الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر

* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"

بسمه تعالى نبدأ وعليه نتوكل وبه نستعين
وهو حسبنا ونعم النصير المعين

أيها الحفل الكريم أصحاب الدولة والسماحة والمعالي والسيادة والفضيلة وجميع الحضور في مؤتمر الكلمة السواء الثامن والذكرى الخامسة والعشرين لامتداد أيدي السوء والشر لتغييب الأشخاص ولكن آنى لهذه الأيادي مهما طالت وتطاولت أن تغيّب شعاع الروح المنبثق من مصدر الإبداع روح الأرواح الذات اللطيفة في كل ذات سبحانه وتعالى عن المبدعات والمخلوقات وتنزه عن الأسماء والصفات.
السلام عليكم أيها الأعزاء وجمهور الحضور الكرام أخوة الأديان ومحبة الإيمان لكم منا الدعاء والمباركة في افتتاح مؤتمركم المنعقد بمبادرة وجهود مشكورة من جميع القيمين والمسؤولين عن مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات، والمساهمة بإبقاء شعاع روح الكلمة السواء في أذهان العقلاء من بني البشر، في هذا الزمن المتدهور بإنسان هذا العصر عصر ذروة الرقي والتقدم المادي باتجاه معاكس مع ذروة خط التخلف الروحي والأخلاقي نتمنى لكم هذه السنة التوفيق والنتائج الطيبة في التركيز على الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية اختفاء الإمام الصدر هذه القضية المزمنة التي شاء القدر أن يضيفها إلى سجل الأقدار الكبرى العاصفة بهذا العالم عموماً و"بلبنان خصوصاً" هذا البلد الصغير في حساب المساحة الجغرافية الكونية، الكبير في معانيه التكوينية وقيمه الروحية المعنوية وكأن المكون سبحانه وتعالى صاغه منذ بدء التكوين مثالاً ونموذجاً "جزءً صغيرا"ً يحتوي كل أسرار هذا العالم الكبير فهو ملتقى الأديان والحضارات ومختبر التفاعل لجميع الطوائف والمذاهب والأديان فيما بينها ومع الآخرين بكل ما فيها من الأخيار والأشرار والعقال والجهال وكل أنواع وأشكال الازدواجات لتتولد النتائج من بينها وتجمع محاصيل مقدمات الأعمال لكل نفسٍ، بما كسبت عبر الدهور والعصور منذ صدور أمركن وصولاً إلى نقطة عودة الدائرة إلى مرتكز البيكار والأفراق الأخير في محطة الختام بين أبناء النور أحباب الحق والعدل والسلامة والسلام وأبناء الظلمة أهل الفساد والعناد والتكبر والغطرسة والطغيان.
نعم أيها الأخوة هذا ما يحدث عندنا وما يحدث في هذا العالم المهزوز مع بعض التفاوت في المظاهر ولكن الجوهر واحد لأن هوية الخير في الأصل واحدة وهوية الشر واحدة أيضاً وهي كالظلمة لا تولد إلا بغياب النور، ومن هنا نذكر دائما بقول صاحب اشراق الشمس العيسوية في الدرس المتقدم للعائلة البشرية. جاء النور إلى العالم فأحب الناس الظلمة أكثر من محبتهم للنور ومن بعده الدرس الآخر لصاحب إشراق الشمس المحمدية "ولقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون".
وما أوصل الخلق إلى ما هم به من هذه الدوخة العظيمة والرعب المتزايد من شبح الإرهاب المجهول الهوية المسبب لموجة الجنون التي تجتاح هذا الكون إلا لبعدهم عن الحق هم اختاروا طرقهم وهو سبحانه تعالى اختار لهم مصائبهم ولن يغيّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، هذا هو الكون والتكوين كما أراده المكون بكل تناقضاته وازدواجاته مهما عظمت وكثرت تبقى صورة مرآة تعكس صورة النفس الإنسانية بإرادة العزيز القدير وهذا هو الإنسان الذي حمل الأمانة وكان ظلوماًُ جهولاً وهذا هو القدر المرسوم منذ غابر الدهور حيث كانت كلمة "كن" مصدر العبور وفي حرفيها كل معاني التكوين والسر العميق الرابط القوي بين الحق والتحقيق، كانت وما زالت مصدر إزعاج وقلق دائم وخوف لكل ضعفاء النفوس الضائعين وقليلي الإيمان من كل الطوائف والمذاهب والأمم والشعب والأديان هنا وهناك وفي كل مكان، "من ثمارهم تعرفونهم" والحقيقة واضحة والدلائل ثابتة والذين استيقظت عقولهم وضمائرهم في معظمهم لديهم القناعة بالحق والحقيقة ولكن تنقصهم في غالبيتهم الشجاعة للتصريح والتوضيح ووضع النقاط على الحروف ووضع حد لجولة الباطل وأتباعه الذين أنتجوا هذه الحالة الصعبة من الضيق والمعاناة على كل الأصعدة وفي مختلف المجالات، ولم يعد ينفع التداوي بالمسكنات وهي أضعف الأدوية وهي سياسة منطق الهروب من الحاضر ومعالجة النتائج وتجاهل الأسباب، فلا بد من إجراء عملية جراحية صعبة للجسم المريض وتبدأ هذه العملية بتشخيص الداء المستعصي وكشف حقيقة المرض القاتل المتفشي في النفوس التي تعاني من نقص المناعة الخلقية والمعنوية والروحية وبالتالي مصيرها التآكل الذاتي والسقوط في هاوية حضارة العصيان وفقدان الإيمان والاستسلام والخضوع لشبح الباطل الأكبر ورموزه وممثليه من كل الأحجام الكبيرة والصغيرة ذات الوجوه والرؤوس التي تظن انها مختبئة وهي ظاهرة لكل العقلاء والأصحاء في زمن سقوط الأقنعة، فالحقيقة أجمل والخالق القادر القاهر الصابر بخلقه، رحيم عليم بما في الصدور يمهل ولا يهمل وقد هجم القدر لامتحان البشر وتصفية الكدر وإزهاق الباطل وهدم مبانيه المؤسسة منذ القدم على رمال الغرائز والمطامع المتحركة والشهوات البهيمية المادية المنسوبة للطبائع الإبليسية الشيطانية السفلية المنافية للطبائع العقلية الإنسانية الآدمية المتصلة بأصولها العلوية القدسية الإلهية ومن هنا يصح معنى الحكمة العقلية في نتيجة التصفية النهائية بعد دورة الدائرة الكونية وبلوغها مفعول دورانها في محطة التركيز والاختبار والاختزال وامتحان قوة الإيمان في كل إنسان من أبناء البشر هنا وهناك وفي كل مكان، فما لطف فإلى عالم العقل يرقى وما كتف ففي عالم الطبيعة يبقى من هنا صيحة الحق تزعج النوام والقوة الإلهية بالمرصاد لكل هذه القوى الوهمية تتدخل في الوقت المناسب ولا تسمح للظلم أن يستمر أكثر وليس الشر والأشرار إلا آداة لامتحان الأخيار فالنظام الكوني واحد في شرعة صاحب الإبداع الحق الواحد الأحد الفرد الصمد ولو شاء لجعلكم أمة واحدة إنما جعلكم قبائل وشعوب لتعارفوا كما قال في آياته النورانية إن أكرمكم عند الله أتقاكم ولباس التقوى الظاهر أيها الأحباء لا يكفي ولا يظهر الحقيقة كما هي بل غالبا ما يخفيها تماماً ويشوه وجهها المشرق كما يصنع الفحّام بالجوهرة يلطخ بالسواد جوهر مرآتها المضيئة الشفافة فيتحول نور اللطافة إلى ظلمة الكثافة، ويختفي الحق ويضعف أحبابه ويقوى الباطل ويعلو سقفه ويحدث هذا التدهور المريع للأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية وتتحول الساحة العالمية إلى مسرح فوضى ونزاع وصراع وصور الضحايا والأشلاء وسفك الدماء ماثلة في أعين وأذهان البشرية جمعاء في هذه القرية الكونية الممسوكة بشبكة الخيوط الخفية التي تنسجها عناكب الطمع والشر المقنع بالتكنولوجيا المتقدمة لأحكام السيطرة والهيمنة كما في منطق شريعة الغاب لتكتمل فصول هذه المسرحية على وقع بوق الشر النافخ وتدفق الأحداث المأساوية والتدهور الكبير المنذر بالحدث الأكبر والكل يتفرج ويسمع ويرى التزيف والنفاق والخداع والشعارات الفارغة ومزاريب الكلام التي تصم الأسماع ولا تساهم إلا بالمزيد من تدهور الأوضاع وفقدان الأمن والسلام والاستقرار فالسياسي والدبلوماسي والمسؤول حاضر في أطماعه وغرائزه ومصالحه غائب عن مفهوم تصرفاته في حقيقة صورته الذاتية وتدني قيمه المعنوية والخلقية قال ليقول والأمور سارية في المجهول والشعب المسكين غائب عن الوعي غارق في خضم معاناته وآهاته وويلاته يصفق للشر القوي ويضحك على الخير الضعيف هذه هي حالة العامة من الناس المغلوبين على أمرهم لم يبقى لهم إلا التضرع والدعاء ولا خلاص إلا بمعجزة، وهذا ما سيحدث بإذنه تعالى فما أذن الله لعبده في الدعاء إلا وأذن له في الإجابة وعند ذروة الضعف والتضاؤل تحدث معجزة القوة فيستيقظ أصحاب الهمم من كل الشعوب والأمم وترتفع صيحة الحق ليرجع القدم ويجتمع من الآفاق أبناء النور عبر العصور وروح الأرض ومعانيها من تراسيم وإبداعات وهويات وألسن ولغات وأديان وطوائف ومذاهب وقبائل كثيرة ومناهج عديدة ومتعددة في المظهر لكنها موحدة في الجوهر تجمعها لغة روح التخاطر والوعي والفهم لجوهر الكلمة السواء رغم بعد المسافات وتعذر التواصل بالأجسام، تتواصل بالفكر والعقل والوعي وعمق الثقة والإيمان بأن لهذا الكون مكون ولهؤلاء الخلق خالق لخلقه سميع والاجتماع بأمته لا يضيع ويتحقق ما نام عليه الدهر طويلا وهو يوم الحشر والإفرق الأخير بين أبناء الظلمة وأبناء النور، بين أبناء المحبة والحق والعدل والسلام والسلامة وأبناء الظلم والطغيان والحسرة والندامة، ولا يتم هذا الإفراق كما في أوهام وأذهان الجهلاء المتمسكين بزخارف التفسير والكلام والشعارات والأوهام والخوف من الأحداث وما يحدث وسيحدث، والحقيقة العقلية ان كل ما يحدث بيد المحدث ولا يغير الحديث عن الأحداث إلا بالمتحدثين، وأن التغيير المطلوب للخلاص من مسرحية الشيطان يبدأ من النفس الإنسانية مركز كل هذه الصراعات والنزاعات والأهواء والغرائز ولا جدوى من الخوف من سطوة وقوة العدو الخارجي مهما كانت وفي آية صورة ظهرت ومهما طغت وظلمت وبغت وتكبرت تبقى ضعيفة وصغيرة أمام قوة الروح الحقيقية المعززة بسلاح الإيمان الصادق، النابع من عمق الثقة وقوة الاتصال والانسجام مع الحق القادر القاهر ـ فلا شيء يضعف الإنسان أكثر من ضعف الإيمان ولا شيء يقويه أكثر من قوة الإيمان ـ ومن هنا نفهم معنى حقيقة التغيير بقوله تعالى "لن يغير الله بقوم حتى يغيرروا ما بأنفسهم". ومن هنا القناعة والثقة واليقين المرتبط بجوهر الدين أنه لا خوف ولا ضعف مع الحق وإلى الحق وأصحابه المؤمنين الصامدين، الصابرين، والدروس الوافية لأصحاب الرؤوس الفارغة والقوى المستكبرة الطاغية والتصفية جارية لكل أصحاب الفساد والغرور والتسلط والطغيان عمرهم قصير وحسابهم عسير وسيف الحق بالمرصاد لقلب الموازين وأعزاز المحقين المختارين من كل أمة وشعب ودين حتى تؤمن بالقدرة والحماية الإلهية جميع أمم البشر وتكتمل قوة اليقين ويكشف الستار عن كل الأسرار وتعلن النتيجة النهائية وتفاجىء الجميع فتحرر البلاد والعباد هنا وهناك وفي كل مكان من كل قوى الشر والغرور والطغيان ويعلم المستكبرون الظالمون لمن عقب الدار وكما سبحانه وتعالى رفع السماء دون أعمدة سيرفع راية الحق ويهدم سقف الباطل رغم كل تائه عنيد.
والسلام عليكم وطابت أوقاتكم وتكلل بالتوفيق والنجاح مؤتمركم ومسعاكم وعاش الإيمان الصادق في القلوب ليتحقق المطلوب وعشتم وعاش لبنان.