مثله الدكتور كمال فضل الله
مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الرابع: "الهوية الثقافية"
(كلمات الجلسة الرابعة)
باستحضار مناحي فكر الإمام المغيب السيد موسى الصدر لإلقاء الضوء عليها، نجد أننا أمام معالم ومنارات بهديها يتم الوصول الى الحقيقة والجوهر وأداء رسالة الإنسان المنفتح على آفاق الدنيا بكل جوانب الخير والعطاء فيها.
ولقد كان حضور الإمام الصدر بيننا وفي محيطنا، بمثابة إلقاء البذور الصالحة لغرس لا تعدو عليه الأيام، يعطي جناه لجيل بعد جيل، وبمقدار ما يتوافر منه بمقدار ما يؤدي رسالته الفكرية والعلمية والإجتماعية والإصلاحية، ليكون امتداداً لغيره ما دام هناك مجتمعات وشعوب تتطلع الى افضل ما في الإنسان من قيم يبشر بها وتدفع بالبشرية الى معارج التقدم والتطور، وتضع حداً للفوارق بين الناس على المساحة الأوسع من المأهول من الأرض، (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر)، ويغمر الإيمان بطاح مكة وشعابها ويمتد الى العالم كله.
من وحي هذه الدعوة الإلهية اعتمد الإمام الصدر مخاطبة العقول والنفوس، لكبح جماح الغرائز السلبية، والنزاعات القبلية والصراع على النفوذ الذاتي، فمصلحة الوطن والمواطنين والإرتقاء بهم الى مستوى إنسانيتهم ودورهم في الأرض وهم لم يخلقوا عبثاً، هو الهدف الأول.
والفتح بالكلمة السواء، أبقى الفتوحات وأخلدها وقد شهد التاريخ القديم والحديث من تعددت واتسعت فتوحاتهم وممالكهم ومستعمراتهم على حساب الإنسان وقيمه، وقد انتهت بزوالهم ولم يبق إلا أولئك الذين قدموا شرائع ومبادىء باقية على الدهر.
وبهذه القيم الروحية والإنسانية والفكرية شكل الامام الصدر ظاهرة هذا العصر بلا حدود جغرافية وبات ما بشر به مصابيح على الدرب الصاعد الى القمة، يتسع لكل شرائح المجتمع ولا يتساقط او يتخلف الا من فطر على الظلام ويعميه نور الحق وانبلاج الفجر.
ومؤتمر كلمة سواء الرابع تحت عنوان الهوية الثقافية، قراءات في البعد الثقافي للإمام السيد موسى الصدر تعني الإهتمام بتراث الأمة وبقائها واستحالتها على الضياع أو الذوبان، إذ أن ثقافة أية أمة تعني حضورها ووجودها والمساس بأي من جوانبها يمهد الطريق للذوبان في الغير ثم لا شيء بعد ذلك إلا التحول الى اعداد وارقام.
ومن هنا كان الفاتحون والمستعمرون منذ بدء الصراع يعمدون الى تدمير حضارات وتراث وثقافات الشعوب المغلوبة على أمرها، واذا كان العرب قد حافظوا على وجودهم وتفاعلهم مع المجتمعات البشرية كافة فلأنهم يملكون ثقافة أثرت وما تزال تؤثر في مسيرة الحضارة وتقود الركب الإنساني الى الأفضل والأمثل.
ولقد وعى الإمام السيد موسى الصدر هذه الحقيقة وسبق اصطلاح العولمة الذي يتردد او نعيشه هذه الأيام من حيث الطغيان الثقافي الخارجي وطوفان المعلومات تبثها وسائل الإعلام المرئي والمسموع على امتداد القارات وقد ادرك غاندي بشعوره الوطني واحساسه القومي ما سيجترحه العلم فقال: "انني افتح نوافذي لجميع الرياح تهب على بيتي شريطة الا تقتلعني من مكاني".
وبقدر ما نحصن ثقافتنا نغنيها وهي تختص بمرونة تجعلها قادرة على التفاعل والإحتفاظ بالأصالة بقدر ما نحقق ذاتنا وانسانيتنا ونحمي قيمنا ونبقي على تطلع اجيالنا وما يعزز حضور ثقافتنا وقد سبق وكانت في عصر من العصور خزان اية ثقافة واي علم فالقواعد الاولى للهندسة التي وضعها اقليدوس ضاعت وبقيت الترجمة العربية لها مع اضافة الفصل الخامس عشر اليها، وكذلك الامر بالنسبة لعلوم الجبر والكيمياء والفلسفة.
وتختصر كلمة سواء التي دعا اليها الإمام الصدر كل اساليب التعامل الأمثل بين الناس، "ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" وقد اخذت الدعوة بعدها في لبنان اذ كان يعيش الصراع العبثي الرهيب، لو اهتدى بكلمة سواء، لوجد طريق الوفاق والانصهار وتجنب الضلال الغرائزي.