* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السابع: "الذات والآخر في الاعلام المعاصر") (كلمات الافتتاح)
* مثله سماحة القاضي الشيخ محمد دالي بلطه
الحمد لله رب العالمين أحمده وأستعينه واشهد ان لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له واشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.
أما بعد
فإن الذات والآخر ثنائية صدامية الأزل منذ الزل سطر التاريخ الكثير من فصولها أدركها من حضرها ثم إنتشرت رويداً رويداً حتى أدركتها البشرية جمعاء عبر الوسائل المتوفرة في كل زمان ومكان حتى تطورت وسائل الإعلام الى ما هي عليه الآن فأصبحت الصورة ماثلة امام العالم لحظة بلحظة كان الجميع في ساحة الصراع ينظرون الى مجرياتها فأصبحت هذه الصورة حقيقة مشاهدة بعد ان كانت بالنسبة للعالم خبراً منقولاً أو مسطوراً، وكأن عناصر الخصام والنزاع أكثر بكثير من عتاصر التفاهم والتلاقي، لقد بدأت هذه الثنائية مع وضع البشرية اول خطواتها على هذه الأرض فكانت حادثة إبني آدم التي يقصها علينا القرآن الكريم صداماً بين الذات والأخر لإختلاف البواعث النفسية والمشاعرية حيث إختلطت ملكات الخير التي تيسرت لتستوعب البشرية مع نزعات الشر التي ضاقت على سالكها فضيقت عليه البصيرة حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت وما زالت هذه المنهجية مستمرة حتى يومنا هذا مع إختلاف الأشخاص والأسماء والصور والوسائل.
أو لم يكن إبن آدم القاتل قادراً على إحتواء تلك الأزمة لو انه سلك طريق اخيه الميسر له بأبوابه العريضة المفتوحة اما جميع السالكين فلماذا حصل هذا؟ إن الجواب على ذلك وفهم واقع ذانك الولدين يمكن ان ننطلق له من خلال فهم ما يجري حولنا اليوم من احداث ومشاكل حيث تغلب أصوات الصدام على أصوات الحوار مع الآخر انها حرب الذات من اجل مصالحها وماديتها وليس من اجل إرساء القيم والمبادئ.
أننا لا ننكر الآخر فهو الذي يشكل مع الذات الوجود بأكمله فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد جعل إختلاف الكلام وللون أية من آياته في قوله في سورة الروم: "ومن آياته خلق السماوات والأرض وإختلاف ألسنتكم وألوانكم" وهما شكلان خارجيان فكيف بفكر الإنسان وهو سر وجوده وفضله وجوهر الإبداع فيه ألا يكون أيضاً آية من آياته العظيمة حيث لم يكن الإنسان نسخاً متعددة من أصل واحد فهل يكون سر الوجود وجوهر الإبداع سبباً في هذا التناحر؟
أيها الأخوة الكرام
لا بأس ان نقوم دوماً ودون يأس بإطلاق كلامنا الداعي الى الخير والتلاقي بل هذا أوجب الواجبات علينا فكل كلمة للسوء يجب ان تكون حافزاً لنا لكلمة جديدة في الخير مع الآخر لا باعثاً للإحباط والإعتزال إذ يجب ان تكون هذه الكلمة هي الأقوى ولذلك كانت رسالات الرسل وجهادهم.
إننا لاننكر وجود الثقافات المختلفة ولا نقر هذا الإختلاف سبباًً للتباعد بل دافعاً للحوار ولا شك ان هذا الواقع المنشود لا يتوفر إلا بوجود النفوس النوعية والهمم العالية التي لا تنحدر الى سلوك الإنفعال بل تتمثل قول ابن آدم وهو يرد على أخيه المتوعد بالقتل: "قال انما يتقبل الله من عباده المتقين وان بسطت الي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي أليك لأقتلك أني اخاف الله رب العالمين". وهذا ينبغي ان يكون دورنا نحن في هذه المنطقة وهي مهبط الوحي ومبتدأ الرسالات امام سياسة المادية والمنفعة والمصلحة حيث لا قيمة للآخر في هذا الخضم، فهل يقوم إعلامنا باداء هذه الرسالة في ظل حالة ما يبدو بالإنقطاع بين الشرق والغرب؟ إن إعلامنا يتعريه الكثير من التقصير في هذا المجال فلو تنقلت بين شاشات التلفزة في اوطاننا في ظل الفضائيات التي قاربت بين البشر لوجدت الكثير من برامج اللهو والتسلية وندرة البرامج الهادفة التي تعرض لقضايانا وما نجابه من تحدً وهجمات شرسة واننا في هذا المجال نطالب بالحد الأدنى الممكن. فماذا لو قامت فضائياتنا بتنسيق فيما بينها بتوجيه إعلام موحد هادف يشرح وجهة نظرنا للعالم حول ما يجري من حولنا ولو في فترة ما بعد منتصف الليل فهو يمثل بالنسبة لنا وقتاً ضائعاً فأمتنا تخلد للنوم والراحة وهو وقت حيوية إعلامية بالنسبة للغرب نظراً لفارق الوقت وذلك حتى نصد هجمة الإرهاب تلك عنا التي يجند لها الإعلام الغربي طاقات كثيرة سواء كانت بشرية او مادية دون التلهي بمجرد التسلية او التركيز على الآخر لمجرد إختلاف الرأي أو من منطلقات طائفية بغيضة فإننا نلمس ان مقياس القبول أو الرفض لم يعد الا لمجرد الشخص وليس لما يقوله الشخص. ولابد لنا ان نشير الى نقطة جوهرية عندما نتكلم عن الذات والآخر في الإعلام المعاصر نظراً لخطورة الإعلام في تكوين الرأي وإيجاد القناعة مع هذا الآخر الذي أتكامل معه مجتمعياً أو وطنياً او قومياً فقد نختلف في الوطنية فيما لها أو عليها ولكن لا يمكن ان نعتبر ان تبني الخيار الإسرائيلي هو رأي يجب ان يناقش بكل روية وإحترام كاحد الخيارات المطروحة ضمن دائرة الوطنية فتبني هذا الرأي هو خروج عن الوطنية أساساً وكذلك قد نختلف حول العروبة فيما لها او عليها ولكن لا يمكننا ان نعتبر ان تبني الخيار الأميركي بضرب العراق مهما كانت الأسباب خيار من ضمن الخيارات المطروحة في الساحة العربية فهذا أيضاً خروج عن اطار العروبة حيث تخطط الولايات المتحدة الأميركية لإستباحة الأرض والثروات وتحتفظ لنفسها بحق تصنيف الناس والدول غير آبهة بالأمم المتحدة ولو بمواثيقها ولا بقراراتها فتجعل هذا إرهابياً وتصف الإرهابي الحقيقي شارون بانه رجل سلام فتجيز له حق الدفاع عن نفسه بينما تصف شعب فلسطين الذي شرد من أرضه ووطنه بالمعتدي وتحمله وزر ما يحصل في المنطقة.
أيها الإخوة الكرام.
من هنا وتحت هذا العنوان الكبير نتوجه الى الولايات المتحدة الأميركية إنطلاقاً من مبادئنا وعقائدنا الا وهي قوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" فهل هي مستعدة للتعارف والتحاور أم انها مستمرة بقرع طبول الحرب وممارسة سياسة الغطرسة والكيل بمكيالين وما يتبع ذلك من ويلات ودمار فهي من سيتحمل عواقب الأمور إذ هي الأقوى اليوم، والأقوى هو من يتحمل مسوؤليات ما يحدث من فعل وردة فعل وهو الاقدر على الإحتواء ومعالجة الأمور إن قام بما يتوجب عليه من مهام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته