* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه الذين إتبعوه بإحسان وعلى جميع أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين.
أصحاب السعادة والسماحة والفضيلة أيها الحفل الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد...
بداية لا بد لي من ان اتوجه الى جميع المشاركين بأعمال هذا المؤتمر بالترحيب والمباركة وأخص بذلك الأخت السيدة رباب الصدر على رعايتها السنوية لمؤتمر كلمة سواء وعلى جهودها في خلق الفرص والمناسبات التي من شأنها تحريك العقول وتفعيل الأفكار في مناقشات وأبحاث تخدم الحقيقة وتؤسس لقواعد ومنطلقات ثابتة بإتجاهات إنسانية مجردة لا تعرف في أبعادها سوى الحق أينما كان هذا الحق وليس كيفما كان.
إن المناسبة كريمة أيها الإخوة وعزيزة على قلوبنا جميعاً سيما وانها تأخذنا الى رحاب اخ كريم وحبيب ليس علينا نحن أبناء جلدته ودينه ومذهبه فحسب، إنما على جميع من عايشه وعاشره وعرفه، وأعني بذلك الإمام المغيب السيد موسى الصدر، هذا الإنسان العظيم بفكره وقلبه وإيمانه، العظيم بإنسانيته بفهمه للرسالات السماوية، على أنها رسالات نور وهداية، رسالات محبة وتآلف، رسالات اخلاق وقيم، رسالات الخروج من الظلمات الى النور، رسالات كلمة حق تقال امام سلطان جائر، طغى وتسلط وإستفرس وإستحكم بأمور الناس، فراح يسومهم ويستعبدهم ويسترقهم لخدمة اهدافه وأطماعه وغاياته.
أن الإمام موسى الصدر الذي عرفناه وتعرفنا إليه من خلال مواقفه ومفاهيمه، يذكرنا دائماً بمدرسة أهل البيت(ع)، مدرسة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، مدرسة الإنصاف والعدل والإنسان، حينما كان يخاطب الولاة، بقوله: " انصفوا الناس من انفسكم وإصبروا لحوائجهم، فإنكم خزان الرعية ووكلاء الأمة، ولا تحسموا احداً عن حاجته، ولا تحبسوه عن طلبته، ولا تبيعُن للناس من الخراج كسوة شتاء ولا صيف، لا دابة يعتملون عليها، ولاتمسنّ مال أحد من الناس " .
إنها مدرسة الإيمان المطلق بالواحد الأحد، الإيمان الذي يصون الإنسان ويحفظ كرامته ويأخذها الى حيث الكمال والسمو والإعتزاز بهذه الإنسانية التي أرادها الله أن تكون عصية على كل محاولات التشويه والتدنيس، إنسانية تقف بكل فخر وإعتزاز وإقرار بالعبودية الله سبحانه وتعالى تتحدى الظلم وتواجه الإستبداد، وتطلق الصوت عالياً وبكل حرية، في وجه كل ظالم، ومستبد ومستأثر، في وجه كل إقطاع فكري وسياسي وإقتصادي، في وجه كل من يتسبب بحرمان الناس وتجهيلهم، ويصادر حرياتهم وطاقاتهم ويرتهنهم لصنميته وانانيته.
إن موسى الصدر أيها الإخوة هو هذا الصوت الحر الذي إنطلق على نهج أمير المؤمنين(ع): " لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً " وعلى نهج عيسى بن مريم(ع) حينما قال: " ويلكم يا عبيد السوء من اجل دنيا دنيّة وشهوة رديّة، تفرطون في ملك الجنة، وتنسون هول يوم القيامة، طوبى للمتواضعين في الدنيا، طوبى للمصلحين في الأرض، اولئك المقربون".
نعم إن موسى الصدر هو هذا النداء الإنساني الصارخ يدوي مجدداً وفي كل لحظة في ارجاء هذا الوطن وهذه المنطقة وهذا العالم ليذكرنا بوطنيتنا، ليذكرنا بإنتمائنا العربي والإسلامي، ليذكرنا بإنسانيتنا ويدعونا ليس الى كـلمة سواء فحسب إنما إلىعمل سواء في هذا الوطن، وفي هذه المنطقة ، وفي هذا العالم، إن صوت الإمام الصدر يقول لنا لماذا الأنانيات ؟ وهذا الغرور؟ وهذا الخواء السياسي؟ لماذا تزييف الحقائق؟ لماذا هدر الطاقات وإذلال الناس بسياسة لا نرى فيها إلاّ التحدي يدفعها حب الذات، وصراع المصالح الخاصة، وتحكمها الحسابات الضيقة ، والحساسيات الطائفية والمذهبية التي أنتجت وضعاً اقتصادياً متأزماً ومعيشياً ضاغطاً وتكاد تفقدنا الثقة بهذا النظام السياسي الذي وبكل أسف نراه في اكثر المواقع والمواقف يرتكز على منهجية " الخرق والتجاوز" في كل شيء، في الدستور، في القانون ، في العدالة ، في التنمية ، في الإصلاح، في التربية ، في الصحة ، في المدرسة ، في الجامعة ، في الإعلام، في القيم الانسانية وفي الأخلاق.
إننا نعيش فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية، همشت إنساننا ، وزعزعت استقرارنا ، وهددت وطننا ، والخروج منها لا يكون إلا بإعادة الاعتبار لهذا الانسان اللبناني الذي هو رصيد هذا الوطن الأول والأخير ،" فلبنان بلدنا ، يقول الامام موسى الصدر ، وإذا كان لغير هذا البلد بعد الانسان ثروة، فثروتنا في لبنان بعد الانسان إنساننا ايضاً "، هذا هو لبنان الذي ينادى به الامام موسى الصدر، وينادي به كل مؤمن بوحدة هذا البلد ، وبصيغة عيشه المشترك ، وبنموذجه الرسالي الذي عنوانه هو الانسان ، وبالكلمة السواء ، والعمل السواء، هذا العنوان به ننمي شعورنا الوطني، وبه نقوي إرادتنا، وبه نصنع مجد لبنان الواحد الموحد، القادر على مواجهة هذه الأعاصير الهوجاء التي تهب علينا من كل حدب وصوب، أعاصير التحدي والتهديد والترهيب،أعاصير التوطين التي تحركها سياسة الانحياز الأميركية وتعمل ما بوسعها ، داعمة ومؤيدة ومساندة لكيان صهيوني بات يجسد خطراً متزايداً ليس على الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة فحسب إنما على الانسانية بأسرها . وما نعيشه الآن على الصعيدين الأقليمي والدولي من خوف وعدم استقرار في مختلف الميادين ، وما يجري في العراق وفلسطين وفي أكثر من بقعة من بقاع هذا العالم تحت عناوين مختلقة ومشوهة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، يؤكد الحاجة الملحة الى كلمة سواء تضع حداً لجنون المصالح على حساب القيم وكرامة الانسان.
خمس وعشرون سنة مضت على تغييب الإمام الصدر ورفيقيه ، ولا تزال هذه القضية بأبعادها الانسانية والوطنية والقانونية لغزاً يكتنفه الغموض في ظل تحرك يكاد يكون خجولاً من قبل أصحاب التأثير والشأن.
وكأن الامام الصدر أذنب بحق لبنان عندما قال ان التعايش ليس ملكاً للبنانيين لكنه أمانة ومسؤولية وواجب....
وأذنب بحق الفلسطينيين عندما قال أن شرف القدس يأبى أن تتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء...
وأذنب بحق العرب عندما كان يدعو دائماً الى موقف عربي موحد وتضامن عربي أفعل، واستراتيجية عربية تعيد لهذه الأمة حقها وعزتها وكرامتها . نعم، لقد أذنب موسى الصدر بحق هؤلاء جميعاً فغيّبوه ولكن غاب عن بالهم أنه باق ثم باقٍ في فكر وعقل كل من آمن بالله وبرسوله وباليوم الآخر.
وأخيراً أتمنى لجميع الأخوة التوفيق في مناقشاتهم وفي مقرراتهم وآمل أن تكون من أجل لبنان ومن أجل الانسان في كل مكان.