قوة المنطق والحوار

calendar icon 09 تشرين الثاني 2001 الكاتب:غازي العريضي

(مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السادس: "حوار الحضارات")
(كلمات الجلسة السادسة)

أيّها الأخوة، اسمحوا لي أولاً أن أتوجه بالتحية إلى منظمي مؤتمر "الكلمة السواء"، إلى مؤسسات الإمام الصدر، الرجل الذي كان يحتكم إلى العقل والمنطق والحوار، وكان ذلك يشكل له قوة كبيرة، فآثر أن يغلب دائماً وأن يدعو الجميع إلى تغليب قوة المنطق على منطق القوة. وما أحوجنا في هذه الأيام إلى تعميم هذا المنطق على أساس الحوار الهادئ الحكيم العاقل البنّاء، بين من يتبوأ مراكز مهمة في دوائر القرار، التي قد يخرج منها ما يهز العالم ويعمم الفوضى الشاملة الكاملة معنى لذلك من انعكاسات اجتماعية وسياسية وإنسانية واقتصادية أو أن ينتج الموقف الحكيم السلمي الذي يتدارك كل هذه الانعكاسات من أجل مصلحة البشرية كلها. تعقد الندوة تحت عنوان حوار الحضارات، وهناك من يحاول خوض حرب عالمية تحت عنوان صدام الحضارات وهذا سيؤدي إلى انفجار شامل.

أود أن أشير إلى نقطتين وأترك المجال لكم ولنا جميعاً للاستفادة مما سيقوله المحاضرون :

النقطة الأولى: إن من أطلق شعار صدام الحضارات "صموئيل هانتنغتن"، مع بدايات تكون ما سمي بالنظام الدولي الجديد القائم على أساس تفرد وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية قال منذ أيام في حديث إلى إحدى المجلات الفرنسية، هانتنغتن نفسه: "لقد آن الأوان لحوار حضارات". غريبة هي المفارقة، الذين يمسكون بزمام الأمور والصهيونية العالمية وإسرائيل يحاولون زج العالم في صراع حضارات، ومن أطلق هذه النظرية يدعو اليوم إلى حوار الحضارات، مع العلم أنه منذ سنوات عقد مؤتمر في قبرص لمناقشة العلاقات تحت عنوان "الاسلام السياسي والغرب"، حضر "هانتنغتن" وحضر عدد كبير من المؤرخين والمفكرين والفلاسفة من إيران إلى مختلف دول الشرق الأوسط وحضر أميركيون. يومها عندما أصر هانتنغتن على نظريته هذه خاطبه أحد أكبر مسؤولي المخابرات المركزية الأميركية بالقول، وهذا كلام مسجل وموثق: "ليست المشكلة مشكلة بين الحضارات"، هذا الكلام لأحد أكبر المسؤولين الأميركيين في مواجهة هانتنغتن، إن ثمة طموحات للسيطرة على العالم وعلى الثروات وعلى النفظ، وقدم أطروحة متكاملة في هذا المجال.

لذلك لا بد من وقفة والتفكير إلى أين، إذا استمر هذا الوضع الدولي كما هو الآن؟ عندما ندعو إلى حوار بين الحضارات والثقافات نحن طبعاً لا يمكن أن نوافق على أي شكل من أشكال الإرهاب، في أي موقع من أي جهة أتى، لكن للإرهاب أيضاً مفاهيم، وللإرهاب تفسير، يريدون جر العالم إلى مواجهة شاملة، حتى الآن ضد مجهول، بالمعنى الحقيقي للكلمة وفي العمق، في وقت يحاولون منعنا من مواجهة الإرهاب الذي يقف أمام أبواب بيوتنا، بل سعى ويسعى إلى اقتلاعنا من جذورنا، إلى قتل أطفالنا، إلى تهجيرهم، إلى ارتكاب المذابح والمجازر وإلى تكريس الاحتلال والاغتصاب. على بعد آلاف الكيلومترات يحشدون الجيوش تحت عنوان مواجهة الإرهاب، ويحاولون منعنا من مواجهة الإرهاب أمام أبواب منازلنا وعلى أرضنا.

هذا أمر لا يمكن أن نوافق عليه، يهولون، يحاولون اخافتنا وتهديدنا وممارسة الضغوطات علينا. نحن لا نتعامل مع الأمور بخفة، بالعكس، نأخذ هذه المسائل بأعلى مستويات الجدية والإدراك، ونتحسب دائماً لأسوأ الاحتمالات، لكن ذلك لا يعني أن ثمة قلقاً وهلعاً وخوفاً وانهياراًَ نفسياً أو معنوياً في أوساطنا، لا، ليست المرة الأولى التي يحاولون فيها ممارسة الضغوطات. نحن أقوياء بإرادتنا وبحقنا، لم نعتد على أحد ولا نريد الاعتداء على أحد، ولكن في الوقت ذاته نحن نصر على حقوقنا، كنا ولا نزال ندعو إلى حوار بين الدول تحت مظلة الشرعية الدولية التي هي الأمم المتحدة التي افتقدت الكثير من دورها، بل من مبررات وجودها وقيام هذا الدور، ومع ذلك ندعو إلى الاستفادة من الفرصة المتاحة الآن أمامنا جميعاً على مستوى العالم.

النقطة الثانية: وانطلاقاً مما ذكرت مسألة محصورة في لبنان. الدعوة من مؤسسات الإمام الصدر، وهو رجل الانفتاح والحوار. لبنان هذا الوطن الصغير الذي تمزق وتفكك وعاش كل أشكال الحروب، وراهن كثيرون أنه سقط وانتهى، في ظل هذه التهديدات والضغوطات والضخ الإعلامي الخطير الذي تمارسه إسرائيل ويستهدف لبنان وأمنه واستقراره وأبناءه ومستقبله. ها هو لبنان بكل مرجعياته، المرجعيات الروحية، المرجعيات الدينية وبكل فئاته من كل المذاهب والمواقع والمناطق وعلى مستوى كل القوى السياسية، يقف موقفاً واحداً. وهذا يؤكد أهمية الرسالة التي تميز هذا الوطن والتي تتجسد أمامنا واقعاً الآن، ولسنا لنقول كلاماً عاطفياً أو كلاماً انفعالياً على الإطلاق، هذه الروحية التي عبر عنها اللبنانيون كفيلة فعلاً بترسيخ وحدتنا وتحصين مناعتنا بتمكيننا من تجاوز المحن ومن تجاوز الصعاب. فتحت هذا الشعار وتحت لواء مؤسسات الإمام الصدر واستذكاراً لذلك الرجل الكبير الذي لعب دوراً مهماً في تطوير حياتنا السياسية وبث روح الوعي في أوساط أجيالنا في مختلف المواقع والمناطق بدأت هذه الندوة وتختتم، وبين البداية والنهاية موقف واحد وكلمة واحدة هي كلمة سواء، فشكراً لكم وشكراً لمن ساهم بإنجاح هذه الندوة.

source