حمّل زعماء الطائفة الشيعية في لبنان أمس الجماهيرية الليبية والعقيد معمر القذافي "المسؤولية الكاملة" عن اختفاء زعيم الطائفة الشيعية الإمام موسى الصدر خلال زيارة رسمية للعاصمة الليبية في عام 1978. وأجمع الزعماء على رفض الطرح الليبي تشكيل لجنة تحقيق أمنية في إختفاء الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين, واعتبروا أن مهمتها ستكون "طمس قضية الإمام الصدر وتبرئة القذافي".
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري, الذي دأب على تجاهل السفير الليبي في المناسبات الرسمية منذ انتخابه لأول مرة قبل تسعة أعوام, مما دفع ليبيا إلى سحب سفيرها من بيروت الشهر الماضي والتهديد بطرد اللبنانيين من أراضيها وعدم استقبال المنتجات الزراعية, إنه "تصرف جيدًا كرئيس لمجلس النواب" عندما فعل ذلك.
ودعا الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في كشف ملابسات اختفاء الصدر محذرًا من أنه في حال إعلانها عجزها "فهناك أناس في هذا البلد قادرون على تحمل المسؤولية".
إتفق زعماء الطائفة الشيعية في لبنان على تحميل ليبيا مسؤولية اختفاء مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وحركة "أمل" الإمام موسى الصدر خلال زيارة رسمية كان يقوم بها إلى الجماهيرية في 31 أغسطس (آب) 1978.
وأكد رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري الذي أدى تجاهله دعوة السفير الليبي افتتاح أعمال المجلس النيابي الجديد إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين إنه تصرف بذلك "جيدًا كرئيس لمجلس النواب". وحذّر بري من "الوفود الأمنية الليبية التي تزور لبنان" مشددًا على أنه "لم يفصل بين كونه رئيسًا للمجلس النيابي ومقاومًا ورافضًا أية لجان تحقيق" لأن قضية الصدر ليست حادثة سيارة. وطالب رئيس المجلس الشيعي الشيخ محمد مهدي شمس الدين بتقديم ملف قانوني وقضائي إلى محكمة العدل الدولية, متسائلًا "لماذا لا تكون قضية الإمام الصدر كقضية "لوكربي"؟.
وكان البارز موقف الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي اعتبر أنه لو وجه بري الدعوة للسفير الليبي لكان "وجه إهانة إلى الشعب الذي يعتبر هذا المجلس ممثلًا له". ودعا الدولة إلى توضيح موقفها من هذه القضية, وألمح إلى أنه في حال إعلانها عجزها "سيتحمل بعض الناس المسؤولية على طريقتهم".
وأتت مواقف الزعماء الشيعة في لبنان في اختتام أعمال مؤتمر "كلمة سواء" الخامس الذي ينظمه مركز "الإمام الصدر للأبحاث والدراسات". واستهلت الجلسة الختامية للمؤتمر بتلاوة توصية لرئيس المجلس الشيعي الشيخ محمد مهدي شمس الدين الموجود في فرنسا لتلقي العلاج أكد فيها: "ان هذه القضية هي مسؤولية النظام الليبي وذلك بناء على النتائج والقرارات التي خلص إليها القضاء الإيطالي والقضاء اللبناني في حينه, وبناءً على الوقائع الثابتة والمؤكدة". وطالب شمس الدين الحكومة اللبنانية بأن تدرس قانونيًا وقضائيًا تكوين ملف يقدم إلى محكمة العدل الدولية لملاحقة قضية الصدر. وقال: "وهذا الملف موجود لدى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى كما هو موجود لدى كل من وزارة الخارجية اللبنانية ووزارتي العدل في لبنان وإيطاليا داعيًا لأن تكون قضية الصدر مثل قضية لوكربي التي تحركت لها العدالة الدولية.
ثم ألقى نائب رئيس المجلس المفتي الجعفري الشيخ عبد الأمير قبلان كلمة حمل فيها "النظام الليبي" مسؤولية اختفاء الإمام الصدر ورفيقيه. وقال: "هذا النظام الذي ولد في رحم المؤامرات ليس ضد الأمة العربية فحسب إنما ضد الأمة الإسلامية بأسرها فهو المسؤول الأول والأخير عن هذه الجريمة النكراء... ولكن مهما يكن من أمر فإن حسابنا مع هؤلاء الظلمة سيبقى قائمًا وملف هذه الجريمة لن يطول ولن يساوم عليه مهما طال الزمن حتى تنكشف الحقائق وتنجلي الملابسات". وطالب الدولة اللبنانية بأن يكون لها موقف واضح وصريح تجاه هذه القضية الوطنية الكبرى وأن لا تؤخذ التهديدات فنحن شعب لا نخاف لا التهديد ولا الوعيد", وسأل: "لماذا هذا القلق من قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام الليبي؟ وهل هذا الملف مصدره الخوف من وقف المساعدات الليبية إلى لبنان؟ ومتى كانت هذه المساعدة؟.
ثم تحدث نصر الله فسأل الحكومة اللبنانية عن كيفية تعاطيها مع ملف الصدر من الآن وصاعدًا. وقال: "نحن نقول ليكن هناك آلية وإلى الآن لم نسمع جوابًا, هل تريد الحكومة اللبنانية أن تتابع هذا الملف أو لا تريد متابعته, إذا كانت تريد متابعته فما هي هذه الآلية؟ ومن المسؤول؟ أي أنه إذا كان لدينا اقتراحًا أو فكرة أو معلومة حول هذا الموضوع ومعالجته, فمع من نتكلم؟ هل نطوف على الرؤساء الثلاثة وعلى الثلاثين وزيرًا مع من هذا الملف؟".
وأضاف: "هنا طبعًا يأتي السؤال الكبير, ان تصارحنا الدولة اللبنانية بهذا الأمر, فليقولوا لنا أننا كحكومة لبنانية غير قادرين على فعل شيء حتى على كشف المصير فليقولوا نحن عاجزون, أنتم أبناء الشعب اللبناني, أنتم محبو الإمام الصدر, وعائلته, وأبناءه وأنصاره وأتباعه يمكنكم أن تفعلوا ما تشاءون من أجل كشف مصير الإمام واستعادته. وعندها نفهم الأمور لأي منحى تتجه. إذا كانت هذه الدولة غير قادرة على تحمل المسؤولية, فهناك في اناس في هذا البلد قادرون على تحمل المسؤولية، ولكن ماذا سيكون موقف الدولة حينئذ, لو تحمل بعض الناس المسؤولية على طريقتهم...؟ "اننا كلنا متفقون- حتى لا يقال هناك وجهات نظر- كلنا متفقين بأن الذي يتحمل مسؤولية حياة الإمام ومصير الإمام ورفيقيه هو النظام الليبي الحالي... ولا أحد آخر, بالدرجة الأولى هم يتحملون المسؤولية... أقول لكم لا أحد حتى من أصدقاء ليبيا ومن حلفاء ليبيا وحتى من أعداء الإمام وأخصام الإمام في ذلك الحين يصدق الرواية الليبية حول مغادرة الإمام إلى إيطاليا, لا أحد في هذه الدنيا يصدق هذه الرواية الأمر محسوم". ورفض نصر الله الإقتراح الليبي بتشكيل لجنة تقصي حقائق أو لجنة تحقيق مشتركة ليبية – لبنانية, معتبرًا ان مهمة هذه اللجنة تضييع الصدر وتبرئة النظام الليبي. وقال: "بالنسبة لنا عندما نؤمن بقضية حق نتابع هذه القضية أيًا تكن ردة الفعل".
واقترح نصر الله على المجلس الشيعي المبادرة إلى تشكيل لجنة وطنية عليا لمتابعة قضية الصدر "في إطار وطني مركزي رفيع المستوى وبشكل دائم ويومي".
ثم ألقى رئيس البرلمان, نبيه بري, كلمة أشار فيها إلى أن "اختطاف الصدر أتى بعد الإجتياح الإسرائيلي الأول فكان الإجتياح الثاني والأدهى تتمة للإجتياح الأول باختطاف الصدر بعد أربعة أشهر على يد النظام الليبي وهذا ليس مجرد صدفة.
وأيد بري طروحات نصر الله وقال: "نقول لبعض الأقلام والمزايدين بأن نبيه بري لم يتصرف كرئيس نيابي عندما لم يدع ممثل النظام الليبي إلى المجلس النيابي بل أنا أقول منذ تسع سنوات حتى الآن لم أتصرف جيدًا كرئيس مجلس نيابي, إلا في كل مرة كنت لا أدعو فيها ممثل النظام الليبي إلى أي مناسبة رسمية في المجلس النيابي. ليس لأن الإمام الصدر له وشائج وأبوة على حركة "أمل" و "حزب الله" والشيعة وعلى الجميع, الإمام الصدر ليس لأمل ولا لحزب الله ولا للشيعة بل هو لكل اللبنانيين". وأضاف: "إثنان وعشرون عامًا هل كانت "أمل" و"حزب الله" قاصرين؟ نتحدى يومًا من الأيام حتى في الزمن الذي يتحدثون فيه عن الميليشيات نتحدى أن يقولوا أن "أمل" أو"حزب الله" أو أبناء موسى الصدر قتلوا مواطنًا ليبيًا أو خطفوا مواطنًا ليبيًا, أليس بإمكاننا هذا الأمر؟ عشرات المرات". وتابع: "أنا أعلم أن هناك محاولات لتحركات أمنية, فليعلموا ان هذه التحركات "هي شغلتنا" عندما نريد ان نكون رؤساء مجالس نيابية نكون, وعندما نريد ان نكون مقاومين نعمل مقاومين, ما من يوم من الأيام فصلنا بين هذين الأمرين أبدًا لا ترسلوا ولا تأتوا وفودًا أمنية. نقول لا لجان التنسيق ولا لجان تحقيق مشتركة هذا الأمر ليس حادثة سيارة أبدًا. الإمام الصدر خطف وأخفي في ليبيا ومصيره مسؤولية النظام الليبي وهذه القضية ليست موقفًا شخصيًا وليست موقفًا حزبيًا وليست موقفًا طائفيًا أو مذهبيًا".
وأعلن المؤتمر في نهاية أعماله عن تشكيل نواة هيئة متابعة وطنية سيتم لاحقًا الإعلان عن أسماء أعضائها وآلية عملها ودورية تواصلها مع الرأي العام وحدد مهمتها ببند وحيد العمل على إطلاق سراح موسى الصدر ورفيقيه. كما حدد إطار عمل الهيئة إدانة النظام الليبي على فعلته وعلى تماديه في ضرب النهج المقاوم في أصله وصميمه, ومطالبته بالإفراج الفوري عن الصدر ورفيقيه وتحميل الحكومة اللبنانية الجديدة المدعومة من المجلس النيابي الجديد مسؤولية تحقيق هذا الإفراج, وذلك باستخدام كافة الوسائل بما فيها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجزاء الدولية وجامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة العربية والإسلامية ومجلس الأمن الدولي وغيره من منظمات الأمم المتحدة, بما في ذلك تأليف لجنة حقوقين غايتها الوحيدة كشف حقيقة المؤامرة التي غيبت الصدر في ليبيا, والعمل على عودته ورفيقيه. وطالب الحكومة اللبنانية بـ "اعتماد الشفافية في مستجدات القضية, وإحاطة الرأي العام علمًا بما تؤول إليه مجهوداتها".