مؤتمر "كلمة سواء" الذي ينظمه مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات, إفتتح أمس دورته السنوية الخامسة في فندق "ماريوت" في الجناح بعنوان "المقاومة والمجتمع المقاوم...قراءات في مسيرة الإمام الصدر".
المؤتمر كان مقررًا ليومين, لكن إدارته قررت تمديده يومًا ثالثًا, إذ ينتهي بجلسة ختامية تعقد العاشرة صباح السبت في مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على طريق المطار, بمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( الذي قد يحضر من فرنسا حيث يتلقى العلاج, أو يوجه رسالة عبر الهاتف) والأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله.
وهذا القرار خلف إنطباعًا ان أركان الطائفة الشيعية الثلاثة, ربما أعلنوا موقفًا جليًا من موضوع اختفاء الإمام الصدر, والعلاقة مع ليبيا المتهمة الرئيسية في الموضوع خصوصًا بعد المشكلات الأخيرة في العلاقة بين بيروت وطرابلس الغرب, التي بادرت إلى سحب سفيرها ودعت صحيفتها الرسمية إلى طرد اللبنانيين من ليبيا, في وقت كان رئيس الوزراء رفيق الحريري يصل إلى العاصمة الليبية في مهمة ترمي بشكل أساسي إلى محاولة ترطيب العلاقات الثنائية.
في أورقة المؤتمر سؤال عن ماهية ما سيصدر في الجلسة الموعودة في دار الطائفة الشيعية. فهل سيصدر قرار يمهد لإنهاء هذه القضية التي تتفاعل منذ نحو 22 عامًا؟ أم سيكون قرارًا تصعيديًا يبقي الوضع على ما هو؟
المؤتمر الذي بدأ اعماله أمس إختلف عن المؤتمرات الأربعة التي سبقته بأمرين أساسيين: الحضور الإيراني الرسمي, والحضور الكثيف لحركة "امل". فالمركز المنظم للمؤتمر في بداية نشاطه, وبدا أنه يتحرك خارج إطار الحركة, أو من دون مظلتها, منذ بدت عائلة الإمام كأنها في طور فهم علاقتها العضوية بالحركة, خصوصًا بعدما غادرت السيدة رباب الصدر شرف الدين مركزها في قيادة الحركة كممثلة لعائلة الإمام. واللافت في الأمر الأول إعلان أن المؤتمر يعقد بالتعاون مع مركز الدراسات الإستراتيجية في وزارة الخارجية الإيرانية التي يشغل فيها نجل أحد أشقاء الإمام الصدر منصب معاون الوزير للشؤون الخارجية.
وبالعودة إلى أعمال المؤتمر فقد كان الحضور الرسمي والشعبي كثيفًا, ومثل رئيس الجمهورية الوزير أسعد دياب, ورئيس مجلس النواب النائب أيوب حميد ورئيس الوزراء محافظ الجنوب فيصل الصايغ. وفي مقدم المشاركين الرئيس حسين الحسيني, الرئيس رشيد الصلح, والنواب علي الخليل, ياسين جابر, غازي زعيتر, نايلة معوض, علي بزي, محمد برجاوي, عمار الموسوي, محمد فنيش وعلي عسيران, ممثل قائد الجيش العميد الركن أمين حطيط, المطران خليل أبي نادر, رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان والمدير العام للمغتربين هيثم جمعة, وجمع من الفاعليات السياسية والروحية.
وكان في عداد مستقبلي الحضور نجل الإمام الصدر السيد صدر الدين, كما حضر المؤتمر شقيق الإمام المغيب السيد علي الصدر.
الإفتتاح
أول المتكلمين في الإفتتاح السيدة رباب الصدر شرف الدين, وألقت كلمة وجدانية ذكرت فيها بدور شقيقها ومواقفه في موضوع الجنوب وقضية المحرومين, واعتصامه الشهير في مسجد الصفا ضد الحرب. وطالبت بأن يخرج المؤتمر بـ "قرار".
ثم تحدث مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني فذكر بأولويات الإمام الصدر ومنها " إنماء المناطق المحرومة في الداخل, ومقاومة العدو الصهيوني المحتل من الخارج".
وتطرق إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني فشدد "على وجوب تحرير بيت المقدس وكل فلسطين" ونوه بانخراط "القادة مع الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الأجنبي المحتل لفلسطين", وقال: "نتطلع إلى يوم تتشابك فيه أيدينا مع أيدي القادة العرب والمسلمين حتى تزول كل الحدود, لأنه ببقاء إسرائيل ستزول كل الأوطان العربية والإسلامية لأن اليهود لا عهد لهم". وأكد وجوب "تفويت الفرصة على إسرائيل بإسقاط المطالبة بالإنسحاب السوري من لبنان, لأن هذه المقولة ليست لأحد وإنما للدولة وقد حسم رئيس الجمهورية إميل لحود هذا الموضوع وكذلك فعلت الحكومة في بيانها الوزاري", لافتًا إلى "أن طرح هذا الموضوع بين الجمهور سيؤدي إلى فتن".
تلاه القائم مقام شيخ عقل الدروز الشيخ بهجت غيث فلفت إلى أن المجتمع اللبناني " إستطاع أن يقفز فوق كل الحواجز ويتجاوز كل المطالبات والعقبات ويتمسك بوحدته الوطنية ويلتف حول مقاومته وجيشه وقيادته الملتزمة وحدة المسار والمصير مع القيادة السورية. ولا قيمة للضجة المفتعلة لفك هذا المسار تحت ذرائع وأعذار قاصرة عن الرؤية الصحيحة للخطر المحدق بالجميع, فالمجتمع المقاوم كان وسيبقى دائمًا سلاح الإرادة والتصميم".
وباسم البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير تحدث المطران رولان أبو جودة فذكر بأقوال للإمام واصفًا إياه بأنه "مبدع ثقافة المقاومة". وقال ان "المجتمع المقاوم يستدعي الإستعداد الدفاعي والسياسي والإعلامي والإقتصادي والنفسي", وأكد أن "الجنوب يحتاج إلى مشاركة جميع اللبنانيين في دعمه, بل العرب أجمعين, وفي رفع مستواه الإجتماعي". ونوه بإنجازات الإمام في هذا المجال, مثل تأسيسه هيئة نصرة الجنوب وغيرها.
وعن العلاقات اللبنانية السورية قال "إننا إذا عالجناها من دون تشنج, بروية, بانفتاح وحوار لا بد من أن نتفق عليها, بمباركة الرئيس الجديد والواعد الدكتور بشار الأسد الذي يعرف ما ينبغي أن يكون من علاقات محقة أخوية نود أن نبنيها بين البلدين الشقيقين لمصلحتهما ولتقوية كل منهما بالآخر".
ثم تحدث ممثل بطريرك الروم الأرثوذكس أغناطيوس الرابع المطران الياس نجم, قال: "إن الإنسان في نظر الإمام الصدر هو الوطن الحي والشعب الحي والأمة الحية". وذكر بنداءات الإمام من أجل الجنوب وما يعانيه من خطر إسرائيل, "وبأن السلام هو سلام الأحرار الفرحين بالحياة وليس السلام الذي يفرضه القوي على الضعيف, بل الذي يدافع عن إنسانية الإنسان وكرامته".
تلاه ممثل بطريركية الروم الكاثوليك الأرشمندريت الياس الهبر, فركز على الحوار الإسلامي – المسيحي "بدءاً بالكلام وبالكلمة الحسنة" وقال أنه "بعد أجيال من الخوف والشك بدأنا نشهد قفزات في التخاطب. والكلمة الطيبة في الأرض العربية اليوم هي أملنا الأكبر في التواصل". وبعدما عدد إنجازات الكنيسة وما تم إنشاؤه من مراكز التحاور رأى "أن التربية على المقاومة هي تربية على الحوار, وأن السلم الأهلي هو سر بقاء المجتمع التعددي".
وتحدث المونسنيور نيكولا تيفنان باسم السفير البابوي المونسنيور مار أنطونيو ماريا فيليو فركز على مساعي الإمام الصدر للحوار والوفاق والتعايش الإسلامي – المسيحي, ووحدة اللبنانيين, إضافة إلى عمله من أجل الفقراء واصفًا إياه بأنه "أبو المقاومة". ودعا الجميع إلى "العمل بانسجام وتجاوز السلوك الأناني للعيش في تجرد يصل إلى حد إنكار الذات بغية قيادة الشعب بكامله إلى السعادة بحسن إدارة الشأن العام".
قبلان
وألقى الشيخ عبد الأمير قبلان كلمة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي فتحدث عن دور الإمام الصدر "الذي اكتشف روح المقاومة ضد إسرائيل وعبأها, وقد احتضنتها الدولة ودافع عنها الجيش". ولفت إلى "أن المقاومة في الأساس هي تعبير عن الوعي الإيماني للكرامة الإنسانية والبعد الأخلاقي والروحي للوطن".
إذ استذكر الشهداء والأسرى و "قضية العرب والمسلمين الأولى القدس", ناشد الأمة "العمل لإنقاذها ووقف المجازر ودعم الإنتفاضة", وقال "إن بعض الوفاء للإمام الصدر ولمسيرته في بناء المجتمع المقاوم وفي إطلاق المقاومة هو في أن يستعيد لبنان رؤية الإمام الوطنية التي حملها وشاركه فيها المجلس الإسلامي الشيعي لجميع أبنائه". وختم بالتأكيد أن الإمام ورفيقيه "هم أسرى النظام الليبي بعدما دخلوا ليبيا بدعوة رسمية". وطالب الحكومة اللبنانية "بتكوين ملف يقدم إلى محكمة العدل الدولية".
وختامًا تلا ممثل وزير الخارجية الإيراني موسى اسوان رسالة من الوزير كمال خرازي إلى المؤتمر جاء فيها: "إن إنتصار الثورة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في إيران والمقاومة الإسلامية في لبنان وانتفاضة اليوم في الأراضي المحتلة هي استمرار لنهج كل الأنبياء وتبشير بالحياة الإنسانية على أسس السلم والعدل. والإمام السيد موسى الصدر لم يغب عن أذهان المفكرين مسلمين ومسيحيين, ولم يغب عن قلوب المحرومين في لبنان وفلسطين, لأن الإمام وبجانبه الدكتور مصطفى شمران نهلا من منهل العرفان الإلهي للإمام الخميني", وقال إن الإمام الصدر "هو مفخرة العلاقة بين إيران ولبنان".
وبعد الظهر إستأنف المؤتمر أعماله في جلسة أولى ترأسها الوزير بيار الحلو وموضوعها "إستراتيجيا المقاومة في تجربة الإمام الصدر", وتوالى على الكلام الوزير السابق ميشال إده عن رؤية الإمام الصدر لأخطار المشروع الصهيوني", والنائب محمد فنيش عن "تأسيس المقاومة", والدكتور علي الشامي عن "رؤية الإمام الصدر الإستراتيجية وثوابت المقاومة". وعقب على فنيش مداخلاتهم الشيخ أديب حيدر وعاطف عون والشيخ أحمد الزين.