للسنة الثامنة على التوالي 2003، والتي تصادف ذكرى مرور 25 سنة على تغييب الامام الصدر ورفيقيه، نظم مركز الامام موسى الصدر للأبحاث والدراسات مؤتمره السنوي "كلمة سواء" تحت عنوان "الابعاد الانسانية والوطنية والقانونية في قضية تغييب الامام الصدر"، وذلك يومي 11 و12 كانون الاول 2003 في كلية الحقوق والعلوم السياسة والادارية في الجامعة اللبنانية، الصنائع.
وخلص المؤتمر الى التالي:
في الابعاد الانسانية، إن الإمام الصدر هو رجل العلم والثقافة، رجل متنور بكل معنى الكلمة، فهو الذي عرف كيف السبيل الى التوفيق بين الاصالة بدون الوقوع في الاصولية والتجديد بدون الدخول في الحضارة المادية. هو الذي جال الارض بمحاضرات بحثية من تفسيرات القرآن الكريم الى العلوم الفقهية، وهو الذي دخل عالم الثقافة من بابه الواسع، وكان الامام الصدر مشروعا كاملا من اجل الانسانية بحقيقتها التاريخية وجوهرها الرباني وتجلياتها الفكرية والاجتماعية والسياسية.
واثنى المؤتمرون على مزايا الامام المغيب الذي شكل ظاهرة استثنائية في تاريخ لبنان الحديث، اذ تكلم عن العدالة الاجتماعية والديمقراطية الدينية وبادر الى العمل الاجتماعي إذ وجد فيه سبيلاً الى رفع الحرمان ومكافحة الفقر، ولولا تغييب الامام الصدر لكان حوار الحضارات والثقافات يعلو على ضجيج صراع الحضارات وعلى خطابات نهاية التاريخ وعلى العولمة المعسكرة الزاحفة على العالم بأبشع صورها في القضاء على القيم الانسانية.
أما في الابعاد الوطنية لقضية التغييب، فقد اجمع المؤتمرون أن في تغييب الامام الصدر انكساراً للحق وانتصاراً للظلم، لأن الامام الصدر شخصية بارزة في مقاومة الحرمان وهو من المشهود له بمواقفه الوطنية الوئامية والتوافقية، وهو الذي رفض الاقتتال الداخلي وآزر القرى المحاصرة، وأدان العدو الصهيوني وتبنى القضية الفلسطينية. وبالتالي ان قضية اخفاء الامام الصدر ليست قضية عادية تتناول خطفا اعتياديا لأناس عاديين، بل ان الامام الصدر نفسه هو القضية وتغييبه هي جريمة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، إذ ارادت بها ايادي الشر بتر فكر ونهج يدعوان الى التآخي والحوار في وقت اصبحت فيه الكلمة للعنف وللبندقية بين الشركاء في الوطن.
واما في الابعاد القانونية، فأجمع المؤتمرون ان عملية الاخفاء القسري عمل اجرامي يعتبر انتهاكاً للكثير من حقوق الانسان التي تنص عليها الشرعة العالمية لحقوق الانسان بكافة مواثيقها ومعاهداتها. واكد المحاضرون على بشاعة الجريمة المرتكبة بحق الامام الصدر ورفيقيه وبحرمانهم حقهم بالحياة وبالحرية والكرامة الانسانية، كما انها جريمة مهينة للانسانية لأنها تنتهك الأسس والاعراف التي تقوم عليها العلاقات بين الدول، وان قضية اخفاء الامام الصدر ورفيقيه تتعدى الاطار الشخصي - العائلي لتغدو قضية وطنية، لا بل دولية الى اقصى الحدود. لذا، على الدولة اللبنانية، عملاً بالقوانين الدولية، ان تتولى متابعة هذه القضية على الصعيد القضائي الدولي، وان تتجه بها الى محمكة العدل الدولية لأن كرامة لبنان من كرامة الإمام الصدر، والمعتدي على الاول هو بالضرورة يستبيح الاعتداء على الثانية.
وبعد، وليست مسألة تغييب الامام الصدر سوى نتيجة لتفشي ظاهرة عدم المساءلة التي تعم وتشيع في كل بقاع الوطن العربي، ففقدان المساءلة التي ترتب غياب الاجابة لا تنحصر في تغييب شخصية فكرية سياسية فذة تتعلق بها افئدة الملايين من الناس، كما انها لا تقتصر على تغييب الكثيرين من العرب في كافة البلاد العربية، بل هي تتعدى ذلك الى امور اكثر: فمبدأ المساءلة مفقود في كل القضايا الجوهرية التي تؤثر تاثيراً عميقاً على حياة ملايين المواطنين في ارجاء الوطن العربي، تؤثر على نهضتهم وعلى معيشتهم وعلى بقائهم وتطورهم.
وتمسك المؤتمرون بكل الوقائع والتحقيقات وكل المعطيات التي اثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الامام الصدر ورفيقيه لم يغادروا الاراضي الليبية كما ادعى النظام الليبي. وإن القضاء اللبناني او المؤسسات الدولية الرسمية مدعوون لبذل كل الجهود واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لجلاء الحقيقة في هذه القضية. ودعا المؤتمرون الى تشكيل مشغل حقوقي دولي يدعى اليه المتخصصون في القانون من كل الدول والجنسيات للتداول في هذه القضية على أمل الخروج بحلولٍ عملانية أكثر منها أكاديمية.
كما أوصى المؤتمرون بضرورة تعديل المادة 9 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ليصبح بإمكان القضاء اللبناني ملاحقة أي قضية جرمية، وإن ارتكب الجرم خارج الأراضي اللبنانية.
أما فيما يخص المعايير الدولية المتعلقة بالتغييب، فإن جريمة الإخفاء القسري، كتلك التي تعرض اليها الإمام الصدر ورفيقاه، إنما هي دائمة ولا تسقط بمرور الزمن، وهي غير قابلة للعفو، وبالتالي، فإن لا إفلات من مغبَّة ارتكاب هذه الجريمة، وإن بعد مرور 25 سنة على ارتكابها. ويجب على السلطات الليبية أن تقدم من يشتبه بهم بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في الإخفاء القسري الى ساحة العدالة الدولية ليخضعوا لمحاكمات تتماشى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
ودعا المؤتمرون الى تخطي كل العوائق السياسية، الداخلية منها والخارجية، التي تحول دون إثارة هذه القضية أمام محكمة العدل الدولية. وفيها دعوة صريحة للدولة اللبنانية بالتزام مسؤولياتها تجاه كافة مواطنيها، لا سيما منهم شخصية بارزة مثل الإمام الصدر. والدعوة أيضاً للحكومة اللبنانية لإيلاء قضية الإمام الصدر ورفيقيه ومعهم كافة المفقودين اللبنانيين في البلاد وخارجها الأهمية اللازمة حرصاً على حق الإنسان وصوناً للعدالة والكرامة الإنسانية.
وختاماً، إن الموضوع ليس موضوعاً لبعض اللبنانيين في طائفةٍ أو في فئة ما، بل إنه حق لجميع اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والعقائدية والروحية. ولقد جسد الإمام الصدر خير تجسيد لروح الوطن الذي انتمى اليه، وهو في مساره الطويل للخروج من الحرمان والظلم. وإن الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالَبة بتشكيل لجنة من أعضائها للنظر في قضية الإمام الصدر وإصدار أحكامها العادلة بشأنها وصولاً الى عودته الى أهله وكشف الحقيقة كاملةً.
ملحق البيان الختامي
وأوصى المؤتمرون بضرورة طرح القضية في جامعة الدول العربية إضافة الى كافة المحافل الدولية الأخرى.
وأبدى الوزيران الكتور ميشال موسى والأستاذ عبد الرحيم مراد عن استعدادهما لتبني طرح قضية تغييب الإمام الصدر ونكوين ملف لهذه القضية في مجلس الوزراء ليصار الى طرحها على المحافل العربية والدولية.