مثله المونسنيور نيكولا تيفنن
مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الافتتاح)
حضرة السيدات والسادة
أود باسم سيادة المونسينيور انطونيو ماريا فيليو الذي يشرفني أن أمثله هنا، أن أنقل إلى السيدة رباب الصدر شرف الدين فضلاً عن المشاركين كافة في هذا المؤتمر تمنيات السفير البابوي في أن يؤتي هذا المؤتمر ثمارا جمة تساهم في تعزيز الوحدة والوئام بين كل اللبنانيين.
يصعب على شخص غير لبناني أن يتحدث عن الإمام الصدر والتأثير الذي يمارسه على اللبنانيين، لا سيما بعد الشخصيات الدينية البارزة التي سبقتني إلى الكلام. لكني أود أن أتوقف عند بعض الجوانب التي ميزت حياة هذه الشخصية البارزة وفكره كما أنها طبعت، وتطبع، ليس لبنان فحسب، بل كل الشرق الأوسط، مهد الديانات السماوية الثلاث وموقع المواجهة بين اتباعها.
والإمام الصدر قبل كل شيء إنسان مؤمن. إيمانه بالرب يشكل الركيزة الأساسية لإيمانه بالإنسان. فبالنسبة إليه، الإنسان ولا سيما "المعوز" ، الفقير، المهمش، المضطهد والمستضعف، يجب أن يحظى بالعون لاستعادة كرامته والتمتع بكامل الحقوق التي تصون له هذه الكرامة وتضمنها.
الإمام الصدر هو في آن رجل فكر وعمل. هو رجل فكر وثقافة، لطالما خصص جزءاً مهماً من وقته للبحث والدراسة والاطلاع على الثقافات والديانات كلها.
هو معاصر للبابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا بولس السادس. ووجد في رسالتيهما البابويتين: "باسيم إن تيريس" (السلام في الأرض) و"بوبولوروم بروغريسو (تطور الشعوب) تعاليم ومبادئ تشكل أسساً للسلام والتطور. فجملة البابا بولس السادس الشهيرة: "التطور الكامل للإنسان وتطور كل إنسان وتطور الإنسان بكامله" تشكل قاعدة ذهبية لفكر الإمام الصدر وعمله. فقد تتبع عن كثب النقاشات، وقرأ بتمعن، وحلّل وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني. فاكتسب بذلك معرفة واسعة بالمسيحية، أكملت معرفته العميقة بالإسلام، مما جعله أحد دعاة الحوار الإسلامي-المسيحي.
في الستينات شارك مع أصدقائه المسيحيين الكثر، بينهم سيادة المونسينيور جوزيف الخوري، الذي كان حينها مطراناً في صور والأب يواكيم مبارك، في مؤتمرات الندوة اللبنانية حول هذا الموضوع. ودعي إلى إلقاء الكلمات في المدارس الكاثوليكية وفي الاديرة وحتى في الكنائس. زار كل المناطق اللبنانية: الجنوب والشمال والبقاع وجبل لبنان وبيروت للتشديد على ضرورة الحوار والوفاق والتعايش الإسلامي-المسيحي. توجه إلى اللبنانيين كافة ليذكرهم بأهمية بلدهم. لطالما شدد على وحدة اللبنانيين رغم تنوعهم، الذي يشكل غنى ونموذجاً فريدا في العالم.
اسمحوا لي في هذا الإطار، أن أستشهد بما كتبه البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي "رجاء جديد للبنان": "عاش المسلمون والمسيحيون في لبنان جنبا إلى جنب طوال قرون مديدة، حينا ً في سلم وتعاون، وحيناً في صراع ونزاع. فعليهم أن يجدوا في حوار يراعي مشاعر الافراد والجماعات المختلفة سبيلاً لا بد منه للعيش المشترك وبناء المجتمع..... ولا يعقل في نظر أصحاب الارادات الطيبة أن يعيش أبناء مجتمع بشري واحد على أرض واحدة ويفضي بهم الامر إلى عدم الثقة بعضهم ببعض، والتخاصم والتنابذ باسم الدين"(90).
البناء المتواصل للمجتمع البشري اللبناني يقضي باحترام الآخر. ويبذل كل فرد الجهود للتوصل إلى مزيد من العدالة والإنصاف لتجاوز المصالح الشخصية والفئوية. وقد عبّر الحبر الاعظم عن ذلك في ارشاده الرسولي: "اللبنانيون كسائر الشعوب لأنهم يحبون أرضهم حبا ًخاصاً، هم مدعوون إلى الاهتمام ببلدهم والمحافظة دونما كلل على الأخوة وبناء نظام سياسي واجتماعي عادل ومنصف يحترم الاشخاص وجميع الاتجاهات التي يتألف منها المجتمع ليبنوا معا بيتهم المشترك.... العمل في الحياة العامة هو أولاً خدمة مسؤولة عن الإخوة كل الاخوة، بحيث يعملون وبكل الوسائل لكي يعمل الجميع بانسجام .... وهذا يفترض تجاوز السلوك الأناني باستمرار، للعيش في تجرد قد يذهب إلى حد إنكار الذات بغية قيادة الشعب بكامله إلى السعادة بحسن إدارة الشأن العام"(94).
أود اخيرا، ان ابرز احدى اولويات الإمام الصدر التي هي ايضا اولوية السيد المسيح وكنيسته: العمل من اجل الفقراء. فالمسيح يتبنى الجائع والعطشان والعريان والغريب والأسير والمريض. فقد جاء في انجيل متّى الرسول (25،40) "الحق اقول لكم، كلما صنعتم شيئاً من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار فلي قد صنعتموه".
أردت من خلال مداخلتي المقتضبة التشديد على صفات الإمام موسى الصدر المؤمن ورجل الثقافة والحوار والمصلح الاجتماعي وصديق الفقراء والمهمشين. وأترك لآخرين مهمة إبراز صفات المقاوم التي يتحلى بها، لا، بل حري بنا القول إنه "أبو المقاومة".
ونطلب من الله العلي القدير الرؤوف أن ينعم علينا بفيض نعمه.
__________
منشورة بجريدة الوفاق تاريخ 22/08/2002