* مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السابع: "الذات والآخر في الاعلام المعاصر"
(كلمات الافتتاح)
بسمه تعالى نبدأ وبه نستعين في جميع الأمور
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة، الحضور الكريم المجتمعون في مؤتمر الكلمة السواء السابع إحياءً لذكرى الإمام المغيب الحاضر دائماً في قلوب محبيه وفي مقدمتهم السيدة الفاضلة رباب الصدر ومعاونيها في مركز الأبحاث والدراسات للتركيز هذه السنة على الذات والآخر في الاعلام المعاصر وصورة العصر لهذا العام الغارق في دوامة العولمة والتغيير السريع بعد الألفين حيث شاءت محطة القدر إمتحان البشر وتسابقت الامم لتعاصر بقية الهمم وإهتزت الكرة الأرضية على وقع صدى طبل العولمة والزمارين الكبار والصغار المصفقين له، هنا وهناك، في كل مكان من هذه القرية الكونية، التي أصبحت ساحة فوضى يحتدم فيها الصراع والنزاع وتشتد المعاناة وترتفع الآهات من كل حدب وصوب وخصوصاً من فلسطين والقدس مرتكز نقطة دائرة القدر الذي تقدم فيها سره وفيها تأخر وتنشط وسائل الإعلام وتتسابق لإلتقاط الصور وإشباع الأعين وملء الإسماع، والجلاد يذبح الضحية والكل يضحك ويتفرج ويبتسم، وكان الأمر لا يعنيهم أنه حقاً زمن الغلبة وضعف الهمم والتنازل عن القيم وإشتداد ظلمة آخر الليل، الى ان يأتي بزوع الفجر، والتحلي بالصبر لترتخي أيدي الشر المسيطر وينتهي مصادقة الجن للجنون والشيطان الفالت من سجنه ليضل الأمم في اربع زوايا الأرض، فالرسم مصور والقدر مسجل والإبتعاد عنه غير ممكن، ومن حسن مفارقات القدر ان لكل قوة عاتية مصحوبة بالأذية والفعل الرديء نهاية مأساوية حتمية ومصير ذليل.
والحق يمهل ولا يهمل له صنيعة وتدخل لحسم الأمور وإسقاط سقف الباطل على روؤس أصحابه واهله، فلا توجد قوة تعلو على قوة الحق ولا سلاح أعظم وأقوى من سللاح الإيمان والصبر والثبات في ساحة المواجهة كيفما تقلبت الظروف ومالت الموازين، فالخوف من االشر هو الشر بعينه، وهو الذي يمد الأشرار بالقوة وينشطهم بفتامين الإستفزاز والإستمرار في السيطرة على أصحاب الحقوق الضعفاء بإيمانهم وسلاحهم المادي والمعنوي، فلا تراجع مع الحق والى الحق حتى يتحقق بإعانة السميع المجيب المحقق طلبات أصحاب القلوب الطاهرة، أبناء النور أصحاب الصلة الروحانية والنعمة الايدية والقوى النورانية والحكمة الإلهية.
هذا ما حصل في لبنان بالأمس القريب وكان عبرة لمن يتفكر ويعتبر للقريب والبعيد والآتي صورة مختلفة تماماً عن الماضي، فالصبر والثبات يحقق المعجزات والإيمان الصادق بالحق حق الإيمان هو الحق الذي يحرر الإنسان من الأوهام ويعطيه قوة فينهزم امامه شبح الباطل ويتلاشى مهما كان كبيراً وخطيراً.
وساعة التجربة لا بد منها بتقدير العزيز الحكيم لإثبات المواقف وإختبار القوى والأسلحة، ومن هنا يميل ميزان القوة للسلاح الغربي بكل أبعاده وأشكاله وانواعه الحديثة، ويسيطر على الساحة الكونية ويخيف الآخرين ببأسه وسطوته ومظاهر قواه المادية المتفوقة كماً ونوعاً، بما فيه سلاح الإعلام المعاصر. فالشرق العربي الإسلامي عموماً نسي سلاحه الروحي الحقيقي ودخل في لعبة التقليد وفخ الصهيونية العالمية وقبل الصورة المشوهة التي مسخته بها ولم ينتبه لإستغلال الإعلام الصحيح في رسم واقع صورته الحقيقية وإقتصر على رد الإتهام في سجال خاسر مع الغرب، فزاد الطاغي طغياناً ولا يصنع الطغاة إلاّ العبيد... ومن خشي من بشر مثله سلط عليه.
من هنا كان سلاح الإيمان بالحق هو دائماً سيد الموقف وقاعدة الثبات وقوة الاثبات وكان نموذجاً ورسالة من لبنان لكل أصحاب الإيمان في كل مكان. انتصر الحق وزهق الباطل وحفظت الأمانة وانهزم أعوان التآمر والخيانة وأثمرت المقاومة والوحدة الوطنية والتعاون الأخوي اللبناني السوري، وتدخلت القدرة الإلهية، وحدثت المعجزة، وتحررت الأرض المباركة وعادت لأصحابها وزال رجس الاحتلال عن أكثرها وبقي أيسرها.
وسيزول بإذنه تعالى عن قريب فالحق لا يثبت ولا يتحقق دون دورة الحياة، والحياة ليس لها قيمة دون الشعور بقوة الإيمان، وقوة الإيمان تستيقظ بقوة وتزغرد في صدور المؤمنين أهل اليقين، أصحاب الصراط المستقيم اخوة الأديان وقوة العصر والزمان، في زمن تحقيق الذات وحدوث المعجزات ليتساءل العالم عن سبب الانقلاب المفاجئ في موازين القوى وعن النبأ العظيم، تحررت القدس وعادت لأصحابها بقدرة العزيز الجبار يعز من يشاء ويذل من يشاء له الملك من قبل ومن بعد، هذا ما حصل وسيحصل برعاية العزيز القدير. ومن هنا نحيي روح الإيمان في صدور المقاومين المتمسكين بالحق في فلسطين والجولان وجنوب لبنان وفي كل مكان ولا عجب من اتهامهم بالإرهاب في سياق محاولة إرهابهم وإحباطهم وسلب حقوقهم وطمس هويتهم وإخماد انتفاضتهم في وجه الطغيان والعدوان، فالمؤمن الحقيقي لا يخاف من المحنة بل يعتبرها منحاً ويحمد خالقه في جميع الأحوال ويثبت مع حقه ويطالب به بقوة حيى يحصل عليه ويحققه ولا يهتم بتسلسل الأحداث مهما علت وتيرتها وخفت، فهي أولاً وأخيراً بيد المحدث وله طريقته ودوامته سبحانه وتعالى للمؤمنين المحقين قوة التحمل والثبات والصبر حتى تحقيق النصر، من هنا دعوتنا ودعاءنا بهذه المناسبة للاعلام والاعلاميين في العالم العربي والإسلامي في هذا الزمن الصعب للتركيز على هذه الزاوية المظلمة من الساحة العربية والإسلامية، لإيقاظ روح الإيمان الحقيقي المعزز بالثقة واليقين المرتبط بجوهر الدين. فالثقة مصدر التركيز في عصر ضجة العلم وصمت المعرفة. ولا يفسر الصمت وعدم الضجة والصخب الإعلامي والثرثرة التقليدية وما إلى ذلك من محاولة غسل الأدمغة والاستخفاف بفهم وتمييز الجماهير والمراهنة على تلبيس الأقنعة وتجميل الوجوه بمكياج الاعلام المصفق للأنظمة والأشخاص والمسوق لكل انواع التفاهات والملوثات تماماً كتسويق السلع الفاسدة. فالحقيقة أجمل، ولا يفسر الصمت وعدم الخوض في تلك الوحول المستنقعات بالضعف، إذ لا يتم التصريح والكلام المتواصل والسرد الممل، بل يسمى هذا شدة موقف ونوع من الفهم العميق لمجرى العصر والاختصار دواء والإعلامي الناجح العميق الفهم المزود بسلاح الإيمان والقوى الروحانية والأحاسيس الوطنية الصحيحة واليقظة العقلية يكون كالنحلة التي لا تعشق إلا الأزهار الشذية وتجني العبير والرحيق المحيي وليس كالذبابة التي تهوى الجروح والقروح وتنقل الملوثات وتأجج الخلافات وتكون سبباً لزيادة الآلام والمعاناة، والاعلام سلاحٌ فعال يؤذي صاحبه إن لم يحسن استعماله وسلاح المعرفة هو الأقوى في كل مجال، والحياة بلا معرفة كالموسيقى بلا ايقاع وأسمى قمم المعرفة هي المشرفة على معرفة الذات الحقيقية في مرايا القلوب الصافية حيث السر والوقى النورانية.