اختتم مؤتمر كلمة سواء الخامس الذي ينظمه مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات أعماله اليوم الذي حمل عنوان" المقاومة والمجتمع المقاوم قراءات في مسيرة الإمام موسى الصدر" في مبنى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى - طريق المطار - بحضور رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري وأمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان والوزراء: وزير الزراعة علي العبد الله، وزير الطاقة والمياه محمد عبد الحميد بيضون ووزير الدولة بيار حلو، النواب: علي حسن خليل، محمد رعد، محمد برجاوي، علي عسيران، أيوب حميد، علي خريس، نزيه منصور، علي عمار وياسين جابر، الوزراء السابقون: فايز شكر، ناصر السعيدي ومحمد بسام مرتضى، والنواب السابقون: حسن علوية، حسين يتيم، عبد المجيد الزين ورفيق شاهين، المطران خليل أبو نادر، رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية الشيخ حسن عوّاد، وحشد كبير من قضاة المحاكم الشرعية الجعفرية ومفتي المناطق وعلماء الدين من مختلف المناطق والطوائف اللبنانية، السيدة رباب الصدر وشقيق الإمام موسى الصدر السيد علي الصدر، وفد من قيادة حركة أمل برئاسة رئيس الهيئة التنفيذية الرائد يعقوب ضاهر، رئيس مجلس الجنوب الأستاذ قبلان قبلان مدير عام المغتربين هيثم جمعة، رئيس بلدية الغبيري الحاج محمد الخنسا. وحشد غفير من الفعاليات الاجتماعية والحزبية والسياسية والنقابية والإعلامية، ووفود شعبية وتربوية غصت بهم قاعات وباحة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
بداية مع قرآن الكريم للشيخ سلمان الخليل وقدم الحفل الأستاذ حسين حمادي. ثم ألقى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان كلمة توصية من رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة آية الله الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين وجه فيها تحية الإمام شمس الدين إلى الإمام الصدر والسادة المشاركين في هذا المؤتمر متمنياً للمؤتمر النجاح في أعماله.
وجاء في توصية الإمام شمس الدين: "إن المجتمعين في مؤتمر كلمة سواء الخامس الذي عقد في بيروت يومي 23 و24/11/2000 بدعوة كريمة من مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، يؤكدون على اعتبار قضية الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين قضيتهم كلبنانيين وقضية كل الشرفاء والمخلصين العاملين من أجل حقوق الإنسان وحريته وكرامته.
كما ويجددون التأكيد على أن هذه القضية هي مسؤولية النظام الليبي وذلك بناء على النتائج والقرارات التي خلص إليها القضاء الإيطالي والقضاء اللبناني في حينه، وبناء على الوقائع الثابتة والمؤكدة. فالإمام الصدر ورفيقيه دخلوا الى ليبيا ولم يخرجوا منها، وهم دخلوا بدعوة رسمية وعلى طائرة ليبية وبموجب بطاقات سفر ليبية ووصلوا الى طرابلس الغرب ورآهم الناس هناك وهم اختفوا في ليبيا.. ويطالب المجتمعون الحكومة اللبنانية بأن تدرس قانونياً وقضائياً تكوين ملف يقدم الى محكمة العدل الدولية لملاحقة قضية الإمام الصدر.
وهذا الملف موجود لدى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كما هو موجود لدى كل من وزارة الخارجية اللبنانية ووزارتي العدل في لبنان وايطاليا.. ويطالب المجتمعون بأن تكون قضية الإمام الصدر مثل قضية لوكربي التي تحركت لها العدالة الدولية ويطالبون باعتبار الإمام الصدر ورفيقية من ركاب طائرة لوكربي أو بأن تكون قضية اخفائهم مثل قضية لوكربي.. وهم يتمنون على جميع الجهات المخلصة والمهتمة التعاون في هذا المجال.
ثم ألقى سماحة المفتي قبلان كلمته التي جاء فيها:"بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.
أيها الأخوة الكرام، في هذا اللقاء المبارك الذي يجمعنا في هذا المكان الشريف نوجه تحيتنا وسلامنا ونقدم احترامنا ودعاءنا لسماحة آية الله الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وإننا إذ كنا نتمنى حضوره في هذا اللقاء المبارك والميمون فإننا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يشمله برحمته وعنايته ورعايته وعافيته.
أيها الأخوة السلام على الغائب الحاضر الإمام السيد موسى الصدر أعاده الله إلينا مع رفيقيه من سجن أهل الردة والنفاق.
إن هذا اللقاء يتسم بطابع الحق والخير، فهو يشكل وحدة كريمة ولقاء يشدنا إليه فهو سبيل لوحدة الصف ووحدة الطريق ووحدة الهدف.
إن الأمام الصدر صاحب المواقف الوطنية المشهود لها، وعندما نتلاقى في مناسبة ذكراه أو دعينا إلى لقاء لنتكلم فيه عن مواقف الإمام الصدر، فإن هذا اللقاء يوقد في نفوسنا شعلة الحنين والشوق إلى هذا الرجل الطموح رجل الإصلاح والجهاد والعمل الدؤوب، إلى الإمام الصدر الذي كان همه الوحيد حماية هذا الوطن وصيانته ووحدة بنيه، وتشهد جولاته في أرجاء الوطن وصولاته في بقاعه على حبه للوطن. ولقد كان له في قلوب أبناء الوطن كامل المحبة والتقدير، وكان مثال القائد العظيم الذي يختزن في داخله وأعماله القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية زيادة لما يتمتع به من فكر عميق ونهج قويم ورؤى نيرة وصوابية في القراءات والمواقف الوطنية.
أيها الأخوة عندما نتحدث عن المقاومة وما يندرج في سياقها من مجتمع مقاوم أو أمة مقاومة فيكون الإمام الصدر في صميم هذا السياق المقاوم، بل هو من دعائمه الأساسية لدرجة أن المعادلة أصبحت موسى الصدر يساوي المقاومة والمقاومة تساوي موسى الصدر فهي فيه وهو منها، متكاملان متلازمان كواصل الليل بالنهار، وحكايته مع المقاومة قصة تبدأ ولا تنته لأنها تشكل كل كيانه وعقيدته الإسلامية والإيمانية التي ترفض الظلم والهيمنة والتعدي، فهو المسلم المؤمن الذي عاهد الله ورسوله والمؤمنين وهو العربي الحر واللبناني الوطني بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عيش مشترك إسلامي مسيحي في إطار الوحدة والوفاق وتحت رعاية الدولة العادلة القادرة دولة القانون والمؤسسات، والذين عايشوا الإمام الصدر وحاوروه وناقشوه لمسوا بالتأكيد مدى حرصه الدقيق على لبنان وعلى صبغة لبنان بحيث كان يقول دائماً "الطوائف في لبنان نعمة ولكن الطائفين نقمة"، كما لمسوا سعيه الحثيث والدؤوب والدائم من أجل لبنان وسلامة لبنان وقد يكون دفع حياته ثمن حبه لهذا الوطن وثمن حرصه على مستقبل أبنائه الذي كان يراه الإمام الصدر مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر ومهدداً بالتقسيم والتوطين، لكن إيمانه بالله وبشعبه وبدينه دفعه إلى ركوب المخاطر والمغامرات وإقامة الاعتصامات وإلقاء المحاضرات داعياً ومنبهاً ومحذراً من مغبة تغليف العقول والقلوب بصدأ الجهل وسراب الرهانات الخاطئة، ولكن للأسف الشديد كانت المكافأة باستدراجه وبالتآمر عليه وتغييبه من قبل النظام الليبي.
هذا النظام الذي ولد في رحم المؤامرات ليس ضد الأمة العربية فحسب إنما ضد الأمة الإسلامية بأسرها فهو المسؤول الأول والأخير عن هذه الجريمة النكراء بحق الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين، وهو المسؤول عن هذه الجريمة بحق الشرفاء والأحرار والمناضلين، فالإمام هو أبو المقاومين وكل المجاهدين في العالم، ولكن مهما يكن من أمر فإن حسابنا مع هؤلاء الظلمة سيبقى قائماً وملف هذه الجريمة لن يطو ولن يساوم عليه مهما طال الزمن حتى تتكشف الحقائق وتنجلي الملابسات.
فمن هنا وتحت عنوان "كلمة سواء" نطالب الدولة اللبنانية أن يكون لها موقف واضحٌ وصريحٌ تجاه هذه القضية الوطنية الكبرى وان لا تؤخذ بالتهديدات فنحن شعب لا نخاف لا التهديد ولا الوعيد وتاريخنا المقاومة في الجنوب والبقاع الغربي وكل لبنان يشهد على هذه الحقيقة، كما نسأل الدولة لماذا هذا القلق من قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام الليبي؟ وهل هذا الملف مصدره الخوف من وقف المساعدات الليبية إلى لبنان؟ ومتى كانت هذه المساعدة؟.
نعم كانت عندما كان الاقتتال قائماً في لبنان، نعم كانت عندما كانت الفتنة ولكن عندما بدأ عصر المقاومة في لبنان ضد إسرائيل، أين أصبحت هذه المساعدات؟ إنه سؤال كبير نطرحه برسم المسؤولين، ونأمل أن يكون الموقف سوياً.
إن الحديث عن الإمام الصدر طويل وطويل جداً لدرجة يحار معها المرء من أين يبدأ، من صراع الإمام الصدر المرير مع السلطة والحكام في لبنان، حيث النظام الفاسد وحيث الكيان المزرعة فلبنان الذي اعتبره الإمام الصدر واقعاً تاريخياً يمتد إلى أقدم العصور ويحمل في طياته الكثير من الحضارات والأمجاد والرسالات والثقافات، بمقدوره أن يلعب دوراً رسالياً كبيراً في هذا العالم، فهو يمتلك من الطاقات الفكرية والثروات الحضارية والثقافية ما يؤهله للقيام بهذا الدور، فلا يجوز هدرها بالغرائز والعصبيات ولا يجوز الفتك بها بنزاعات طائفية وحساسيات مذهبية، ومن الممكن بل من الضروري جداً تثميرها والإفادة منها كمنطلقات للتعاون والتلاقي والتكامل من أجل تكوين حضارة إنسانية رسالية ترفدها خلاصة التجارب وصفوة الاكتسابات.
إن الإمام الصدر أيها الأخوة، كان يرى أن إمكانية بناء حضارة إنسانية رسالية في لبنان نواتها الأفكار والتجارب والحرية ليس بالمهمة المستحيلة إذا تحقق الاحترام المتبادل بين اللبنانيين وتعززت الثقة في ما بينهم وانتفت عوامل الخوف والغبن من النفوس من خلال حركة وطنية جريئة تخرجنا من ذهنية التصنيف والتمييز وتحررنا من الاستهدافات التي تسعى إلى تحويلنا مجرد فئات منعزلة وكتل بشرية متطيفة ومتمذهبة تتناحر في ما بينها.
إن الإمام الصدر كان لا يخشى أي خطر خارجي على لبنان وهذا لا يعني أن لا أخطار خارجية تهدد لبنان، فالأخطار موجودة وكل دولة في العالم تعيش هذا الهاجس فكيف الحال معنا؟ وعلى حدودنا يتمركز كيان صهيوني غاصب وغادر ومحتل، ولكنه كان يرى أن الخطر الداخلي أشد وأدهى وأن ما يعيشه لبنان من انقسامات داخلية ونزاعات طائفية من شأنها تشجيع الأعداء على الاستغلال والتوظيف، فهناك وطن مسيّب وشعب مفتت وتناحر وتضارب في الآراء والمواقف، هناك أمراض طائفية وعصبية ومذهبية.
نعم من الطبيعي جداً أمام هذا العدو عندما وجد فرصة في لبنان لعب لعبته وارتكب فعلته وللأسف حدث الذي حدث فكان الثمن غالياً وما معاناة اليوم الا نتيجة من نتائج واقع مرير طالما حذّر منه الإمام الصدر وطالما دعا إلى عدم الانزلاق في متاهاته ولكن الآن نأمل أن نكون قد بلغنا من الرشد ما يمكننا من طي الماضي إلى الأبد، لأن الخطر الذي يهدد كيان أمة أو كيان وطن أو كيان شعب هو الخطر المميت الذي يقوض كل المقومات ويقتل كل الآمال والطموحات، وما هي إلا الفتنة العمياء التي تصيب الوطن في الصميم.
أيها الأخوة، ما مات شعب أو أمة في التاريخ نتيجة اضطهاد أو نتيجة غلبة خارجية إذا كان هذا الشعب أو هذه الأمة متماسكة موحدة واعية لمسؤولياتها. وعندما نستذكر الإمام الصدر أيها الأخوة نستذكره في مواقفه ونصائحه للأشقاء الفلسطينيين حينما كان يقول لأبي عمار "إن شرف القدس يأبى أن تتحرر إلا على أيدي الشرفاء"، نستذكره في لومه وعتبه الشديد على بعض القيادات التي انغمست في الرهان على إسرائيل وتنكرها لعروبتها ولمحيطها، نستذكره في مواقفه الثابتة من الشقيقة سوريا والتي أكد ضرورة تدعيمها وتمتينها فسوريا ولبنان يجب أن يكونا معاً وأن يستمرا معاً في السراء والضراء، فالمصير واحد والخطر واحد وما يتهدد لبنان يتهدد سوريا والعكس صحيح، نستذكره في شعاره الشهير "إسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام وبأن مقاتلها ومقاومتها واجب وطني وقومي".
نستذكره في نداءاته المتكررة إلى الرؤساء والملوك العرب ورسائله المتعددة التي تدعو إلى تحقيق التضامن العربي وتوحيد الصفوف ومواجهة العدو الإسرائيلي الذي يهدد خطره ليس فلسطين ولبنان إنما الأمة العربية بأسرها.
أيها الأخوة، إنه غيض من فيض المواقف التي أطلقها الإمام الصدر والتي تؤكد في باطنها وفي ظاهرها على أنه بالوحدة وبالصمود وبالمقاومة وبالصبر وكظم الغيظ تبنى الأوطان وتصان وتصل الشعوب إلى حقوقها وخير دليل على صوابية هذه المواقف ما تحقق في لبنان على أيدي المقاومين الأبطال من انتصار مبين ومن اندحار مشين لجنود الاحتلال الإسرائيلي، بحيث بات محسوماً أمر التعاطي مع هذا العدو الذي ينبغي أن يقوم أولاً وأخيراً على مبدأ المقاومة، المقاومة بكل شيء بالموقف بالنهج بالممارسة بالحوار بالتعاون بالوحدة فيما بيننا وبهذا المنطق انتصر لبنان وانتصر جنوبه، وبهذا المنطق اندحرت إسرائيل واعترفت بالقرار 425، وبهذا المنطق وحده ستنتصر فلسطين بإذنه تعالى وسينتزع شعب فلسطين حقه السليب في إقامة دولته السيدة الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
بحجارة الأطفال ودماء الشهداء ستعود فلسطين حرة عربية *ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون* فلا الأمم المتحدة ولا أميركا ولا روسيا ولا أوروبا ستعيد لنا حقوقنا وستحرر أرضنا وستنصرنا على هذا الباطل الذي زرعوه في قلب هذه الأمة وراحوا يراوغون وينافقون بالتباكي على حقوق الإنسان وحقوق الشعوب.
أيها الأخوة، وحده النضال هو الطريق الصحيح إلى الحرية والتحرير ووحدها "الكلمة السواء" هي التي تسهم في بناء المجتمعات القوية القادرة على بناء المستقبل. فالمعركة طويلة الأمد مع هذا العدو ومعركتنا معه معركة حضارية وطنية قومية دينية، إنها معركة الماضي والحاضر والمستقبل، فلنستعدّ لها ولنتعاطى معها بكل وعي وإدراك وبفكر نير وروح عالية من المسؤولية والتوكل على الله لأن من يتوكل على الله فهو حسبه ونصيره *وعلى الله فليتوكل المتوكلون*
ثم ألقى سماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله كلمة جاء فيها:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين وصحبه المنتجبين، وعلى جميع الشهداء والمجاهدين في سبيل الله منذ آدم إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
أعتقد أن الأخوة والأخوات والباحثين والمحاضرين في هذا المؤتمر قد تكفلوا بدراسة جوانب كثيرة في شخصية سماحة الإمام القائد السيد موسى الصدر أعاده الله بخير، وجهاده وفكره وخطه ونهجه وإنجازاته وجهوده، وأنا أكتفي فقط بكلمة موجزة حول هذا الأمر وأدخل إلى الموضوع الأساسي الذي أعتقد أنه من المفيد أن نركز عليه في هذا الوقت متاح.
أصل وجود سماحة الإمام وحضوره في لبنان كان تأسيساً لكل ما جاء وحصل وأنجز، سواء على المستوى الشيعي الخاص أو على المستوى الإسلامي أو الوطني أو على مستوى الأمة، ولذلك لم يكن الأمام موسى الصدر مؤسساً للمقاومة فقط، بل كان مؤسساً للكثير من الخطوات والمشاريع والإنجازات التي قد نغفل عنها عندما يبتعد بنا الزمان قليلاً. الإمام موسى الصدر في لبنان أسس من جديد لعودة علماء الدين إلى تحمل مسؤولياتهم الإنسانية والشرعية والدينية ودخولهم من موقع إنساني وإلهي وشرعي إلى ساحة العمل السياسي وليس من مواقع السلطة والاستئثار، وهذا طبعاً كلف الإمام الكثير من الاتهامات والتضحيات والإساءة إليه.
الإمام أعاد الدين إلى السياسة وأعاد السياسة إلى الدين، اليوم هذا شيء عادي بالنسبة إلينا، لكن عندما جاء الإمام إلى لبنان كان هذا الأمر غريباً جداً، وكان هذا الأمر كافياً لأن يوسم من يقول به بالردة والزندقة والفسق والفجور والخروج عن الدين وما شاكل، ولم يتحمله لا السياسيون الذين وجدوا أن رجلاً عملاقاً مخلصاً زكياً نقياً يدخل إلى ساحتهم، ولا علماء الدين المتحجرون الذين كانوا يفكرون أنهم ما زالوا من العصور الوسطى.
وأسس الإمام الصدر أيضاً لأول مشروع سياسي إسلامي واضح في بلد معقد ومتنوع كلبنان، ولا أعتقد أنه قبل الإمام موسى الصدر كان لدى أحد (الحد الأدنى من المسلمين على المستوى العلمائي والديني) مشروع سياسي كامل ورؤية سياسية واضحة.
الإمام كان مؤسساً على مستوى المؤسسات والعقل المؤسساتي، والخروج من زعامة الفرد ومن اختصار كل شيء في الفرد، ليكون هناك مؤسسات تحمل مسؤولية هذا المجتمع وتحفظ هذا الخط وهذا النهج.
كذلك كان الإمام مؤسساً في المقاومة، وعندما أسس الإمام لفكر المقاومة ومنطق المقاومة، أود أن أذكركم وأقول لكم لم يكن الجنوب اللبناني محتلاً، حتى مزارع شبعا لم تكن تحت الاحتلال، الإمام موسى الصدر تحدث عن مقاومة لتحرير فلسطين ولاستعادة القدس، الإمام موسى الصدر دعا اللبنانيين إلى حمل السلاح دفاعاً عن لبنان، ولم يكن أي شبر من لبنان تحت الاحتلال، اليوم هناك من يدعو إلى نزع سلاح المقاومة والإمام موسى الصدر كان يدعو الدولة إلى تسليح الجنوبيين من أجل الدفاع عن أرضهم وعن بلدهم، ومن الإمام موسى الصدر تعلمنا أن أرضنا السليبة لا يمكن استعادتها بالوسائل السلمية، الأرض تستعاد بالجهاد والشهادة والدماء والتضحيات والحجارة والرصاص، والإستشهاديين كأحمد قصير وبلال فحص، ولو كنا نريد أن نستمع لنصائح البعض وعظاتهم لكان من المفترض أن يكون الجنوب اليوم ما زال تحت الإحتلال.
الإمام موسى الصدر قدم رؤية إسلامية واضحة ومشرقة في موضوع فلسطين والقدس، تقدم فيها حتى على الذين يدعون أنهم الأصحاب الشرعيون والوحيدون لهذه القضية ولهذا الشعب ولهذه المعركة.
على كل، قلت لا أريد أن أدخل كثيرا في هذا الموضوع، لكن أحببت أن أقول نعم، الإمام الصدر كان مؤسساً على اكثر من صعيد، وحضوره في بلدنا كل لحظة، كل نفس، كل كلمة وكل خطوة كانت بركات ونعم إلهية على لبنان وعلى هذه المنطقة وعلى شعبنا وعلى أمتنا.
ما أريد أن أدخل إليه واعتبره الموضوع الأساسي في هذا اللقاء هو مسألة كشف مصير الإمام، وسأتحدث ببعض الصراحة، ببعض العاطفة وببعض الألم، أنا كإنسان لبناني، مواطن لبناني عادي، وانتمي إلى هذا الدين وإلى هذا الخط وإلى هذه المدرسة، يكفي أن أكون لبنانياً قبل أن أتحدث عن أي انتماء آخر، وبكل صراحة وألم أشعر بالإهانة عندما أرى أن إماماً كبيراً وقائداً عظيماً مع رفيقيه سماحة الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين الذي لكل منهما مقامه وشأنه ومكانته أيضاً في بلدنا وفي مجتمعنا، أن يمضي إثنان وعشرون سنة أو واحد وعشرون سنة ونحن لا نعرف شيئاً، حتى معرفة، نحن لا نعرف شيئاً، نحلل، نحقق، نجمع معلومات من بعيد، ويقال لنا أن الأمر هكذا وينتهي كل شيء، هذا مؤلم ولكن في نفس الوقت مهين، وأنا قلت أنني سأتكلم قليلاً من العاطفة والصراحة.
لا أريد هنا أن أسأل وأن أفتح ملفات الماضي أنه يوجد مواطنين لبنانيين أو قائد لبناني هو رمز من رموز الوحدة الوطنية في لبنان والصحوة والنهضة في لبنان مختف وغائب! ماذا فعلت هذه الدولة؟ لا أريد أن أفتح هذا الملف، لكن من الآن وصاعداً كيف تنوي الحكومة اللبنانية الحالية أن تتعاطى مع هذا الأمر، طالبنا بوضع آلية، - لم نقل لهم أرسلوا كوماندوس في ليبيا وأحضروا الإمام ورفيقيه– نحن نقول ليكن هناك آلية، وإلى الآن لم نسمع جواب، هل تريد الحكومة اللبنانية أن تتابع هذا الملف أو لا تريد متابعته، إذا كانت تريد متابعته فما هي هذه الآلية؟ ومن المسؤول؟، أي أنه إذا لدي اقتراح أو فكرة أو معلومة حول هذا الموضوع ومعالجته، ومع من نتكلم؟، هل نطوف على الرؤساء الثلاثة وعلى الثلاثين وزير؟، مع من هذا الملف؟، من المسؤول عنه في الدولة؟، لم نسمع كلام عن الآلية ولم نسمع أن هناك قرار بأن الحكومة هل تهتم بهذا الملف أم لا!، هل عينت وزير أو لجنة من وزراء، برأيي أن هذا الموضع يستحق ليس وزير فقط بل تشكيل لجنة وزارية من وزير العدل ووزير الخارجية ولا نعرف من أيضاً، وهذا ليس اختصاصنا، الوزراء الذين لهم صلة بهذا الموضوع يجب أن تتشكل منهم لجنة، وهذه اللجنة هي التي تقول أين أصبحنا في هذا الملف وماذا فعلنا وماذا أنجزنا.
إن اقتراح سماحة آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين عافاه الله هو اقتراح سليم مئة بالمائة ويجب أن يعمل به، إذن الدولة ماذا تريد أن تفعل بهذا الاقتراح إذا كان لغاية الآن غير مفهوم من هو صاحب هذا الملف، لا صاحب له حتى الآن في الحكومة، إذا كان رئيس المجلس النيابي يهتم بهذا الموضوع، بصراحة ليس لأنه رئيس مجلس النواب، بل لأنه رئيس حركة أمل ولأنه من أبناء هذا الخط، حتى الآن الدولة اللبنانية كدولة لبنانية لم تبين أن هذا الملف يعني لها شيئاً ويمكن أن تهتم به بمستوى المسؤولية.
هنا طبعاً يأتي السؤال الكبير، أن تصارحنا الدولة اللبنانية بهذا الأمر، فليقولوا لنا أننا كحكومة لبنانية غير قادرين على فعل شيء، حتى على كشف المصير فليقولوا نحن عاجزون، أنتم أبناء الشعب اللبناني، أنتم محبو الإمام الصدر، وعائلته، وأبناءه، وأنصاره، وأتباعه يمكنكم أن تفعلوا ما تشاءون من أجل كشف مصير الإمام واستعادته. وعندها نفهم الأمور لأي منحى تتجه، إذا كانت هذه الدولة غير قادة على تحمل المسؤولية، فهناك من أناس في هذا البلد قادرون على تحمل المسؤولية، ولكن ماذا سيكون موقف الدولة حينئذ، لو تحمل بعض الناس المسؤولية على طريقتهم.
كل ما نطالب به هو كشف مصير الإمام ومن ثم استعادة الإمام، لا نحن ولا عائلة الإمام نخاف من الحقيقة، إن كان الإمام حياً (بصراحة) فأعيدوه إلينا، وإن كان الإمام شهيداً ومن معه فهذه هي عادة آبائه وأجداده الأطهار والميامين (القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة) وبالأخص عائلة الصدر التي قدمت المزيد من الشهداء في هذا الطريق، ما هي المشكلة! ولكن لنفهم! غير مقبول بعد واحد وعشرين سنة أن يكون هناك ثلاثة رجال كبار، أحدهم بهذا المستوى وبهذا الموقع وبهذه المكانة ونحن لا نعرف شيئاً، والناس تعيش بشكل طبيعي في لبنان.
في هذا المجال أود أن أقول أننا كلنا متفقون – حتى لا يقال هناك وجهات نظر – كلنا متفقون بأن الذي يتحمل مسؤولية حياة الإمام ومصير الإمام ورفيقيه هو النظام الليبي الحالي أي العقيد معمر القذافي، ولا أحد آخر، بالدرجة الأولى هم يتحملون المسؤولية، حكاية إيطاليا وغير إيطاليا! منذ فترة بعض إخواننا تابعوا هذا الملف وجرت اتصالات بالكثيرين من الذين كانوا أصدقاء لليبيا في تلك المرحلة من الزمن، لا أعلم إذا كانوا لا يزالون أم لا – من لبنانيين وفلسطينيين وغيرهم، أقول لكم لا أحد حتى من أصدقاء ليبيا ومن حلفاء ليبيا وحتى من أعداء الإمام واخصام الإمام في ذلك الحين يصدق الرواية الليبية حول مغادرة الإمام إلى إيطاليا، لا أحد في هذه الدنيا يصدق هذه الرواية، الأمر محسوم وواضح، الليبيون يتكلمون عن لجنة تقصي حقائق أو لجنة تحقيق مشتركة ليبية - لبنانية، أيضاً أن موقفنا كموقف إخواننا، هذه اللجنة مهمتها تضييع الإمام، هذه اللجنة مهمتها تبرئة معمر القذافي، هذه اللجنة مهمتها أن تذهب وتعود لتقول نعم الإمام خرج من ليبيا – بكل صراحة – هذه اللجنة مرفوضة، أي لجنة، أي جهد يؤدي إلى تضيع الإمام وتجهيل الفاعل هو عمل مرفوض.
على هذا الأساس، اليوم مع الأسف وصلنا إلى مرحلة حتى أي تعبير احتجاجي نعاقب عليه، في يوم من الأيام تحدثت السيدة أم رائد في مقابلة تلفزيونية وهي أخت الإمام! ماذا يريدون أن تقول؟ أين الإمام اختفي، هل ضاع؟ قالت الحقيقة، وإذا بليبيا تهدد لبنان بقطع العلاقات وتهدد.
ومنذ عدة أيام ولأن السفير الليبي لم يدع إلى الجلسة الافتتاحية كتعبير احتجاجي، مع الأسف بعض الناس في لبنان اعترضوا على رئيس المجلس بأنه لا يحق له أن يفعل هذا، بالعكس لو دعا رئيس المجلس السفير الليبي وهو لم يفعل ولن يفعل إلى هذه الجلسة لكان وجه إهانة إلى الشعب الذي يعتبر هذا المجلس ممثلاً له، وإذ تأتي خطوة قطع العلاقات وطرد العمال اللبنانيين في ليبيا ووقف استيراد بعض المنتوجات الزراعية وما شاكل، وذلك لأنهم لا يعودوا يريدون أن يستوردوا منا، وهذا تهديد ووعيد! وهذا يدل على عقلية التعاطي معنا، وفي الحقيقة هنا أريد أن أعلق، لا يجوز أن نعالج هذا الأمر على أساس أن المشكلة بيننا وبين ليبيا هي مشكلة تفاح وعمال لبنانيين، هذا يجرئهم ويشجعهم للوصول إلى مرحلة يمنع فيها على مثلي وأمثالكم أن نذكر إمامنا المغيب والمخطوف والمعتدي عليه، اليوم نحن نتكلم أو الإخوان يتكلمون، يجب أن نخاف من ردة الفعل بأن هناك عمال لبنانيون سيطردون من ليبيا.
بالنسبة لنا عندما نؤمن بقضية حق نتابع هذه القضية أياً تكن ردة الفعل، في المقاومة ارتكب مجازر بحق نسائنا وأطفالنا وأهلنا ودمرت بيوتنا ولم نتراجع لأننا آمنا بأن طريق المقاومة حق، والمطالبة بالإمام الصدر والسعي الدؤوب من أجل استعادته مع رفيقيه هو حق دونه بذل الدماء والنفوس فضلاً عن أن نهدد بأرزاقنا وأموالنا.
ليبيا تقول أنها تريد أن تكافأ الشعب اللبناني بعد الانتصار بأنها تريد أن تشتري منه قليلاً من البضائع دعماً لصموده، أنا أقول لهم بالنيابة عن أمل وعن حزب الله وكل المجاهدين في لبنان كما يفعل الأستاذ نبيه بري يقول بالنيابة عن أمل وحزب الله، الذي صنع هذا الانتصار وكان طليعة الجهاد والشهادة فيهم أبناء وتلامذة الإمام موسى الصدر، وإذا كانت ليبيا تريد أن تقدم هدية للبنان ومكافأة ومساعدة للبنان على انتصاره يجب عليها أن تعيد إليه الإمام ورفيقيه.
في موضوع الانتفاضة ظهر القذافي على الفضائيات كقائد عربي ثائر عظيم مجاهد، ولم يحضر القمة العربية وأمر وفده أن ينسحب، كل هذه الحركات ماذا قدمت للشعب الفلسطيني؟ إذا كان يريد القذافي، فعلاً أن يقدم دعماً للشعب الفلسطيني فعليه أن يعيد إلى الساحة ذلك الرجل الكبير الذي كان يقول – وكانت بعض فصائل المقاومة الفلسطينية تطلق النار عليه – كان يقول: (أنا أحمي المقاومة الفلسطينية بعمامتي ومحرابي ومنبري) إذا كان القذافي يريد أن يدعم القضية الفلسطينية والانتفاضة في فلسطين عليه أن يعيد الإمام ورفيقيه، وغير هذا يكون قد تآمر على المقاومة في لبنان وتآمر على الانتفاضة في فلسطين.
على كل حال، وحتى لا يبقى الإمام ورفيقاه ذكرى سنوية في 31 آب أو عندما ينعقد هذا المؤتمر الكريم باسمه أدعو إلى تشكيل لجنة وطنية عليا – وليس لجنة شيعية عليا – لأن قضية الإمام هي ليست قضية الشيعة في لبنان، بل هي قضية كل اللبنانيين وهي قضية وطنية، عندما خطف الإمام لم تكن المؤامرة على الشيعة وعلى المسلمين، بل كانت المؤامرة على كل لبنان، على مقاومة لبنان، على وحدته الوطنية، لذلك لا نقدر أن نسجن هذه القضية ومتابعتها في إطار شيعي أو حتى في إطار إسلامي، المطلوب أن يكون هناك إطار وطني مركزي ورفيع المستوى ليتابع هذا الأمر بشكل دائم ويومي، وأقترح أن يبادر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى باعتباره المؤسسة الأولى للإمام موسى الصدر إلى تشكيل هذه اللجنة الوطنية العليا للمتابعة، ونحن جنود وعسكر في هذه القضية.
عل كل حال، أدعو إلى تشكيل هذه اللجنة، وأنا سمعت أن بعض محبي الإمام وبمعزل عن انتماءاتهم السياسية الحالية هنا أو هناك يرغبون في أن يشكلوا لجان متابعة، ولو كنا قادرين على تأليف لجنة في كل بيت وفي كل قرية وفي كل جالية فيجب علينا أن نفعل ذلك، يجب أن يكون هذا العام هو عام كشف مصير الإمام الصدر ورفيقيه، يجب أن نضع هذا الهدف نصب أعيننا ونعمل له ونتوكل على الله، والتجربة علمتنا أننا عندما نضع هدفاً ونخلص لهذا الهدف ونتوكل على الله، الله سبحانه وتعالى يوفقنا في هذا المجال.
أخيراً للإمام أقول، نحن وكل أبنائك وأحبائك في لبنان سنبقى الأوفياء لك ولخطك ولنهجك ولقضيتك في اتباعنا الإسلام القرآني المحمدي الأصيل، في دفاعنا عن المحرومين، في مواجهتنا للعدو الصهيوني ومشاريعه، في عيوننا المشدودة إلى القدس، في جهدنا الدؤوب لاستعادة الأرض والمقدسات، في حرصنا على الوحدة الوطنية، في تمسكنا بوحدة المصير مع سوريا، في إخلاصنا لثورتك الإسلامية الكبرى في إيران.
وختاماً أقول لك يا سيدي وإمامي وقائدي، لقد قلنا قبل أشهر للأسرى عهداً لن نترككم في السجون، ونحن قوم لا نترك أسرانا في السجون، فكيف يمكن أن نترك إمام أسرانا ومجاهدينا وشهدائنا وآمالنا في السجون، الطريق إلى أسرانا كان واضحاً، لا (كوفي أنان) ولا غيره، تأخذ أسرى فتحترمك الناس وتبادل، الطريق إليهم كان واضحاً وسلكناه. والسلام على الإمام الصدر من كل أحبائه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم ألقى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري كلمة جاء فيها:"لم تتوقف حدود المغامرة التي أقتحمها الإمام السيد موسى الصدر بالإضافة إلى مهمته السامية كرجل دين إلى حدود تحويل الحرمان من حالة إلى حركة مطلبية شعبية بل تجاوز حدود المشكلة الداخلية وحلولها إلى مجابهة الخطر والشر الذي استهدف الوطن والأمتين العربية والإسلامية بل والمسيحية في عقر دارها وأقصد -إسرائيل -.
ومغامرة المقاومة لم تكن بهدف توجيه الأنظار نحو عدو خارجي (عادي) بل نحو عدو رسم حدود مشروعه الإيدولوجي بشكل يتقطع نصف مساحة الجغرافية العربية (من الفرات إلى النيل) وبنى مشروعه السياسي والتنظيمي استناداً إلى القوة وارهاب الدولة العدوانية والاحتلال والاستيطان وارتكازاً على شريعة قتل الاغيار.
قبل دخول باب المقاومة موضوع المؤتمر وصولاً إلى المجتمع المقاومة في مسيرة الإمام الصدر لا بد من قراءة صورة حركة هذا المشروع العدواني الذي تمثله إسرائيل حيث لم يخل بيان أو تصريح أدلى به أو خطبة ألقاها أو ندوة أو لقاء شارك فيها سماحة السيد الإمام موسى الصدر من التعرض لإسرائيل بوصفها الخطر على لبنان وعلى العرب وعلى المؤمنين وعلى الحضارات والرسالات والثقافات، فقد لفت سماحته النظر في موضوع القدس الشريف إلى أن هذه المدينة المقدسة ترمز إلى تلاقي الإسلام مع الأديان الأخرى (الإسراء) وتفاعل الدين مع الثقافات والحضارات وشمول الإسلام لجميع الشعوب وتجاوزه العرب".
وهذا يعني أن تهويد القدس وإهانة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وانتشار الفساد والسياسات في القدس، تتعارض مع الإسلام في أعماقه وتستلزم السعي المستميت لإزالة أثار الجريمة منها.
بالنسبة إلى لبنان يقول الإمام الصدر أن علينا أن نتفهم ما يلي:
أولاً- إننا نملك مواثيق تؤكد أن إسرائيل تطمع في جنوب لبنان وذلك حسب الخرائط المطبوعة من قبل الصهاينة الذين أطلقوا مشروع إسرائيل ومن قبل السلطات الإسرائيلية وبموجب اعترفات الإسرائيليين أنفسهم.
ثانياً- إن وجود لبنان كدولة تشمل مذاهب مختلفة وعناصر متنوعة تعيش بنظام ديموقراطي مسالم لا يروق لدولة تقوم على عنصري مذهبي.
(مرجع الكلام أعلاه ندوة لسماحة الإمام السيد موسى الصدر في مؤتمر صحفي بمدينة بون عن القضية الفلسطينية وأطماع إسرائيل في لبنان بتاريخ 10 آب 1970) ومن المهم جداً العودة فعلاً إلى هذه الندوة ومجملها التي تلقي الأضواء على الوقائع المتعلقة بتشريد الشعب الفلسطيني وموقف سماحته من مفهوم أرض الميعاد.
وبمواجهة العدوان كان لا بد من المقاومة كنتيجة حتمية إلا أن إنتاج المقاومة كمشروع كان من بنات أفكار الإمام السيد موسى الصدر ولنكون أكثر دقة فإن الإمام الصدر هو رجل الدين المجتهد الذي أخرج فريضة الجهاد إلى حيز الضوء.
من هنا اعتبر الإمام الصدر على المستوى الفلسطيني أن نضال الشعب الفلسطيني تصحيح لخطأ تاريخي خطير، فهو يتعدى نطاق فلسطين، بل هو دفاع عن الأديان وعن قداسة القدس وعن تشويه لوعد الله الذي تدّعي إسرائيل اختصاصه بها وتريد تنفيذه بالنابلم (لقاء لسماحة الإمام الصدر في باريس عن صحيفة الأكروا الباريسية عدد 26657 تاريخ 30/8/1970).
على المستوى العربي وفي نداء بمناسبة حرب (رمضان) تشرين بتاريخ 8/10/73 يقول الإمام الصدر:
إذا كان رسول الاسلام عليه الصلاة والسلام قد أكد لنا أننا خلال شهر رمضان نكون في ضيافة الله الكريمة فإن الجهاد في سبيل نصرة الدين وتطهير المقدسات وكرامة الإنسان وهو أفضل الشروط لهذه الضيافة وأشرف النتائج منها.
وإذا جعل القرآن الكريم ليلة واحدة من ليالي رمضان المبارك خير من ألف شهر فإن المطلوب من ان نجعل من ليلة البدء بتحرير بلادنا ببداية النهاية للمؤامرات التي بدأت قبل ألف شهر في المؤتمر الصهيوني بمدينة بازل واستمرت واشتعلت حتى حولت أرضنا إلى منطقة انفجار وقلق ودمار.
أما بالنسبة للمقاومة في لبنان بتاريخ 6/7/1975 عقد سماحة الإمام السيد موسى الصدر مؤتمراً صحفياً وأعلن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية. هذه الولادة تمت في ظرف استثنائي حيث أن سماحته لم يكن ليستعجل هذه الولادة قبل اتمام الاستعداد والتدريب ولكن كارثة وقعت في معسكر كان يتدرب فيه شباب أمل جراء انفجار لغم بالمتدربين مما أسفر عن استشهاد 26 وجرح 43 من أصل 101 متدرباً.
ويقول الإمام الصدر: أن هؤلاء الشباب أرادوا أن يثبتوا أن الوطنية ليست شعارات ولا أرباحاً ولا مكاسب ولا متاعاً للمساومة وللعرض والطلب. بل أن الوطن هو ابعاد وجود الإنسان وأساس كرامته ومجال رسالته تجب حمايته بالأرواح والدماء حتى مع عدم تكافؤ في القوى، ويجب التهيؤ لذلك بسرعة. أنهم اتخذوا من موقف الإمام الحسين عليه السلام سلوكاً والتحقوا بقافلته ووضعوا أنفسهم قرباناً للحق والعدل وأنهم ضرورة توجيه الأسلحة، كل الأسلحة، إلى صدر العدو. وسرعان ما تولى شباب هذه الفئة الدفاع عن تلال الطيبة وعن تلة شلعبون في بنت جبيل. كانت إسرائيل في ذلك الحين قد بدأت التمهيد لاحتلالها بانشاء جيوب مسلحة من عملاء تابعين لها في مناطق الحدود.
هؤلاء العملاء كانوا قد ارتكبوا مجزرة داخل ثكنة مرجعيون صفوا خلالها 25 عسكرياً. وأقدم هؤلاء بمساعدة إسرائيل على ارتكاب مجزرة حانين في 16 تشرين الأول 1976 وتدمير كامل البلدة وكذلك ارتكاب مجزرة في سوق بنت جبيل ذهب ضحيتها 23 شهيداً و30 جريحاً.
قبل ذلك وطيلة سنوات لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية يوماً واحداً وكان المدنيون اللبنانيون وممتلكاتهم هدفاً يومياً للجيش الإسرائيلي.
وانتبه الإمام الصدر للرياح الإسرائيلية التي تعصف بلبنان انطلاقاً من الجنوب.
وأمام تخلي الدولة عن واجب الدفاع، وفي هذه اللحظة أعلن الإمام الصدر "ولادة هذه الحركة الوطنية الشريفة التي اخذت على عاتقها تقديم كل ما يملك اعضاؤها في سبيل صون كرامة الوطن ومنع إسرائيل من الاعتداءات وكما ذكرت بدءً من مهرجان بعلبك (17/3/74) قال سماحته :"نريد أن نستعد، نريد أن نربي جيلاً يتمكن من حمل السلاح بيد والمنجل باليد الأخرى. لذلك نحن في حاجة ملحة إلى التدريب العسكري. وطالبنا الحكومة بذلك وليس هنا من مجيب، نحن مضطرون إلى تدريب أولادنا وتسليحهم لكي نحفظ كرامة بيوتنا ونحفظ أعراضنا، ونؤدي دورنا في صيانة الوطن وهذا المهرجان هو كلمة الفصل في موقفنا".
ومن بعلبك انتقل الإمام إلى صور (5/5/75) معلناً: أن الحدود هي التي تحفظ الوطن وحزام العاصمة هو الذي يحفظ العاصمة، وقبل اعلان أمل عرض الإمام الصدر على الدولة أن تأخذ المسلحين وتنظمهم في ميليشيا وطنية للدفاع عن لبنان (أنا قلت لهم أنا الشيخ مستعد لأذهب وأموت على الحدود دفاعاً عن وطني).
وفي غير مناسبة أعلن سماحته أن التعامل مع إسرائيل حرام والاستعانة بها بأي صورة وبأي حجم حرام وغدر وخيانة. وأن الصبر على الأذى والمرض والحرمان على رغم اغراءات إسرائيل، جهاد في سبيل الله وانقاذ للوطن.
إلا أن العدوان الإسرائيلي كان يتصاعد، فحدث الاجتياح الإسرائيلي بعنوان عملية الليطاني، ثم حدث الاجتياح الثاني وهو الأدهى والذي برأيي تتمة للاجتياح الأول المتمثل باختطاف الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين على يد النظام الليبي بعد مرور أربعة أشهر ونصف على الاجتياح الإسرائيلي. هذا ليس مجرد صدفة أبداً بعد أربعة أشهر ولكن الشيء الذي لم يكن منتظراً ولكن بذور مقاومتنا كانت تنمو في الأرض الطيبة. وابتكرت المقاومة سلاح الإستشهاديين وابتكرت المقاومة القبضة الحسينية مقابل القبضة الحديدية. وقابلت النسوة بالزيت المغلي وهنا لا بد من التوقف لإثبات حقيقة تاريخية وهي أن انتصار الثورة الإسلامية في إيران رفع معنويات شعبنا كما رفع معنويات وقدرات قوى الممانعة العربية.
لقد اصبح كل مقاوم يرى أن له عمقاً بعيداً وقوة شعبية كبرى مساندة لحقوقه وأصبحت سفارة إسرائيل سفارة لفلسطين في شارع القدس وتغيرت معطيات كثيرة وهذه القوة مؤمنة بالله ترفض أي تفريط بالحقوق، وكنا نستند كذلك إلى سوريا الأسد التي كانت وستبقى قلعة الممانعة والمقاومة الأساس.
وهكذا وبصراحة حقق الصدريون الخمينيون والأسديون حضورهم القوي المتمايز الذي أسقط اتفاق 17 أيار.
وكانت وقفات عز لشعبنا في صيدا والنبطية وصور، وبقيادة محمد سعد آنذاك فرضت المقاومة اندحار جيش الاحتلال الإسرائيلي عن صيدا وشرقها وعن خط الساحل امتداداً من صيدا إلى صور إلى جسر الحمرا وعن جميع قضاء الزهراني وثلثي قضاء صور ونصف قضاء بنت جبيل ونصف قضاء النبطية. لم نكن وحدنا ولم نبخس أحداً من رفاق الطريق دوره وفي الطريق إلى الانتصار الأول فرضنا مشاركة كل قوى المقاومة في بناء السلطة، ولأول مرة في تاريخ لبنان تم إنشاء وزارة لشؤون الجنوب والمقاومة. ولأول مرة في لبنان أصبحت المقاومة ثقافة وطنية وأصبحت ثابتاً وطنياً. وكانت التنمية والتحرير شعارنا، كذلك برزت المقاومة الإسلامية كقوة مقاومة تشاركنا سوياً في توليد أروع صور الصمود وأروع ملاحم المقاومة وأروع صور التنسيق من اجل تمثيل شعبنا سواء في المجلس النيابي أو المجالس البلدية والاختيارية، وتمكنا سوياً من الأخذ بيد الدولة إلى موقع المقاومة وإلى موقف المقاومة وتمكنا من صنع الوحدة الوطنية والتي كان ينشدها الإمام الصدر والذي كان يعتبر أن أفضل أساليب المقاومة في وجه إسرائيل هي الوحدة الوطنية.
وهكذا وبكل وسائل الصمود والدبلوماسية ودائماً المقاومة المسلحة وبدعم مستمر من سوريا الشقيقة ومن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تم دحر الاحتلال الإسرائيلي عن أرضنا، وهنا لا بد أن أؤكد على الإنهاء الكامل للاحتلال وجلاء الجيش الإسرائيلي تماماً إلى خلف الحدود براً وبحراً وجواً.
أيها الأخوة الأعزاء
ونحن نلتقي ونجتمع حول الإمام الصدر ونهجه وخطه المقاوم ومدرسته في التعايش يلجأ النظام الليبي مرة جديدة إلى التضليل والافتراء ويحاول التبرؤ من جريمة اختطاف الإمام وإلقاء تبعات إخفائه على الآخرين تماماً كما فعل اخوة يوسف النبي بعد القائه في الجب.
وهنا أريد أن أختصر لأنني فعلاً أتبنى نفس الكلام الذي تفضل به أخي سماحة السيد حسن نصر الله لكن لا بد لي من الوقوف قليلاً عند بعض الأمور.
نقول لبعض الأقلام ولبعض المزايدين بأن نبيه بري لم يتصرف كرئيس نيابي عندما لم يدع ممثل النظام الليبي إلى المجلس النيابي بل أنا أقول منذ تسع سنوات حتى الآن لم أتصرف جيداً كرئيس مجلس نيابي إلا في كل مرة كنت لا أدعو ممثل النظام الليبي إلى أي دعوة رسمية في المجلس النيابي. ليس لأن الإمام الصدر له وشائج وأبوة على حركة أمل وحزب الله والشيعة وعلى الجميع لا ليس لهذا الأمر فقط، الإمام موسى الصدر أليس لبنانياً؟ أليس قائداَ وطنياً؟، هل وصلنا إلى الحالة التي وصلنا إليها الآن من انتصار المقاومة والوحدة الوطنية ومن الوصول حتى إلى الطائف وقبلاً مجيء قوات الردع العربية إلى لبنان لولا الإمام موسى الصدر. معقول أيها الأخوة رفات جندي إسرائيل عظام جندي إسرائيل معتدي أتى ليقتّل بنا، إسرائيل تقول أعطيك 1000 أسير 2000 أسير 3000 أو 5000 أسير، معقول أن البريطانيين لهم رفات جنديين يقولون أنهما في البقاع الغربي صدقوني حفروا المنطقة أكثر من مرتين أو ثلاثة؟ معقول الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين؟، أين هي حرية الإعلام لا أريد أن أحكي بالإمام الصدر ولا بالشيخ محمد يعقوب لكن يحكى عن حرية الإعلام عباس بدر الدين صحافي؟. معقول أن نصبح مخطئين إذا تحركنا؟ قسماً بالله يصح قول المثل "يرضى القتيل وليس يرضى القاتل" معقول (شغلة) جديدة أريد أن أقولها هناك شيء في الجو مختلف، أنا طوال عمري أعمل هكذا، لماذا هذه السنة أثير هذا الموضوع لماذا فعلاً يحاولون هم ايجاد مشكلة في البلد؟، أنا باعتقادي لأنهم يلاقون وجهاً، أنا لا أريد أن أزيد على الشيء الذي قاله السيد حسن نصر الله لا أريد أن أقول شيء آخر إنما أريد أن أقول أن الإمام الصدر ليس لأمل ولا لحزب الله ولا للشيعة بل هو لكل اللبنانيين هذا أولاً وثانياً أن اللبناني الذي انتصر على إسرائيل انطلق من كرامته، ونحن نطالب بالإمام الصدر لأننا ندافع عن الإنسان في لبنان وعن أعلى قيمة وأنا في هذه الحال ألاحظ أنني أدافع عن البطريرك صفير وعن سماحة المفتي قباني وعن كل رجل دين هؤلاء رجال الدين يحبون أن يسافروا كثيراً (بينخاف فعلاً)، هل يقبل هذا الأمر؟ هل يحكى هذا الكلام؟، اثنان وعشرين عاماً هل كانت أمل وحزب الله قاصرين؟ نتحدى يوماً من الأيام حتى في الزمن الذي يتحدثون فيه عن الميليشيات نتحدى أن يقولوا أن أمل أو حزب الله أو أبناء الإمام موسى الصدر قتلوا مواطناً ليبياً أو خطفوا مواطناً ليبياً، أليس بامكاننا هذا الأمر؟ عشرات المرات، "الله يجيبوا من سجنو" بفضل المجاهدين الأخ مصطفى الديراني في أحدى المرات تم اعتقال ثلاثة ليبيين وقال لي أنه تم التحقيق معهم فطلبت منه أن يفرج عنهم في الليل قبل أن يطلع الصبح متى أعتدينا نحن على هذا الموضوع لماذا هذا الأمر؟ لماذا؟.
هل يريدون الضحك على عقول البشر "يتفضلوا ويجاوبوا ايطاليا" تصوروا أيها الأخوة أريد ان أقولها بصراحة أن الذين خطفوا في ليبيا ثلاثة يريدون ارسالهم إلى ايطاليا فارسلوا اثنين،؟ ثم الإمام الصدر معروف بطول قامته ارسلوا شخصاً قصير القامة حتى الأوراق المكتوبة في الفندق لا يعرفون الكتابة العربية!
شيء ليس معقول حتى المتآمر لا يعرف كيف يحيك مؤامرته أكثر من ذلك أريد ان أقول كيف نجتمع على المقاومة في لبنان ويمكن أن نسامح في موضوع سيد المقاومة، ومؤسس المقاومة؟! كيف يكون هذا الأمر؟ كيف يمكن أن نجتمع ونتغنى طوال النهار بالعيش المشترك ونترك مصير أحد أهم أركان العيش المشترك في الظلام؟
لذا أقول من هنا وأنا أعرف ما الذي يحدث وأنا أعلم أن هناك محاولات لتحركات أمنية، فليعلموا أن هذه التحركات الأمنية "هذه شغلتنا" عندما نريد أن نكون رؤساء مجالس نيابية نكون، وعندما نريد أن نكون مقاومين نعمل مقاومين. ما من يوم من الأيام فصلنا بين هذين الأمرين أبداً لا ترسلوا ولا تأتوا وفوداً أمنية.
نقول لا لجان التنسيق ولا لجان تحقيق مشتركة هذا الأمر ليس حادثة سيارة أبداً. الإمام الصدر خطف واخفي في ليبيا ومصيره مسؤولية النظام الليبي وهذه القضية ليست موقفاً شخصياً وليست موقفاً حزبياً وليست موقفاً طائفياً أو مذهبياً.
إن قضية الإمام الصدر هي قضية لبنانية وطنية وقضية قومية وإسلامية فالإمام الصدر هو شخصية لها كل هذه الصفات. إنني أعيد القول أننا لن نؤخر ولن ندخر جهداً في سبيل كشف مصير الإمام وقائد مسيرة المقاومين والمحرومين.
عشتم عاشت المقاومة عاش الإمام الصدر عاش لبنان