مؤتمر "كلمة سواء" السنوي السابع: "الذات والآخر في الاعلام المعاصر")
(الجلسة الثالثة)
شغلت "صورة الآخر" الفكرين العربي والغربي عبر الازمنة الماضية والحاضرة وكتب عنها عدد كبير من الباحثين، وكانت موضوعاً لندوات وحوارات. ومنذ الازل يرى المرء نفسه بعيني غريمه، وكذلك الامم والشعوب. لقد كانت صورة الآخر وما زالت هي الهاجس المركزي للانا الحضارية. نحاول في هذه العجالة ان نقدم صورة الاسلام في فرنسا كما هي متجسدة معرفياً واعلامياً وسياسياً.
صورة الآنا يحددها الآخر
تنطلق نظرة الغربي الى الآخر من نظرته هو نفسه الى ذاته ، وتدلنا الدراسات الغربية على ان هذه النظرة قائمة على بنية صراعية، يراها هربرت ماركوز مبنية على كونها "ذات ضد موضوع" وهي بالتالي "انا تصارع وتقهر وربما تغتصب الآخر ايضاً وذلك هو شرط بقاءها"(1). يجسد لنا هذا الموقف العدواني تجاه العالم الخارجي أمرين: الاول ان الحالة الصراعية مع الآخر هي جوهر الذات الغربية، والثاني ان هدف هذه الصراعية في نهاية المطاف هو سيطرة الانسان على الانسان، وبناء عليه قادت هذه الدينامية الصراعية حركة" التقدم "الغربي كلها للسير على عجلتين هما: قهر الطبيعة واخضاع البشر. حركة تجسدت في مسيرة الغرب عبر الازمنة والامكنة.
تلك هي صورة عامة لعلاقة الغربي بالآخر، صورة مستقاة من الفكر الغربي نفسه وبالامكان العثور ببساطة على نقيضها، ولكن ما يميز هذه الصورة ويجعلنا نوردها قبل غيرها هو في كونها الصورة الغالبة .. وتحت خيمة هذه النظرة الغربية الى الآخر تتعايش النظرة الفرنسية للشرق ونعني بالتحديد الشرق الاسلامي، التي هي في الغالب نظرة استعلائية. وعلى سبيل المثال لا الحصر كان فرانسوا غونيه فيكونت دي شاتوبريان (1768 ـ1848) ينظر بدونية الى الشرقيين فيراهم "يجهلون الحرية ولا يعرفون الملكية ويعبدون القوة ، وعندما يمر وقت طويل دون ان يظهر ممثل عدالة السماء فإنهم يبدون كجنود بلا قائد أو كمواطنين بلا مشرع أو كأسرة بلا عائل"(2).
ولن نورد امثلة اخرى وهي متوفرة بكثافة كما اننا لن ندخل في تفصيلات النظرة الاستعلائية الغربية للشرق الاسلامي ماضياً، فالكل يعلم أن الصورة الغربية للشرق قد تطورت عبر القرون من كونها صورة لشرق اسلامي منظور اليه بعداء وريبة من الاوساط الكنسية الى شرق رومنطيقي ملهم للادباء والشعراء الاوروبيين، ثم الى شرق حضاري جوهره فكر وعلوم وفلسفة اخذت طريقها الى الجامعات الاوروبية، واخيراً الى شرق ارهابي مهدد للغرب وحضارته. هذه هي المشارق النقيضة التي كونتها الصور الغربية للآخر (3).
وعلى الرغم من اعتقاد بعض المفكرين الغربيين أن الغرب عرف الاسلام في ميادين القتال والمنازلات الكبرى (4) فإن الحقيقة التاريخية التي يعترف بها عدد كبير من المؤرخين هي ان هذا الغرب قد عرف نفسه او حددها عبر القرون الماضية مقارنة بالشرق الاسلامي. وما حدث بالامس من وئام واحتدام في هذه العلاقة وما يحدث اليوم من مقابلة ما بين الغرب والاسلام، وتحديد كل منهما لنفسه مقارنة بالآخر انما هو استعادة لعلاقة وئامية و صراعية قديمة، تجددت فأخذت صور الفهم تارة وسوء الفهم تارة اخرى والاحتدام والتصادم تارة ثالثة. ان صورة الاسلام كآخر في الفكر الفرنسي مثلاً صورة اشكالية كما يراها عالم الاسلاميات برونو اتيان لأنها متداخلة مع الانا ولا انفصال بينهما، فالآخر هو مرآة الانا "والنظر لصورتنا يطرح قدرتنا أو صعوباتنا للعيش مع انفسنا ذاتها"(5)
لقد حدد الغرب هويته المعاصرة من خلال الفتح الاسلامي باعتباره تحولاً معرفياً وليس غزواً عسكرياً كما يراه سوء الفهم .. فإذا كان اناتول فرانس (1844 ـ 1924) قد اعتبر في احدى رواياته ان تراجع المسلمين في معركة بواتييه عام 732 هو تراجع للحضارة امام بربرية الفرنجة ، فإن الدهشة ستنتاب القارئ عندما يجد كاتبين فرنسيين اخرين يؤرخان لبداية الحداثة في كتابهما " الازمنة الحديثة" (6) ويعتبران عام 1453 هو نهاية العصور الوسطى في اوروبا وبداية الحداثة، ومن المعروف ان هذا التاريخ بالذات هو تاريخ سقوط القسطنطينية على يد المسلمين.
واذا تركنا جانباً صورة الاسلام في الازمنة الماضية وبحثنا في انعكاسات هذه الصورة على حاضرنا المعاصر فسنجد ان كثير من الغربيين يرون ان علاقة الغرب بالاسلام في الازمنة الحديثة قد لحق بها الضرر من خلال صعود الاسلام السياسي .. ويحددون بداية التوتر في العلاقة مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران باعتبارها قاعدة الانطلاق للاسلام السياسي. وقد وجدت الثورة في بدايتها ظروف دولية ايجابية وحاولت النخب الغربية استيعاب الدرس الايراني جيداً حتى ان "الصحافة الفرنسية بأغلبها وجدت تبريرات للشعور المعادي للغرب في الثورة الايرانية: سواء بتوضيح تاريخ الاختلافات كما فعل بول بالطا ومكسيم رودنسون، أو بالكشف عن مفاصل المجتمعات الاسلامية (جان فرانسوا كان وجان ماري دومنش)، أو بالاعلان عن تحول جديد في تاريخ الانسانية (ميشال فوكو وفي روحية اخرى فنسان مونتاي وجاك بيرك)، او بتذنيب الغرب لنفسه لأنه لم يكن يمتلك المعرفة او القدرة على فرض نفسه باعتباره الحضارة الوحيدة المسيطرة (اني كريجيل وجان فرانسوا ريفل).. بيد ان هذا الموقف الهجين من التبريرات استسلم شيئاً فشيئاً الى تبني موقف الادانة" (7).
جذور الصورة معرفياً
ولكن رب معترض يقول لنا ان البحث عن صورة الاسلام السلبية لدى الفرنسيين متجذر في مصادر معرفتهم الاولى بالاسلام وتلك لا علاقة لها بالاسلام السياسي او العقيدي او الحضاري، فنحن نجد ان الكتب المدرسية التي تلقن الاطفال والناشئة في شتى المراحل التعليمية تقدم لهم تاريخاً للاسلام يتعارض مع اولى بديهيات الموضوعية. وهذا اعتراض سليم، فالمدارس تغرس في النفوس مكونات الهوية وحب الوطن والحذر من الاعداء، ويفترض بها الابتعاد عن احكام القيمة او بث الاحقاد تجاه الافكار والاديان والامم، بيد ان الكتب المدرسية الفرنسية لا تراعي ذلك في تناولها لصورة العرب والمسلمين. فالعلاقة بين الفرنسيين والعرب كما تصورها الكتب المدرسية" عدائية "فهذه الكتب تنعت العرب بـ "المتمردين والنهابين والمخربين والسفاحين" ولا تأتي على ذكر اية صفة من صفاتهم المعروفة مثل الشرف والشجاعة والعرفان بالجميل وكرم الضيافة والتعاون والقناعة وقوة التحمل .. وفي الادب الفرنسي نرى ان صفات العرب تظهر في العصور الوسطى "ككفار واعداء وخونة وغزاة" وفي الادب الاستعماري "متمردون يشككون في ربهم وعاجزون" وفي الادب الاستشراقي "يسرقون التجار وكثيراً ما يقتلونهم" وفي الادب المعاصر فهم "اذلال خائفون ومتهمون بالتأخر في عملهم" (8)..
اما صورة الاسلام في كتب التاريخ للمرحلة الثانوية فتلاحظ المؤلفة ان هناك رؤية باردة تصبح احيانا عدائية بين الغرب والعالم الاسلامي من ناحية وبين الاديان التوحيدية الثلاثة من ناحية ثانية، "فكتاب السنة الثانية يؤكد التعصب الكامل للاسلام حيث يدعي ان القرآن يرفض أي دين غير الاسلام ويسعى الى فرض الاسلام على غير المؤمنين بالقوة مؤسساً هذا التعصب على القرآن دون ذكر أية آية قرآنية لتعزيز هذا القول (9).
تلك صور تحمل مفاهيم ارساليات المبشرين وارث المستشرقين وبقايا الذهنية الاستعمارية والنظرة الاستعلائية الغربية الحالية عامة. وغني عن البيان الخطورة المترتبة عن تعليم مثل هذه الصور للاجيال الفرنسية الناشئة وتوجهاتها المستقبلية. انها تزرع في قلوبهم الكراهية بدلاً من المحبة، وتكون بمثابة المخزون الذهني المعادي للاسلام والعرب، فالصورة الغربية السائدة حالياً تجد جذورها في هذه الارضية المعرفية التلقينية العنصرية والخطيرة معاً. ولا شيء في افق العلاقة العربية الفرنسية يدلنا على قرب تغير هذه الصورة أو تعديلها، فالضغط العربي الاسلامي غائب تماماً، ولم يلجأ رموز الجالية الاسلامية في فرنسا الى الاعتراض على ما يجري .. وبانتظار ذلك تدخل مجموعات الضغط الاسرائيلية الى المدارس الفرنسية من اوسع ابوابها لتحسين صورة اسرائيل من خلال تدريس الطلبة تاريخ اليهود والمحرقة "الهولوكوست" التي قام بها النازي الالماني لكي تبرر احتلال الارض الفلسطينية وقتل الفلسطينيين.
وفضلاً عن هذه الصور السلبية في مدارس الجمهورية الفرنسية فإن هناك مشاكل اخرى تتعلق بالعزل العنصري للتلاميذ الاجانب وهم بالغالب اطفال المسلمين .. ففي ضواحي المدن حيث تعيش الغالبية العظمى من الجالية الاسلامية في "غيتوهات" عنصرية، تجد ان مدارس الاطفال التي سميت بمدارس العزل العنصري تحفل بالملونين وخالية من الاطفال الفرنسيين وتعاني تدنياً في الخدمات التعليمية وفي مستويات الدراسة والاهمال الاداري مما يرفع من نسب الاخفاق المدرسي وكثرة المشاكل. ويؤدي ذلك اضافة الى قسوة الظروف المعيشية لعوائل المسلمين الى توقف نسب كبيرة من الاطفال عن مواصلة الدراسة والاتجاه نحو التسكع في الشوارع وارتكاب الجنح. وتتراكم الصور السلبية عن المسلمين عندما تختلق مشكلة جديدة وهي الحجاب (*) في المدارس لتكون مبعث توتر حاد يسود اجواء الدراسة لاطفال المسلمين وناشئتهم، وتوتر آخر للاجواء الاجتماعية والاعلامية للفرنسيين عامة. وهو ما يوفر الارضية اللازمة اعلامياً لتوجه اصابع الاتهام الى الاسلام الذي يضطهد الفتيات ويحرمهن من دروس الموسيقى والرياضة ..الخ ونتيجة ذلك حرمان الفتيات من الدراسة ..
وربما يكون المفكر الفرنسي المعروف ادجار موران أفضل من يقدم مأزق الدولة الفرنسية ازاء قضية الحجاب التي لا وجود لها في اية دولة اوروبية باستثناء فرنسا. يقول موران في هذا الصدد " ان الحجاب الاسلامي يطرح قضية تقليدية تماماً فقد تكونت المدرسة العلمانية ضد الكنيسة الكاثوليكية التي كانت لها سلطة على التعليم، واليوم يحمل الفتيان والفتيات الصلبان في المدرسة ولا يطلب منهم نزعها، واذا اراد يهودي ان يرتدي قبعة، يبقها على رأسه . ان حرمان فتاة من المدرسة لأنها ترتدي حجاباً انما يعني حرمانها من فرصة للدخول في الدنيا العلمانية (10).
تجسدات الصورة اعلامياً
تتفاقم بشكل مقلق للغاية صورة الاسلام في وسائل الاعلام، ذلك لأن هذه الوسائل تلعب دوراً اساسياً في تكوين الرأي العام الفرنسي، وهي باعتراف عدد كبير من الباحثين الفرنسيين تتخذ مواقف عدوانية وتحرض العامة على المسلمين. وقد اشار احد الباحثين الجامعيين وهو الدكتور صادق سلام في بحث له الى ان الصحافة وضعت على عاتق المسلمين الازمة الاقتصادية والبطالة واختلال الامن والارهاب. وقد اصبح الناخبون الفرنسيون في مواقع عديدة يصوتون لاكثر المرشحين عدوانية ضد الاسلام. وقد لاحظ الباحث ايضاً ان المجلات الفرنسية التي تخصص اعداداً خاصة عن الاسلام بعناوين استفزازية تزيد فيها من حدة الفوبيا من الاسلام ترتفع معدلات مبيعاتها بنسبة 15 بالمئة، لذلك باتت المجلات التي تعاني الركود تزيد من اعدادها التحريضية الخاصة ضد الاسلام لكي تحل ازمتها (11).
في اجواء مثل هذه ازدهرت تجارة معاداة الاسلام، وبتنا نقرأ عناوين تتعمد الخلط ما بين الاسلام والارهاب، فعلى مدى العقدين الاخيرين وبخاصة بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر صدرت مئات المجلات الاسبوعية والشهرية باعداد خاصة مثل "القرآن والعنف" و"الاسلام والسيف" و"استيقظ يا محمد فقد اصبحوا مجانين" و"الارهاب الاسلامي" وتلصق أغلفة المجلات التحريضية باحجام كبيرة "بوسترات" على الواجهات الاعلانية في كل محطات الميترو وسيارات نقل الركاب وفي الشوارع امعاناً بالتنكيل في الاسلام وصورته. ومؤخراً صدرت مجلة الاكسبريس "24 نوفمبر 2002 بعنوان غلاف لصق على اغلب واجهات المدن الكبرى وهو "تحقيق حول اموال الاسلام" وتحت العنوان عنوان اخر "ارهاب: بن لادن مازال حياً" مما يترك صورة ذهنية لدى المتلقي تعني ان اموال المسلمين مخصصة للارهاب. ويتحدث العدد عن تمويل بناء الجوامع في فرنسا من قبل دول اسلامية يقول انها تتدخل في شؤون المسلمين الفرنسيين، وهو ما تعترض عليه الدولة لأنها تريد اسلاماً فرنسياً وليس اسلام في فرنسا كما يقول وزير الداخلية الفرنسية نيقولا سركوزي، مؤكداً على ضرورة العمل على علمنة الاسلام الفرنسي.
واشكالية بناء المساجد في فرنسا على كل لسان، ففي وقت ترفض فيه الدولة مساعدات المسلمين من خارج فرنسا لبناء المساجد، فهي لا تساعد بدورها ولا تطلب من البلديات منح قطعة من الارض على الاقل لكي يجمع المسلمين الاموال اللازمة للبناء، والادهى من ذلك انها ترفض بشدة منح رخص البناء التي اصبحت عسيرة جداً باعتراف المسؤولين الفرنسيين انفسهم ... ويشير الى هذه الوضعية جان بيار شوفينمان وزير الداخلية الفرنسية الاسبق إذ يقول إن المسلمين يضطرون لممارسة شعائرهم الدينية في أقبية البنايات او كراجات السيارات، لأن السلطات البلدية لا تمنحهم الموافقات اللازمة لبناء مساجد لهم. وتؤكد ذلك الصحافية الفرنسية ماريون فستريت في مقال لها بعنوان "المسلمون في فرنسا: مشاكل الاندماج والهوية" (مجلة "الاكسبريس" في اواخر ديسمبر 2000) بأن فرنسا هي الدولة الاوروبية الوحيدة التي ترفض منح المسلمين موافقات لبناء مساجد لهم. وتشير الى عشرات الطلبات لبناء المساجد التي تنتظر منذ سنوات دون موافقة البلديات المعنية. كما تأتي على ذكر اقدام أحد رؤساء البلديات على هدم مسجد كبير بالبلدوزر، ثم تشير الى رئيس بلدية نيس الذي كتب صراحة "ذقت ذرعاً بالمسلمين ولن اسمح ببناء مساجد في دولة علمانية" وتنتهي بقولين احدهما للجنرال ديغول يقول فيه "احسنوا معاملة المسلمين تحصلون على مواطنين منضبطين" وقول عميد مسجد باريس الاسبق الشيخ عباس "ان فتح مسجد جديد في فرنسا يعني اغلاق سجن".
ويبين استاذ علم الاجتماع بجامعة السربون ميشال رونار عنصرية السلطات الفرنسية التي طردت من فرنسا امام تركي في نوفمبر 1993 لأنه قال "ان قوانين الله تتقدم على القوانين الجمهورية" وكرمت الحاخام اليهودي الاكبر مع انه كتب في مجلة "احداث الخميس" في 19/4/1990 "لايوجد قانون مقدس لليهودي سوى التوراة التي تتقدم على القانون المدني الفرنسي" (12).
ومن الامثلة الصارخة للدور التخريبي الذي يمارسه بعض الاعلاميين الفرنسيين ضد الاسلام والمسلمين نجد ان صحافياً كبيراً مثل تيري دي جاردان نائب رئيس تحرير صحيفة "الفيغارو" وهي الصحيفة الاكثر انتشاراً في فرنسا يصدر كتاباً بعنوان "رسالة الى رئيس الجمهورية تتعلق بالهجرة" يضمنه الافكار التالية: هل من الطبيعي باسم العلمانية وحرية العبادة ان تسمح فرنسا لقوى اجنبية وحركات ارهابية تقود بالبترودولار الائمة ومئات الاماكن المقدسة ؟ ويخلص للقول لا نحب العرب ولا يوجد اسلام معتدل يقبل التعايش"(13) .
وهذه صورة قبل تفجيرات سبتمبر باربع سنوات، فلنمعن النظر فيما كتبته الصحافة الفرنسية في الايام التالية بعد التفجيرات: المتابعة الدقيقة لهذه الكتابات سمحت لنا بالتقاط ثلاثة مستويات من الكتابة الصحافية: فهناك من وجد ان الاحداث فرصة لربط الارهاب بالاسلام كدين باحثاً عنف المتطرفين في النصوص القرآنية، وهناك من وجدها فرصة لربط الارهاب بالفلسطينيين، وفئة ثالثة عقلانية اعتبرت ان الارهاب قضية سياسية وحلها سياسي عن طريق تسوية المشاكل المشتعلة في الشرق الاوسط.
أ ـ الاسلام ينتج الارهاب
كتب في المستوى الاول كلود امبير افتتاحية مجلة "لوبوان" (19/11/2001) بعنوان "العقاب" متساءلاً: كيف يمكننا ان نعاقب مجانين الله دون ان نبعث الجنون بالجموع المضطربة من جراء تقديسها الله؟. ان الاسلام متحفظ على دور الفرد ويبقى رافضاً للانتاج الرأسمالي وهو ما يؤدي الى البؤس، والبؤس يؤدي بدوره الى الثورة ، والثورة تنتج الارهاب الذي ينشده المتعصبون طلباً للشهادة .. وهكذا وبكل بساطة يصل الكاتب الى نتيجة مفادها "ان الاسلام ينتج الارهاب".. ويضيف: فكروا بالغرابة المروعة التي تجري في ديارنا من الكمبيوتر الذي ينادي للصلاة الى تدريب الطيارين الانتحاريين او تحضيرهم لقتال الكفار تمجيداً لله.
وتأكيداً لهذا الخط كتب جاك روليه استاذ العلوم السياسية في جامعة روان في العدد نفسه من مجلة "لوبوان" مجيباً على سؤال هل الاسلام ينتج العنف بقوله إن الاسلام يوصي بقتل الكفار، والقرآن يأمر المسلمين أمراً "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله وباليوم الاخر "والمسلم ليس مثل المسيحي او اليهودي اللذين لا يلتزمان بالنصوص، إن المسلم ملتزم كلياً بالقرآن باعتباره هو النص المقدس. وبهذا يؤكد هذا "الاكاديمي" لعامة الفرنسيين على ان الاسلام يحث على القتل وهو بالتالي منتج للارهاب!
ويتمادى جان ـ كلود كيفير في افتتاحية "درنير نوفيل" في التحريض ضد الاسلاميين ويخلط ما بينهم وعامة المسلمين مدعياً بأن الغرب وصي على النفط وانه يمول من خلاله قتلة الغرب فيقول: لم يعد هناك سوى وقت قصير جداً لاستئصال الحماسة الاجرامية التي يبديها المتطرفون الاسلاميون الذين تمولهم بشكل كبير السعودية من خلال مؤسستها الوهابية .. وطالما نحن ندفع سعر النفط غالياً بعد ان اكتشفناه في رمال الصحراء فإننا ندفع حساب قتلة الغرب.
وفي مناظرة تلفزيونية جرت في الخامس من اكتوبر 2001 عن "الاسلام والعنف" تساءل الفيلسوف الفرنسي المعروف جان بيير فرايسيف عن الذين قاموا بتفجيرات سبتمبر، وفيما اذا كانوا منافقين وخارجين عن الاسلام وتصرفوا خلافا للتعاليم القرآنية ام انهم من المؤمنين الصالحين الملتزمين بالتعاليم القرآنية ؟ واعاد طرح السؤال بالشكل التالي: هل القرآن يتناقض مع روح حقوق الانسان ؟ فاجاب نعم فالكفار يستحقون القتل والهلاك، كما تستحق النساء الهجر والضرب، وان هناك قرابة 700 كلمة في القرآن تدور حول العقاب والعذاب والتدمير".
ب ـ الربط بين الارهاب والفلسطينيين
اراد كتاب المستوى الثاني استغلال الاحداث لكي يدينوا الفلسطينيين بالارهاب أو ليقولوا إن الفلسطينيين قد تشفوا بما حدث للأمريكيين ونشير هنا الى تصريحات الخبير في العلاقات الدولية جيرارد شايلياند لصحيفة لوموند في 18/9 /2001 حيث امتدح العدو الصهيوني قائلاً " انظروا الى دولة اسرائيل التي هي هدف لكل انواع الارهاب منذ عام 1968، ألم تعش وتقاوم الى يومنا هذا؟ ... وخلص للقول: ان على الولايات المتحدة الضغط على السعودية التي تقدم باسم الوهابية الاموال للدعايات التي تبثها الحركات الاسلامية".
ومن ناحيته اشار جاك غيون في افتتاحيته لصحيفة "شارنت ليبر" (13/9/2001) الى الفرحة التي عمت الشارع الفلسطيني بالتفجيرات واعتبرها احتفال بالعمليات الارهابية وقال: ان منظر الشباب الفلسطيني الذي يصفق لصور الموت والرعب يصور الى اية درجة وصل الشرخ بين العالم المهمش وحضارة الرخاء.
ونجد في افتتاحية صحيفة لوموند (19/9 /2001) هجوم على السعودية لأنها تتضامن مع الفلسطينيين اذ تقول: "طيلة السنوات الماضية اعتبرت السعودية من باب النفاق حليفاً للغرب، مع انها تقوم بتمويل الحركات الاسلامية المتطرفة، وتتبنى صحافتها بمراقبة مباشرة من العائلة المالكة خطابات متطرفة جداً في كل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي".
ج ـ افضل دفاع ضد الارهاب هو العدالة
اما كتاب المستوى الثالث فهم فئة العقلانيين الذين نظروا الى ابعد من الاحداث الدامية باعتبارها نتيجة لسياسات ظالمة. كتب في هذا الاتجاه سيرج جولي افتتاحية صحيفة "ليبراسيون" بعنوان "اللانظام العالمي الجديد" (13/9 /2001) ليقول: ان هذا الهجوم الارهابي على امريكا هو اعلان حرب وما يليها منطقياً هو الحرب الشاملة. ولكن الولايات المتحدة تقوم بهذه الحرب ضد عدو سيهرب منها على الاقل قسم منه، وهذا القسم يمتلك مئات، بل آلاف الانتحاريين المستعدين للموت لكي يحطموا امريكا واسرائيل ... ويخلص "لا بد للولايات المتحدة ان تنزع اولاً فتائل القنابل الموقوتة وهي عدد من الصراعات واولها في الشرق الاوسط. ان افضل دفاع ضد الارهاب ليس الحرب ولكنه العدالة". ان سيرج جولي هنا يعتمد على حكمة الفيلسوف الالماني هيغل الذي قال مرة: اما ان تطبق العدالة او ينقرض العالم.
وبشكل اخر كتب جان ـ ماري كلوباني في صحيفة "لوموند" يقول: في عيون الرأي العام الامريكي والقادة الامريكيين فان الاسلامية في كل اشكالها ستكون هي العدو الجديد، أن هذه الهجمات البربرية ذات الطابع العسكري التي قام بها هؤلاء هي مخالفة لما يعتقد به اغلبية المسلمين، فالاسلام كدين لا يسمح بالانتحار مثل المسيحية .. ولكن الامر يخضع هنا لمنطق اخر، وهو منطق سياسي من شأنه ان يطور ازمة سياسية في جميع انحاء العالم العربي. وعلى الامد البعيد فإن هذا السلوك انتحاري لأنه يشعل النيران ضد من يعتبرونه الشيطان الاكبر.
وفي السياق نفسه ذكر بيير لوك سيغيون في افتتاحية نشرة القناة الاخبارية الفرنسي "ال سي أي" ان الاوروبيين لديهم على الاقل وسيلة لتأكيد اصالتهم لتلاشي الاخطار. إنها العمل بجدية وقوة في تسوية الازمة الاسرائيلية الفلسطينية التي تركوها موقتاً للدبلوماسية الامريكية، وكذلك انهاء الحصار الغبي المفروض من الولايات المتحدة منذ عشر سنوات على العراق والذي يقتل الشعب البريء.
وبعد ان هدأت الاوضاع الدولية واشتعلت جبهة فلسطين بالقتل الاسرائيلي اليومي للفلسطينيين على كل الشاشات وبالتهديدات الامريكية لحرب جديدة في العراق، وبعد أن اعيد انتخاب الرئيس شيراك بدعم وتأييد من الجالية الاسلامية، وبعد تعيينه وزيرين مسلمين في الحكومة الحالية (تقية سيفي وزيرة البيئة وحملاوي مكشرة وزير المحاربين القدامى) استمرت وسائل الاعلام الفرنسية رغم الاصلاحات المحدودة التي شهدتها مؤخراً في تحريضها على الاسلام بشكل فاقع وغير لائق. ففي برنامج في قناة التلفزيون الثانية وهي القناة الرسمية ( في الثاني من ديسمبر 2002) بعنوان "هل ينبغي الخوف من الاسلام" أكد البرنامج على الدعوات التي يريد الاعلام نشرها وهي ان الخوف من الاسلام والمسلمين اصبح ظاهرة منتشرة لدى عامة الفرنسيين. اشترك في البرنامج وزير سابق للداخلية وهو جان بيار شوفينمان والمتحدث الرسمي باسم الحكومة الفرنسية جان فرانسوا كوبي واخرين، ولكن مقدمة البرنامج كانت تقذف التهم مجاناً على الاسلام والمسلمين .. ومن ناحيته فقد اعتبر السيد كوبي ان حكومته تهتم بالارهاب والحجاب وبناء الجوامع في محاولتها لتنظيم الاسلام ومراقبة الائمة ومنع التمويل الاجنبي لبناء الجوامع .. وتتجسد الصورة التي يتمثلها المتحدث باسم الحكومة للاسلام في هذا الخلط اللاشعوري أو المتعمد ما بين الارهاب والحجاب والجوامع .. فهو يصر على ضرورة ان يقوم اسلام فرنسي خاص يفرض في مجلسه الاستشاري نسبة من النساء، وحين سأله احد المشاركين هل تفرض الدولة الفرنسية نسبة من النساء على المجلس الكاثوليكي الاعلى او على المجلس اليهودي تهرب من السؤال.
تجسدات الصورة سياسياً
تطرح قضية الوجود الاسلامي في فرنسا اشكالية مهمة للغاية على الطبقة السياسية الفرنسية برمتها. وقد حاولت هذه الطبقة بكل شعبها ايجاد سبل للتعامل مع هذه الحالة الفريدة لجالية دينية بكل تجسداتها الاجتماعية والسياسية في جمهورية علمانية. ذلك لأن فرنسا ليست كبريطانيا او امريكا او باقي الديمقراطيات التي يتآلف فيها الاجتماع السياسي في جاليات .. انها جمهورية قامت اساساً بعد حرب دامية مع الكنيسة لترسي نظاماً علمانياً، الاصل فيه للمواطنة وليس للجاليات مهما كان لونها او جنسها او دينها. تلك هي نظرياً حجج السياسيين في النظر الى القضية الاسلامية في فرنسا التي يعتبرونها قضية اجتماعية امنية وليست قضية سياسية. ولكن التنظير شيء والواقع شيء اخر. فالنظر الى الوجود الاسلامي من هذا الباب الرسمي لم يؤد إلا الى تعقيد العلاقة مع المسلمين الذين باتوا يشكلون عشر سكان فرنسا ويتوسعون في تأثيرهم يوما بعد يوم واكثر فاكثر (14).
ان الاستثناء العلماني الفرنسي يصطدم برأي عام اسلامي، بل وعالمي يستغرب تعامل فرنسا القاسي مع مسلميها، ويكظم المسلمون غيظهم من هذا التعامل ويخشون من مغبة توتر علاقاتهم مع فرنسا باعتبارها واحدة من اقرب الدول الغربية لقضاياهم المركزية وبخاصة فلسطين . وينتظرون بصبر ان يصلح السياسيون الفرنسيون سياساتهم. ومن الملاحظ ان هناك بالفعل نوع من التطور المهم قد حدث في نصف العقد الماضي. حيث اعترفت الدولة الفرنسية رسمياً بأن الاسلام هو الدين الثاني بعد الكاثوليكية، وبعد ان كان رئيسا الدولة والحكومة لا يعبئان بالجالية الاسلامية ولا يقدمان لها التهاني باعيادها او يستقبلان ممثليها في المناسبات الوطنية كمثل ما يقومون به مع المسيحيين واليهود والبوذيين، اصبحا اليوم يعاملان الجالية الاسلامية كغيرها وقد جعلا لها رمزياً على الاقل تمثيلاً سياسياً في الحكومة .. ولكن هذا التمثيل ما زال منعدماً في الجمعية الوطنية الفرنسية وفي مجلس الشيوخ والمساعي ماضية الى اصلاحه. وعلى الرغم من ذلك فإن الوضع في انتخابات البرلمان الاوروبي يبدو مختلفاً، فقد فاز خمسة نواب مسلمين في البرلمان الاوروبي من مجموع 87 نائباً يمثلون فرنسا (15).
ويمكننا ملاحظة ان مشاكل الجالية الاسلامية على المستوى السياسي ما زالت كبيرة، وهناك قضايا لا تقبل التأجيل ومن بينها دفع السلطات السياسية لرفض العنصرية السائدة او منعها ازاء الاسلام والمسلمين في فرنسا .. فقانون فابيوس غيسو مثلاً يحيل اية جارح لصورة اليهود او تاريخهم للمحاكم، بينما يتغافل القضاء الفرنسي عن التشويه المتعمد لصورة الاسلام والمسلمين في الحياة العامة المتمثلة بالعمل والحياة اليومية والقضاء .. وامثلة ذلك البطالة المتفشية في صفوف المسلمين بنسب هائلة تقدرها عالمة السكان الفرنسية ميشال تريبلا بـ 40 بالمئة بينما لا تتجاوز النسبة في صفوف الفرنسيين 8 بالمئة. وتعود هذه البطالة كما تذكر الباحثة نفسها الى التوجهات العنصرية لدى عامة السكان الذي اعترف 69 % منهم في استطلاع رأي عام اجراه معهد لويس ـ هاريس ونشرته صحيفة "ليبراسيون" في 16/3/2000 بأنهم عنصريون وتذمر 63 % منهم من وجود اعداداً كبيرة من العرب في فرنسا، وقد ازدادت النسبة بالقطع بعد تفجيرات ايلول / سبتمبر. اما العنصرية القضائية ازاء المسلمين فهي من ابشع العنصريات واخطرها . إن ملفات القضاء تضج بمئات جرائم القتل العمد التي ارتكبت بحق العرب والمسلمين ولم يلق المجرمون عقابهم من القضاء الفرنسي، الى درجة ان اتهمت منظمات حقوق الانسان الدولية والفرنسية القضاء الفرنسي بالعنصرية .. لقد نشرت هذه الجمعيات تفاصيل خطيرة عن الجرائم العنصرية في مجلات مثل "لونوفيل اوبسرفاتور" و"ليزيكو دي لا سيتي" وعدد خاص من مجلة بعنوان "الدولة تقتل: القتل العنصري في فرنسا" والى جانب ذلك نذكر كتاب "قتل العرب في فرنسا" لفاوستو دوتشي الذي يحتوي على ملفات دامية بالاسماء والتواريخ والوثائق لاعداد كبيرة من الجرائم التي ارتكبها عنصريون فرنسيون وافراد من الشرطة بحق المسلمين ومع ذلك افرج القضاء عن مرتكبيها لاسباب عنصرية.
هذا الكم الهائل من المشاكل التي تطرحها صورة الاسلام في فرنسا هل يمكن ان تعالجه الطبقة السياسية الفرنسية؟ سؤال طرح اثناء الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية وكانت اجوبة السياسيين عموماً ابداء موقف ايجابي من الاسلام والعمل على تجاوز الماضي وهذه نماذج عنها:
1 ـ جاك شيراك (حزب التجمع من اجل الجمهورية): الاسلام هو نقيض الأصولية المتعصبة.. انه اسلام متسامح ومسالم ومنفتح على تطورات العالم ورافض للتشنج والإنطواء». وأضاف: «انه اسلام يتمسك بالتوفيق بين تعاليمه وبين ما يحمله التمدن لكل منا من تقدم وعدالة. انه اسلام التقوى والأخوة». ودعا الى انجاز انشاء هيئة تمثيلية للمسلمين في فرنسا، كما دعا الى تمكين المسلمين من ان تكون لهم اماكن عبادتهم وأئمتهم (16).
2 ـ ليونيل جوسبان (الحزب الاشتراكي الفرنسي): ان الاسلام الذي يشكل الديانة الثانية من حيث العدد في فرنسا يجب ان يحظى بمكانة طبيعية ولائقة. والمؤمنون بحاجة الى بنى تحتية واماكن عبادة جيدة حتى يتمكنوا من ممارسة معتقداتهم بحرية.. يجب ان تكون للمسلمين مساجدهم. كانت هذه المسألة لمدة طويلة من المحرمات لكنني الاحظ ان هذه المحرمات بدأت تسقط. واشار الى ان حكومته «بدأت منذ اكثر من سنتين مشاورات واسعة من اجل قيام هيئات تمثيلية للمسلمين في فرنسا». ان ذلك من شأنه ان يزود الاسلام بمتحدثين يمثلونه لدى السلطات العامة، على الصعيدين المحلي والوطني، إذ إن للإسلام والمسلمين حضورهم في المشهد الثقافي في جمهوريتنا»(17).
3 ـ جان بيار شوفينمان (حركة المواطنين) يقول: يجب الاعتراف بالاسلام طالما أصبح متأقلما مع قواعد جمهوريتنا. لذلك لا بد من هيئة تمثل مسلمي فرنسا وتكون قادرة على التحاور مع الحكومة. هذه الاستشارة متواصلة طبعا وأتمنى أن تحقق أهدافها. انني ارفض الرؤية التي تجمع بين اللاأمن والهجرة، وذلك لأن ملايين المهاجرين يقيمون في فرنسا بهدوء وكرامة. ينبغي الاهتمام بموضوع اللاأمن من زاوية أخرى، وهي قدرتنا على ادماج فئة عريضة من المجتمع تعاني اليوم من الاقصاء( 18).
4 ـ جان ماري لوبان (الجبهة الوطنية الفرنسية): يعادي برنامج الجبهة الوطنية بشكل صارخ الوجود العربي الاسلامي في فرنسا، فهو يقوم على مبدأ الافضلية للفرنسيين والاوروبيين في كل المجالات: السكن، العمل والمساعدات الاجتماعية، العودة الى تفتيش البطاقات الشخصية على كل نقاط الحدود، تنظيم عودة المهاجرين (اي العرب والمسلمين والافارقة) الى بلدانهم، الغاء بطاقة الاقامة لعشر سنوات التي تمنحها فرنسا للاجانب المقيمين، وضع حد لكل تجمع عائلي، الغاء الحصول الاوتوماتيكي على الجنسية الفرنسية، وقف كل تقاليد دينية منافية للصحة العامة والمقصود بها وقف ذبح الخرفان في الاعياد الاسلامية، وقف انتشار الجوامع.
5 ـ نوئيل مامير (حزب الخضر): على عكس الجميع ينفرد مامير بنظرة ايجابية جداً للهجرة والمسلمين حيث يطالب باعطاء حق الانتخاب البلدي للمقيمين الاجانب على الاراضي الفرنسية. ويرفض بشكل قاطع كل اشكال العنصرية وتشويه صورة المسلمين. وحين قام بدعايته الانتخابية للرئاسة بدأها من حفلة في جامع باريس الكبير ..
6 ـ فرانسوا بايرو (الاتحاد من اجل الديمقراطية) يقول: لابد من ان يأخذ الاسلام مكانته في فرنسا باعتباره الدين الثاني فيها ولذلك فإنني أؤيد بناء الجوامع واماكن الصلاة كما انني مع تدريب الائمة الفرنسيين وقيام مجلس تمثيلي لمسلمي فرنسا. ان الاسلام دين كبير وانني مقتنع بأن الغالبية العظمى من المسلمين تأمل بعيش اسلامها باحترام وانفتاح على الاخر (19).
تلك هي صور الاسلام في فرنسا كما يراها ابرز السياسيين الفرنسيين، وهي صور متفقة باستثناء واحد على الدور الذي ينبغي ان يلعبه المسلمون في حاضر فرنسا ومستقبلها. وبفعل كوني من المتفائلين باهمية هذا الدور المتعاظم يوما بعد يوم للمسلمين في الغرب، فسوف ابرز في هذه العجالة صورتين لمستقبل الاسلام ليس في فرنسا فحسب وانما في اوروبا عامة .. الاولى تبينتها عند دراستي للاهمية الاقتصادية للمسلمين في دول الاتحاد الاوروبي الـ 15، والثانية قدمتها كتلة برلمانية اوروبية عن الاهمية السياسية للمسلمين الاوروبيين في تقرير مستقبل اوروبا بشكل عام.
اقتصاد المسلمين الاوروبيين
اثناء اجتماع عقد في السابع عشر من سبتمبر 2001 في بروكسل لقضاة ومديري امن اوروبيين تبعه اجتماع لوزراء العدل والداخلية لدول الاتحاد الاوروبي في بروكسل بتاريخ 20 سبتمبر 2001 صدر بيانهم الختامي الذي اهتم بوضع الخطط لمراقبة المسلمين في دول الاتحاد اعترف البيان بأن العدد الاجمالي للمسلمين في دول الاتحاد هو 30 مليون منهم خمسة ملايين غير مسجلين رسمياً .. وهذه هي المرة الاولى التي يعلن عن مثل هذا الرقم الكبير لأن التقديرات كانت تدور حول 15 مليوناً على أكثر تقدير.
وفي حسبة سريعة عن دور الـ 25 مليوناً من المسلمين الاوروبيين المسجلين رسمياً تتبين لنا اهميتهم الاقتصادية التي هي مفتاح تطورهم وتأثيرهم السياسي. يبين الجدول التالي حالة دول الاتحاد السكانية وحصة الفرد الاوروبي من الناتج القومي الاجمالي لعام 2000 حسب ما ورد في "حصيلة العالم " لعام 2000.
دول الاتحاد الاوروبي الـ 15
الدول عدد السكان بالملايين النمو الديموغرافي % حصة الفرد من الناتج القومي الاجمالي $
المانيا 82 1،3 25850
النمسا 8،1 1،3 26850
بلجيكا 10،2 1،5 25380
الدنمارك 5،3 1،7 33260
اسبانيا 39،4 1،2 14080
فلندا 5،2 1،7 24110
فرنسا 59،1 1،7 24940
اليونان 10،5 1،3 11650
ايرلندا 3،7 1،9 18340
ايطاليا 57،7 1،2 20250
لوكسمبورغ 0،4 1،7 43570
هولندة 15،8 1،5 24760
البرتغال 10 1،5 10690
بريطانيا 59،4 1،7 21400
السويد 8،9 1،5 25620
المصدر:
Bilan du monde ( Paris :Le monde ,2000) p.36 .
يتضح من هذا الجدول ان متوسط حصة الفرد الاوروبي من الناتج القومي الاجمالي تقترب من 24 ألف دولار سنوياً واذا ضربنا عدد المسلمين في اوروبا وهو 25 مليون بمبلغ 24 ألف دولار فسنجد ان حصة المسلمين الاوروبيين من الناتج القومي الاجمالي هي 600 مليار دولار سنوياً أي مايعادل تقريباً الناتج القومي الاجمالي لدول الجامعة العربية كلها . وهو مبلغ سيزداد مع الوقت بفعل ارتفاع معدلات النمو الديموغرافي للمسلمين على متوسط النمو لدى باقي الاوروبيين . فلو جرى تنظيم هذه الجالية الاسلامية بالشكل السليم مع ما تمتلكه من حرية الحركة والوعي السياسي وحقوق المواطنة ومستويات التعليم المتقدمة فسوف يكون دورها السياسي والاقتصادي اهم بكثير من دور الدول العربية لاعتبارات اهمها انها تشكل ورقة ضغط سياسية واقتصادية في ثاني قوة في العالم وهي اوروبا .. وكما زرعت الجاليات اليهودية في الغرب وبخاصة المنظمة الصهيونية دولة اسرائيل في فلسطين فبإمكان الجاليات المسلمة في الغرب لعب الدور المعاكس الذي قد يحرر المنطقة كلها من الاستعمار والتبعية ويضمن لها تحالفات دولية هي بأمس الحاجة لها.
هل سيقرر المسلمون مستقبل اوروبا؟
في قمة نيس الاوروبية في ديسمبر عام 2000 اتفقت الدول الاعضاء على مبدأ التمثيل النسبي في مؤسسات الاتحاد على اساس العدد السكاني ، فبعد ان كانت حصص الدول الكبرى مثل فرنسا والمانيا وبريطانيا متساوية. اصبح لألمانيا التي يبلغ عدد سكانها 82 مليون نسمة الغلبة على كل من فرنسا وبريطانيا اللتين لم تتجاوزا بعد الـ 60 مليون نسمة لكل منهما. وقد اعتبر اعضاء المجموعة البرلمانية الاوروبية المسماة "اوروبا الامم" ان المانيا انتزعت قيادة دول الاتحاد الاوروبي من فرنسا .. ومضى بيان " اوروبا الامم " الذي نشرته صحيفة لوموند في التاسع من ديسمبر 2000 الى ان المانيا تعيد اليوم احلامها التوسعية الكبرى ببناء اوروبا من الاورال الى الاطلسي لكي تصبح "اوروبا المانية" فيكفي رفضها لاي قرار وهي تمتلك 17% من الاصوات في المجلس الاوروبي وتحالفها مع دولة كبرى مثل بريطانيا او ايطاليا لكي تحصل على الاقلية اللازمة لتجميده .. وهي تحاول اليوم توسيع الاتحاد نحو الشرق وتضغط على فرنسا لتسريع هذا التوسع الذي يضمن لها هيمنة كاملة على اصوات اغلب دول اوروبا الشرقية وبالتالي على اوروبا .. اما كتلة نواب من يسمون انفسهم بالسياديين (أي الذين يطالبون ببقاء سيادة الدول الاعضاء الوطنية مستقلة) فيرون بأن النوايا الالمانية مخيفة وتوسعية"..
ان الخلاف حول التمثيل على اساس الكثرة السكانية فتح المجال امام التوجهات العنصرية التي بدأت تعبر عن مخاوف وهمية .. اذ ادعت "كتلة "اوروبا الامم" في بيانها أن "العمل وفق معيار الوزن الديموغرافي سيشكل خطراً كبيراً على مستقبل أوروبا لأنه سيجعل من تركيا تقرر مصير أوروبا عام 2020. وقد صاغ هؤلاء هذا القول على نظرية تقول إن خبراء الاحصاءات السكانية يقولون إن عدد سكان المجتمعات الاسلامية يتضاعف كل عشرين سنة، بينما تعتبر احصاءات الامم المتحدة أن أقل نسبة ولادة للاطفال في العالم هي اليوم في اوروبا اذ تتراوح ما بين 1،2 الى 2 طفل لكل امرأة مما يعني تناقصاً تدريجياً في اعداد الاوروبيين. وبما ان عدد سكان تركيا الحالي هو 66 مليون نسمة فإنه سيتضاعف بعد عشرين عاماً الى 132 مليون لتكون أكبر الدول الاوروبية قاطبة.
فإذا ما انضمت الدول الاسلامية البلقانية مثل البانيا (5,3 مليون نسمة) والبوسنة (3,8 مليون) الى الاتحاد الاوروبي فسيصل عدد سكان الدول الاسلامية في الاتحاد ومنها تركيا الى 73,2 مليون نسمة دون احتساب كوسوفو، يضاف الى هذا العدد المسلمون المقيمون في دول الاتحاد والذين سبق ان قدرهم بيان وزراء العدل والداخلية الاوروبيين بـ 30 مليون نسمة فسيصبح المجموع هو 103,2 مليون نسمة، وطالما ان المسلمين يتضاعفون كما يقول بيان "اوروبا الامم" كل عشرين عاماً فسيصبح العدد الاجمالي عام 2020 هو 206,4 مليون مسلم اوروبي .. ويستنتج هؤلاء من هذه الارقام أن القرار السياسي في اوروبا المستقبل سيصبح مرهوناً برغبات المسلمين. وهكذا تنتقل اوروبا من كونها مشروع فرنسي لكل اوروبا الى مشروع توسعي الماني في الامد القريب، ومن ثم لتقدم أوروبا في نهاية المطاف على طبق من ذهب للمسلمين لكي يقررون مستقبلها بالتحالف مع الألمان.
وبطبيعة الامر فإن هذه المخاوف ليست بالشكل الذي تقدم به، وحقيقة النمو الديموغرافي للمسلمين في اوروبا لا تتضاعف بهذا الشكل المبالغ فيه، ولم يفكر أحد من المسلمين او الالمان في تحالف، ولا يهدف الحديث عنه الا الى اثارة مخاوف وتحريضات شوفينية. ولكن الواقع الذي لا ينكره احد قط هو ذلك التطور المهم لحجم ونوعيتها المشاركة السياسية المسلمة في اوروبا المستقبل. ومن هنا تستدعي الحاجة الى العمل الجاد لمزيد من اندماج الجاليات الاسلامية في الحياة الاوروبية، نقول اندماج وليس انصهار، فالاندماج مطلوب لأنه يجعل من الثقافة الاسلامية مكون اساسي في الثقافة الاوروبية، اما الانصهار فهو ضياع للثقافة الاسلامية وللهوية كلياً.
والسؤال المطروح اليوم بالحاح هو هل سيتمكن المسلمون الاوروبيون بدعم من بلدانهم الاصلية من تشكيل صورة افضل للاسلام والمسلمين في اوروبا والغرب عامة؟
الهوامش:
1) Herbert Marcuse, Eros et civilisation, Paris, Ed. Minuit, 1963, p.102.
2) Chateaubriand, Correspondance générale 1789-1807, Paris, NRF, 1987, p. 304.
3) قيس جواد ، تطور الصورة الغربية للشرق ، دراسات شرقية .ع 2 ص 75 .
4) Waardenburg, L’Islam dans le miroir de l’Occident, Paris, Mouton–La Haye, 1962, p. 5
5) Etienne Bruno, La France et l’Islam, Paris : Hachette,1989 ,p183
6) Marguerin et Hubault :Histoire des Temps modernes ,Paris : Dezobry ,E .Magdelien et Cie ,1854 .
7) Ahmed Kedidi, L’image de l’Islam en Occident – L’image de l’Occident en Islam, Paris, Ed. Eurabe, p. 199.
8) مارلين نصر ، صورة العرب والاسلام في الكتب المدرسية الفرنسية (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 1995) ص 28 و55 و56.
9) مارلين نصر، المصدر نفسه، ص 136.
(*) طرحت مشكلة الحجاب مؤخراً في بلجيكا ولكن بشكل مغاير طبعاً فقد اوردت صحيفة الشرق الاوسط (4/12/2002) الخبر المعبر التالي: حضرت وزيرة الشؤون الاجتماعية في الحكومة الفلامنكية ميكا فوخلز حفلة افطار جماعي بمشاركة عدد من السيدات من الجاليات المسلمة الموجودة في بلجيكا. وعقب نشر صورة الوزيرة البلجيكية وهي ترتدي الحجاب مع السيدات المسلمات تعرضت لهجوم عنيف من جانب وسائل الاعلام ووصل الامر الى مناقشة الوزيرة داخل البرلمان حول ارتدائها للحجاب. وتعرضت الوزيرة لهجوم من زملائها داخل البرلمان الفلامنكي. ودافعت الوزيرة عن موقفها قائلة: «لقد شعرت بالرعب من هذا الهجوم على الصورة التي نشرت لي وانا ارتدي الحجاب مع سيدات مسلمات». وتساءلت الوزيرة: هل سيكون هذا هو رد الفعل اذا ما قام احد السياسيين بزيارة للجالية اليهودية وارتدى الطاقية التي يرتديها ابناء اليهود المقيمون في بلجيكا؟
10) Voire entretien avec Edgard Morin , Mars No 6 , Paris :1996
11) Sadek Sallam, L’Islam en Occident, colloque organisé par CEC, Paris 1994.
12) Michel Renard, L’Islam en Occident .
13) Thiéry Desjardins, Lettre au Président à propos de l’immigration . Paris :Fixot,1996
14) لا يوجد احصاء رسمي لعدد الجالية الاسلامية في فرنسا ( الاحصاءات الفرنسية لا تتم على اسس دينية او عرقية) ولكنها تبلغ استناداً الى تقديرات مديرية حراسة الحدود التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية قرابة ستة ملايين مسلم مقيم على الاراضي الفرنسية. وتمتلك حجم تصويتي في الانتخابات يقدر بـ مليون و800 ألف صوت .
15) فاز في انتخابات البرلمان الاوروبي عن فرنسا 87 نائباً خمسة منهم مسلمون وهم:
1ـ حليمة بومدين (عن حركة الخضر)
2 ـ ياسمينة بو جناح (عن الحزب الشيوعي)
3 ـ سامي نائير (عن حركة المواطنين)
4 ـ توقية سيفي (عن حزب التجمع من اجل الجمهورية)
5 ـ فودي سلاح (مسلم سينغالي عن الحزب الاشتراكي)
ومنذ سنوات فاز اكثر من 500 مسلم في الانتخابات البلدية كمستشارين بلديين من مجموع نصف مليون . وفي الانتخابات البلدية المقبلة سيتضاعف العدد بالقطع نظراً للاهتمام المتزايد للمسلمين بالسياسة .
16) الشرق الاوسط 11/ 3/2002.
17) الشرق الاوسط 10/4/2002.
18) France présidentielle 2002,Arabies ,mars 2002 .
19) المصدر السابق نفسه .