يمثله المطران نبيل العنداري
مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الرابع: "الهوية الثقافية"
(كلمات الافتتاح)
أيها السيدات والسادة،
يسرّنا أن نلبيَ دعوةَ مركزِ الإمام الصدر للأبحاث والدراسات إلى جلسة افتتاح هذا المؤتمر الرابع حول الهوية الثقافية - قراءات في البعد الثقافي لمسيرة الإمام السيد موسى الصدر.
ويشرفنا أن نمثل بينكم صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الكلي الطوبى الذي انتدبنا وكلفنا أن ننقل اليكم تحياته العاطرة.
أيها السادة،
يقول ميشال شيحا في محاضرة له في الندوة اللبنانية ما معناه:"إن لبنان لا يفنى ولا ينضب. من خلاله يمكننا رؤية العالم كمن يطل على البحر الواسع من مكان شامخ. إذ أن وراء المظاهر يأخذ الوضع اللبناني أبعاده التاريخية..." التي تطبعه بخصوصية يتفرد بها.
وفي المعنى نفسه، يقول الإمام المغيب:"لا سلام بلا تنسيق الجهد الثقافي...ولا سلام مع الرغبة في فرض وحدة الأنظمة والآراء والإنتاج والعناصر..."
ولطالما استعمل قداسة البابا يوحنا الثاني تعبيرَ ، دعوة لبنان التاريخية للتأكيد على أنه"رسالة حرية" وأرض "حوار بين مختلف الديانات والثقافات..." وهذا ما يبرر القول "إنه أكثر من وطن، إنه رسالة" إنه " قيمةٌ حضارية ثمينة".
هذه النظرة الى "لبنان الثقافة والحضارة والإبداع والحداثة" التي بلورها الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان" هي كامن القوة والفرادة في مجال الثقافة والهوية الثقافية كونها حصيلة:
- حوار الإنسان والألوهة
- حوار الإنسان والطبيعة
- حوار المسيحية والإسلام
- حوار الحضارات
- وحوار البحر المتوسط.
فالحوار هو الوسيلة الأنجع والأسلم لتجديد المجتمع والفكر والإنسان.
ولعلنا ندرك اليوم، بعد محنتنا القاسية، اننا شركاء، لا بل رفقاء مدى العمر، وأن مقومات الهوية الثقافية اللبنانية تقوم على التنوع، لا على الآحادية.
إذا كانت هذه رؤيتنا لأنفسنا، فمن علينا إذا صرنا نموذجاً يحتذى وإرثاً مميزاً ومشتركاً للعالم، وبالتالي ضرورة ذاتية وعربية وشرق أوسطية وعالمية.
فالهوية الثقافية لا تقوم على التماثلية بل على المؤالفة: فالتماثلية تفرض إلغاء ما هو خاص ومميز، في حين أن المؤالفة هي خلاصة عناصر، فهي لا تلغي بل تؤلف.
هذه هي دعوة الى الحفاظ على خصوصية الهوية الثقافية، بالحفاظ على التنوع والإختلاف، لنؤكد جميعاً بالمقابل على إنقاذ الحرية، ليبقى لبنان موئلاً ورائداً للإبداع.
إن المحك لأية هوية ثقافية هو في نظرتها الى الإنسان. في هذه النظرة تتلخص صفاتها الأساسية المنبئة في مظاهر إنتاجها المختلفة من علم وفن وفلسفة وسواها.
ولا بد لنا من أن نتساءل أيضاً: أين موقع "الهوية الثقافية" من غزو العولمة؟
إذا كانت ثقافتنا تُعنى بالإنسان وسبر أغواره، وتستخرج كنوزه، فالتحدي كل التحدي، والمقدرة كل المقدرة، في مواجهة عملية الإجتياح التي تتعرض لها هويتنا الثقافية وما يستتبعها من هدم للقيم ودكٍ لمعالم الخصوصية.
أيها المؤمنون،
إن عظمة الوطن والمجتمع، في عصرنا لم تعد تقاس بمساحته ولا بعدد سكانه، إنما بطاقته على الخلق وترسيخ الهوية.
هذه الطاقة لم تعد المجال الحيوي والضروري لتفتحها، فلسوف نبقى أسرى التبعية الثقافية، والتبعية الثقافية أشد خطراً من التبعية السياسية.
إننا نرجو لمؤتمركم الرابع هذا، عمق البحث وحسن القراءة للوصول الى "الكلمة السواء".
ألا سدد الله خطاكم وأهدانا السبيل.
عشتم وعاش مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، وعاش لبنان!