موقع الحرية في الإصلاح والتجديد

calendar icon 02 كانون الأول 2004 الكاتب:صدر الدين الصدر

* مؤتمر كلمة سواء التاسع "موقع الحرية في الإصلاح والتجديد"


بسم الله الرحمن الرحيم

"ها انتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه والله الغني وانتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا امثالكم" [محمد/ 38]

صدق الله العلي العظيم

فخامةَ رئيسِ الجمهورية مُمَثلاً بمعالي الوزير ناجي البستاني

دولةَ رئيسِ مجلسِ النواب ممثلاً بالنائب علي حسن خليل

دولةَ رئيسِ الحكومةِ مُمَثلاً بمعالي الوزيرِ الدكتور غازي زعيتر

اصحابَ الدولة

اصحابَ الغبطةِ والسماحةِ والسيادةِ والفضيلةِ والمعالي والسعادة

اخواتي واخواني ابناءَ الإمام الصدر

ايها الحفل الكريم

السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته

1-الاصلاح والتجديد والتغيير حاجاتٌ ملحة، تفرضُ نفسها باستمرارٍ في عصرِ تسارعِ كلِ شيء، بل هي ضروراتٌ حياتية بها يتجدد الانسانُ وتتجدد الحياة... من تصدى لها نجا ومن تخلفَ عنها هلك .فالحياةُ بحسب الامام الصدر" لا تقوى على البقاءِ في الاستمرار الا اذا …جددت نفسَها بصورةٍ فتية ومُعَافاة" (الامام الصدر1975). والاكتفاء انتهاء .. سنةُ الله في خلقه.

بالاصلاحِ استمرارُ الفرد والجماعة وبالتنكبِ عنه خطرُ الاستبدال والهلاك ... فالزمنُ سيّالٌ متغير وكذلك الظروفُ المحيطة وما على العاقلِ إلا ان ينفعلَ ويتفاعل. والتحدي الأكبر ان تكونَ المحصلة لصالحِ الانسان، كل انسان. "فالأمةُ التي لا تعرف كيف تصرفُ طاقاتها في وجودها", يقول الامام الصدر، "لا يمكنُ لها ان تستمرَ في الوجود، لأنَّ من بسائطِ علمِ الحياة ان يُلفظَ الدخيلُ عليها. والشعبُ الذي لا يعرف كيف يخلقُ فرصتَه بنفسِه او يترك الفرصَ تُهدر ليس عليه ان يعتبَ على الآخرين الذين يخططون له فرصةَ الموت." (رسالة الاضحى 1971)

2-ان موضوعاتِ الاصلاحِ والتجديدِ والاحياءِ والتغيير والنهوضِ والتحديثِ قديمةٌ قِدَمِ صرخةِ الجِبرتي- على وقع مدافع نابليون-: "لا بدَّ ان تتغير احوالَنا .." واملُ النهضة لا يزال حلماً .. فلا زالت خلافاتنا تتعمقُ وانقساماتنا تزداد وتَشَرْذُمنا يتفاقم والحصار حولنا يزداد إطباقاً .

اين نحن اليوم وكلنا مهددون ومستهدفون بل ومتهمون بأننا ارهابيون؟ هل يمكن اغفال مسؤوليتنا وتقصيرنا كأنظمةٍ ومؤسسات, جماعات وأفرادا...؟

مصالحنُا في مهبِ الريح، ثقافتُنا مهددة، وجودُنا في خطر, وما زلنا عاجزين وفي أكثرَ من موقعٍ عن إقامةِ حوارٍ بنّاءٍ مثمر مع ذواتِنا وبني وطننا وامتنا ..

هل بالإمكان ان نقيمَ حواراً ناجحاً مع الآخر ونحن عاجزون عن القيامِ به على مستوى الداخل، هل بوسعنا تحقيقَ "انتصارٍ" خارجي ونحن نخوضُ صراعاتٍ لا افق لها في الداخل، أليسَ الصلح مع الذات/ تحصينُ الداخلِ شرطٌ اساسي لتواصلٍ مثمرٍ وبنّاء مع الخارج او على الاقل لردعِه؟

في ايار 1970 خاطب الإمام الصدر اللبنانيين قائلاً بل محذراً

"..... اذا استمريتم في هدرِ طاقاتِكم وامكاناتكم وصرفِها في المعارك الجانبية واذا بقيتم ترتضون الفوضى والارتجالِ واللامبالاة والغيابِ في علاقاتِكم مع الزمن، فلسوف يأخذكم عدوٌ كلِ شيءٍ عندَه بحساب"

3-"اعرَفُ الناس بالزمان من لم يتعجبْ من احداثه". قالها الإمام علي (ع). ولعلّي لا ابالغ اذا قلت, وأنا خَجِلٌ, اننا أكثر من متعجبين. يصف د.أحمد كمال ابوالمجد-نائب رئيس المجلس القومي المصري لحقوق الانسان- حال العرب اليوم بأنهم "أمة مستضعفة, مندهشة في عصر مدهش, بلغت درجة من المهانة غير مسبوقة من قبل بعد أن فقدت شوكتها " أوافق وأضيف "إلا ما رحم ربي". فما زال هناك بعض من امل في لبنان وفلسطين………...

4-تقوم ثقافة الاصلاح والتجديد .. من ضمن ما تقوم به على التصدي للجمود والانغلاق والانكفاء والاكتفاء..... على كل المستويات.. بناء على فهم واع للعصر, ظروفه ومقتضياته ورؤية واضحة لمنظومات القيم و الثوابت الاخلاقية والانسانية وبشكل يجعل هذه الثقافة في خدمة المجتمع، كل المجتمع, المجتمع العصري. فالانفعال مع الحوادث المستجدة لخدمة الامة ومصالحها وقضاياها ورؤاها دون الخروج على ثوابتها وهويتها هو هدف عملية الاصلاح.

وهنا يجب التفريق بين الرغبة في الاصلاح ومنطلقاته هذه والاصلاح المستند على وحي او ارادة خارجية. فبعد الحادي عشر من ايلول كثر الحديث عن الاصلاح حتى نُعت العام 2004 بانه عام اعلانات الاصلاح. وأصبح حضور القضية اقوى واكثر تداولا داخل عالمنا وترافق ذلك مع تنامي الدعوات الخارجية في الحث عليه بل واقتراح اهدافه وسبله والياته, بحيث تحولت مهمةُ الاصلاح الى مهمةٍ دوليةٍ لفرضِ برامجَ "معلبة" لعلها لا تراعي الكثيرَ من حاجاتِ الداخل ولا خصوصياتِه الثقافية بلْ تخدم فقط اهدافَ الدول التي تروجُ لها, الدول المهيمنة.

"... اما التطورُ المفروض من الخارج، ومن قبل الاوضاع التي صُنِعَت من الآخرين فهذا استسلامٌ ..، وليس كمالاً"، يقول الامام الصدر, بل ويؤكد" إنه فناءٌ وايْ فناء".

وينبه الامام الصدر ايضا الى انه

"ليس المطلوبُ رفضَ التطور، والاستفادةُ من المكاسب الانسانية القائمة، لكن المطلوبَ ان لا نفقدَ ذاتيتَنا واصالتَنا وان نجعلَ الانتاجاتِ البشرية الحديثة في اطارنا الاصيل، وأن نزنَها بمقاييسنا فنرفضَ، ونختارَ ونبنيَ من جديد أمةً اصيلة، بما لكلمةِ الاصيل من أبعادٍ فكرية وتاريخية وعملية ..

ولكن في الآن نفسِه ".. اذا استسلمنا دون ان نطورَ حياتَنا ومفاهيمَنا عن ديننا، ومقاييسنا الاسلامية، حسب الاوضاع الحياتية التي حصلت ونكون بمعزلٍ عن توجيه القرآن الكريم، اذا حاولنا ذلك واستسلمنا فقد خُنَّا امانتَنا، وذُبْنا، وفقدنا كلَّ شيء" ] حول تفسير القرآن/20[

اذن اهمالُ واجبِنا او عدمُ الانطلاق من ذواتنا للاصلاح والتجديد كما رفضُ الاملاءات الخارجية لمجرد الرفض او الاستسلام لها تؤدي كلُّها إلى نفسِ النتيجة بحسب الإمام الصدر.

5-والتساؤلُ الذي يطرحُ نفسُه في هذا السياق، سياقُ الاصلاح من الداخل وحالُ انسانِنا- مَنْ على عاتقه تقع مهمةُ الاصلاح- على ماهي عليه هو الاتي:

هل يمكن للاصلاح أن يتحقق مع استمرار تغييب الفرد و تهميش حرياتِه, العامة والسياسية؟

أين هي دولة القانون والمؤسسات والانظمة العادلة التي تضمنُ للانسان حقوقَه ومنها حقَّه في حرية التعبير؟

هل تمتلكُ الشعوبُ الادواتِ اللازمة, الضرورية والمناسبة لاتخاذِ القرارات المتعلقة بمستقبلها في ظل انظمةٍ شمولية أحكمت قبضتَها على كلِّ شيء، فقمعت الرأي واغتالت روحَ المبادرة والابداع على مذبح الرأي الواحد والقائد الاوحد، وابدعت من فنونِ الاستبداد والقهر والتهميش والاقصاء السياسي، ما أنتجَ وعلى امتداد الوطن الكبير سجوناً ومعتقلات ومقابرَ جماعية وأدَّت في ما أدَّت إليه إما إلى احتلال (كما مع عراق صدام) او هزيمة واستسلام (كما في حالة قذافي ليبيا)؟

6-الحريات شرطُ الاصلاح وبدايتُه. وتعزيزُه يفترض نظرةً مختلفة, عمَّا هي عليه اليوم, إلىالانسان وحقوقه. فالحريةُ كما يقول الإمام الصدر هي "المناخُ الملائم لنموِ طاقاتِ الانسان وبروزِ مواهبه" (1975) كما انها "افضلُ وسيلةٍ لتجنيدِ طاقاته…في خدمةِ مجتمعه "(1966) وغيابها أيْ "غيابُ الحرية يجعل الفردَ يخضع للحجم الذي يقدمه الغاصب للحرية .. فيتقزم الفردُ، ثمَّ تتقزم الجماعة " (1975)

7-وأخيرا, هل أبلغُ من قضية الامام الصدر ورفيقيه في ما يحكم العلاقة ما بين اصحاب الفكر والسلطة في عالمنا؟

"وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون"

source