مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات"
(كلمات الجلسة الخامسة)
أعتذر لأني سأتحدث باللغة الإنكليزية. لم يتسن لي الوقت الكافي لأحضر ذلك بالعربية, أنا أفهم العربية وأكتبها ولكن لأتكلم العربية أحتاج للمزيد من الوقت لأحضر الكلمة.
أود أن أشكر منظمي هذا المؤتمر لدعوتي إلى هنا ويشرفني أن أشارك في هذا المؤتمر لمركز الإمام موسى الصدر. موضوع كلمتي كما ذكر, يتعلق بمعوقات الحوار الثقافي.
إن عملية العولمة كدفق للمال والسلع في عالم جديد, يدمج ليس فقط الإقتصاد بل التكنولوجيا والإدارة والمجتمع بارتباط متنامٍ لسكان العالم. فالسكان في كل مكان مرتبطون ويصبحون مرتبطين بتأثير الأحداث في أصقاع متعددة من العالم.
بالاضافة إلى المنافع والفرص التي يمكن ان توفرها هذه العملية للجانبين الاقتصادي والرفاه الإنساني - التي, لسوء الحظ تتأثر سلباً بواقع لا يمكن وهو الفارق الكبير بين الفقراء والأغنياء والتوزيع غير المتكافئ للموارد والطاقات والثروات والقدرات والفرص للتنمية – هناك التواصل الثقافي الذي هو النتيجة الابرز لعملية العولمة وتشكل قضية شائكة في العالم اليوم. ولا شك بأن هذا يفتح المجال أمام آفاق جديدة من التبادل والتفاعل الإنسانيين، الامر الذي ببعده العميق عبارة عن عملية أكثر تركيز على العلاقات المتبادلة في مجالات الثقافة والافكار والتطلعات الانسانية والنماذج الحياتية. ولكن حتى هنا, هذا الدفق يرتكز بشكل رئيسي في اتجاه واحد.
فالوقت والمساحات التي تصغر وكذلك الحدود التي تختفي كنتيجة للعلاقات الاقتصادية التي تتسع، أصبحت تترافق مع دعوة إلى وضع "معايير اجتماعية قصوى" و"قيم مشتركة" وبنى جديدة للسياسة ولإتخاذ القرار كما توصفها متطلبات التطور الاقتصادي "الفعال" و"التنافسي".
هذا الوجه للوضع الجديد مرتكز على الافتراضات الفكرية والأخلاقية والسياسية البارزة وقد تضع التنوع الثقافي في خطر وتعرض الناس من ثقافات مختلفة لتهديدات لأمنهم البشري ويؤدي إلى تعطيل مؤذ لطريقة تفكيرهم وشعورهم وممارساتهم لحياتهم اليومية. عما يجعل الناس يخشون تضييع هويتهم الثقافية على عجلة وبدون رغبتهم للدخول في عملية اندماج واستيعاب. وقد ينتج عن ذلك نزاعات كبيرة وحادة إما بمواجهات أو خصومات في العلاقات الثقافية تفرضها عليهم جهة مجهولة تماماً لهم، لا شكل ولا سلوك محددين لها وبالامرى عبارة عن "لوياثان". أو ما بين الثقافات أو عملية استقطاب وتهميش مما يؤدي إلى استسلام او ما يسمى بأزمة الهوية. محاولة ادراك النتائج المرجحة لهذه العملية أصبحت اكثر من حشرية نظرية أو للمعرفة فقط. بل صارت ضرورة حيوية في وقتنا هذا, وشرط اساسي للتعايش البشري في عالم العولمة. إن إنكار هذا الواقع، عن قصد أو عن غير قصد، يشكل اختيار البديل الآخر ولا سيما المواجهة او التصادم بين الحضارات حساسية ووعي العلاقات الثقافية المتبادلة كما رأينا، هل خلقت عمليات زيادة الاتصالات الثقافية وتواصل الافكار وتدفقها بيئة تسخ لحدوث تصادم ثقافي وازمة هوية؟ ومع ذلك هل الاتصال الثقافي فقط هو سبب هذه النتائج السلبية. ان الاتصال الثقافي وتبادل الافكار كانتا دائماً عمليتان متواصلتان في التاريخ البشري وكما أن الفوارق و الاختلافات في طريق التفكير والثقافاتت ورسائل التقييم ليس بالحدث الجديد. ولكن ما هو الشيء الذي يجعل التواصل الحاضر للثقافات حساساً ومدركا بحيث نخاف ان يخلق تصادمات واستسلامات ونتائج غير متوقعة؟
نحتاج إلى أن نتذكر بأن الاتصال الثقافي الجديد لا يتم في فراغ نظري. بل يجري في اطار أحداث تاريخية للقرون الماضية واختبرتها الناس والأمم بشكل مختلف عن بعضها البعض. هل من غير الواقعي او المفاجيء، عندما نشاهد امما وثقافات لها خبرة تاريخية مع الاستعمار المباشر أو غير المباشر والتدخل الامبريالي في شؤونها تظهر عدم ثقتها و تشكيكها بالاهداف المطروحة والافكار المعروضة من قبل واضعي النظريات في النظام العالمي الجديد في العالم؟ خاصة عندما يسمعون عن آمال تأسيس بنى جديدة واطلاق عمليات لسياسة عالمية جديدة وطرق اتخاذ قرار جديدة، والتي لا تلزم الحكومات فقط بل أيضا للشركات والمجتمعات الأهلية والأفراد. أو يسمعون نداء من أجل إدارة عالمية من شأنها أن تنظم على كل السياسات أو القرارات بصورة واقعية وتشرف عليها بأفضل السبل للاستمرار في التنمية الاقتصادية وفي الاستقرار.
هل ان هذه المقاربة بين الكلفة والمنفعة للاهتمامات البشرية التي تهدف إلى تعزيز السياسات وتعزيز الأنشطة المتعلقة بالتنمية البشرية وتكييفها مع الوقائع الجديدة, تؤدي اذن إلى انعاش مشاعر ثقة واحساس بالامن بشري؟ وهل ان احتمال زيادة الاستقطاب التهميش هو مجرد وهم غير منطقي، نوع من المرض الاجتماعي النفسي الذي يجب ان يتوقف ويتجاوز؟ هل يمكن لهذا النوع من محاولة الاستيعاب و الادماج يبني قاعدة محتملة لعلاقات ثقافية؟ أليست هذه المقاربة بمثابة عائق بحد ذاتها تعترض اي نوع من التبادل والتعاون الثقافي وتؤدي إلى حساسيات في هذه العلاقات؟
"آخرية" الاخر سبب هام في هذه الحساسية هو جهل الاختلافات بين الثقافات الحضارات, التي تتأصل جذورها في خلفيات التقاليد والتاريخ وان نكران هذا الواقع البديهي والحاجة الى الاعتراف والاعتبار للاخرين كمختلفين هي من الاسباب الرئيسية المؤدية وما يتبع ذلك لسوء الفهم أحيانا من نتائج غير سارة.
سذاجة التفكير فيما يتعلق باقتراحي انه يجب على الاخرين ان يروا الاشياء بمنظارنا، وان اختلفهم عنا هو عبارة عن لؤم أو حتى مؤامرة، ما هو تعصب تميز منطقي ولكنه للاسف ........ التعصب والانحياز نوعا من الشرعية أو حتى القدسية بالاخص عندما يشترك في حملها عدد كبير من افراد ثقافة واحدة والذي يطلق عليهم "النمط الثابت".
التفاني عن ضرورة التحليل العميق لانحيازاتنا والإعتراف بها كأحكام مسبقة فعلا, أي عن انها أحكام لأمور لم يتم إثبات حقيقتها وصحتها بعد، قد يحول كل فرصة للتقاراب إلى فرض للتباعد والتشكيك، كما يخلق ذلك مشاعر للخوف والتهديد وحتى الأذى، وبالتالي يجب علينا أن نجد طرقا جديدة للقيام بعلاقات ثقافية متبادلة ولالغاء تلك الظروف.
إن وسيلة التواصل التي تعنى محاولة تفهم الآخر والاقتراب من نقطة التقاء فكري وعقائدي وتعاوني معه هي الحوار.
الحوار الثقافي وسيلة لتجنب الصدام الانساني:
فان هدف الحوار بين الثقافات هو البحث عن اتفاق واجماع محتمل أو حتى على الاقل تطابق جزئي بين مختلف اشكال التفكير. وذلك رغم الإختلافات الواقعية بين الثقافات. وبالتالي يجب اولا محاولة فهم الثقافات والتقاليد الأخرى في اطار نظرتهم الخاصة فيما يتعلق بالطبيعة والوجود البشري واستيعاب تقييماتهم للظواهر الطبيعية والفردية والاجتماعية البشرية.
التساوي المساواة او الحقوق المتساوية:
نحتاج إلى وعي اكبر لادراك تنوع الثقافات. فعلينا أن نقر بأن التقييمات في ثقافة ما هي الا للناس الذين يعيشون فيها وليست مساوية لتقييمات الاخرين. وبالتالي، نحن بحاجة للتميز بين أن "نكون متساوين"، أو أن "نكون متكافئين" أو أن "نكون متساوي الحقوق".
هذا ورغم كل المحاولات لايجاد نقاط مشتركة وجامعة في سبل مختلفة للتفكير فإن أي نوع من تقريبهم لبعضهم البعض بشكل يختصرهم لمعتقد عام، فلس هناك اي منهج مقارنة يسمح لنا بهذا الاختصار. يجب علينا قبول التنوع في التقكير والمعتقدات كحقيقة واقعية.
لا يمكننا أن نتوقع أيضا أن يقيم الأشخاص المختلفين من ثقافات مختلفة الأمور بالطريقة نفسها, فهم يرون ويقيمون الامور من خلال ....... مقارنة. ومن خلال أنظمتهم التنسيقية الخاصة بمعتقداتهم ومشاعرهم، ويحددون موقعهم وعلاقاتهم بشكل فريد ومختلف ويجرون تقييماتهم بعيدا عن كونهم متكافئين مع الاخرين.
وعلينا أن نتوقع من بعضنا البعض في حوار ثقافي ليس المساواة أو التساوي والتكافؤ بل الاحترام المتبادل بين مشاركين متساوين اي التساوي في الحقوق والتسامح.
الحوار الثقافي اشمل من موقف "تسامحي":
بالنسبة لكلمة تسامح وهي كلمة Tolerance بالإنكليزية، (تأتي من كلمة Tolerare باللاتينية وتعني تحمل شيء أو شخص ما) تشير إلى ان تقبل الآخرين في حوار هو شرط أولي لإمكانيتها وفعاليتها ومع ذلك، فإن الحوار الثقافي يمكن أن يكون أكثر من مجرد استعداد للحوار. بل بامكانه خلق ظروف تسمح للثقافات المختلفة ان تتفاعل وتميز تنوع تفكيرها، وتعي هذا التميز. ليس كعائق، بل كمصدر لنظرة جديدة التي من شأنها أن تثري نقاشاتنا وتسمح لنا برؤية جوانب اكثر لهذه الظاهرة.
انطلاقا من هذه النقطة, فان اختلافاتنا ليست أمورا ينبغي أن نعلقها بل ينبغي أن نعتبرها نتائج قيمة لأشكال تفكير أخرى تساعدنا على استيعاب أكبر من خلال مقاربات متعددة ومتنوعة. ونظرا للعلاقة المتزايدة بين الثقافات علينا أن نكسر من حدود المرتكزة على الأنا او على العرق.
الحوار وأزمة الهوية:
احد النتائج الواقعية الفعلية، وليس فقط المحتملة، للعلاقة غير المتوازنة بين الثقافات هي ما يسمى "أزمة الهوية". فبالرغم من الإستعمال المتضخم في الوقت الحاضر المصطلح، فانه مع ذلك يكتنفه الغموض الذي يجب أن يوضح كيف يمكن ان يكون لدينا فكرة عامة لهذه الظاهرة في العلاقات الانسانية المتبادلة؟ سنحاول فيما يلي أن نعطي تحديدا ممكنا لكلمتي هوية وأزمة.
"الهوية" توصف بأنها الإطار أو الأفق الذي ضمن نطاقة نستطيع أن نتخذ موقفا حول ما هو جيد, خير, قيم, مفيد، مهم، وما يجب أن نفعله أو لا نفعله, ما نعارضه أو ما نعتمده. انه مصدر توجهنا خلال مسيرة الحياة والذي يجعلنا نشعر باننا منتمون إلى إلتزام جماعي أو ديني أو روحي أو اخلاقي أو انتماء لامة أو إلى تقليد (الهوية الاجتماعية أو الثقافية) وكأفراد فريدين واشخاص مستمرين (الهوية الذاتية), انه مقصد سؤالنا العفوي: "من أنا؟" فإن كل توكيد في الإجابة على هذا السؤال الحيوي يشير إلى شكل من اشكال الوعي الذاتي وكذلك إلى الصورة الذاتية بكل غناها وتعقيداتها.
انها نقطة الإنطلاق لمختلفا أوجه وجودنا ككائنات بشرية وتحدد اطار ما نسيمه "ذاتنا" مقابل "الآخرين". إن فكرة "الذات" لدينا تحدد علاقاتنا التقنية والعملية والمعنوية والاخلاقية والجمالية مع عالمنا وترتبهم بشكل منطقي.
فان من شأن الترابط بين هذه العلاقات ان يؤدي إلى انسجام في مجال الهوية الانسانية. أما بالنسبة لكلمة "أزمة". فتأتي من اليونانية (Krinein) أي الفصل والتمييز وكذلك الإخفاء، ولها جذور في الطب اليوناني القديم خاصة بالنسبة للنظرية الطبية العائدة إلى أبوقراط وهي أوبئة في محيط ما ذات خصائص متجانسة أو عينية. على الطبيب أن يعرف كيف يشخص حالة المريض كعارض ذات حالات معينة ضمن توازن هذه التجانسات. وعلى ضوء ما تقدم, يصف الدواء. يتخذ المرض بحد ذاته مراحل عديدة. الأزمة, وهي مرحلة حيث تنضج السوائل المسببة للمرض (Pepsi V) وتفصل نفسها عن السوائل الصحيحة والذي يؤدي إلى إفراز (Apostasi V) ولذا تتدهور الصحة أو تسوء حالة العضو أو تؤدي إلى الوفاة. العملية الطبية هذه من الأهمية للطبيب بحيث أن نفسر هذه العوارض بصورة جيدة ليس فقط لتشخيصاته وتصوراته ولعملية المرض ولكن أيضا لتدخلاته في إمكانيات العلاج أو العلاجات الطبية.
ما يمكن أن يقصد الآن بالتشبيه وهو أزمة الهوية بالعودة إلى شرط العلاقة المتماسكة بين الكائن البشري و عالمه, يمكننا أن نقوم بمقارنة بين الذات وبين وضع الجسد السليم صحيا في الطب اليوناني مما يشير إلى وظيفة سليمة للسوائل الجسدية. ويمكن أن يكون هذا النوع نوعا من الأزمة في المرض وفي وضع المريض الجسدي.
إن وضع هذه العوامل التي تؤدي إلى المرض ربما قد توفر لنا سبيلا للتوصل لهذا الوضع ومحاولة إيجاد علاقة إلى العالم.
ولكن, كلمة أزمة ........ نفسرها في اطار اليوناني القديم قد تؤدي إلى خطأ بحيث نرى كل اشكال الانحرافات في التقديرات النظرية والعملية كنوع من الاضطراب الفردي او الاجتماعي او حتى كمرض فمن اجل تقرير بان الجسم يمر بأزمة نحتاج إلى نظرة مثالية تعتبر ان الجسم في حالة طبيعية وبالتالي كل انحراف له بما فيه الازمة يمكن تقديره كمرض يجب علاجه.
هل يمكن الآن أن نقوم بمقارنة كل انحراف في علاقة الانسان مع عالمه؟ هل لدينا وضع مثالي كمعيار يمكننا أن نرى الإنحراف وفقا له كاضطراب كمال المرض في الجسم؟ علينا أن نقوم بفصل واضح بين الإنحراف في العلاقة بين شخص أو مجموعة إجتماعية والعالم بالنسبة إلى معايير الاعتيادية وبين الإضطراب في هذه العلاقات التي تظهر في عدم تماسكها و عدم انسجامها.
إن عوارض أزمة الهوية هي الفقدان البارز للتوجه والريبة القوية عندما يتطلب الامر اتخاذ موقف ما، بالاضافة إلى نقص الأفق أو الإطار للقيام بذلك، وليس افتلافات الأطر والأفق مع الآخرين وليس كون الشخص الاخر غريب عنا وغير مألوف.
فإن الشخص الذي تظهر عليه عوارض انعدام التوجه والريبة والتردد عند اتخاذ مواقف تتعلق بامور نظرية عملية وجالية، يعاني من أزمة هوية. الامر نفسه ينطبق على المجموعة إجتماعية أو ثقافة. ولكن ذلك لا يعني أبدا أن الأفراد والمجموعات والثقافات التي ........ مسالك مختلفة بالتفكير والمعتقدات والشعور تعتبر غير طبيعية أو تعاني من مرض ما، لأن المعيار نفسه هو المعني هنا.
الحوار والهيمنة
إن المخاوف المتزايدة في عملية الإتصال الثقافي الجديد وظاهرة أزمة الهوية ليست ناجمة بشكل رئيسي عن هذه العملية بحد ذاتها أو عن أبعادها الكبيرة, التي مع ذلك قد تؤدي إلى اوضاع غير مستقرة. ولكنها ناجمة عن محاولات الهيمنية التي يشعر بها المشاركين غير المتكافئين ويمكن أن تؤدي إلى خلل في توازن التقييم, وبالتالي فإن المشكلة تكمن هنا في عدم التكافؤ للسلطة والقوة والخوف من أن يكون لدينا صوت ضعيف يعجز عن تمثيل موقفنا بصورة فعالة.
إن كل حوار ثقافي يهدف إلى تجنب سوء التفاهم والغاء المخاوف والتوصل إلى علاقات ثقافية أقرب ينبغي أن يستبعد أولا كل محاولات الهيمنة هذه للمشاركين.