* مثله المطران يوحنا حداد
* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"
بتكليف من صاحب الغبطة، غريغوريوس الثالث، بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين، يشرفني ان امثل بإسمه أمامكم لكي أعبر لكم عن عظم تقدير وإحترام طائفتنا لما بذله سماحة الإمام المغيب موسى الصدر في سبيل شعبنا اللبناني، بجميع طوائفه ومذاهبه، وما تسعى إليه، بعد غيابه، شقيقته الفاضلة السيدة رباب الصدر شرف الدين، لكي تنشر روح الإخوّة الصادقة والإخلاص والمحبة بين كافة أبنائه.
لقد إلتزم الإمام الصدر، في كل تصرفاته، بما أملى عليه القرآن الكريم، حيث جاء في إحدى آياته:" قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء، وجادلهم بالتي هي أحسن ".
فلا عجب إذا ان نلبي، نحن المسيحيين، هذا النداء للحوار الأخوي إذ يفرض علينا أيضاً السيد المسيح ان نحب بعضنا بعضاً، نحن البشر، كما احبنا هو، ويوضح لنا أيضاً في إنجيله المقدس قائلاً : " كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم أفعلوا انتم بهم. " أي أطلبوا لهم كل الخير الذي تريدونه لأنفسكم.
إن النزعة الأنانية لدى الطبيعة البشرية تبعد بكل أسف الإنسان عن أخيه الإنسان، سواء كان فرداً او جماعة او دولة.والواجب بفرض على كل من لديه تاثير على الآخرين أن يبذل كل ما بوسعه ليحقق إرادة الله الخالق في حياته ويسعى أيضاً لإقناع إخوته البشر بوجوب الخضوع الى ما يملي عليهم الوحي الإلهي، أنسجاما معى قناعاتهم الذاتية النيرة وإستقامة ضمائرهم.
ولا شك بأن ما قام به السيد موسى الصدر من جهد في سبيل إقامة وتفعيل هذا الحوار البناء يعطينا الثقة والإطمئنان بأن شعبنا اللبناني الأبي كان وسيبقى خاضعاً للأنوار الإلهية وصامداً وناجحاً في مضمار التطور والنمو الإنساني، لأجل هناء وسعادة كافة أبنائه.
يرتكز مجتمعنا اللبناني، كما هو معلوم، بمعظم فئاته، الى عقائد ومبادئ الديانتين السماويتين الكبيرتين، المسيحية والإسلام، اللتين تظهرا بوضوح جوانب الوجود البشري، المرتبط اولاً بالخضوع والعبادة لله خالقه، والملتزم بإحترام كل إنسان لحقوق أي إنسان آخر.
إنّ هذه العلاقات المسيحية الإسلامية تشكل بالتالي، ليس فقط موضوع حوار أفكار لاهوتية، بل يجب ان تشمل أيضاً البحث عن كافة الأمور الحياتية، السياسية والإقتصادية والثقافية وغيرها، بغية الوصول، بطريقة ديمقراطية، الى قواسم مشتركة يتفق عليها ويرتاح لها الجيمع.
لقد إتبع السيد موسى الصدر، في كل أقواله وتصرفاته ، هذا النهج الديني والعلمي، وعاش مؤمناً بهذه الحضارة الإنسانية الراقية وسعى بكل قواه لكي يوطدها في وطننا الللبناني الذي يمثل شعبه المؤلف من طوائف ومذاهب مختلفة مجموعة إنسانية تسعى كلها للتمتع بحرية التعبير والثقافة والمساواة في الحقوق والواجبات وممارسة الديمقراطية الصحيحة بحيث يستطيع جميع المواطنين أن يشتركوا بفرص متكافئة ويطبقّوا بإدارة المسؤولية عنهم خطة الإنماء المتوازن بين جميع المناطق.
إننا، مع أسفنا الشديد لغياب سماحة الإمام السيد موسى الصدر عن الساحة اللبنانية، منذ خمس وعشرين سنة، يطلب لنا أ نعيد ذكراه العطرة في هذا اللقاء الوطني الأخوي، آملين ان تتضح ظروف إختفائه مع رفيقيه، ومؤكدين العمل المتواصل، بموجب توجياته وإرشسادته الخيرة، ليبقى لبنان عنوان الحضارة الإنسانية ورسالة الإخوة والإلتزام والمحبة بين البشر.
والسلام عليكم ورحمة الله بركاته