البعد العالمي في ثقافة الإمام الصدر

calendar icon 11 تشرين الثاني 1999 الكاتب:جورج خضر

مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الرابع: "الهوية الثقافية"
(كلمات الجلسة الثانية)


اول ما لفتني في الإمام على الصعيد الخطابي وكان يحاضر في جماعة كثيرها مسيحي انه كان يخاطب الإنسان ولا اذكر انه استشهد بآية قرآنية آنذاك ولم اكن قد سمعت او قرأت شيئا من هذا عند علماء المسلمين. قلت لنفسي: انا في حضرة إمام قادر ان يجلس على آرائك الانسانية ولا ينحصر في مسجد. ثم سمعته مرة يقول : ما أقوله في المسجد استطيع ترداده في كل مكان. اي انه كان واعيا لوحدة الكلام البشري بسبب من وحدة الناطق وصدقه وقادر ايضا ان يدير لعبة البلاغة التي تدخل اي حيز بلا خيانة.

انسان واثق بنفسه لإيمانه بالله الذي يعرف انه حامل رسالته يواجه بلا تشنج ولا استعلاء. يحمل هذه الرسالة بدقة كاملة، بإخلاص شديد. الا تخشى على الرسالة لايمانك بقوتها وانها ليست بحاجة الى من يحميها هذا لعمري نادر في الاوساط الدينية. في حسباني ان السيد موسى الصدر يأتي من الإسلام فقط، من إسلام سمح، لا يأتي من لاهوت اديان مقارنة. انه يسبح فقط في النهر الإسلامي الكبير ولكن النهر هادئ مثل النيل كما نراه يخترق القاهرة. انه مبسوط على الإسلام ولكنه يريد ان يحاور به في العالم كما هو وفي لبنان كما يتمناه ان يكون. هو يبقى في عالمية الإسلام وحضارته وعلم الكلام فيه وفقهه وفنه وحضارته بعامة. وضمن وفائه لهذا التراث يتقبل من الدنيا الواسعة ما يمكّنه ان يبث الدعوة بقوة ويصبح داعية في العصر. يبقى ضمن الحوزة بذكائها وذكاء روافد اخرى دون ان يترك ذرة واحدة مما قلد.

ما يحد هذه المداخلة ان الإمام كان مُقِلاً نسبيا وانك يجب ان تلتقط فكره من محاضرات وخطب وان تستدل منها على البعد العالمي في ثقافته إضافة الى ما تعرفه من السيرة وما فيه عن علومه غير الحوزوية بين ايديكم. الأثر الوحيد الذي اعرفه خارج النزر القليل الذي نشر من كلامه في لبنان هو كتابه "المذهب الاقتصادي في الإسلام" الذي وضعه قبل اربعين سنة بالفارسية ولم يظهر في العربية الا السنة الماضية· لذلك لم يبق علي الا ان اتتبع الطابع العالمي في ثقافته من خلال الأحاديث والمواعظ والمحاضرات.

اذا لازمت قليلا كتاب "المذهب الاقتصادي في الإسلام" ألحظ ثقافة الإمام في الاقتصاد السياسي واطلاعه على مذاهبه في الغرب وسعيه الى تصحيحها بالإسلام كإيديولوجية· واللفظة ليست منكرة في الإسلام الذي فيه كلام على الدنيا ولله احكام فيها. بشرية الإسلام اذا صح التعبير هي من لاهوتيته. ولذلك كان الإسلام عالما كليا وبسبب من هذا يواجه الغرب من حيث هو ايضا عالم كلي، الأمر الذي يحتمل تعارضا يذهب احيانا حتى الخصومة ولكنه يذهب ايضا حتى التقاطع. هذه المواجهة تفترض عند المسلمين قراءة للوجود كله ونقد هذا الوجود.

يعرف الإمام النظرية الماركسية ويطرح بعضا من أصولها بناء على كتاب رأس المال لماركس ويبحث في تنامي الثروة وتوزيعها ويبحث في المنهجية الماركسية وفي القيمة الفائضة والتجارة حتى يصل الى اسس منهج الإسلام في توزيع الثروة حتى يطرق باب تحريم الربا ثم يقدم ثلاثة عناصر هي العمل ورأس المال والآلة. وخلاصة موقفه ان في الإسلام احكاما اقتصادية مثل الميراث وكيفية الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة، كيفية الغنائم والأرباح، كيفية الإقطاع، كيفية ملكية الأرض.

لقد ادرك الإمام العلاقة بين الجدلية المادية والجدلية التاريخية حتى أعطى الرأي الإسلامي في التطور التاريخي وهنا يوضح لنا اننا نقصد بالفلسفة الإسلامية فلسفة المسلمين. والفلسفة الإسلامية عنده انتقائية. اظن ان الجديد في ما قاله الإمام في الاقتصاد انه لا يدعي وجود اقتصاد اسلامي بل مجرد مذهب او منحى بحثي، الأمر الذي يفرقه عن كثرة من المعاصرين الذين يركزون على استيعابية القرآن لكل الوجود او استقطابية القرآن للموجود. هذه الحرية عند الإمام لم تكن ممكنة لو انحصر في علوم الشريعة. عالميته هنا ناتجة من تنوع مصادره.

ولولا هذا البعد العالمي والتحسس الانساني لاستحال عليه ان يجذب الى نفسه وطروحاته اولئك المسيحيين الصامدين في مسيحيتهم. انا لست اقول ان عند الإمام مضمونا مسيحيا ولو قليلا على مستوى العقيدة ولكن رقة المسيح كانت مبثوثة في ما قال والطريقة التي قال فيها ما قال. اذكر انه كلمني مرة عن السهروردي واذكر انه كان يستعمل كلمة العرفان وكلمة الإشراق. هذه مفردات كانت تروقنا ونحس انها تخرجنا من عبودية الظاهر هنا وهناك. وهذا كله يدنينا من ممارسة روحانية تجمع بيننا يوم لا تجمع بيننا النصوص.

في اهمية هذا كله ان الإمام في ما بين يديّ من نصوصه ليس عنده أثر لعداء ولا أثر لسجال ويشرح الإسلام في ما يقوله الإسلام عن نفسه لا في ما يقوله عن غيره ولو أُمر بأن يجادل بالتي هي احسن الا انه لا يجادل. في هذا السياق أذكر انه كان يحاضر عن الإسلام في كلية بيروت للبنات في قلب الصيف في مطالع السبعينات نخبة من المتخرجات المسنات. وذلك في إطار محاضرات نظمتها سلوى نصار عن لبنان وذكر ان في المسيحية ثنائية الخير والشر بدليل ان إنجيل يوحنا يسمي إبليس رئيس هذا العالم. لم اشأ ان اناقشه امام الحفل. فلما انفردت به قلت: العبارة كانت تطلق على إبليس قبل سقوطه من حيث تولي الملائكة الأكوان. ومهما يكن من أمر فالعالم في الإنجيل الرابع يعني عالم الخطيئة ما ينفي الثنائية الميتافيزيائية على طريقة الزردشتية او المانوية. فأخذ من تحت جبته قلما من ذهب وشطب به الجملة. أذهلني تواضعه وادركت انه يخضع للحقيقة كما تتجلى له. فالانسانية عنده تعيش بوجود واحد. قالها في محاضرة في الندوة اللبنانية السنة الـ 1964 فيما طلب اليه التعريف بالشيعة فرأى ميزات الشعوب والتراث الخاص والتجارب لكل شعب ورأى الوحدة· كان يقول بوحدة الأمة الإسلامية ما في ذلك ريب. ما من شك ايضا ان الإسلام يقول بالتعددية ويشرِّع على طريقته وجودات دينية مختلفة ولكن الفكر الذي تعرفه هو ان كنت غيرَ مسلم فأنت تعيش في ظل الحكم الإسلامي. الطريف عند الإمام بالنسبة اليّ قوله ان "الرسالات الإلهية ذات اطوار ثلاثة تبدأ برسالة الضمير الانساني، تليها رسالة الأنبياء" (ابجدية الحوار، ص 53). الجديد في هذا جعله الضمير رسالة إلهية واعتباره رسول الله الباطن. نجد هذا عند بولس في رسالته الى الرومانيين اي نجد انسانية واحدة سابقة للرسالات ومرافقة لها. هل يجعل هذا الأمر الناس يحكمون معا؟

كائنا ما كان دور المسلمين في الحكم خارجا عن لبنان فالإمام يصر على الحرية. ان غيابها يقول الذي نذكره اليوم بخشوع "يجعل الفرد يخضع للحجم الذي يقدمه الغاصب للحرية، يقدمه للإنسان فيتقزم الفرد ثم تتقزم الجماعة" (ابجدية الحوار ص 171). ولا تبقى الحرية عنده مجرد نداء مبدئي اذ يسمي السيد موسى اعداءها: الاستبداد، الاستعمار، الإقطاع، الإرهاب الفكري. ادعاء الوصاية على الناس، سياسة الإهمال لإبعاد الفرص من الناس.

ومن ضمن الحرية يدعو الى عدم التعرض للأقليات الأمر الذي يجعلها في حالة الدفاع عن النفس.

الوقت القصير الذي قضاه الإمام بيننا لم يسنح له في الفرصة ليسكب هذا الفكر في انظومة من الفلسفة السياسية. توثب والمتوثبون اشباه انبياء والأنبياء ليس عندهم انظومة تنسق فيها عناصر فكرهم بنيانا مرصوصا. ولكن حسبنا البذار وان نشيد نحن البناية· كيف نترجم الحرية في وضعنا السياسي الحاضر؟ كيف تطمئن الأقليات الى حريتها الكاملة هذا تأمل للمستقبلات.

غير ان الحديث المباشر الواسع عن ثقافة الإمام الصدر يتطلب من الباحث ان يقف عما قرأ السيد في الجامعة وبعدها باللغة الفرنسية التي عرفها في شبابه· ولكن لقصوري عن معرفة ذلك حسبي ما وضعه في العربية. شعوري الاول ان الإمام في ما تصدى له من الشأن الاجتماعي انما فعله بعقل من كان مطلعا على منهج العلوم الاجتماعية في دراسة احوال الشيعة. وقام هذا المنهج في ما قام عليه على الإحصاء. هذا الانتقال من الهاجس الخيري الفردي الى الهاجس المؤسسي على صعيد الطائفة الشيعية كان إطلاقا لهذه الطائفة على مستوى البحث الاجتماعي والتطبيق الاجتماعي. ولعل الكثير من الجدة كان في الربط العضوي بين الدعوة الدينية وخدمة الفقراء ربطا نظريا وعمليا بحيث يصير التدين روحا لهذا العمل الاجتماعي، اذ ذاك، يصبح جانبا من الرعاية الروحية. واذا أضفنا الى هذا كله الدعوة الى تدريب ابناء الجنوب وتسليحهم منذ السنة الـ 1969 ليكونوا "نواة للمقاومة الوطنية لليوم العصيب" نجد أنظومة كاملة تبدأ بالإيمان وتعبر القضية الاجتماعية لتتجسد في رد العدو. نحن هنا امام رؤية متكاملة تنطلق من العقيدة في إطار التشيع الى رحاب الجهاد الوطني والقومي. نحن اذاً مع تعبئة انسانية من المبتدأ الى المنتهى. وهذا في انفتاح على كل دين قائم في لبنان وعلى انسانه وكل ناسه في محبة واحدة والسيد لا يبغي من هذا نفوذا وفق ما قاله الإمام علي: "ليس الزهد ان لا تملك شيئا بل الزهد ان لا يملكك شيء".

البعد الانساني في ثقافة الإمام يبدو اكثر وضوحا اذا تعرض لأمر حضاري. فاذا تحدث في مؤتمر صحافي في بون السنة الـ 1970عن الشعب الألماني ومزاياه ووصفه بأنه "بلغ قمة الحضارة الحديثة كما وكيفا" يدعو الى التكامل بينه وبين الشرق العربي حتى يقول: "اننا نؤمن ان في هذا التفاعل تحقيقا للغاية من الخلق". امامنا عالم دين مسلم لا يعقده الغرب بل يرى الانفتاح عليه وعند ذكر لبنان في هذا المؤتمر يقول انه : "ضرورة ثقافة يسهل عليه ان يكون لسانا وسمعا للاستماع والمخاطبة بين الشرق والغرب وبين القارات". وهذا بعد ان رأى لبنان "ضرورة حضارية لخلق الحوار بين اعضاء الجسد الانساني الكبير". تموضع لبنان عند موسى الصدر في البشرية المثقفة وتموضعنا جميعا في لبنان بهذا التعبير قبل ثلاثين سنة من اليوم لأمر لافت.

وما كان اشد ألقا قوله في بون ايضا: "وقد وجد في لبنان نظام فريد، ومجتمع متنوع الطوائف، منفتح على العالم، يمكن اعتباره ضرورة دينية تثبت امكانية تعايش الأديان والمذاهب بعضها مع بعض في مجتمع واحد، وفي نفس الوقت ضرورة حضارية حيث ان العلاقات الدينية بين الطوائف المختلفة وبين ابناء مذاهبهم في الخارج، تجعل الطوائف نوافذ حضارية على جميع العالم". هذا يعني دعم انفتاح المسيحيين كاملا على العالم المسيحي والإفادة من هذه العلاقات مع استمرار الانفتاح على دنيا العرب لجعل لبنان "مكانا للتلاقي وصلة للتفاهم". كلام يستدل منه ان الإمام لم يكن يرى الاتصال الوثيق بالفكر الاوربي هجينا ويعني انه قبل الرؤية لغنى الروافد الثقافية المكونة لهذا البلد.

ومن الواضح انه اذا تحدث عن الأديان في لبنان  لم يكن يعطي من طرف اللسان حلاوة. هو كان يرى ليس فقط الى الأديان من حيث هي عقائد مجردة ولكنه كان يرى وجوها الى ربها ناظرة وهي في هذه الدنيا وهذا في أدبه وليس فقط في معشره اذكر من هذه الوجوه التي كان يحبها ذلك الرجل الفائق البهاء الأب يواكيم مبارك. ويرى اعياد المسيحية والإسلام متلاقية في القلوب وليس فقط في الزمان. يصل في حديثه عن ميلاد المسيح حتى التأكيد: "كلمة الله تتجسد وتجسد في ولادتها الرفض". غير مرة في خطابه ذكر السيد المسيح يقول لبائعي الحمام والصيارفة في الهيكل: "ان بيت ابي بيت صلاة وجعلتموه مغارة للصوص". لم يكن الإمام ليحس بهوة بين الكلمة والفعل. كل تحرك إيماني يترجم عنده في ازمنة الناس. لا يولد عنده التاريخ فقط من الكلمة· ذلك ان حركة التاريخ -وقالها- تكون نتيجة تفاعل الانسان مع العالم، وتجري دائما نحو الكمال". على قدر فهمي لهذه القولة يرى الإمام التاريخ متصاعدا الى الأسمى الى نقطة الياء كما يقول تيار ده شاردان الذي كان فكره مؤثرا آنذاك في الاوساط الثقافية التي كان السيد يعاشرها.

طبعا هذه المواكبة للتاريخ طرحت عليه مسألة اليمين واليسار. سألته صحيفة "القبس" الكويتية لماذا له رأي بالغ القسوة في اليسار اللبناني أجاب "لست قاسيا ضد اليسار، بل ان اليسار اذا وصفناه بقوى التغيير فانني اعتبر نفسي احد أركانه". جواب كهذا متصل بالتفاعلات التي كان يعيشها السيد في ساحة النضال اللبناني. ما من شك انه رفض العلمنة مع دعوته لإلغاء الطائفية السياسية. مر بهذا لماما ولم يوضح الأسباب او يفصل.

لن احدثكم عن كل ما قاله في الحرب والقضية الفلسطينية ولبنان. ان مواقفه لشهيرة ولكن قراءتي لكل هذه الأدبيات، لأدبياته، بينت لي انه لم يكن عنده تناقض بين العام والخاص وهذا ما يضعه في الأفق العالمي وفي البلد معا. كيف قدر ان يتجند للشيعة والجنوب ولبنان والقدس وما حولها وان يبقى انسانا شموليا يرنو الى العالم كله ولم يحشر نفسه في زاوية ولم تتضارب فيه هذه التجندات. لم يحب ضد أحد. رأى في الحرب اخطاء الفريق الآخر كما رأى اخطاء فريقه وفي الحالتين يحلل ويرغب في ان تسمو كل فئة نفسها. يتكلم على الآخرين بحزن ولكن بلا تشنج. واذا ما انتقل من المواقف العملية الى الرؤية يصرح "ان الكثرة في الوحدة وان الوحدة في الكثرة" وهذا تعبير نجده في الفلسفة القديمة والفلسفة الحديثة. واذا اوضح علاقات المؤمنين الابراهيميين بعضهم ببعض قال: "ان الفرق بين المسلم والمسيحي هو فرق احد المتكاملين مع الآخر". ما كان يقال وما يقال اليوم في هذا المضمار اننا نبني البلد معا واننا متشاركون في العيش الواحد. الإمام قال نحن متكاملون واذا عناها بالدقة الفلسفية وما كان يرسل كلامه انشائيا يكون قد رأى فرادة كل جماعة والتلاقي في الفرادات ويكون قد أبطن الحرية الكاملة. يظهر بعد هذا بسطور اذ يقول: "يبقى الشرط اللازم لتوحيد الكثرة والتعدد وهو الحرية اولا". ان التأكيد المفرط على الانسان في لبنان يعني تجاوز الطائفية السياسية الضمني بين ابناء الوطن الواحد.

هذا هو احساس الرجل. الإحساس عندي جزء من الثقافة· ولكن عودا الى هذه يبقى الإمام رجل الثقافة الإسلامية التي يعرف استيعابها التاريخي لحضارات الشعوب. يفهم ان الأقدمين مع ارتضائهم نقل الفلسفة الاغريقية والعلوم ابدوا تحفظا تجاه الشعر اليوناني ومسرحه. ويتحدث الإمام مطولا عما اعطته الحضارة الإسلامية العالم ولكنه يشك في المحاولات الحديثة التي تحاول ان تستقرئ القرآن الاكتشافات الحديثة. هذه الهموم بسطها في بحث عنوانه "الاسلام وثقافة القرن العشرين" يعني في الحقيقة دين القرن العشرين للإسلام وكنت انتظر بالمقابلة حديثا عما اخذته دنيا الإسلام من القرن العشرين وقد اخذت الكثير الكثير مما نجده من افهومات الحرية ومن العمل الاجتماعي والموضوعية العلمية والفنون والعقل الحديث بعامة، الأمر الذي يجعلنا نرى ان ما بين العالم الإسلامي والحضارة العالمية الحاضرة طريقا ذا اتجاهين.

حاولت ان اتحسس ما هو عالمي في ثقافة السيد موسى الصدر في ما وضع بين يدي من اقواله لا مما قيل فيه. وفي حسي بالرجل انه كان اكبر مما كتب وان عالميته فيما شعر به اوسع مما نجده في ما خطه قلمه ذلك انه خط في النضال وليس في هدأة الأكاديمية. وشعور الانسان لون ثقافته. الإمام في صفحة من صفحاته يجمع بين ذكر العقل النير والقلب الودود. شدتني العبارة لأننا نحن المسيحيين الارثوذكسيين نقول ان حركة السلام الداخلي التي نسميها اللاهوى أو اللاإنفعال تتم بنزول العقل الى القلب حيث يصفو ويتطهر فينشأ، اذ ذاك، الرؤية التي بها تشاهد ما يحيط بالمجد الإلهي. انت ساعتئذٍ فوق العالمية وفوق الكونية. انك في لاهوتية الوجود. عند ذاك يصبح الاسلام سمحا. الإسلام الذي يكتبه العلماء والفقهاء فيه بشرية كثيرة مثل ما يكتبه الناس من كل ديانة. والمواجهة قائمة بين البشر فيها ارتقاؤهم وفيها حدودهم. لذلك كان فيها صراخهم. هكذا يطهر الإسلام عند هذا ولا يطهر عند ذاك: ان الديانة التي لا تنزل الى القلب هي "كصنج يرن او نحاس يطن" كما يقول بولس. ديانة موسى الصدر تنبع من قلبه الودود. لذلك ليس لي معها مشكلة. خاطبت قلبي بقدر ما استطاع ان يحب. كان موسى الصدر قلبا. لم يرق فقط الى العالمية. ادرك ما كان فوقها· انه لقد بلغ في الطاعة والصفاء لاهوتية العرش.

source