* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الثامن: "الأبعاد الإنسانية والوطنية والقانونية في قضية الإمام الصدر"
رغم مرور ربع قرن على اخفاء الإمام موسى الصدر، لا يسعنا إلاّ أن نعرب عن أسفنا لعدم اتضاح مصير هذا الزعيم الشيعي الكبير. فقد شاءت ارادة الله، وتساهل وتسامح ممن كان باستطاعتهم ان يخطوا خطوة مؤثرة في هذا المجال إلا أنّهم لم يفعلوا ذلك لاعتبارات غير مبررة ودوافع سياسية؛ أن يلاقي الإمام موسى الصدر مصيراً كواحد من أكثر علماء الشيعة مظلومية، حيث كان اخفاء سماحته في ذروة عطائه وازدهاره، وفي وقت كان باستطاعته ـ تزامناً مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران ـ أن يفجر نهضة عظيمة في أوساط المسلمين اللبنانيين والفلسطينيين وبقية شعوب المنطقة.
إن أول مرة تعرفت فيها على اسم الإمام موسى الصدر، كان قبل حوالي ثلاثين عاماً، كنت طالباً في الثانوية العامة حيث قمت بزيارة قصيرة الى لبنان. ويومها كنت أسمع هذا الإسم يتردد على ألسنة الكثيرين من اللبنانيين الشيعة، الذين كانوا يتفاخرون كونهم من معتنقي المذهب الجعفري واتباع الإمام موسى الصدر، ولا يكتموا اعتزازهم وكبريائهم بهاتين المفخرتين. وحينها شعرت بأن الإمام موسى الصدر استطاع أن يمنح شيعة لبنان هويتهم التي لا يمكن تجاهلها بعد الآن.
كذلك لا يسعني إلاّ أن أتقدم بالشكر والتقدير للقائمين على هذا الملتقى، والجهود التي تبذل على طريق احياء ذكرى الإمام موسى الصدر. إذ أن مثل هذا الملتقى يضم بالتأكيد كثيرين ممن هم أكثر أهلية مني للحديث عن أبعاد شخصية الإمام موسى الصدر. غير أن ما عُهد به إليّ هو بحث متابعة قضية سماحته على الصعيد القضائي والقانوني، وهذا ما سأحاول التطرق اليه والوقوف عند ابرز النقاط التي أراها مناسبة بقدر ما يتسع اليه الوقت.
في البدء أرى من الضروري الاشارة الى أنه ونظراً لتزايد حالات الاختفاء القسري في العقد أو العقدين الأخيرين، تمت المصادقة على العديد من المستندات والوثائق الدولية، لاسيما من قبل منظمة الأمم المتحدة، بهذا الخصوص، حيث استنكر هذا العمل وأدين بشدة. وقد نص ميثاق ـ اعلان ـ الجمعية العامة للامم المتحدة، الصادر في 18 ديسمبر 1991 تحت عنوان: (الإعلان عن حماية الأشخاص في مقابل الاختفاء القسري)، ضمن القرار رقم 133/47، نص على أن الاختفاء القسري يتجلى في حالات: (توقيف الاشخاص دون ارادتهم، واعتقالهم او اختطافهم او حرمانهم من حرياتهم بأي شكل من الاشكال. وإن مثل هذا العمل يتم على أيدي المأمورين الحكوميين، او الجماعات المنظمة، أو الأشخاص العاديين الذين يمارسون أعمالهم بأمر من الدولة او برضاها ودعمها المباشر أو غير المباشر، وفي وقت لم تقدّم أية معلومات حول مصير أو مكان احتجاز هؤلاء الأشخاص، ولا يتم الاعتراف بحقيقة أن هؤلاء قد تم حرمانهم من حرياتهم بحيث تضعهم خارج نطاق حماية القانون).
إن التبعات السيئة لاختفاء الأشخاص القسري لا تخفى على أحد. فكم من التعذيب تتعرض له الضحية اضافة الى القلق والاضطراب اللذين يخيمان على أفراد أسرته وجهلهم بمصيره. هذا فضلاً عن القلق والاضطراب الذي يسيطر على أصدقاء وأقارب الضحايا نتيجة لإفتقارهم للمعلومات التي تدل على بقائهم على قيد الحياة أو موتهم، وفي حالة بقائهم احياء يجهلون وضعهم الصحي ومكان احتجازهم. وكل ذلك يحول دون تكيفهم مع الظروف الجديدة التي من الممكن أن تطرأ في حالة وفاة أحد أعزتهم.
ومن هنا فإن هذا العمل الإجرامي يعتبر انتهاكاً للكثير من حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمعاهدات والمواثيق الأخرى الخاصة بحقوق الإنسان نظير: حق الحرية والأمان، وحق الحياة، وحق السجناء بالتمتع بالحد الأدنى من حقوقهم، وحق التعليم، وحق عدم احتمال السلوك غير الإنساني والمهين.
وانطلاقاً من الماهية غير الإنسانية لهذا العمل، دعت الجمعية العامة للامم المتحدة ـ القرار رقم 173 / 33 الصادر عام 1979 ـ لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ـ التي باشرت عملها منذ عام 1946 ـ الى دراسة هذا الموضوع.
وفي 29 شباط 1980، أقدمت اللجنة في ضوء القرار رقم (XXX VI) 20، على تشكيل فريق عمل مكوّن من خمسة اعضاء يتولى مهمة بحث هذا الموضوع ودراسة الشكاوى التي ترد خلال العام. واستمر هذا الفريق ـ اللجنة ـ في عقد اجتماعاته مرة كل عام حتى سنة 1986. وبعد ذلك أخذت تعقد الاجتماعات مرة كل سنتين حتى عام 1992. ومنذ ذلك التاريخ ولحد الآن تعقد اللجنة اجتماعاتها مرة كل ثلاث سنوات.
مثّل تشكيل فريق العمل هذا اول تحرك لبحث ودراسة الموضوعات الخاصة (Thematic). وبعد ذلك تمت اضافة موضوعات أخرى نظير: الإعدامات الفورية، والتعذيب، واستقلالية القضاة، وحرية العقيدة والرأي، والعنف ضد النساء، والتمييز العنصري الى غير ذلك من الموضوعات؛ الى عمل لجنة حقوق الإنسان. ومثل هذا يوضح مدى أهمية موضوع الاختفاء القسري، مقارنة مع حالات انتهاك حقوق الإنسان الأخرى، من وجهة نظر لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
وقد قام فريق العمل المكلف بدراسة حالات الاختفاء القسري، منذ بدأ عمله عام 1980، بدراسة (000ر50) خمسين ألف حالة في أكثر من سبعين بلداً من بلدان العالم، وقدّم تقاريره الخاصة بها الى الاجتماعات السنوية للجنة حقوق الإنسان.
ويقوم فريق العمل هذا ببحث ودراسة الشكاوى المقدمة من قبل أسر الأفراد الذين تم اختطافهم ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، والاتصال بالدول المعنية ومطالبتها بدراسة الموضوع واطلاعه على النتيجة. ويعقد هذا الفريق ثلاثة اجتماعات في السنة ـ واحد في نيويورك واثنان في جنيف ـ، ويقوم بدعوة مندوبي الدول او المنظمات غير الحكومية، أو أعضاء أسر المختفين، او الشهود، للاستماع الى أقوالهم وآرائهم.
وفي ضوء ذلك، فإن أحد سبل متابعة قضية اخفاء الإمام موسى الصدر يتمثل في مراسلة فريق العمل المشار اليه لدراسة الموضوع. وإذا ما كان قد تم اتخاذ مثل هذه الخطوة من قبل، فلابد من مواصلة متابعتها.
ولابد من أن نضيف هنا، بأن ثمة مسؤولية جزائية تترتب على الاختفاء القسري للاشخاص بالنسبة للجاني، وكذلك مسؤولية مدنية ودولية بالنسبة للدولة المعنية، وذلك استناداً للمادة الخامسة من ميثاق الجمعية العامة للامم المتحدة فيما يتعلق بتقديم (الحماية لجميع الأشخاص في مقابل الاختفاء القسري).
فالمادة 17 من الميثاق تعتبر مثل هذه الجريمة جريمة مستمرة طالما أصرّت الجهات المسؤولة على التكتم على مصير الضحية. وهذا يعني أن مرور الوقت لا يقلل من شأن هذه الجريمة طالما كانت قائمة. كما أن المادة 19 من الميثاق اعترفت بصراحة بحق ضحايا هذه الجريمة وأسرهم في استيفاء غرامة.
السبيل الآخر الذي يبدو لي متاحاً لمتابعة موضوع اخفاء الإمام موسى الصدر وملاحقته قضائياً، يتمثل في ارجاع الموضوع الى محكمة العدل الدولية. بيد أن ثمة اشكال بهذا الصدد يتمثل في أن الدولة هي وحدها التي بوسعها أن تتقدم بدعوى ضد دولة أخرى، هذا أولاً؛ وثانياً، إن الدولة التي تكون مسؤولة امام محكمة العدل الدولية هي التي اعترفت بصلاحية هذه المحكمة. ومثل هذا الاعتراف يكون ممكناً عبر احدى الحالات الثلاث الآتية:
أولاً: الاعتراف بالصلاحية العامة لمحكمة العدل الدولية من خلال الميثاق، ويوجد في الوقت الحاضر 63 بلداً فعل ذلك، غير أن ليبيا ليست من هذه البلدان.
ثانياً: الاتفاق المبدئي مع البلد موضع الاختلاف على مراجعة محكمة العدل الدولية، غير أن مثل هذا يبدو مستبعداً بالنسبة للحكومة الليبية.
ثالثاً: توقيع البلد على معاهدة تتعلق بموضوع خاص، يعترف أحد بنودها بصلاحية محكمة العدل الدولية بالبت في حالات الاختلاف.
على سبيل المثال، تم الاعتراف في معاهدة الصداقة الموقّعة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والولايات المتحدة الاميركية بصلاحية محكمة العدل الدولية بالبت في الاختلافات بين البلدين، حيث تقدّمت اميركا بدعوى الى المحكمة بخصوص قضية احتجاز اعضاء سفارتها في طهران كرهائن إبان انتصار الثورة الاسلامية، فيما تقدمت ايران بدعوى للمحكمة في قضية مهاجمة منصاتها النفطية واسقاط طائرة الايرباص المدنية اثناء الحرب العراقية المفروضة على ايران.
كذلك تقدمت الحكومة الليبية في قضية لوكربي بدعوى الى محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة وبريطانيا، استناداً الى الاتفاقيات الخاصة بأمن وسلامة الرحلات المدنية التي اعترفت بصلاحية محكمة العدل الدولية في البت في الاختلاف بين الدول الأعضاء، التي تعد كل من ليبيا وأميركا وانجلترا أعضاء في هذه الاتفاقيات.
والطريف هنا هو أن الدولة التي كانت تصرّ بكل حزم وقاطعية على براءتها وعدم تورطها في قضية لوكربي، تنازلت شيئاً فشيئاً واستسلمت الى درجة أنها وافقت ـ بعد قبولها المسؤولية كاملة عن سقوط طائرة بان أمريكان في سماء بلدة لوكربي في اسكتلندا ـ على دفع عشرة ملايين دولار من خزانة الشعب الليبي المسلم لأسرة كل ضحية. وهذا ما يعزز النظرة السائدة في العالم ازاء النظام الليبي بوصفه نظاماً لا يمكن التكهن بتصرفاته ولا يمكن الثقة به، وأنه لا يتردد عن اتخاذ مواقف متناقضة تماماً تبعاً للظروف.
ومن هنا فإن الرجوع الى محكمة العدل الدولية وتقديم دعوى ضد الحكومة الليبية ـ بغرض الاعتراف بمسؤوليتها ـ في ضوء الحالة الثالثة، يعتبر ممكناً نظراً أولاً، لاستعداد احدى الدولتين ايران او لبنان ـ باعتبارهما البلدين اللذين يحمل الإمام موسى الصدر جنسيتهما ـ تقديم دعوى بهذا الشأن. وثانياً، ضرورة البحث في الاتفاقيات المتعلقة بهذا الموضوع والتي تضم في عضويتها كلاً من ليبيا وايران أو لبنان، للعثور على مادة قانونية تشير الى الاعتراف بصلاحية محكمة العدل الدولية. ولا يخفى أن من جملة الاتفاقيات والمعاهدات التي من الممكن ان تتطرق الى هذا الموضوع، الاتفاقيات العديدة المتعلقة بالارهاب والرهائن وأمثال ذلك، نظير المعاهدة الدولية التي تمنع احتجاز الرهائن (نيويورك ـ 17 ديسمبر 1979)، ومعاهدة منع الجرائم بحق الأشخاص ومعاقبة مرتكبيها امثال المأمورين السياسيين، التي تحظى بالتأييد والدعم على المستوى الدولي (نيويورك ـ 14 ديسمبر 1973).
ولابد من التذكير ثانية بأن الاعلان عن موقف قاطع بهذا الشأن يستوجب بحث ودراسة مجموعة الاتفاقيات المعنية من حيث عضوية الدول المتخلفة ـ الخاطئة ـ، وكذلك من ناحية صلاحية محكمة العدل الدولية بالبت في حالات الاختلاف المتعلقة بهذه الاتفاقيات.
كذلك ثمة طريق حل ثالث يتبادر الى الذهن، يتمثل في الرجوع الى المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان، في حالة اعتبار الحكومة الايطالية مسؤولة عن ذلك.
أما طريق الحل الرابع الذي يمكن التفكير فيه فهو اعتبار الجريمة المرتكبة ضمن مجموعة الجرائم الدولية، وأن نتقدم بدعوى جزائية ضد المتهم الخاص الى احدى المحاكم الدولية. وإن المرجع الوحيد الموجود في الوقت الحاضر بهذا الخصوص، هو محكمة الجزاء الدولية التي بدأت عملها مؤخراً في لاهاي. وإن الرجوع اليها يتطلب اعتراف الدولة التي ينتسب اليها المجرم، او الدولة التي كانت مسرحاً لارتكاب الجريمة، بصلاحية المحكمة.
بناء على ذلك، فإذا ما اعتبرنا ليبيا مكان ارتكاب الجريمة، فإنه ينبغي لليبيا، أن تكون قد اعترفت بصلاحية المحكمة. وإذا اعتبرنا ايطاليا مكان ارتكاب الجريمة، فإنه ينبغي لإيطاليا الاعتراف بصلاحية المحكمة كي يتسنى الرجوع الى محكمة الجزاء الدولية.
الأمر المشجع هنا هو أنه نظراً الى أن الجريمة مستمرة، فإن إمكانية طرح هذه الدعوى قائمة في أي وقت انضمت هذه الدول الثلاث الى النظام الداخلي لهذه المحكمة، وليس بالإمكان اعتبار ارتكاب الجريمة قد مضى عليها الوقت وبالتالي لا يمكن النظر فيها من قبل محكمة الجزاء الدولية.
بيد أن ثمة مشكلة أخرى هنا ينبغي التفكير بحل لها وهي كيف يتسنى اعتبار الجريمة بمثابة مصداق لاحدى الجرائم الأربع المشمولة بصلاحية المحكمة. فمن هذه العناوين الأربعة هناك عنوانان فقط لهما شبه بما نحن فيه، وهما التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
ويمكن اعتبار عملية الاختفاء القسري بمثابة جريمة ضد الإنسانية استناداً الى نص ميثاق الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، والنظام الداخلي لمحكمة الجزاء الدولية. غير أن ادراجها تحت هذا العنوان منوط بأن ارتكابها بصورة منظمة وعلى نطاق واسع.
على صعيد آخر، وكي يتحقق مصداق التطهير العرقي لابد من توافر تحركات معادية ضد أتباع احد الوجودات القومية او العرقية أو الطائفية تستهدف القضاء عليها بشكل كامل او بصورة جزئية. ومن جملة هذه التحركات خلق ظروف لهؤلاء الأفراد تساعد في القضاء عليهم وفنائهم بأجمعهم أو جزء منهم.
ونظراً الى أن معاهدة التطهير العرقي التي تمت المصادقة عليها عام 1948، والمادة السادسة من النظام الداخلي لمحكمة الجزاء الدولية، قد اشارت الى هدف القضاء على أتباع إحدى الطوائف الدينية بصورة كاملة أو جزئية، ولم تذكر الحد الأدنى وتعداده؛ ومع الأخذ بنظر الاعتبار الدور البارز والمهم للإمام موسى الصدر في حياة شيعة لبنان بوصفهم احدى الطوائف الدينية؛ لذا فمن الممكن اعتبار الجريمة التي تم ارتكابها بحق الإمام موسى الصدر كأحد مصاديق الجريمة بحق الإنسانية أو التطهير العرقي ويمكن بحثها بالكامل في هذا الإطار.
ولا يخفى إن العثور على اجابة مقنعة لها، بوسعه أن يؤدي الى الاعتراف بصلاحية محكمة الجزاء الدولية ـ مع توافر القرائن الأخرى التي تمت الاشارة اليها ـ، ليس هذا فحسب بل وأن يقود الى تقديم دعوى الى المحاكم الوطنية لدى الدول التي تعتبر نفسها مؤهلة للنظر في جريمة التطهير العرقي والجرائم المعادية للإنسانية، دون الالتفات الى مكان ارتكاب الجريمة وجنسية المجرم او الضحية.
الأمر المشجع الآخر بهذا الشأن هو أنه في هذا النوع من الجرائم لا توجد أية حصانة لزعماء الدول لا في محكمة الجزاء الدولية ولا في المحاكم الوطنية لدى الدول التي ترى امكانية ملاحقة هذا النوع من الجرائم الدولية في محاكمها. ولعل الدعوى المقدمة ضد شارون ـ رئيس الوزراء الاسرائيلي ـ لدى المحاكم البلجيكية خير نموذج على ذلك. وبطبيعة الحال ان الضغوط الأميركية والاسرائيلية التي مورست ضد بلجيكا دفعت بهذا البلد الى اجراء تعديل على القانون الخاص الذي يمنح محاكم هذا البلد صلاحيات مطلقة في الملاحقة القضائية للجرائم التي ترتكب ضد الانسانية وجريمة التطهير العرقي، ووضع قيود على قانونها الذي يسمح بالنظر في هذا النوع من الدعاوى. ومن هذه القيود وجوب وجود ارتباط بنحو ما بين الجريمة والدولة البلجيكية او رعاياها او الافراد المقيمين فيها.
أما سبيل الحال الخامس الذي يمكن عن طريقه متابعة الموضوع قضائياً، فيتمثل بالرجوع الى المحاكم في دول مثل ايران وليبيا ولبنان وايطاليا وتقديم دعوى ازاء ارتكاب جريمة اعتيادية وليست دولية ـ اختطاف اشخاص، اعتقال غير قانوني، الى غير ذلك ـ.
وفي هذه الحالة، وفيما يتعلق بالمحاكم الإيرانية، فإن القانون الإيراني لا يرى للأسف في جنسية الضحية سبباً في صلاحية المحاكم الايرانية للنظر في قضية الإتهام، إلاّ إذا أمكن ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار شخصية الإمام موسى الصدر ـ درج الجريمة تحت عناوين أكثر شمولية من قبيل تحرك يستهدف المساس بأمن الدولة. ففي هذه الحالة يكون من صلاحية المحاكم الإيرانية النظر فيها أينما حدثت وأياً كانت جنسية مرتكبيها.
فضلاً عن كل ما تقدم، يجب أن لا ننسى ان الإرادة السياسية للخوض في هذه القضية وممارسة الضغوط ضد المتهمين، يمثلان شرط النجاح والموفقية.
بناء على ذلك، يمكن قيام مجلس الشورى الاسلامي، ومن خلال ادائه لمهمة البحث والتحري استناداً الى المادة 76 من الدستور، وضمن توضيح الأبعاد المختلفة لحقيقة ما جرى، بممارسة الضغوط السياسية اللازمة ضد المتهمين في هذه القضية، والحؤول ـ على الصعيد الاعلامي على أقل تقدير ـ دون نسيان هذه القضية. وإن بوسع التعاون بين مجلس النواب اللبناني ومجلس الشورى الاسلامي، وربما تشكيل لجان تضم في عضويتها نواب من كلا البلدين، أن يضاعف من تأثير ذلك. كما أن تشكيل لجان تضم في عضويتها قانونيين مرموقين من جميع الدول المعنية بالقضية، بوسعه أن يوفر امكانية متابعة قضائية مثمرة لهذا الملف.
وفي الختام، لا يسعنا إلاّ أن نقول من صميم القلب كما قال الشاعر:
إن الذي ابتعد عنّا ترافقه قافلة القلوب منَّ الله عليه بالسلامة أينما كان