* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"
أيها الحفل الكريم
قُسط لي ان أن اتناول في هذا البحث الناحية القانونية للتغييب لا سيما الجرمية منها، كما في في القوانين الوضعية الداخلية .
وكانت امنيتي لو خُيّرت، ان اتناول اوجه اعم وأشمل لهذه القضية التي لاتقاس بقضية ما أو توصف وصفاً مشابهاً لها، إذ لا مثيل لهذا الجرم الذي إرتكب بحق أحد أبرز خلق الله وأقربهم إليه، هذا الأمر الذي ندر ان يجاد بمثله على البشر، وكأنه تعالى أراد لنا من خلال صفيه ومختاره ووليه الإمام الإمام، ان يجعل نفوسنا في ولهٍ دائم ولوعة مستمرة وحيرة قتالة، كما هي الحال مع من إصطفاهم، وهم قلة، عبر تاريخ البشرية، أنبياء وأولياء، وقديسين وحاملي رسالة الخير والهناء وبشرى الخلاص من خلال تمجيد الخالق والحنو على خلقه والعمل على توجيه مؤمنيه لخلاص نفوسهم ونيلهم الرضى والثواب.
لكنني مرغم والحال ما هي، أن أدلي بالوصف القانوني، وكأني أفرغ دلواً في محيط لأملأه، فكيف إذا كان المقصود محيط الإمام، الإمام المحيط الشامل الجامع اللامحدود.
الإمام موسى الصدر، كنا ونحن في شبابنا نسعى إليه بعدما أصبح ظاهرة خارقة في المجتمع، بدأ من صور حتى بيروت، فما نفوّت فرصة يتكلم أو يحاضر او يحاور فيها الإمام، في أي مكان، إلاّ ونكون باكورة رواده نتلفق بنهم ما يتدفق به لسانه ويفيض به جنابه ويجود به عقله النير المنير الهادي، لما لخطابه من وقع لدى اللبنانيين والعرب مسيحيين ومسلمين، وكيف بأسلوبه السهل ونهجه البسيط إخترق الجدران وحطّم الأسوار وقرّب الأديان بعضها من بعض وعلّم الجيل الطالع كيف تكون الوحدة ويكون الإنصهار وكيف تكون الوطنية وكيف تكون القومية، وكيف يكون إختلاف الدين مدخلاً للتآلف والتآخي ولخدمة الإنسانية جمعاء ولتمجيد الخالق الواحد الأحد عزّ وجلّ.
بعد هذه المقدمة الطويلة، والتي مهما قيل فيها او معها لا تفي بالإمام الإمام، انتقل الى الحالة الوضعية للقانون فأتناوله بإختصار من نواحيه المدنية والجزائية.
في القانون المدني
تعرف المادة 33 من قانون الإرث والوصية بقولها: المفقود هو الغائب الذي لا يعرف مكان وجوده ولا يعلم أحي او ميت، وتتحدث المواد اللاحقة من المادة 34 الى 38 من القانون عينه عن المفقود وفقاً لحالات تحددها والتصرف بإرثه وفيما إذا ظهر حياً في محل محدد الأمور التي في رأي، لا تهمنا في الوضع الراهن لأننا كما سبق وقلت تجاه قضية فريدة من حيث النوع والظروف، وليس بقضية عادية تتناول أشخاصاً فقدوا أما في الحرب أو انقطعت اخبارهم بعد غياب.
وكذلك تعالج قوانين الأحوال الشخصية، حسب الطوائف نتائج غياب المفقود، وكلها تعنى عامة بإرثه وأحوال زوجته وكيفية التصرف بما تركه من أموال منقولة وغير منقولة.
وثمة إجتهادات عديدة للمحاكم اللبنانية تتناول المفقود وأثار غيابه وتعالج نتائجها وكذلك لعلماء القانون اللبناني والفقهاء والمجتهدين أراؤهم القيمة في هذا الموضوع منهم الدكتور صبحي محمصاني أستاذنا رحمه الله، وقد استند في شروحاته الى العديد من المشاهير. مثل الشيخ يوسف الفقيه في الأحوال الشخصية في فقه أهل البيت، في شرح أحوال الغائب والمفقود، والسيد أبو القاسم الخوئي، في منهاج الصالحين، والرئيس القاضي عفيف شمس الدين في المصنف في قضايا الوصية والإرث والأحوال الشخصية الى ما هناك من دراسات وإجتهادات معمقة تتناول الأحوال الناجمة عن غياب المفقود في مجالات الإرث والأحوال الشخصية ونتائجها المادية والمالية.
اما في قانون العقوبات، أي الناحية الجزائية للخطف والتغييب فإن قانون العقوبات عالجها في الفصل الأول من الباب السابع. كما عالج الفصل الثاني من الباب الثامن – البند الأوّل حالات حجز الحرية والخطف ولن أتطرق الى تفاصيلها. اكرر القول هنا، بان هذه الحالات وإن بحثت فإنها تفيد حالات عادية لأناس عاديين وليس بوارد من نجتمع اليوم وبعد اكثر من ربع قرن على تغييبه ولا يزال شغل الناس الشاغل وهمهم الملازم وهاجسهم المستمر، ماليء دنياهم، ساكن ضميرهم، لا يتصورونه إلاّ عائداً إليهم بهامته الوجاهة وعلى ثغره إبتسامة المسامح للمسيء، اللهم إذا عاد المسيء عن إساءته، وإستغفر ربه، وتاب امام الناس عما صنعت مكيدته من فعلة شنعاء استنكرها العالم وما يزال بإنتظار الأفراج عن الإمام، ليعود يرعى خراف الرب بما اوتي من وحي وتقوى وعلينا جميعاً سلام الله.