاً) لبعض المواقع الحساسة الحوارية الصدامية في الموضوعات المتعلقة بالآخر العربي الإسلامي. ثم لدور مؤلفي الكتب وتأثير أساليب إنتاجهم للمادة التدريسية في ترجيح الحوار او الصراع (ثانياً). واعرض (ثالثاُ) دوري اي دور ومسؤولية الباحث من خلال المنهجية المتبعة في دراسة صورة الآخر، وتمهيدها للحوار والتفاعل بين الثقافات او بالعكس مساهمتها في إقفال باب الحوار وتعزيز الفئوية والصدام مع الثقافة الأخرى.
أولاً: بعض المواقع الحساسة (الحوارية – الصدامية) في الموضوعات العربية –الاسلامية كما تصورها الكتب المدرسية الفرنسية.
حُسِمَ الصراع بين طالبي الغاء هذه المادة من كتب التاريخ ومؤيدي ابقائها لمصلحة الفريق الثاني، وانما بعد مساومة على الحجم إذ تـمَّ حصرها في الصف الخامس متوسط بدلاً من صفين (خامس وثاني) كما كان متبعاً في المرحلة السابقة (1987). واستبدلت هذه المادة في الصف الثاني ثانوي بفصل عن علاقات الإسلام وبيزنطيا والعالم اللاتيني عبر البحر المتوسط في القرن الثاني عشر، وعَـزَّزَ المنحى الحواري الأمر الذي خفف من الاستفراد الثنائي بين فرنسا والحضارة الإسلامية.
مدى تسامح الإسلام مع الأديان الأخرى، مساهمة الحضارة الإسلامية في تقدم الغرب، التنـوع والانقسام داخل الإسلام ومساهمة العرب في الحضارة.
ان الحضارة الإسلامية قدمت مساهمات عديدة في العلوم والفنون، والفكر، للعالم الغربي في قرونه الوسطى.
ولكن يختلف الناشرون والمؤلفون حول مصدر هذه المساهمات إذ يعتبرها البعض (ناتان) مجرد استعارات موروثة من الحضارات الأخرى (الصين، الهند، الإغريق)، ومنقولة للغرب. في حين يعترف البعض الآخر (هاشيت ومانيار) بان للحضارة الإسلامية إنجازات علمية وفلسفية هامة واختراعات خاصة قدمتها للغرب وإنها ساهمت في تطوّره.
يجمع المؤلفون على ان الحضارة الإسلامية وسعت التبادل بين الإنسانية أجمع ولعبت دور صلة الوصل بين شعوب آسيا(الصين والهند) والغرب الأوروبي.
كما يجمعون على إنجازاتها المعمارية ومدنها الكبيرة ونشوء مدن كبيرة فيها ذات إشعاع واسع (مثل بغداد والكوفة ودمشق).
ينقسم المؤلفون والناشرون حول مدى تسامح الإسلام مع الأديان والثقافات الأخرى: في حين ان البعض (ناتان) يرجّح عدم التسامح حتى بالنسبة لأهل الكتاب، يؤكد الآخرون على تسامح الإسلام مع الأديان التوحيدية.
-المقولات المتفق عليها والتي تفيد عدم التفاهم بين الثقافات.
لا وجود لـ " حضارة عربية" في الكتب المدرسية ولا حتى اعتراف بوجود برافد عربي في الحضارة الإسلامية. هذا الغياب كلياً في كتب 1987: إذ ان "العرب" والحضارة " وحتى " العرب" والحضر" لا يلتقيان ابداً في النصوص (وهذا ينطبق على كل المواد : التاريخ مثل الجغرافيا مثل القراءة . ..)
يمكن ان أتقدم بتفسيرين لهذا الغياب، تفسير صراعي مفاده ان العرب متخلفون وبالتالي لا يمكن ان يكون لهم حضارة ، فالحضارة الإسلامية ليست من إنتاجهم ولكن من إنتاج الشعوب الأخرى التي ورثوا عنها الحضارة.
نعم وجدتُ ميلاً في الكتب المدرسية السابقة (1987) إلى إقصاء العرب الى الصحراء، وصفهم بالبداوة والتيه يعني بما أن تنفى عنهم صفة الحضر أو التحضر. ولكن يكتشف الباحث المدقق ان كلمة عربي مرادفة تماماً لمسلم في الكتاب المدرسي الفرنسي، والعكس ايضاً اي ان المسلم مرادف للعربي.
(وما يؤكد على ذلك ان كل الأماكن والأسماء والمدن المذكورة في فصول الحضارة الإسلامية تقع في المنطقة العربية، وبالتالي يمكن الاعتبار أن مصطلح "حضارة اسلامية" مرادف لتعبير حضارة عربية وهو يتضمنه حتماً. ولكن يتبيَّـن من جراء البحث ان المكوّنات الأخرى للحضارة الإسلامية، اللغوية منها والثقافية والقومية (الماليزية، والصينية والإيرانية والافغانية والتركية والأفريقية والإندونيسية) غير واردة في تعريف الشعوب المنتمية اليها. إن هذا التوجه الذي يصوّر الحضارة الإسلامية ككل احادي الجانب وغير متنوع، لا يُرجح التعامل معها بشكل حواري، وانما يُعزّز الصدام (كما نشاهده حالياً). فما ان تحرك جزء منها في اتجاه ما، لاعتبر حامل هذه الرؤية الجامدة أن الكل يتحرك معاً.
يجمع المؤلفون ايضاً على ان سمة من السمات الرئيسية في الحضارة الإسلامية هي الانقسام المذهبي ، السني – الشيعي: " لم تتوحد الا عشرون عام في فترة الخلافة الأولى ".
إلا أن هذا التمثل للحضارة الإسلامية في الكتاب المدرسي الفرنسي يبدو قابلاً للتغير. ان الثقافة الفرنسية تتسم بالحيوية وهي تعمل بإستمرار على تطوير نفسها. والعاملون على التطوير في مجالنا هذا هم المؤرخون (أذكر مجموعة "اسلام – غرب "Islam –Occident)، التي قيّمتْ المادة المتعلقة بالإسلام في الصف الخامس واقترحت تعديلات جذرية عليها.
وفعلاً، تبين لي ان هناك تعديلات هامة في الكتب الصادرة في نهاية التسعينات. أكتفي بالإشارة الى اهم ما تغير في تمثيل الحضارة الإسلامية: يُنعتْ المجتمع الاسلامي في كتب 1987 بانه مجتمع عبودي" . ولكن ذكرت الكتب الجديدة بأن القرآن يشجع على تحرير العبيد".
لم يذكر في الكتب الجديدة بان الحضارة الإسلامية غير منتجة، بالعكس ذكرت ان الإنتاج الحرفي كان شديد التنوع والنمو لدى شعوب هذه الحضارة. كما حسمَ الخلاف حول التسامح باتجاه ترجيح التسامح.
*ظهـر في الكتب الجديدة بداية اعتراف بالتنوع اللغوي الثقافي للحضارة الإسلامية والتنوّع الديني في المجموعة العربية.
لا شك ان لهذه التغيرات في تعليم الحضارة الإسلامية وقعٌ كبير على الأجيال الحاضرة في فرنسا، وعلى العلاقات بين الفرنسيين والمسلمين داخل فرنسا وخارجها.
ترجح مناهج وكتب 1987 الجانب السياسي الحدثي في معالجة العلاقات الفرنسية العربية عبر التاريخ، ولا تخصص مساحة ملحوظة للعلاقات الإقتصادية والتقنية والثقافية بين الجانبين او بين الشعوب المحيطة بالبحر المتوسط.
إن مجرّد اختيار هذا الجانب في العلاقات لا يُعزّز المنحى الحواري.
وفيما عدا بعض الإستثناءات، يطغى بالفعل المنحى الصراعي والصدامي بين الطرفين الذي يخص الجانب العربي الاسلامي بالدور السلبي، والدور الإيجابي إلى الجانب الوطني القومي اي الفرنسي.
فيوضع العرب والمسلمون في موقع المعتدى أو المبادر في الإعتداء، في الحروب الصليبية، وفي حروب التحرر من الإستعمار مثل حرب الجزائر، وفي الحروب العربية الاسرائيلية. يوضعون في موقع المعتدي أو المبادر بالإعتداء. ويصوّر الجانب الآخر (الافرنجي أو الإستعماري اوالإسرائيلي) في موقع المدافع أو في موقع الرد المبرر لفعل اعتداء لم يكن البادئ به.
(الأمثلة: طرد الحجاج من القدس يقدم كمبرر للحملات الصليبية).
باستثناء ناشر واحد (ناتان) علماني الذي ينتقد التبريرات الدينية للحملات الصليبية ويبرز دوافعها الاقتصادية التوسّعية.
اما فيما يتعلق بحرب الجزائر فان معظم المؤلفين يصفون حركة التحرّر الجزائرية–بأفعال عنف او "تمرد" ولا يعتبرونها حركة " تحـرّر أو "ثورة"، وباستثناء ناتان الذي يعرض وجهة نظر جبهة التحرير الجزائرية بدون ان يتبناها، ويعّرف الحرب بانها "حرب تحرر وطني من أجل الإستقلال"، اما الناشرون الآخرون فهم لا يتخطّون الذات القومية لعرض وجهة نظر الآخر. ويذهب بعضهم (بورداس) إلى عدم ذكر اسم جبهة التحرير الوطني الجزائري، والى تغييب تام لقادة التحرير. الا ان مرور الزمن وانتماء المؤلفين الحاليين الى الجيل الشاب الذي لم يُعايش هذه الفترة القاتمة من تاريخ فرنسا المعاصر، قد يفسر التغيير الواضح في معالجة الموضوع في كتب 1997.
تسود في هذه الكتب وجهة نظر نقدية للذات القومية الفرنسية، ولم تعد أعمال العنف منسوبة فقط الى الطرف الجزائري بل بالعكس يبرز المؤلفون كل الفرص الضائعة التي يحملون مسؤوليتها للطرف الفرنسي.
ولكن لا يزال ينسب بعض المؤلفين الدور الأساسي في تحقيق الاستقلال للجانب الفرنسي فيقال أنه منح "الاستقلال" للطرف الآخر، ولا نجد حتى الآن اعتراف بان الطرف الجزائري كسبها بنضاله ومجاهديه.
لا تشذ الحروب العربية الاسرائيلية عن القاعدة: " الطرف العربي هو الطرف المعتدي او المبادِر بالإعتداء " بالرغم من كون الجانب الفرنسي غيرمُشارك مباشرة في النزاع.
في حرب 1948، يرد في النص أن " الجيوش العربية تقتحم الدولة الفتية" ولا يذكر اي مؤلف ان هناك "احتلال لأرض الآخر"، ويعتبر المؤلفون ان نشوء دولة إسرائيل،هو مجرد حصول من المستوطنين اليهود" على "استقلالهم" من الدولة البريطانية. ان تحركات ونضالات عرب فلسطين من اجل استقلالهم من بريطانيا غير مذكورة ، ولا يرى الشعب الفلسطيني النور في كتب التاريخ الا بعد قيام دولة إسرائيل اي بعد طرده من ارضه
ويرافق"كليشـه" العرب هم المعتدي الدائم او المبادر بالإعتداء "كليشه" توأم له "العرب المهزومين الدائمين "ومرادفه "الفرنسيين المنتصرين الدائمين ".
فلا استثناء لهذا التعميم المطلق، حتى في "حرب السويس 1956 " ( العدوان الثلاثي في التسمية العربية)، حيث لم يتمكن الجانب الغربي – الإسرائيلي ان يسترجع القناة او إسقاط النظام الناصري. وكذلك لا إعتراف بهزيمة ما مني بها الطرف الفرنسي او "بانتصار" ما حققه الطرف الجزائري بعد استقلال الجزائر. وكذلك لا اعتراف بنجاح ما للطرف المصري عند قيامه بتدمير خط باريف في حرب 1973 وارغامه اسرائيل على قبول الانسحاب.
يمكن ان نستنتج ان المنحى الصدامي هو الغالب لدى معظم ناشري كتب التاريخ باستثناء ناتان الذي يبدي مؤلفو الكتب عنده بعض التحفظات على مقولة " الانتصار الفرنسي الدائم" (في الحروب الصليبية وفي السويس على الأقل).
وبالرغم من ذلك تظهر بعض البوادر الحوارية التي تنذر بتغير الى الأفضل في المستقبل. فنجد في كتب التاريخ الحالية الصادرة بعد 1997 توجهاً نقدياً للجانب الوطني أي للجانب الفرنسي في صراعه مع الجانب العربي (نقد الموقف الفرنسي في حرب الجزائر، والإعتراف بدور الجانب الجزائري، وذكر دور "جبهة التحرير الوطنية" بشيء من الحياد. كما يذكر فيها مساعي الفلسطينيين لوقف الاستيطان اليهودي ولنيل استقلالهم قبل 1948.
صورة العربي البدوي التائه الخاضع او الثائر الرافض في كتب القراءة في الإبتدائي (مناهج 1987)
إن مجرّد إختيار نصوص لأدباء المرحلة الاستعمارية عـَزَّزَ صورة العربي – البدوي الذي يقوم بدور الخادم او الدليل اذا كان برفقة الفرنسيين،
(أو يلعب دور الثائر الرافض اذا وجد خارج نطاق المجال الذي يقيم فيه الفرنسيون )
Exupéry Maurois,Manoll, Tillet, St
وهو دائماً في موقع اجتماعي دوني اذا ما قورن بالشخصيات الفرنسية. كذلك يتبين في مقتطفات الأدب الفرنسي المعاصر الذي يمثل عرب مقيمين في فرنسا، يظهر هـؤلاء في موقع اجتماعي دوني وهامشي، وقل ما يتكلموا عندما يكونوا في صحبة " معلميهم ".
يتجلى التوجه الحواري في تمثيل العرب في كتب القراءة. في مختارات الأدب الفرنكوفوني (أ. شديد، أ. معلوف ، م.فرعون، د. شريبي) حيث لا تتعارض شخصية الكاتب العربي الأصل مع شخصية العربي" الوارد في القصة المنشورة وغالباً ما تكون هذه الشخصية إيجابية ، مثابرة، نشيطة في العمل، تصعد بفضل جهدها الى موقع اجتماعي أفضل. وتتسّـم أيضاً شخصيات الف ليلة وليلة بهذه هذه الصفات الايجابية الا ان كونها شخصيات خرافية لا يساعد القارىء على التماهي معها. (خاصة اذا كان تلميذاً في المرحلة الثانوية).
لا وجود " للعالم العربي" كمنطقة او مجال متواصل في كتب الجغرافيا ، لا في مناهج 1987 ولا في المناهج الحالية. قد يعود ذلك الى كون التقطيع الجغرافي للعالم في هذه الكتب قائم على خطوط المناخ وعلى المفهوم "القومي السياسي للجغرافيا. ويحلّ مصطلح "عالم عربي" مصطلحاً مركباً يكون أحياناً "مغرب- مشرق أو الشرق الأوسط – شمال افريقيا".
وفي الحالتين يمكن اعتبار هذه التوجه "تغييبـياً" للآخر في المكان، كما في الزمان.
يبرز المنحـى الحواري في الكتب الحالية 1997، بعد أن أدخلت المناهج الى مادة الجغرافيا "المغرب العربي"، فاضطر معظم المؤلفين الى شرح معنى "المغرب " بأنه جزء من العالم العربي". فظهر العالم العربي لأول مرة على الخريطة، ولكن لم تخصص له المناهج مكاناً خاصاً في الدراسة، ولا يزال اسماً بلا تعـريف.
كذلك ينتقل اهتمام المؤلفين في الكتب الحالية من الصحراء والأرياف الى المدن والسواحل حيث الكثافة السكانية والمصانع والتجارة وهي صورة اقرب الى الواقع الحالي للمعاش العربي.