* ألقاها سيادة الأب الدكتور ميشال سبع
(مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات")
(كلمات الافتتاح)
في ايماننا، الكلمة صارت جسداً وحلَّ فينا، خلعنا الانسان العتيق ولبسنا انساننا الجديد، رمينا الانانية والضعف والحسد والكبرياء ولبسنا المساواة والمحبة والعطاء وبالتالي فلم نعد نقدر بعد ايماننا لمسيحنا إلاّ أن نحب والمحبة مشاركة وتبادل انها فعل سواء.
نلتقي معكم على درب الكبار الذين شهدوا للحق وقالوا كلمة سواء فغيبوا لأن نور الحق يعمي والعيون البشرية لا تقدر ان تنظر اليه، القلوب وحدها ترى، ومن لا يملك قلباً لا يرى الحق ومن لا يعرف الحق لا يقدر على المحبة ومن لا يحب لا يمكنه أن يلج قلب الله.
وأن نعرف الحق يعني أن نشهد له بالصلاة كي تكون اللحمة السواء متوالية غير منقطعة بين السماء والأرض، بالصوت العالي لأن الحق لا يعلو عليه صوت، بالفعل التضامني بكل ما يحمل ذلك من معانٍ، مالاً ورجالاً، واذا استحال اغتصاب الحق غضباً فذاك رعدٌ يواكب وميض الحق المرفوض.
ليس جديداً اغتصاب ارض بيت لحم وبيوتها وقتل أطفالها، فهيرودوس يلبس عباءته الملطخة بالدماء كل الصهاينة الآتين خلفه، والمسيح الطفل كبر، وصار يقدر اليوم ان يمسك بيده حجارة.
كل انسان يموت عن غير وجه حق هو مصلوب على صدر الانسانية، وكل انسان يعيش على حساب غيره من غير وجه حق هو وصمة عار على جبهة الانسانية.
واليوم نشهد ساكتاً على الظلم جُرح فراح يدمر العالم انتقاماً لجرحه. ليعِ أن الجرحَ جرحٌ والانسان انسان والارضَ ارضٌ ولا فرق بين انسان وانسان الا بقدر قوة ايمانه وتحسسه بعزة نفسه وكرامة منشئه. ولبنان الشاهد الذي دفع ثمن شهادته للحق تدميراً لبيوته وتهجيراً لأبنائه سيبقى الشاهدَ دوماً لأنه شاهد للحق والحق لا يموت.
الحضارة عبر التاريخ كانت تجسيداً للحق اغتصبها اعداؤها كنتاج للحقد والظلم لكنها استمرت لأنها ضمير الانسانية وروحها.
الحضارة الانسانية حضارةٌ واحدة روحها واحدة بينما حضارات الشعوب ذات خصوصية، أجسادُها مكونةٌ في الزمان والمكان. واذا كانت تعابيرها تراكمية فإن تعابير الحضارة الانسانية إبداعية روحيّة وبقدر ما تتزامن حضارة الشعوب مع الصدفة والاختراع والتفكير والعقل بقدر ما تتزامن الانسانية مع التأمل والصداقة والحب والقلب.
ولأن قدر الشعوب المؤمنة بذاتها وبربها أن تكون النقطة المركزية في الحضارة الانسانية لذا يصبح التلاقي فيما بينها لقاء الحوار والمشاركة لقاء المحبة والمودة0
ونحن كشعوب متوسطية قدّر الله لنا أن تكون شعلة الحضارة الانسانية مزروعة في أرضنا، سهر انساننا على ابقائها متوقدة من خلال رسله وأنبيائه، لذا نحن مدعوون لأن نكون دعاة الانفتاح والحوار بين شعوب الأرض قاطبة، وما اعتراف البابا بلبنان الرسالة إلا صورة مصغرة عن اعتراف بعض الغرب المتنور ببعض الحضارة المنيرة.
أيها الحضور الأباة، حضوركم شهادة سواء لقول كلمة سواء وبحضور الغائب عنا والحاضر في قلوبنا جميعاً نقول: كما ظل ادونيس يظلل شجرة الأمس البعيد، وكما صليب القدس يحضن دون تعب، وكما الحفيد الجريح لا يهرب من الاستشهاد، نحن اليوم رغم الآلام التي قُيضَ لنا أن نحياها نفخر أنك مررت بتاريخنا أيها الامام الغائب فصار بك تاريخ انتظار ليوم قيامة وطن.
وليحيا كل مجاهد من أجل الحق.